عن المركز الثقافي العربي، صدرت الترجمة العربية لكتاب ميلانْ كونديرا، والتي أنجزها الكاتب محمد بنعبود بعنوان «لقاء». وهو كتاب يبدو أشبه بمحترف، حيث يستقبلنا الروائي الكبير داخله، ليعرض أمامنا الكثير من الفضاءات التي حدّدت عمل كونديرا الروائي، والتي جعلت منه واحداً من أبرز كتّاب عصرنا. كتاب »لقاء« هو »لقاء تأملاتي وذكرياتي؛ لقاء موضوعاتي القديمة (الوجودية والجمالية) وما عشقته من زمان (رابليه وجناسيك وفليني ومالابرته..)«. بهذه الكلمات يفتتح الكاتب عمله الأخير، ليضمنه الكثير من التأملات حول الروائيين الذين يحبهم كما حول بعض الفنانين، موسيقيين ورسامين.. بهذا المعنى قد يشكل تكملة لكلّ كتبه البحثية الماضية: »فن الرواية«، »الوصايا المغدورة«، »الستارة«، لكنه في كتابه هذا يبدو أكثر ذاتية وشخصانية، إذ نراه في العديد من المواقع يتخلى عن تلك اللغة الصارمة، الفلسفية (إذا جاز التعبير) ليكتب بلغة خاصة، ذاتية، تبدو كأنها لغة مذكرات. وقد لا نخطئ كثيراً فيما لو قرأنا هذا العمل الجميل على أنه مذكرات فكرية للكاتب، بمعنى أنه لا يتوقف عن استعادة تلك الكتب، وتلك الأسماء التي أسست عوالمه المتعددة. بمعنى آخر، وعطفاً على ما يقوله في اعتبار الروائي رساماً يدعونا إلى محترفه، نحن هنا في قلب »صالة عرض متخيّلة«، بابها مشرع على وسعه، لنتمكّن من الدخول في أي لحظة نريد. أو لنقل أيضاً، نحن داخل مكتبة مؤلفة من تسع طبقات (9 فصول)، مقسّمة بترتيب لا متناهٍ، كي يكون تجوالنا فيها منظماً وبدون اعتراضات مهما كان نوعها. ثمة تأكيد آخر في هذا الكتاب: لا يمكن أبداً فصل كونديرا الروائي عن كونديرا الباحث، إذ يتكامل الجزءان لندخل في تأملاته العميقة، التي تفتح أمامنا مجالات أخرى، لا لقراءة أعمال الروائي التشيكي وحسب، بل أيضاً العديد من كتّاب العالم. ولعله هنا تكمن أهمية هذا العمل البحثي، بمعنى إعادة التفكير بأسماء »تمّ إبعادها« عن المشهد، كما لو أنها أصبحت بعيدة عن »الموضة«. في تحليل كونديرا، لا بدّ أن نغير رؤيتنا للأمور، إذ نكتشف كم أن هؤلاء المغيبين أسسوا فعلاً للحظة إنسانية مدهشة، للحظة ثقافية لا يمكن الاستغناء عنها، لأنها حفرت عميقاً في نظامنا الفكري والإنساني، من هنا نستعيد معه رؤيته الثاقبة لكل من أعمال »رابليه وأناتول فرانس وهرمان بروخ على سبيل المثال.. بالتأكيد ثمة سبل أخرى لاعتبار هذا الكتاب بمثابة »مذكرات« كما أسلفنا. في المتن الذي أمامنا يقول الكاتب: »عندما يتحدث فنان عن فنان آخر، فإنه يتحدث (بطريقة غير مباشرة ومواربة) عن نفسه هو، ومن هنا كلّ النفع في حكمه«.