يرى ميخائيل باختين أن النص وحده يجلي فكرة الإنسان وتفكيره ، والمعاني التي ينشدها ، والدلالات التي ينسجها ، لهذا فكل دراسة تود معرفة هذا الكائن لا غنى لها عن أن تنطلق من النص. انطلاقا من هذا التصور الباختيني للنص الروائي، هل يمكن القول بأنه لا يمكن فهم الإنسان عموما ، والكائن الامازيغي على وجه الخصوص إلا إذا عدنا إلى النصوص الإبداعية التي أبدعها ؟ فإذا كان الجواب بالإيجاب ، فهل تشكل المجموعة الروائية «تيكتاي « tikttay للأستاذ محمد مستاوي منفذا للوقوف على تجليات الفكر والتصور لدى الإنسان السوسي ؟ وهل هذا النص الروائي يحمل من المعاني ما يسمح برصد أهم الظواهر التي تحف هذا المجتمع ؟ وهل هذا النص يسمح كذلك بالنبش في هذه الذاكرة التي عانت مع صوارف الزمن ، ومن قهر الأيام ؟ هذا ما سوف نلامسه من خلال مقاربة بعض مضامين هذه الرواية/ السيرة الذاتية. I - العتبات على مشرح المجهر: لعل أهم ما يميز أي عمل إبداعي، هو غلافه وعنوانه ، ومؤلفه ، حيث إن المناص التأليفي أو مناص المؤلف « يمثل كل الانتاجات ، والمصاحبات الخطابية التي تعود مسؤوليتها بالأساس إلى الكاتب /المؤلف حيث ينخرط فيها كل من ( اسم المؤلف ، العنوان والعنوان الفرعي ، الإهداء ، الاستهلال .....) . ومن خلال المؤلف أو المجموعة الروائية «تكتاي tikttay ، فن أهم ما يلفت انتباه المتلقي ، هو اسم المؤلف محمد مستاوي بحرف تيفيناغ ، والحرف العربي ، وهذا الاسم كتب بلون بني في اعلي اليسار من غلاف الرواية ، إذ اسم المؤلف محمد مستاوي ليس خافيا على كل المهتمين بالشأن الثقافي الامازيغي ، فهو شاعر وكاتب ومناضل ، ومؤلف ورجل تربية ، واهم ما يميز هذه الشخصية هو ما لخصه الأستاذ احمد بزيد الكنساني حين قال في حقه :» ذلك هو محمد مستاوي ، الشاعر الباحث الذي لا يستطيع احد أن ينكر انه من رواد النضال الامازيغي بامتياز ، وأول صوت أمازيغي يرفع شعار النضال من اجل الهوية والثقافة الامازيغيتين في ربوع الوطن ، بشعره وأبحاثه ، ومقالاته الصحفية ، وداخل الجمعيات الثقافية الوطنية والجهوية والمحلية ، ولم يسجل عليه احد ممن تتبعوا مسيرته النضالية ، انه اخل يوما من الأيام بالتزامه للدفاع عن قناعاته وأفكاره». وفي وسط الغلاف، يبدو عنوان الرواية بلون ابيض عريض ، وهذا البياض المغموس في خلفية بنية هو ما يثير المتلقي والقارئ ، ومن هذا المنطلق فان « السيميائيات اعتبرت العنوان مفتاحا يتسلح به المحلل لولوج عوالم النص ، قصد استنطاقها وتأويلها ، وبه نجس نبض النص ، ونفكك بنياته الدلالية والرمزية ». وهكذا فان عنوان الرواية «تيكتاي tikttayتميز بطبوغرافية خاصة حيث الحروف غليظة، والتشكيل اللافت داخل فضاء الغلاف بالحرف العربي وحرف تيفيناغ . فتيكتاي هو جمع لأكتاي وهي تعني التذكرات، وقد تحدث مقدم هذا العمل الروائي الدكتور عبدا لسلام أقلمون عن