يروى مساعد رئيس قطاع السجون السابق في مصر، اللواء محمد حمدون، يوميات رموز النظام السابق في سجن مزرعة »طره« الذي يؤوى خلف قضبانه حكّام مصر السابقين. يتحدث مساعد رئيس قطاع السجون المصرى اللواء محمد حمدون فى الحلقات الأولى من حواره مع «الحياة» اللندنية، عن حال وزارة الداخلية قبل ثورة 25 (يناير) بأيام، و «النشوة» التي انتابت الوزير السابق حبيب العادلي في حفل عيد الشرطة قبل اندلاع الثورة بيومين، وكيف بدا مسئول التنظيم في الحزب الوطني المنحل، رجلُ الأعمال أحمد عز يائساً ليلة وصوله إلى السجن ضمن أول دفعة من مسئولي النظام السابق يتم ترحيلها إلى سجن طره. السجّان، أو الرجل الذي شهد اللحظات الأولى للزجّ برموز نظام مبارك في السجن، ينقل حال العادلي في أولى لياليه في السجن وحديثه إلى ابنه عبر الهاتف قبل دخوله الزنزانة، وهو يستغرب سؤال حارس العادلي، وهو ضابط في الشرطة رافقه حتى وصوله زنزانته، لتنتهي مهمته وتبدأ مهمة مصلحة السجون في تأمينه وتأمين المجتمع منه، عن «جاكوزى السجن» الذى سيستخدمه الوزير السابق!. قبل الثورة بيومين كان حفل عيد الشرطة، وبدا فيه أن لا اكتراث بدعوات التظاهر. الشارع كان يغلى، وحدّة المعارضة تتصاعد، ولكن كيف كان يفكر صانعو القرار في وزارة الداخلية في تلك الأيام؟ فى 23 يناير من العام 2011، احتفلت وزارة الداخلية بعيد الشرطة فى قاعة المؤتمرات الكبرى بأكاديمية الشرطة في منطقة التجمع الأول في القاهرةالجديدة، وحضر الحفل الرئيس السابق حسنى مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي والوزراء كافة وكبار رجال الدولة. كان احتفالاً مهيباً يليق بالمناسبة، ألقى فيه العادلي كلمة استهلها بالترحيب بالرئيس والحاضرين جميعاً، وأعلن الوصول لمرتكبي حادث تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية، متهماً جماعة «جيش فلسطين» في غزة، ليصفق له جميع الحاضرين، وكان حديثه مثار فخر رجال الشرطة الذين ملأوا القاعة، وبدا واضحاً أنهم أرادوا مع وزيرهم أن يثبتوا لرأس النظام أنهم بذلوا جهداً كبيراً فى التعاطى مع هذه الواقعة الخطيرة التى كادت تشعل نار الفتنة فى المجتمع بين عناصر الأمة. حاز العادلي إعجاب الجميع، وبدا منتشياً شباباً وحيوية، ثم تحدث مبارك في تعالٍ ونشوة أيضاً، وشكر رجال الشرطة على ما بذلوه من جهد تجلى في ضبط الجناة، وظل يتباهى بالقوات المسلحة والجيش القوي. خرج الجميع من قاعة الاحتفال بمعنويات عالية ونشوة أصابت نفوسهم بالعزة والافتخار، وانفض الحفل والجميع يتحدث ويتباهى ويفتخر بما يراه من تقدم للبلد في المجالات كافة. على الجانب الآخر، كان الشارع يغلى فعلاً، وكانت هناك مجموعات من منظمات المجتمع المدني والقوى الشبابية تعارض مبارك وحكمه وتدعو إلى العصيان، لِما وصلت إليه مصر من تدنٍّ في الخدمات وانهيار اقتصادي يعانى منه غالبية المصريين من الفقراء وازدياد أعداد العاطلين من فئة الشباب إضافة إلى القهر الفكري والاستقطاب الديني وزيادة سطوة جهاز مباحث أمن الدولة والزج بالمزيد من المظلومين في المعتقلات وتوسيع دائرة