لم تتوقف معاناة العشرات من العمال السابقين بعملاق الأحذية السابق بالمغرب، اعتقدوا أن الأحكام القضائية ستجد طريقها للتنفيذ وسيحصلون على تعويض مهما كانت قيمته المهم أنه سيتم طي الملف الذي عمر لأزيد من عقد من الزمان. لكن الأمور سارت بغير ماتوقعه الضحايا، اكتشفوا أنهم كانوا ضحية تلاعب مكشوف للسطو على مستحقاتهم فتركوا وحيدين وطلب منهم اللجوء مرة أخرى إلى المحكمة لمتابعة ليس الشركة التي شردتهم بطريقة أقل مايمكن أن يقال عنها أنها تخريجة لن تخطر على بال من فيه ذرة من الانسانية، بل هم في مواجهة من وضعوا فيهم ثقتهم قبل أنيكتشفوا خيانته للأمانة. نعود إلى الوراء قليلا للتذكير بمسار ملف يعتبر بحق جريمة في حق عشرات العمال الذين أفنووا شبابهم خدمة للشركة. ففي الوقت الذي قامت مجموعة من فروع مؤسسة باطا لصناعة الأحذية ببعض البلدان الأجنبية بمنح كافة الحقوق والواجبات لعمالها وموظفيها قبل تصفية الشركة وتحويل هذه الفروع الى وكالات تجارية لتسويق المنتوج الأجنبي، ابتدعت مؤسسة باطا بالمغرب طريقة جديدة وغريبة في آن واحد للتخلص من عمالها ضاربة عرض الحائط كل القوانين المنظمة للشغل ولعلاقة العمال بأرباب العمل، معتمدة في ذلك على جهات نافذة في موقع المسؤولية ولم لا و«لعاب» البعض كان يسيل بمجرد زيارة مقر المؤسسة المتواجدة بشارع ابن تاشفين، فلوبي العقارات كان قادرا على فعل كل شيء مما يبين بأن الأمر لم يكن مجرد تغيير استراتيجية العمل هنا في المغرب، حسب مصادر مطلعة، بل أكثر من ذلك بكثير! فمنذ سنة 1991 شرعت المؤسسة في نهج سياسة التصفية على طريقة »الموت البطيء«، حيث قامت المؤسسة ببيع مساحة أرضية تابعة للمصنع والبالغة أزيد من 4600 متر مربع، وكذا جزء من البقعة الأرضية رقم 9557D والبالغة مساحتها 16000متر مربع بأقل من 957 درهما للمتر المربع، إضافة إلى بيع مجموعة من المحلات التجارية بأهم الشوارع والمدن المغربية بأثمان تقل بكثير عن الأسعار الحقيقية، وهو ما يثير مجموعة من التساؤلات المشروعة؟! ومن ناحية أخرى قامت الإدارة بتخفيض عدد اليد العاملة من 1217 عاملا الى 501 عامل سنة 1999، إضافة الى تخفيض عدد وحدات الانتاج بنسبة 50% في الوقت الذي كان فيه الانتاج في ذروته! من هنا بدأ مسلسل انهيار هذه المؤسسة التي كانت الى وقت قريب محور إنتاج وصناعة الأحذية بالمغرب. لقد تم إغراق المؤسسة بالديون، حيث وصلت الى أكثر من ثلاثة ملايير و200 مليون، بل أكثر من هذا فقد كانت تقتطع من أجور العمال واجبات الصناديق الاجتماعية ومستحقات شركات التأمين دون أن تسددها لها ، وهو ما »يعتبر مساسا بحقوق العمال الذين فوجئوا بشركات التأمين وهي ترفض ملفات التعويضات التي كانوا يطالبون بها«، ورغم كل هذا وكل النداءات التي كان ممثلو العمال يوجهونها للمسؤولين لم يحرك أحد ساكنا لحماية حقوق شغيلة مؤسسة «باطا». لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، فقد قامت إدارة المؤسسة بعملية »إجهاز« حقيقية على أجور العمال، حيث كانت تقتطع مستحقات القروض من الأجرة الشهرية للعمال ولاتؤديها الى مؤسسات القروض كما هو منصوص عليه في الاتفاقية المبرمة ما بين المؤسسة وشركات القرض، مما عرض مجموعة من العمال لمتابعات من طرف هذه الشركات، كل هذا والجهات المسؤولة لم تحرك ساكنا!! خلال سنة 1999 أظهر الحساب الختامي للمؤسسة عجزا ماليا خطيرا، حيث تجاوزت الديون 46 مليون درهم في نفس الوقت الذي كانت فيه الشركة تتوفر على مخزون من الأحذية بمختلف أنواعها يفوق 90 مليون درهم، وهنا كانت الحلقة الأخيرة من هذا المسلسل الذي بدأت حلقاته منذ سنة 1991 حين أخبر العمال بأن المؤسسة ستغير إسمها من مؤسسة »باطا« لصناعة الأحذية الى مؤسسة »شيلكاط«. في هذه الفترة بالذات، بدأت المؤسسة في تجديد مجموعة من المحلات التجارية، حيث تم صرف مبالغ مالية جد هامة على حساب حقوق العمال. عناصر »السيناريو« لم تنكشف للعمال إلا عندما تم فصل القسم التجاري لشركة »باطا« عن المصنع، ليتبين بأن الأمر لم يكن يتعلق بتغيير اسم فقط ، بل بعملية بيع للمؤسسة وإخراج المنتوج المتواجد آنذاك وهو ما يناهز خمسة ملايير سنتيم، ونقله إلى المقر الجديد لمؤسسة »باطا« مع 27 عاملا من أصل 410 عمال. اكتشف العمال بأن هناك حجزا على الشركة الجديدة التي تحملت كل ديون الشركة الأم، وتبلغ قيمة هذا الحجز ما يفوق ثلاثة ملايير و 200 مليون سنتيم. لكن المثير للاستغراب هو كون المالكين الجديدين للمؤسسة أخليا المصنع وأصبحا يسيران المؤسسة عبر الهاتف ليتبين بأن (المدير العام ومدير الانتاج) كانا مطلوبين للعدالة بتهمة إصدار شيكات بدون رصيد. فمن هو هذا المدير العام الجديد؟. »لقد كان معروفا عند العمال من قبل، حيث كان يتعامل مع المؤسسة ويمتلك محلا صناعيا بسيطا مع شريكته، حيث تعرض للإفلاس وتمت تصفيته دون أن يأخذ العمال حقوقهم. الآن وبعد أزيد من عقد من الزمن من بداية المعاناة، وبعد أن سلكت القضية مسلك القضاء، وبعد أن تم النطق بالحكم في الملف بالتعويض بعد أن بيعت ممتلكات الشركة وعقاراتها، مازال العمال ينتظرون الحصول على مستحقاتهم، منهم من قضى نحبه قبل أن يتم إنصافه، ومنهم من ينتظر مآل الملف الجديد المعروض على القضاء