أهمية هذه التذكرات في وشم الآثار والمحكيات في ذاكرة الشخوص الناطقة في الرواية فيقول: «فالتذكر في هذه الرواية ، سواء عبر المحكيات الصغرى التي لا يمل «موح» من ترديدها أو في استرجاع شخوص آخرين ... هي المراجع التي وشم بها الزمن ذاكرة الشخوص، وهم يستعرضون عوالمهم بالنظر إلى عالم ناكر لهم ». أما الغلاف من حيث صورته ، فهو عبارة عن مبان بالشكل التقليدي الامازيغي من الأطلس الصغير ، حيث صممه الباحث والأستاذ رشيد إلحاحي ، وهذه الصورة من خلال غلاف الرواية تحيل على مرجعية وفضاء التذكرات تلك ، إنها مرتبطة بمسقط رأس الباحث والكاتب محمد مستاوي ، وهو منطقة اغرم اداوزدوت والنواحي المجاورة لها. وهكذا فان العنوان، والصورة الحاضنة له هو بنية عبور إلى مضمرات المؤلف والى المسكوت عنه في الواقع المعيش ، ومما يلاحظ أن هذا العمل خال من الإهداء ، ونحن نعلم أن الإهداء «هو احد المداخل الأولية لكل قراءة ممكنة للنص»، ويمكن القول كذلك إن عتبة الإهداء تختلف عن عتبتي العنوان واسم المؤلف في أنها لا تلتزم جميع النصوص والمؤلفات ، وهذا ما ينطبق على رواية «تيكتاي» «tikttay» و» كل هذه تعيينات تحيط بالنص وتدعمه ، وعتبات ? على حد تعبير جيرار جينيت ? تقدمه لأجل رده حاضرا ، أي لضمان حضوره في العالم ، وتلقيه واستهلاكه في شكل كتاب». فكيف صاغ الباحث والكاتب محمد مستاوي تذكراته هاته ؟ وكيف استطاع أن يصوغ كل هذه التذكرات في قالب استرجاعي؟ وهل حضرت الذات لتحاسب نفسها ،وتبوح بما كان مستعصيا البوح به ، وأصبح يتداول في شكل خجول ومخفي ؟ وسوف نفصل القول في هذه التساؤلات من خلال تقريب وكشف المستور في هذه الاعترافات الضمنية، وذلك بسرد متضمنات الرواية وطبيعة القضايا المطروحة فيها . II. تيكتاي بين الواقعي والمتخيل : لعل قارئ ومتصفح رواية «تيكتاي» «tikttay» سوف يلاحظ أن هذه التذكرات تبدو وكأنها تذكرات عفوية خاضعة لعملية التداعي الحر للأفكار ،وسوف يلاحظ كذلك في كل لحظة «أن عملية التذكر هذه هي حياة نصية موازية للحياة التي عاشها الباحث «(9) محمد مستاوي منذ عقود ، ولهذا فهو « يتذكر ويحاول أن يظل وفيا لذلك الماضي ويكتب مجتهدا في جعل النص نسخة مطابقة للمعيش الهارب من الزمن «(10) إن نص «تيكتاي» «tikttay» - في شكل حوارية مفصحة عن العلاقات ? يمتعنا بتفاصيل لذيذة عن الحياة الاجتماعية والعلاقات بين الأشخاص فيما بينهم والأشخاص مع الأماكن ، وكل ذلك بشكل دقيق. وقد تجلت واقعية الكاتب محمد مستاوي ، في كشف الستار عن بعض الطابوهات من خلال الحفر في طقوس الزواج وما يرافقه من ممارسات ، وسلوكات واعتقادات ، وقد أشار الكاتب نفسه إلى أن قراء تيكتاي قد لا يصدقون « ما سيقفون عليه من لوحات امتزج فيها السلبي بالايجابي «(11) وقد بدأت الأحداث في التداعي على شخصية «موح « ? وهو الشخصية الرئيسة والمركزية ? من خلال