الاشتباه وتأثير الانتخابات البرلمانية المزورة. لم يكن سراً أن بعض هؤلاء كان يتهم العادلي نفسه بالضلوع في حادثة كنيسة القديسين، بدعوى إيهام الرئيس بأن الخطر يحيطه دائماً وأنه يحتاج إليه، أو لترسيخ الإيحاءات لدى الغرب بأن خطر الإسلاميين قائم دائماً، كنا نشعر بأن الأمر مختلف ويتجاوز أساليب المعارضة التى اتبعتها الأحزاب طوال عهد مبارك. اختار الداعون للعصيان والتظاهر يومَ عيد الشرطة فى 25 يناير لتنفيذ وعيدهم، وبدأت بوادر التظاهرات يوم 24 من الشهر نفسه بمجموعات صغيرة هنا وهناك، زادت وأصبحت بمثابة الظاهرة يوم 25، وكأن الأقدار تضحك لما فيها من عجائب: تحتفل وزارة الداخلية وتقدم الاحتفالية يومين عن ميعادها الأصلى ليأتى الموعد الحقيقى لها فى 25، ليكون يوم عصيان بدلاً من يوم احتفال، ويأتى اليوم من دون أن يدرى أحد أنه جاءت لحظة التغيير من حال إلى حال، لتنتهى الشرطة فى يوم احتفالها وليمتلئ ميدان التحرير بالبشر عن آخره وتتعاطف معه كل ميادين مصر من أقصاها إلى أدناها هاتفة: «الشعب يريد إسقاط النظام». كانت الشرطة نزلت بكل ثقلها يحركها الوازع الضميري، ظناً منها أنه شغب سرعان ما ينتهي، وباتت جميع كتائب وسرايا الأمن في الميادين وحولها لحماية المنشآت العامة ومحاولة إنهاء هذا العصيان، وإذا بالطوفان البشرى المتزايد الذي أتى من بلدان وميادين مصر يتغلب على كل الأسلحة، وإذا بالشرطة وقواتها تنهك من العمل المتواصل ليل نهار من دون فض هذه الملايين من البشر، حتى يتم انسحابها ليعلن حظر التجوال يوم 28 من الشهر وتختفى قوات الشرطة وتتولى القوات المسلحة عملية حراسة المنشآت الحيوية وتأمين التظاهرات. تمر الأيام وكل قادة الشرطة فى أماكنهم ومواقعهم، بعيداً من الميادين الممتلئة بالناس، باستثناء العادلى وبعض مساعديه، بعدما جرت إقالتهم إلى أن يأتى يوم تنحى الرئيس السابق حسنى مبارك، وجاء التحول الإعجازى الغريب، وإذا بقيادات الأمس تتحول إلى متهمين، وإذا بمن رأيناهم فى احتفالية يوم 23 وهم قيادات شامخة، نراهم فى مشاهد مغايرة تماماً يدخلون عالماً مجهولاً. بعد تنحى مبارك بدأ رموز حكمه فى التساقط. أين كنت؟ وكيف استقبل كل منهم اقتياده إلى السجن؟ وبماذا شعر سجّانوهم؟ أثناء قيام قيادات مصلحة السجون بأعمال الحراسة والعمل على تأمينها، خصوصاً بعد حوادث الهجوم على بعض السجون وفرار أعداد من السجناء فى المناطق البعيدة من العاصمة، وأثناء مرورنا على خدمات التأمين كافة يوم 18 شباط (فبراير)، نما إلى علمنا أن هناك قراراً بالقبض على القيادى السابق فى الحزب الوطنى المنحل رجل الأعمال أحمد عز صاحب سيناريو تزوير انتخابات مجلس الشعب الأخير، أحد أهم أسباب انطلاق التظاهرات، وأيضا رجل الأعمال وزير الإسكان السابق أحمد المغربي، ووزير السياحة السابق زهير جرانه. قضايا »الوزن الثقيل« من هذا النوع قبل الثورة، كنا نعلم بها قبل فترة حتى نستعد جيداً ونجهز الزنازين أو العنابر التى ستحتجز فيها الشخصيات المهمة، لكن مصر بعد الثورة كانت تعيش حالة استثنائية، وفوجئنا بوصول العديد من السيارات