سعادتي لا توصف، ليس لأن الفناء الذي تنبأت به حضارة المايا لم يتحقق في 21 دجنبر من السنة التي سنودعها مساء يومه الاثنين، بل لأن وردة أخرى نبتت وانضافت إلى حدائق الورود. اعترف، لأول مرة، أن الحياة كانت باردة أشد من برودة ليالي حياني، قبل أن تشعل بكرتي أميرة الدفء في ربوعها. أميرة والأميرة، اسم ولقب معا، اختارت الأم الاسم، واخترت اللقب بإضافة الألف واللام. هكذا كان الأمر، رغما عن انف ضابط الحالة المدنية بسطات، أكيد أن الأميرة سترث السر، سر المحبة التي هي عملتنا التي لا محيد عنها، مهما اعوجت الأيام، وتتربع على عرش مملكة الفؤاد،أكيد ليس فؤاد عالي الهمة... بعد صبر طويل، قررت الأقدار أن تهبك لنا، يومها فقط نزل القبس، واستعادت الذاكرة وهجها، وأصبح للحياة نبض ومعنى. في ذلك اليوم الذي صادف ميلاد المسيح، خرجت يا أميرة من رحم الأمل، يومها حبلت الغيوم بأمطار وفيرة، ففاضت الأرض بما تحتويه بطنها. فكانت الخضرة وكنت الوجه الحسن، وكان «العام زين»، لأول مرة وبدون كرسي اعتراف أكتشف الابتسامة مرسومة على جباه الفلاحين قبل أفواهمم، وأرى الفرح بأم عيني يسير على قدمين بيننا كأنه كائن بشري مثلنا، قابل للإمساك والمزاح. أعترف أنني لم أعد ذاك الإنسان الذي كلما حاصره الضيق من لا شيء، يفر هاربا إلى سيد لغليمي، حيث مسقط الرأس والهوى، لأشم رائحة الطفولة، بل أجد نفسي مطوقا بحبك الجارف مثلما الوديان تجري بسيولها التي لا تنضب، ومثلما الزمن الذي لا يعرف الشيخوخة أبدا. أعترف، مرة أخرى، يا أميرتي أنه كلما جرتني جاذبية الحاسوب لأغوص في الصفحات الإلكترونية أجد نفسي رهين شغبك الجميل، حيث تعبث أصابعك الصغيرة بكل شيء، فتتداخل الصفحات ولا أبالي باحتجاج أصدقائي وصديقاتي في الطرف الآخر من العالم الافتراضي، حيث يعتقدون أنني لا أعيرهم الاهتمام الكافي. حين أحتضنك يا أميرتي، تتحرك الحروف بتؤدة في فمك كماهي مشيتك دفعة واحدة، وتتزاحم كما تتزاحم المشاعر بين جوانحي. وأنت تنطقين بصوت فيروزي بابا... ماما... صحيح أنه ليس هناك أعمق تأثير من نظرة رقيقة في وجهك الغاضب من طفلة لا تجيد الكلام. طفلتك على وجه الخصوص، عبارة قرأتها منذ سنوات للأديب الساخر العم محمد مستجاب. أعترف أنني لم أكن أحس معناها قبل اليوم، وصحيح أيضا أنه من غير الماما رشيدة لا أحد يستطيع أن يكشف سرك ومن غير الأم الحنونة للافاطمة أيضا التي كلما احتضنتك تصيح فينا «بنيتي مرزاقة» وهي تتأمل العرق الأخضر الذي يتوسط حاجبيك ونظرتك الآسرة. لكل هذا وغيره أقول... سنة أميرة يا جلال ويارشيدة.