استرجاعه للماضي ، لذا تكاثرت هذه التذكرات عليه ،مثلما تكاثرت الظباء على «خراش « في قول الشاعر: تكاثرت الظباء على خراش فما يدري خراش ما يصيد وهكذا جاء في بداية الرواية : « ءيسكوس موح غ دو وداك نتالوزت ءيجواجكن ءارءيسكركوز ءاكال س يات تكشوط مي باهرا ءيفرس ءيخف ، موند تكتاي غ ءيخف نس ءيضرد كرا ف كرا كريكات ءاكتاي ءيرا ءايغي ءيخف ن موح واحدات، ييري ءاداس ءيستو ءاكتاي يضنين فاد ءايك ءامزورو ءيساوالن ف ما يزرين خ تودرت «(12) وقد توزعت هذه التذكرات عبر عشر لوحات ، تحتوي كل لوحة منها احداثا وشخصيات ، في إطار فضاءين رئيسين وهما : فضاء البادية أو مسقط رأس الكاتب ، ثم فضاء الدارالبيضاء والفضاءات الرابطة بينهما . أ ? الشخصية والحدث : إن الشخصية الرئيسة والتي هي محور الحدث الرئيس في اللوحة الأولى ، هي شخصية «موح» ، هذه الشخصية الفتية في علاقتها بشخصية «إيطو» إذ عمرها خمس عشرة سنة ، وعمره سبع عشرة سنة ، والشخصية الرئيسة هنا « موح « يؤطرها ويوجهها اللاشعور الجمع ، وهو الذي يهيئ لها شحنة الحيوية الدافقة،وهكذا يبوح هذا البطل بما كان متوارى في الذاكرة الجمعية ، ولا احد استطاع أن يبوح به ، رغم انه يتداول في كواليس اللقاءات الحميمة ، والموضوع المبوح به هو ما كان يحصل في ليلة الزفاف من طقوس وعادات واعتقادات وممارسات ، ثم ينظر إلى الزوجة على أنها ليست إلا خادمة ، وكيف صار الغش والخداع مجالين يوظفان في الزواج كذلك ، وقد صال الكاتب وجال في هذا الموضوع الخطير والذي هو موضوع الزواج والتقاليد المرافقة له ، وفي هذا الصدد تداعت كل التذكرات المرتبطة «بموح « وبتجربته الزواجية وما حل به من فشل ، وتمنيه لو عرف الحقيقة إلا أن هذه الحقيقة قد طمست وأصبحت فقط تحكى وتتخيل، واستحضر هنا قول الشاعر حين قال : شان ءيكضاض ءاحبوب ءيتارمانت فلن ءاخشاو ءيلموكيف ءاتن ءيخرف (13) ب- المواضيع الشاغلة والضاغطة : كثيرة هي المواضيع التي تداعت على الكاتب /البطل ، واستحوذت على مخيلته ، وكلها تجسد معاناة الكاتب حيث كانت التذكرات قاسية ، إذ وظف الكاتب فعل التذكر المرتبط بالبطل حوالي اثنتين وأربعين مرة، وهذا الفعل في كل هذه الحالات لصيق بالبطل «موح «: ءيكتيد «موح « إذ كلما انتهى من تذكر إلا وباغثه أخر، وهكذا إلى نهاية اللوحة الأولى . والمواضيع التي تشغل بال البطل هي عديدة ، بدءا بصعوبة العيش هناك في الجبل حيث انعدام وسائل العيش الرغيد ، وانتهاء بظلم ذوي القربى ،والتسلط على رقاب العباد ، وبين هذا وذاك تحضر مواضيع شغلت البطل /الكاتب في ديوان «ءيسكراف» «وتاضصا د ءيمطاون» وشغلته هنا نثريا ومن هذه المواضيع نجد : الارتباط بالأرض رغم قساوة الطبيعة بالبادية . والخيط الرابط بين الحاكي /البطل «موح» وبين الوعي الجماعي هو أن المعاناة مشتركة إنما يبوح بها البطل/ «موح « نيابة عن كل هؤلاء وفي