بمرافقة قيادات من مديرية أمن حلوان إلى سجن »مزرعة طره«، تقل المسئولين السابقين الثلاثة وهم يرتدون ملابسهم المدنية المهندمة بعدما أنهت النيابة معهم فى ذلك اليوم جلسة تحقيق، وإذا بهم ينزلون من سيارات الترحيلات الواحد تلو الآخر وتبدو عليهم علامات الإرهاق مع دهشة بالغة، أو قل حالة ذهول، وكأنهم فى حلم. لم نكن نحن أيضاً نصدق ما يحدث. هل هؤلاء هم وزراء الأمس وقيادات مصر السياسية والتنفيذية؟ هل ما نراه ونفعله حقيقي؟ هم يتدلون الواحد تلو الآخر مثلهم مثل المتهمين ومعتادى الإجرام!! تحوُّلٌ لا يصدق. مشى المسؤولون الثلاثة فى علياء يشوبه قلق وترقب وصدمة، كانت خطواتهم ثقيلة، كأنهم لا يصدقون وضعهم الجديد ولا يريدون تخطى باب السجن إلى داخله، لكنهم دخلوه واتجهوا وسط حرّاسهم إلى مكتب مأمور السجن العقيد أحمد عبد الرازق آنذاك، ليمتلئ بهم المكان ومعهم ضباط »المأمورية« التابعين لترحيلات مديرية أمن حلوان، كما حضر العديد من قيادات مصلحة السجون، وفى لحظات صمت وسكون من الجميع، بدا المسئولون السابقون الذين تحولوا سجناء لا يصدقون الأمر، وينظرون بعضهم إلى بعض فى حيرة وحسرة، ظلوا يسترقون النظر لأركان الحجرة وزواياها وتفاصيلها فى نظرات غير مرتبة تنم عن توتر دفين سعوا جاهدين إلى إخفائه. بدأ مأمور السجن إجراءات تجهيز الزنازين الواحدة تلو الأخرى، وهى مجموعة زنازين انفرادية كان يشغل إحداها هشام طلعت مصطفى، رجل الأعمال المدان بالتخطيط لقتل المطربة اللبنانية سوزان تميم، لا تتعدى مساحة الواحدة منها 4 أمتار مربعة مع باب خارجى يغلَق عليهم فى الساعة الخامسة مساء من كل يوم، وهو ميعاد الغلق العادى للسجون. وسرعان ما تم تجهيز هذه الزنازين بأسرّة عادية عبارة عن سرير فردى طوله 180 سم وعرضه 120 سم مغطى بملاءة بيضاء وبطانية صوف أميري. بدأ الكل يضرب كفاً بكف. سبحان الله، هؤلاء كانوا ينامون بالأمس على أسرّة مغطاة بالحرير ومراتب ووسائد من ريش النعام واليوم تبدل الحال من حال إلى آخر. وفى لحظات تم تجهيز الزنازين، وبعد أن جرى إثبات حضورهم فى دفاتر »الإيراد العادي«، مثلهم مثل أى مسجون، تم تسليمهم ملابس السجناء الاحتياطيين ليقوموا بارتدائها داخل محبسهم. تبادلوا النظرات فى حيرة، وبدت عليهم علامات الحزن والذهول واليأس، وكان عز أكثرهم غضباً، أو قل يأساً، وإذا بعضهم يطلب من ذويه عبر الهواتف النقالة إحضار ملابس بيضاء، لأن ملابس السجن للحبس الاحتياطى دون المستوى . لم يُظهروا أى مقاومة، بل كانوا فى حال من الاستسلام التام، أقصى أمانيهم ملابس مهندمة، وبمرور الوقت بدوا غير عابئين بالمستوى المعيشى الجديد، فهم أدركوا أن ما ينتظرهم ربما أشد قسوة من العيشة فى الزنازين أو ملابس السجن. توجهوا جماعة وسط الضباط والجنود إلى الزنازين الانفرادية لتزداد المعاناة النفسية لهم بعد أن طلب منهم مأمور السجن ترك تليفوناتهم المحمولة لتوضع مع أماناتهم أو تسلم لذويهم طبقاً للوائح وتعليمات السجون. ولم يبدوا أى اعتراض، بل نفّذوا ما أُمروا به، وتوجهوا جميعاً بعد إتمام إجراءات التفتيش الإدارى إلى