أنهى المنتخب الوطني مساره الإقصائي برسم الدور الأول من كأس الأمم الأفريقية، بمقابلة ضد البلد المنظم، حضر فيها الأداء الجيد والقتالية على أعلى مستوى، والإنسجام في أعلى درجاته، وهي مقاييس لم تكن منتظرة بالمطلق، بالنظر إلى ما خلفته المبارتان ضد أنغولا والرأس الأخضر من انطباعات كلها تسير في اتجاه أننا كنا الحلقة الأضعف في هذه المجموعة التي لم ندخلها بذاك الحماس والنفس الذي سجلناه في اليوم الأخير. بحق، كان الأداء جيدا، وانطلقنا ونحن نرسم أولى خطوات النجاح، بتكتيك سريع وفاعل، وبتموقع كان فيه الجميع منضبطا داخله، ولم نمهل الآخر لحظة واحدة تمكنه من استعادة الأنفاس والخروج من ضيق المساحات التي فرض فيها لاعبونا هيبتهم وسيطرتهم الميدانية. هذا كله مكننا ، في أقل من عشر دقائق . من تسجيل هدف السبق الذي كان نتيجة منطقية لهذا الاكتساح الذي وقعنا عليه، في أفق انتزاع تلك البطاقة التي تجعلنا نمر عبر طريق حارق إلى الدور الثاني. وعلى امتداد عمر هذا الشوط، لم نسجل ولو في لحظة من اللحظات، أنه يمكن أن تنفلت من بين أيدينا خيوط هذا النزال الحاسم. لقد كان رفاق الشافني يحرثون الأرض ذهابا وإيابا، دفاعا ووسطا وهجوما. فالخطوط كانت في تلك الأمسية على إيقاع واحد، على نفس واحد.. يحلم الجميع خطف تلك الورقة التي فرطنا في صياغة عناوينها في اليومين الأولين. لم نكن وقتها نصدق مانرى وما نشاهد . لم نكن حقيقة أمام فريق أضحى الجميع قبيل المباراة يتمنى أو يمنى النفس بأن نخرج بأقل الخسارات وبعيدا عن نتيجة كارثية تجعلنا ندخل في متاهات جديدة وانكسارات ستظل عالقة بنا، تصاحبنا ونحن نتهيأ من جديد إلى المواعد الصعبة التي تنتظرنا على الأمد المنظور وتحديدا أمام الكوت ديڤوار الذي كان أول المتأهلين بعد أن لقن دروسا تقنية بالغة الأهمية لجيراننا. كانت الأسئلة الحارقة تنتصب أمامنا، بعد هدف السبق المبكر، وعلى رأسها هل يتمكن منتخبنا من الصمود، ومن قطع هذه الصحراء القاحلة وبنفس الأداء والقدرة على التحمل؟ كان من الصعب في تلك الأثناء إيجاد الجواب الشافي والكافي، لأن منطق الكرة دائما لا يستقيم مع ما نرغب فيه و ما نريده. إن لديها منطق خاص، منطق تتحكم فيه عادة تفاصيل غير واردة وغير مدرجة على جدول أعمال الحسابات. وهكذا ظل العطاء على مستوى مقبول جدا. الجميع كان يدرك أنه يلعب ورقته الأخيرة. لذلك أخرجت جميع الأسماء ما توفر لها من جهد وإمكانيات. بعد العودة من مستودع الملابس، ازداد الأمر تعقيدا، وكنا نتأهب لاستقبال ماهو آت، ننتظر ماذا أعد الآخر لنا، وهل سنظل صامدين وقادرين على الدفاع عن حظوظنا كلها؟ على العموم، كنا الأقرب إلى توسيع الفارق، فقد أهدرنا فرصتين حقيقيتين بعد أن عدل المنظم النتيجة، بطريقة استغل فيها بعضا من تهاوننا وبعضا من سوء تقديرنا. رغم التعادل الذي نزل كقطعة ثلج على صدور الملايين، عاودنا مرة أخرى الحضور الجيد، وكان لدخول الحافيظي، هذا الشبل القادم من دفتر الإلغاء، الأثر الفاعل، مسجلا هدفا أعادنا نحو الطريق، طريق التأهيل. وقتها لم يعد يتبقى لنا سوى دقائق وننهي هذا الفيلم الهيتشكوكي الذي طالما انتظرنا أن يعرف نهايته السعيدة. وقتها كان على الجالس هناك على الشرط، أن يبني متاريس الاحتياط، وأن يبني الثقة والهدوء على خطي الوسط والدفاع، وأن يملأ المساحات بالأرجل القادرة على المسح الجيد، وأن يكون الهم الأول والأخير أن نمتلك الكرة وأن لا نجعلها تضيع حتى تظل هنا وليس هناك، لأن بقاءها هنا، تقينا من حرارة الجمر التي كانت تهددنا في الأنفاس الأخيرة، علما أن منتخب جنوب أفريقيا لم يعد له ما يخسره، فاندفع بكل ما يملك من قوة، بالمقابل لم يعد لنا سوى أن نجلس أرضا لنفكر قليلا. مع الأسف، لم يتوفر لنا النضج التكتيكي الكافي، رغم دخول المدافع بركديش الذي كان يجب أن يقف في الوسط المتقدم، عوضا أن يركن جانبا، وأن تكون مشاركته مجرد مضيعة للوقت. هذا الارتباك في قراءة الدقائق الأخيرة، أدينا ثمنه غاليا، واستغل الخصم زقاقا صغيرا ليرسل قذيفة وجدت طريقها نحو الشباك، وفتحت بابا واسعا نحو الخروج. الجميع يعلم، ومن منطلق أن السماء من فوقنا، أن عدم التعامل بجدية وبقتالية في المبارتين أمام أنغولا والرأس الأخضر، كانت من الأسباب التي جعلتنا نضع الرجل الأولى نحو الخارج. وكانت درسا قاسيا، كباقي الدروس التي تلقيناها في الدورات الإفريقية الماضية. لقد أصبحنا اليوم خارج الحساب، فما هي الدروس التي يجب أن نحتفظ بها ونحن على أبواب امتحانات جديدة. من المحقق أن رشيد الطاوسي، ورغم الأخطاء ورغم التصريحات العديدة والمكرورة، أنه استطاع - ولو أن الأمر جاء متأخرا - أن يجد النواة الصلبة لمنتخب جديد. نواة أكدت مقابلة جنوب أفريقيا، أنها كانت هناك، ولكن لم نستطع أن نفرزها في الوقت المناسب. صحيح أن رشيد الطاوسي تحمل المسؤولية في ظروف استثنائية وفي وقت لم يعد فيه الوقت كافيا، لإيجاد التشكيل النموذجي لفريق وطني ظل هلاميا معتمدا على أسماء تظهر وتختفي، تأتي وتغيب، بدون أن تحضر وتوقع على الاستمرارية. اليوم يمكن القول، إننا نملك ما يناهز الستين في المائة من فريق يقوى على مقارعة الكبار. لكن يجب أن تظل الأوراش مفتوحة خاصة على المستوى المحلي، لأنه ظهر جليا أن لاعبي البطولة الوطنية لا يختلفون كثيرا عن القادمين من الضفة الأخرى، لا يخصهم فقط سوى الثقة والتجربة.. ولن يتأتى ذلك إلا بإشراكهم ودعمهم وتشجيعهم.. هذا هو الطريق الذي سلكته العديد من البلدان الرائدة، أفريقيا وعلى رأسهم المنتخب المصري الذي حطم كل الأرقام. انتهت إذن مشاركتنا الافريقية، بما لها وما عليها، لكن يجب أن ندرك أن مرحلة انتهت لتبدأ مرحلة جديدة. مرحلة يجب أن تحضر فيها القراءة الجيدة والحقيقية لواقعنا الكروي المترهل. ولن تنطلق هذه المرحلة إلا بالاعتماد علي قدراتنا وإمكانياتنا الذاتية، من منطلق «ما حك جلدك مثل ظفرك».