يعلم الله كم من مقاول، ومن صاحب حاجة، لدى السلطات والمصالح الإدارية في الدولة، تعرض لمثل ما تعرض له مقاول، من طرف رئيس جماعة سيدي يحيى الغرب، من ابتزاز، ثبت من خلال ضبطه في حالة تلبس بالجرم المشهود، وهو يتسلم مبلغ 200 ألف درهم، من أجل التوقيع على مستحقات، لفائدة المقاول، الذي أنجز أشغال التزليج لفائدة الجماعة المذكورة. وكم من مقاول أو مواطن، تعرض لمثل هذا الابتزاز، ولم يجرؤ على مقاومة هذا المسعى الإجرامي، واستسلم للأمر الواقع، واستجاب لما طلب منه وهو يقول: «حسبي الله ونعم الوكيل «، واقتداء بالمثل الشعبي، «»دير راسك وسط الروس أو كول أكطاع»، أو اختار التخلي عن قضاء حاجته بالمرة، عملاً بمقولة: «كم حاجة قضيناها بتركها». إن ما يجري به العمل في الحياة العامة، لا يسير في اتجاه مقاومة المواطن للابتزاز، للحصول على مقابل الخدمات المختلفة، التي تقدمها المصالح الإدارية، والسلطات المختلفة، تحسباً للعواقب الوخيمة، الناتجة عن عدم التفاعل الإيجابي، مع طلبات الرشوة، التي يجري التعبير عنها بوسائل مختلفة، لها مصطلحات ورموز وكنايات، أصبحت تشكل لغة صريحة، يتقنها الطالب والمطلوب. إن الواقع العملي، والحالات المحدودة، التي قام فيها بعض المواطنين، بالتبليغ عمن يشترط تقديم رشوة، للاستجابة لتنفيذ الخدمة، وضبط الفاعل في حالة تلبس بالجرم المشهود، وإعلان ذلك على الرأي، وفي الصحافة المكتوبة خاصة، هذه الحالات تؤكد أن الأمور لا تذهب إلى المدى البعيد، والإجراءات لا تصل إلى غايتها، حيث يتم تمييع العملية، في المراحل اللاحقة من المساطر المجراة في القضية، وتبرز تعليلات وتبريرات، تتلخص في النهاية في تمييع القضية، إما عن طريق تراجع المشتكي عن بعض تصريحاته، أو إنكارها كلها، كما وقع في قضية قاضي طنجة مع المواطن التونسي، أو قضية طلب القاضية بإدارية الرباط، لمبلغ مليون درهم، أو قضية القاضيين بمحكمة سلا، ضد أرملة زميلهما. وبصفة خاصة، فإن عملية التمييع، قد تذهب إلى التشكيك في مصداقية المشتكي، أو أن القضية مجرد تصفية حساب، أو التركيز على عدم صحة جزئية تافهة من جزئيات الوقائع، وإعطائها مفعولاً أكبر من حقيقتها لتقوية عنصر الشك في القضية، برمتها، أو زعم أن الواقعة كلها «مؤامرة»، والمشتكي مجرد وسيلة، لتحقيق غاية إلحاق الأذى بالمرتشي ... وبصفة عامة، محاولة قلب كل الوقائع المثبتة بواسطة الشرطة القضائية، في حالة التلبس بالجرم المشهود، وهي أقوى الوسائل في إثبات الجريمة، ومع ذلك، تتم شيطنة المشتكي. إن المتتبع لهذا النوع من القضايا، في موضوع طلب الرشوة، من طرف مسؤولين في مستويات عليا، في الإدارة والسلطة، يلاحظ بأنها لا تتجاوز مرحلة الإعلان عن اكتشافها المدوي إعلامياً، لتتوارى عن الرأي العام، الذي لا يعرف مآل الفاعلين، ذلك أن الغاية ليست هي وضع اليد على المرتشي بصفة أولية، بل معرفة المراحل اللاحقة، والجزاء الذي توقعه العدالة على الفاعل، ليكون عبرة لغيره، وليطمئن المشتكي على أن عملية التبليغ، التي قام بها، لم تكن صيحة في واد، وفي ذلك تعزيز وتقوية لجرأة المواطن على مقاومة الابتزاز، واللجوء إلى فضحه، ومشاركة الأجهزة الأمنية والقضائية، في محاربة آفة الرشوة، بطريقة تشاركية، بمساهمة المجتمع ومؤسسات الدولة، ووضع تقرير سنوي إحصائي عن هذه الحالات، والقطاعات التي ينتمي إليها الفاعلون، والأحكام القضائية الصادرة في حقهم، لا فقط، الاكتفاء بالإعلانات التلفزية الداعية لمحاربة الرشوة، كأن هذه الآفة الخطيرة، يكفي فيها إعلان إشهاري بسيط كباقي السلع الاستهلالية.