محبسهم الانفرادي، كلٌّ إلى زنزانته، لتطبق عليهم تعليمات السجون ولوائحه وتبدأ أمامهم رحلة حياة أخرى. كان منتهى أمل أحمد عز السماح له بتحسين وضع زنزانته، بأن يقوم مثلاً، ولو على نفقته الخاصة، بإعادة تركيب سيراميك فى أرضيتها وإعادة طلاء الجدران، هو طلب ذلك صراحة وعلانية من المأمور حينما وصل إلى زنزانته وعاينها، لكن طلبه رُفض طبقاً للوائح السجون، فأدرك أن لا مناص من التعامل مع الوضع الجديد كما هو بعدما فقد نفوذه وبات سجيناً عادياً. حدثنا عن أول ليلة لوزير الداخلية السابق حبيب العادلى فى السجن؟ فى اليوم التالى لوصول عز والمغربى وجرانه، أى فى مساء يوم 19 شباط (فبراير)، وفى تمام الساعة التاسعة مساء، توالت الأحداث، وجرى إخبارنا بأن قوة أمنية تقوم بترحيل اللواء حبيب العادلى ومساعديه إسماعيل الشاعر، مدير أمن القاهرة المُقال، وكذلك حسن عبد الرحمن، مدير أمن الدولة، وعدلى فايد، مساعد وزير الأمن العام الأول، من النيابة العامة إلى سجن المزرعة، وأنهم سيصلون فى غضون ساعة إلى السجن، فتوجه قادة مصلحة السجون وعلى رأسهم اللواء عبد الجواد أحمد مساعد الوزير للقطاع، واللواء منصور الشناوى مدير الإدارة العامة لسجون المنطقة المركزية آنذاك، وآخرون إلى سجن المزرعة، وإذا بموكب سيارات الترحيلات يأتى بالحراسات اللازمة، تتقدمها سيارات النجدة وعربة مدرعات وقادة مديرية أمن حلوان من كبار الرتب، ليتوقف الركب »المهيب« أمام سجن المزرعة، وتجمعت قيادات الشرطة والضباط والأفراد حول سيارات الترحيلات، وبعد توقفها ببرهة نزل من السيارة الأولى، وهى مدرعة من مدرعات الأمن المركزي، اللواء حبيب العادلى يرتدى بدلة كاملة مع ربطة عنق، وتوجه بسرعة وبشكل مباشر ومن دون أن ينظر إلى المكان، إلى داخل السجن، وبرفقته قائد الحرس الخاص به العميد محمد باسم لطفي، وهرول بسرعة إلى مكتب المأمور المجاور للباب العمومى على يمينه تحديداً، وأعطاناً انطباعاً بأنه يعرف المكان جيداً، أو كأنه أتى كى يتفقد أحوال السجن! جلس إلى أقرب مقعد وفى جواره وقف حارسه. اللافت أن العادلى كان مبتسم الوجه واثقاً من نفسه ووضع قدماً على الأخرى وأخذ يتحدث بمجرد جلوسه فى تليفونه المحمول مخاطباً محاميه بصوت حاد يلومه، ظناً منه أنه أساء التصرف أو كان ضعيفاً فى اتخاذ الإجراءات الاحترازية والقانونية والإدارية التى يمكن أن تمنع حبسه، وأخذا يتبادلان أطراف الحديث، وبعدما أنهى المكالمة مع محاميه اتصل بنجله شريف مداعباً إياه بثقة واقتدار، وسمعناه يقول له: »بابا فى مأمورية بعيدة وربما تطول.. خليك راجل زى ما أنا عارف إنك راجل«، وظل يشدّ أزره، ثم تحدث قليلاً إلى زوجته، وسمعناه يهمس لها طالباً المحافظة على بعض المستندات التى يمكن أن يستفيد منها فى التحقيقات. ثم أغلق الهاتف واستعاد ابتسامته المتصنّعة، وبدأ ينظر إلى الحضور يرصد ردود فعلهم على وجوده معهم! أظهر العادلى تماسكاً وسط الضباط، إلى درجة أنه أشاد بالنظام فى السجن، معتبراً أن هذا الأمر أحد إنجازاته!! ولم يتخل عن عليائه، وكأنه ليس مدركا لوضعه الجديد، إلا أنه أبدى