يجمع الباحثون في تاريخ المغرب المعاصر على أهمية وثيقة المطالبة بالاستقلال 11 يناير 1944، باعتبارها وثيقة سياسية متميزة وصل الاعتناء بها حد اعتمادها في التحقيب التاريخي الخاص بعهد الحماية، وبرزخا بين مرحلتين متباينتين من تاريخ الحركة الوطنية المغربية. فالوثيقة/الحدث بقدر ما تعلن نهاية مرحلة التساكن والتعايش مع نظام الحماية، فإنها تُوذن لبزوغ فصل جديد من الصراع والتدافع السياسي ما بين الحركة الوطنية وسلطات الحماية من جانب، وبين هذه الأخيرة والسلطان من جانب ثان، وهو فصل ستتخلله أحداث جسام عظام وسمت تاريخ المغرب ورسمت مساره، وحددت مواقع خطاه على الصعيدين المحلي والدولي. موضوع البحث «وثيقة المطالبة بالاستقلال 11 يناير 1944: رسالة جيل لجيل» يتغيا قراءة هذه الوثيقة بمناسبة تخليد ذكراها 69 لاستقراء قيمتها التاريخية وإبراز منزلتها الوطنية، من خلال طرح ظروف وملابسات صدورها أولا، ثم تحديد حمولتها الفكرية والسياسية والاجتماعية ثانيا، وأخيرا الخروج بخلاصات واستنباطات لتوضيح من خلالها الرسائل الكامنة بين ثنايا الوثيقة والتي أرسلها جيل الحركة الوطنية لجيل 18 نونبر 1955 وجيل 9 مارس 2011. * من المطالبة بالإصلاحات إلى المطالبة بالاستقلال: لا غرو أن قضية الإصلاح والتغيير كانت العنصر الحاسم في إحداث الشرخ ما بين سلطات الحماية والمجتمع المغربي بريادة وقيادة السلطان سيدي محمد بن يوسف. لن أعود إلى تفاصيل برنامج الإصلاحات الذي سلم إلى الإقامة العامة والسلطات الحكومية الفرنسية في فاتح دجنبر 1934، وحسبي أن أشير إلى أن السلطات الأجنبية الحامية اعتبرت، حسب سلطاتها، أن ثلث هذا البرنامج يمكن تطبيقه حالا وثلثا آخر بعد حين مع استحالة تطبيق الجزء الثالث لأنها ترغب في الانسحاب من تلقاء نفسها وليس بطلب أو ضغط من أحد كما يذكر ذلك المرحوم علال الفاسي في كتابه «الحركات الاستقلالية بالمغرب العربي». وقد كانت سلطات الإقامة العامة تتلكأ في القبول بمطلب الحركة الوطنية بالإصلاح، متذرعة في كل مرة وحين بحجج واهية ومردود عليها، وفي المقابل تزيد من صلاحيات القواد الذين اعتبرتهم أدوات ناجعة للحد من طموح السلطان ومن خلفه الحركة الوطنية، حينما أصرا على ضرورة مراجعة نظام الحماية في بنائه العتيق المتجاوز.