{ ماذا تكتب الآن..؟ أنهيتُ روايتي «ندبة الهلالي» في شهر جويلية 2012، وقد كانت نهاية جعلت خارطة طريق روايتي الجديدة «رقصة اليعسوب» ممكنة الشروع فيها بحكم أن فيها بعض الخيوط الممتدة، لكنني آثرت عدم الشروع فيها مباشرة حتى أمنح لنفسي فرصتين أراهما ضروريتين، فرصة أن أقرأ الرواية التي «أنهيتها» أكثر من مرة علني أرمم ما يظهر لي أنه نقيصة أو زائدة، وفرصة أن أجدد استعدادي الروحي للكتابة مرة أخرى، إذ أن افتقادنا لهذا الاستعداد يحول بيننا وبين التجاوز، ثم إنني أحب أن أكتب في الشتاء. { إلى أي حد يسعفك هذا الفصل في الكتابة..؟ مراعاة الفصول ضمن طقوس الكتابة، وربطها ببعض مخزونات الطفولة محفز إضافي على التوحد مع الكلمة أثناء لحظة الكتابة، ما يجعلها أكثر توقدا واستكناه للباطن، أنا سليل الحكاية، وأسيرها منذ كنت طفلا في القرية، كنت ولا زلت لا أنام إلا عليها، وقد كان فصل الشتاء الفرصة الأغزر للحكي، نظرا لطول لياليه، وقلة الخروج فيه بسبب البرد، كنا نلجأ للحكي من أجل الدفئ، ووراثتي لهذا الإحساس جعلت الشتاء وبقايا الخريف زمني المفضل للكتابة. { أي شعور يعتريك حين تنهي نصك..؟ سألت زوجتي في المرتين اللتين ولدتْ فيهما: أي إحساس انتابك بعد الولادة؟ فقالت لي في المرة الأولى: لم أدر هل أنا أقرب إلى الحياة أم إلى الموت حتى رأيت وجه طفلتي، وقالت في الثانية إنها قررت ألا تلد مرة أخرى بالنظر إلى ألم التجربة، وكدت أن أصرخ: إنه الإحساس نفسه الذي ينتابني بعد إنهاء كتاب ما. { وأنت تكتب، هل تستحضر المتلقي..؟ كنت أفعل ذلك حين كان رهاني شعريا، وهو استحضار مارس علي كثيرا من التشويش، لذلك لم أعد أراهن على القصيدة في التعبير عن رؤيتي للوجود، أما في السرد، فأنا أقتل المتلقي بكل وجوهه واتجاهاته، مع سبق الإصرار والترصد، ثم أستمتع بأن أمنحه الحياة داخل النص، بعيدا عن أية رقابة عليه، لن أمارس عليه الرقابة التي أرفض أن يمارسها علي، وهي حيلة ناجعة تخلق علاقة جديدة وولودة مع هذا المتلقي. { وأنت بهذا تتجنب مراقبة ذاتك..؟ لماذا أراقب ذاتي وهي ذاتي؟ إن الفرق بين الكاتب والجندي، أن هذا الأخير لن يكون جنديا حقيقيا إلا إذا منع أسرار الثكنة من أن تتجاوز أسوراها، بينما الكاتب الحقيقي فهو يفتح بابه للجميع. { هذا شطر من تعريف الكتابة لديك، فإلى أي حد هي مهمة عندك..؟ في كل المرات التي سئلت فيها: هل أنت مستعد لأن تترك الكتابة..؟ كنت أجيب عفويا: لا، وأنا أعتمد هذه العفوية العميقة في معرفة مدى أهمية الأشياء عندي، ربما سأتخلى عن حلم الكتابة يوما، لكنني لن أتركه لصالح حلم آخر. { إلى أي حد أنت راض عمّا كتبتَ..؟ أحيانا أقول إن الكاتب لا يباشر مشروعا جديدا إلا كرد فعل على عدم رضاه عن مشروعه الأخير، إنها مكابدة البحث عن النص المتفرد، ومطاردته في ثنايا الحياة، وهنا لا بد من القول إنني لا أقيس كتاباتي مع ما يُكتبُ في الساحة بل مع ما أحلم بكتابته. { هل تعيد عادة قراءة ما كتبته قبل اتخاذ قرار النشر..؟ كثيرا جدا، وأستمتع بذلك كثيرا جدا، ولولا تدخل الناشر أحيانا، أو بعض الأصدقاء لما تخليت عن المخطوط بسهولة، هل وجدت أبا يستعجل دفن ولده؟ { هل ترى النص ولدا..؟ ما يؤرقني عميقا هو هل يراني إنسانا..؟