انصياعاً للتعليمات فى ذات الوقت، وكأنه أراد أن يُظهر للحضور من مشاهدى واقعة سجنه عكس ما يخفيه من حسرة ظهرت تدريجياً مع تلمس حياته الجديدة. كان مساعدوه المتهمون معه فى القضية نفسها نزلوا من مدرعة ثانية مترجلين إلى داخل مكتب المأمور وهم فى ذهول من الموقف وفى حالة من الإعياء الواضح، وبدوا على عكس قائدهم تماماً، إذ كانت أعينهم زائغة، وكان أكثرهم ألماً وحسرة وحزناً اللواء عدلى فايد، مساعد وزير الأمن العام الأول، جلسوا جميعاً على مقاعد متفرقة فى الغرفة، وتوجه مأمور السجن إلى الزنازين لمعاينتها والتأكد من تجهيزها لتستقبل نزلاءها الجدد، وجرى نقل نزيل الزنزانة رقم 1 هشام طلعت مصطفى، إلى زنزانة أخرى أثناء وجود العادلى ومساعديه فى غرفة المأمور، إذ خصصت زنزانته لإقامة العادلى، نظراً لتمتعها بدورة مياه مستقلة. فوجئ هشام طلعت بالقرار، وأبدى استياء شديداً من نقله من محبسه حيث كان أقام فيه فترة طويلة واعتاد العيش فيه، كما أن أقدميته فى السجن تعطيه الحق فى البقاء فى هذا المكان. الحق أن الرجل كان دمث الخلق فى التعامل واستجاب سريعاً وتفهم الموقف بعدما علم بأن العادلى سيحل محله، وتم نقله إلى زنزانة بديلة. عاد المأمور إلى مكتبه مرة أخرى وتم إبلاغ النزيل الجديد حبيب العادلى بالتوجه إلى الزنزانة، وما إن بدأ فى التحرك ممسكاً هواتفه المحمولة فى يده، بادره المأمور منبهاً بعدم السماح بالهواتف المحمولة داخل السجن، فرد العادلى مبتسماً: »وإحنا مع التعليمات«، وسلم الهواتف للأمانات بمكتب المأمور تمهيداً لتسليمهما إلى ذويه أو حارسه الشخصى الذى كان يرافقه من لحظة دخوله السجن حتى إغلاق الزنزانة عليه. الطريف أن العميد باسم لطفى قائد حرس العادلى، بادرنى بسؤال غريب ظهر منه كما لو أن هؤلاء يعيشون فى واد آخر غير وزارة الداخلية، إذ قال: »سيادة اللواء، هل يوجد فى السجن جاكوزى لسيادة الوزير؟«، اعتقدت فى البداية أنه يمزح، لكن الموقف لم يكن يحتمل المزاح، كما أن تعبيرات وجهه أكدت أنه كان يتحدث فى جدية، فهمست فى أذنه قائلاً: »سيادة العميد هذا سجن وليس نادياً.. يمكن أن تحضر ملابس بيضاء يرتديها غير ملابس السجن البيضاء، أما الجاكوزى فلا مجال لإحضاره!!«. اتجه العادلى مع مجموعة من قيادات السجن والقطاع إلى داخل محبسه، وما إن وصل إلى مكانه الجديد حتى زاغت نظراته . كان أول طلب له الحصول على مصحف، فاستجاب المأمور ووعده بتسليمه المصحف فى غضون دقائق، وهذا ما حدث بالفعل. قلت لنفسى وقتها: »سبحان الله، لقد أصبح القرآن هو أنيسه وكلمات الله هى رفيقه«، وأغلقت عليه الزنزانة وغادرنا جميعاً المكان. ثم عاد المأمور ونحن معه مجدداً إلى حجرته، حيث اصطحب مساعدى العادلى إلى داخل »عنبر« واحد جرى سجنهم فيه، كلٌّ له سريره وأدواته المستقلة. كانوا فى طريقهم إلى العنبر وبعد وصولهم إليه يتحسسون الأرض تحت أقدامهم وكأنهم يتمنون ألاّ يصلوها... إنها قيادات طالما أمرت ونهت، تدخل السجن ويغلق عليها باب الزنزانة فى انتظار أوامر ضابط صغير لنيل برهة من ترفيه أو راحة أو حتى فرشاة أسنان! عن «الحياة»