متوالية هندسية تتراءى لنا من خلالها هذه المعاناة وهي تكبر وتتضاعف . III. فضاء المدينة وقانون الغاب وتشرع اللوحة الثانية أبوابها لتنفتح على المدينة ومعاناتها من خلال الهجرة إليها ، وقد انقسم الناس قسمين تجاه هجرة موح إلى المدينة ، هذا الأخير الذي يصرح فيقول : « ءاركشمن ءايت لموضع ءارتفوغن، ءيلا كيسن ماءورءيسوسم ءومودو ن موح د توجانس ءيلا ما ءيسوسم «(14) لكن هل هذه الهجرة جاءت إرادية أم إجبارية ؟ لعل الجواب كامن في أنها إجبارية من جانبين ، فقد أجبرت الطبيعة «موح « على أن يهاجر إلى المدينة ، ومن جهة أخرى فقد حصل هذا النزوح نتيجة ضغوطات «إيجا « وهذا ما جاء على لسان البطل وهو يحكي القيل والقال حول تحكم «إيجا « وسيطرتها على «موح «: « ءايت لموضع ويدا ءولا تيد مزي نغ ءيكا مقور ءور ءيكي ءاول نسن ءابلا تسودا «إيجا « «موح» ءاريس تكا ءينا ترا تسغياس ءايليغ ءيزنزا كر دارس ءايليغ ءيزنزا طومزين لي جون ءورءيزنزي كر نيان غ تسكا ياد نوءودرار مزين «(15) ولعل الكل يتفق على أن فضاء المدينة بكل تجلياته ، وبكل سلبياته، قد أثار حفيظة الأدباء والمبدعين ، شعراء كانوا أم روائيين أم سنمائيين . ولهذا يقال : « إن المدن بسكانها ، في إشارة صريحة تميز سلوك أهل المدن ولغاتهم مصرحة بأنماط بشرية هجينة « (16) وهذه الهجنة هي التي أثارت الباحث محمد مستاوي في روايته هاته ، فخص لها حيزا لابأس به ليصوغ هذه المعاناة التي اختلقها الإنسان لنفسه ، فالمدينة فضاء لا يعرف الرحمة وقد يمارس خناقا على الإنسان الذي يرحل إلى هذا الفضاء ، خصوصا وان إنسان البادية يعرف رحابة الفضاء والنفس ، عكسه في المدينة وقد يتولد عن هذه الأوضاع السكنية المزرية الانحراف ، لاسيما وان الأسرة التي نزل عندها «موح» ضيفا في مدينة الدارالبيضاء هي أسرة كثيرة العدد ، وفي هذا السياق تذكر»موح « منزله بالبادية: «ءيكتيد «موح» تيكمي نس لين ءيفل غ تمازيرت لي باهرا موقرن س تيغزي ءولا تيروت ليغ لان ءيحونا ءولا تيمصريين باهرا حاولنين مقار كيسن تكوز تقبيلت « (17) إن قانون الغاب هو المتحكم في إنسان المدينة ، إذ يسيطر الكبير على الصغير ، بل إن الأسماك الكبيرة تلتهم وتفتك بالصغيرة ، إنها مدينة سوداء متجهمة وهذا كل ما استخلصه «موح « يوم فكر ودبر ثم قدر مصيره في هذا الصخب ، وهذه الضوضاء .وقد وصل بعقله إلى ما يلي : « يوفاتن توفاد تيكمي ملولن تكا تيكمي بهرا ءيسكان س تموكرسين ن تزدخت د تووري لي ءورءيلين ديسلمان مقورنين لي ءيشتان ويلي مزينين «(18) إن هذه المدينة التي رحل إليها «موح» وتحول إليها ، هي مدينة « صاخبة ثائرة تقزم الإنسان وتختصر وجوده ، الليل فيها صاخب وكذلك نهارها ، المدينة تملك هذا الإنسان ولذلك يعاني فيه الناس القلق والتوتر» (19) فهذه المدينة إذن قد سحقت الإنسان ، وسحقت معه هويته الثقافية واللغوية، بل قد حصل انقطاع وقطيعة بين الأصول والفروع، حيث إن إنسان المدينة لا يفهم إنسان البادية ، والعكس صحيح، وهذا ما كان مثار سخرية واستهزاء من الطرفين وبشكل متبادل :» ءايتماتن مقورنين ذ روانسن ءورءيسن يان يان كرا ءاريساوال تمازيغت «موح د داساس حمو، كرا ءاريساوال تعرابت ءيغار ءيساوال حمو د موح ءاركيسن سموقولن لحشوم،د ءيدماتسن كنزة د زينب زمومكن ءيتاضصا ليغ ءورسن ماس تنين ءاراسن ءيمال ءوسار حمو ماس ءينا موح»(20) وقد لخص «موح» - بطل الرواية ? مواصفات هذه المدينة الغادرة والساحقة للإنسان فقال : « تيكمي ءيضلان ءاراس تنين تيكمي تومليلت وانا كيس ءيسكرن ءافولكي تسكر كيس ما ءيهرشن تفكاس ءيفرزيز د كضران تجدرءاس تاسا دوول تسوم ءيدامنس تسنكراسد تاروا كار تانكرا حاشاخكم ءاتكمي ءيضلان «(21) إذا حين انتقل «موح « الى المدينة انطلاقا من قريته ، اصطدم بعالم معاد للإنسان كثيف، غريب، مقلق وغير مفهوم ، وتقلب في شتى مظاهره ،فترتب عن ذلك شعوره بالقلق واليأس والنبذ والاغتراب ، ومن تم الحزن وقد أعلن البطل هنا لعنته للمدينة مثلما أعلنها الشاعر احمد عبد المعطي حجازي وغيره من الشعراء الذين رحلوا إلى المدينة من البادية، فرسموا هذه التناقضات التي يحيا الإنسان في ظلها مرغما ومجبرا ، وقد صدق عبدا لمعطي حجازي حين قال في هذا السياق (22): شوارع المدينة الكبيرة / قيعان نار/ تجتر في الظهيرة / ما شربته في الضحى من اللهيب/ يا ويله من لم يصادف غير شمسها/ غير البناء والسياج والبناء والسياج /غير المربعات والمثلثات والزجاج. ولما كانت المدينة جحيما اسود ، ولذائد مرعبة ، وسلطة المال هي التي تسحق بساطة الإنسان ، وجمال الحياة ، كان من الطبيعي أن يضجر البطل «موح» من المدينة ويقرر العودة إلى موطنه ومسقط رأسه، وهذا ما حصل بدءا من الفصل السابع ، اذ برح البطل المدينة ومشوشاتها بعد أن عاد بعمه «حمو» الذي عانى الأمرين طيلة سنوات عديدة، ولهذا فقد صرح هذا البطل بسعادته وهو يبارح هذا الفضاء المتسخ، المظلم ، الظالم فقال : سودان ءاوين ءامارك فالن وياض كويان ءارءيسفوض ءيمطاون، ميشان حمو ءيكتيد ءايلي فلاس ءيزرين غ تكمي ملولن ءيفرك ءيو زوزو نتمازيرت (23) وفي لحظات العودة وعبر مسار طويل من الدارالبيضاء إلى البلدة تداعت ذكيات كثيرة على حمو ، تعود إلى زمن الفتوة والشباب ، وهذا كله من اجل التخفيف من سطوة وقسوة الشيخوخة ، وللتعبير عن فرحة أهل القرية بالعودة إلى الأصل ، أقيم حفل ساهم فيه الجميع ، رجالا ونساء كبارا وصغارا ، وهذه صورة حية من بهجة اللقاء : « ءيلينت تزرارين تغريطين دوصاعييض ءيسوسمتن ليخد يوري موح د تمغارتنس س لموضع نسن ، ءيسوسمتن ءوكار ليخد يوري ءوسار حمو لين ءيكان ءيسكاسن ف ءيسكاسن «(24) خلاصات واستنتاجات لاشك أن من يقرأ هذا العمل ويتصفحه ، سوف يرى مدى حضور الذاكرة القوية وحفظها للأشياء وللأشخاص والفضاءات ، حيث مهما تقدم الكاتب في العمر ، فانه لا يزال بتذكر بحيث إن التقدم في العمر يجعل الإنسان ينسى الأشياء والأحداث ، بل تنفلت منه ، وقد أشار إلى هذا المنحى الروائي السوري «حنامينه «حين قال : « لقد لاحظت وأنا أتقدم في العمر أن وقائع الطفولة البعيدة تنطفئ في مخيلتي شيئا فشيئا ، وصور الماضي الموغل في التقدم يقرضها النسيان «(25) ولعل ما يميز هذا العمل هو صنف ونوع الشخصيات الصانعة للأحداث ، فمن «موح « إلى «حمو» مرورا ب «باها» و»سعيد « و «عدي « و»فاضمة « تم «أضرضور « وأكوشام « وانتهاء ب «به «و «بلقاسم « و»للا هرو « و»أنافال « و ما يجمع كل هؤلاء في «أكدود «، وقد حضرت السلطة في شخص «أمغار « . هي شخصيات تعكس صور الناس في المجتمع ، فمن السوي إلى المعطوب والعاقل إلى المعتوه هكذا المجتمع فهو جامع لكل هذه الأصناف وهو خزان لكل المتناقضات ، ولكل واحد رؤيته لهذا العالم . ومما يستنتج كذلك ان المواضيع المتناولة قد تداخلت حسب حضور الشخصيات ، فكان البوح قاسيا حسب درجة معاناة هؤلاء ، وقد شكل فظاء المدينة الفضاء والمجال الذي كانت له حصة الأسد ، وكانت شعرية االبوح حاضرة من خلال الطريقة التي يسرد بها الكاتب ، حيث يمزج بين السرد والشعر ثم المثل المأثور ، بل في قالب فكاهي أحيانا وهو ينتقل بالقارئ في فضاءات متعددة بدء من القرية وصولا إلى الدارالبيضاء ثم عودته إلى القرية . من خلال المواضيع المتناولة والمتعلقة بالمعاناة ، والألم يبدو أن الكاتب لا يسعى إلى تمجيد الذات ،بل إلى تعريتها ، والبوح بالمسكوت عنه ثم إن الكاتب قد أثار هذه المواضيع وهذه المعاناة في ديوانه الأول «ءيسكراف « بشكل شعري . وارتباط الكاتب بمسقط رأسه بجبال الأطلس الصغير ، هو ما جعله يقف على هذه المعاناة وهذه المفارقات والتناقضات المجتمعية . وقد استطاع من خلال اللغة الواصفة لهذه الوقائع أن يكشف عن عمق الألم الذي بحياة الإنسان القروي، وفي إطار رمزية الصمت ، واللغة هي أهم واصف للمسكوت عنه ، لان لغة المرء وصوته هي شخصه وبصمته، وباللغة وبقائها يخلد المرء ، وهذه اللغة كذلك هي بوح وتجسيد لمعاناة الناس في كل الأماكن ، وقد صدق الدكتور جابر عصفور حين قال : « وكما تفعل اللغة بعالم المدينة، عندما تجسد مشاهدها، تمضي اللغة الواصفة للقرية في الاتجاه نفسه، واصفا مشاهد القرية، في عفويتها وبساطتها «(26) ومما يثير الانتباه في هذا النص الروائي هو حضور الشخصيتين الرئيستين. «موح «و «حمو» وهما اسمان حصل فيهما جناس وهو من المحسنات البديعية بلاغيا ، إذ «موح « امتداد ل «حمو» لان هذا الأخير هو عم للأول و»حمو» هذا يحيلنا على شخصية «سيدي حمو الطالب « منبع الحكمة ومجرب الأيام ومحنها ، حيث إن حمو هذا جرب قبح المدينة وسطوتها وقلقها ، ولم يتخلص من كل هذا الحمل الثقيل إلا بعد عودته إلى مسقط رأسه وتنفس الصعداء، وهكذا نرى انسحابه وغيابه في الفصول الثلاثة الأخيرة ، وكأنه يأذن بأنه جاء ليستريح من هم الدنيا وأعبائها ، ويسلم رسالة المسؤولية إلى الجيل الجديد والى الشباب المتعلم عله يواصل المشوار ، وليعلن أن عهد الرشوة والتسلط والاستبداد قد ولى في إشارة إلى تنحية «أمغار» وتولية القائد «امناي» للمسؤولية،وفي دلالة هذا الاسم إشارة بليغة إلى معنى الركوب ، «فامناي» امازيغيا هو الراكب لفرسه حيث ترجل «أمغار « وركب «امناي صهوة المسؤولية وهذا ما صرح به الشاهد / «ءينيكي « في أخر الرواية حين قال : « دونيت ن ربي ءاياد ءارتزوكوز ءارتسقلاي تزوكز ءامغار تسغلي ءيوس نولي ءيزنزان ءامان «(27) بهذه الحكمة القنفذية اسدل الكاتب الستار عن مسار حياتي حافل بالمعاناة ، وعن واقع جبلي منسي لا ينظر إليه. زاوية اكلو يوم :18 رمضان 1433ه 07 غشت 2012 الهوامش والاحالات: (*) هذا الموضوع هو قراءة في المجموعة الروائية «تيكتاي» «tikttay» للأستاذ محمد مستاوي ، منشورات تاوسنا الطبعة الأولى 2012 (**) الدكتورة عفاف عبد المعطي : السرد بين الرواية المصرية والأمريكية ،رؤي للنشر والتوزيع الطبعة الأولى 2007 صفحة 46 (1) انظر عبدا لسلام اقلمون : النص الروائي والتراث السردي ط1 الاحمدية للنشر الدارالبيضاء 2000 ص 28 (2) محمد مستاوي «تيكتاي «tikttay» الطبعة الأولى إيدكل الرباط منشورات تاوسنا2012 (3) عبدا لحق بلعابد : عتبات جيرار جينيت من النص إلى المناص ط 1 الدار العربية للعلوم ناشرون بيروث 2008 ص 48 (4) احمد بوزيد الكنساني : مداخلته بعنوان محمد مستاوي الباحث الشاعر في إطار تكريم محمد مستاوي بمهرجان تيميتار الدورة الثامنة 23 يونيو 2011 (5) احمد المنادي : علامات في النقد المجلد 16 الجزء61 مايو 2007 ص 149. (6) الدكتور عبدا لسلام اقلمون تقديم لرواية تيكتاي «tikttay» ص 4 (7) مجلة علامات في النقد مرجع سابق ص 76 (8) سعاد الطود المجلة الدورية بلاغيات عدد 1 الشتاء 2009 ص 171 (9) المرجع نفسه ص 176 (10) المرجع نفسه ص 176 (11) محمد مستاوي تيكتاي tikttay» مرجع سابق ص 7 (12) المرجع نفسه ص 11 (13) المرجع نفسه ص 25 (14) نفسه ص 46 (15) نفسه ص46 (16) مجلة دبي الثقافية عدد 84 مايو 2012 ص 105 (17) محمد مستاوي تيكتاي tikttay» ص ص 71 72 (18) نفسه ص 74 (19) الدنورة حنان محمد موسى حمودة : الزمكانية وبنية الشعر المعاصر احمد عبدالمعطي نمودجا الطبعة الاولى 2006 عالم الكتب الحديث الاردن ص 50 (20) تكتاي tikttay» مرجع سابق ص 90 (21) نفسه ص 93 (22) احمد عبدا لمعطي حجازي ديوان «مدينة بلا قلب « دار العودة 2001 ص 129 (23) تكتاي tikttay» مرجع سابق ص 99 (24) نفسه ص 113 (25) حنا مينه : مجلة الفكر العربي عدد 26 / مارس 1982 ص 223 (26) جابر عصفور : «رؤى العالم» الطبعة الأولى 2008 المركز الثقافي العربي الدارالبيضاء ص 113 1