أرجع إدريس فصيح رئيس المجلس الجهوي للسياحة بفاس سابقا في حديث خص به جريدتنا أسباب نكوص السياحة الفاسية إلى عدة أسباب، من أهمها حرمان فاس من الدعاية السياحية في الأسواق الأوروبية من طرف المكتب الوطني للسياحة منذ سنة 2011 ،رغم أن فاس سبق لها أن وقعت مخططا للتنمية السياحية في نونبر 2005 ،هذا المخطط الذي يخصص أحد بنوده غلافا ماليا يقدر ب30مليون درهم رصدت للدعاية والإشهار في الأسواق المهتمة بفاس مما أدى إلى اختفاء هذه الأخيرة من الرادارات الاشهارية، كما أرجع فصيح تقهقر السياحة الفاسية إلى المهنيين أنفسهم الذين لا يبذلون أي مجهود يذكر لجلب السياح الأجانب لزيارة فاس التي تتوفر على مؤهلات هامة تاريخية وثقافية ودينية وطبيعية، بل إن عددا هاما من المهنيين لا يكلفون أنفسهم عناء زيارة المعارض الدولية أو استدعاء صحافيين مختصين ووكلاء الأسفار الأجنبية لتعريفهم بالمنتوج السياحي الفاسي ،بالإضافة إلى إهمال السياحة الدينية وخاصة مريدي الطريقة التيجانية . وبالإضافة إلى غياب الدعاية والإشهار وتقاعس المهنيين ،أشار فصيح إلى عوامل أخرى لا تقل أهمية عن سابقاتها، ويتعلق الأمر بدور الضيافة التي تلعب دورا اقتصاديا هاما من خلال الاستثمارات المرصودة من طرف أصحاب هذه الدور، غير أن السائح الأجنبي الذي يهتم بهذا الجانب يجد مجموعة من العراقيل عند إقامته بالمدينة العتيقة من بينها المرشدون غير المرخصين واللصوصية والباعة المتجولون وضجيج السيارات المرخصة التي تخترق عمق المدينة العتيقة وقلة الجودة أحيانا . واستطرد فصيح قائلا: «هناك مشاكل يمكن معالجتها من طرف السلطات وهي مشاكل اجتماعية كمشكل المرشدين غير المرخصين.. هؤلاء يجب تكوينهم ومدهم بشارات العمل على غرار بقية المرشدين العاملين في القطاع ،أما اللصوصية فذلك مشكل أمني. وبالنسبة للباعة المتجولين فيمكن الاقتداء بمراكش في هذا الجانب .» وحول المشاكل التي يعاني منها المجلس الجهوي للسياحة الذي انتخب في نونبر 2010 ،اكد فصيح أن هذا الأخير لا يتوفر على الإمكانيات المادية ليقوم بالدعاية لفاس في الأسواق المعروفة ،كما أنه أهمل التواصل مع الطائفة التيجانية ،ولم يكلف أعضاؤه أنفسهم عقد الجلسات السياحية ،وهو بذلك في حاجة إلى مهنيين لتسيير أعماله وذلك بتعيين مدير له ومسؤول إعلامي للتواصل ،لأنه ليس من المعقول أن يصبح المنتخب يمارس مهمة الموظف . وخلص فصيح في حديثه معبرا عن أسفه لتقهقر السياحة بفاس التي سبق لها أن عرفت تقدما ملموسا في جلب السياح خلال سنوات 2006 و2010 بنسبة 15 في المائة، رغم الأزمة الاقتصادية المعرفة عالميا إلا أنها تراجعت بنسبة 2 في المائة عن الزيادةالسابقة خلال سنتي 2011 و2012 .وأضاف قائلا «...إن النهوض بالقطاع السياحي بفاس يطلب تحريك المخطط الجهوي للسياحة إذ تتوفر شركة «م.د. ز» على مجموعة من القطع الأرضية مخصصة لبناء فيلات وفنادق بمنطقة وادي فاس، زيادة على التفكير في مجال التنشيط السياحي مع الإسراع ببناء قصر المؤتمرات والاهتمام بالسياحة الثقافية والطبية، سيما أن فاس تتوفر على ثلاث محطات استشفائية. كما أنها بدأت تقترب من المدن ذات الإقامة الطويلة زيادة على ما تزخر به فاس وجهتها من مناظر وضايات طبيعية الشيء الذي يجعلها منطقة استقطاب سياحي، بالإضافة الى التكوين المستمر في مجال الفندقة والمطعمة والاستقبال، وصولا إلى الجودة السياحية المطلوبة . سيحفظ التاريخ للكاتب الأول السابق للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أنه قاد أعرق حزب اشتراكي، في شمال أفريقيا، وآخر قلاع الفكر التقدمي الديموقراطي في العالم العربي والإسلامي، في ظروف خطيرة، قاسية، ومتلبدة بغيوم التحولات. داخليا، كان الراضي مطالبا بأن يقود الاتحاد، الاستمرار الوظيفي والتاريخي لحركة التحرير الشعبية، بعد انحسار سياسي قوي، بدأ منذ 2002، وقد أفضى إلى أن لا يتمكن القائدان التاريخيان والمؤسسان، عبد الرحمان اليوسفي ومحمد اليازغي إلى عدم إتمام ولايتيها. في أقل من 5 سنوات لم يستطع الكاتبان الأولان لحزب قوي، وتاريخي إتمام مهمتهما، من البداية إلى النهاية. هذا الوضع دخل عليه الراضي وهو يدركه جيدا، ويدرك تفاصيله، وكان عليه أن يتصرف بناء على هذا الوعي بدون الإفصاح عنه أحيانا.. وضع كهذا يجعل من الدورة العادية في المسؤولية الحزبية يكاد يكون قرينا بالمعجزة، واستكمال أربع سنوات من المسؤولية، في ظروف التقلب والأزمة الداخلية المتفاقمة شبيه بالإنجاز القياسي. وكذلك كان،،، قد ساعدنا عبد الواحد الراضي، في مسيرة مشوبة بالكثير من الصبر والتحمل والنظر إلى المستقبل، على أن نقبل بتحليل الأزمة، ونقبل بضرورة الخروج منها وتقبل نتيجة عملنا. عندما كان يقول إننا سائرون إلى انتحار جماعي، كان يعرف بأن البقاء على الحياة الجماعية أمر يقترب من المستحيل، وأن الحياة، والحياة وحدها، يمكن أن تكون مشروعا قائما لوحده. والحياة معجزة، أي أن نقف قبل أن نعلق المشنقة الجماعية أو نحشو بالدموع البندقية التي سنقتل بها أنفسنا. لم يقل الراضي الطريقة التي كنا سنختار بها انتحارنا الجماعي، لكنه، في المقابل، دلنا إلى احتمال بسيط للإفلات من عقوبة الانتحار! وطنيا، عاش عبد الواحد الراضي، ولأول مرة، تقلبات الوضع السياسي عن قرب، مرات عديدة بدا شبيها بما يكتبه درويش:« أنا التوازن بين ما يجب. يجب الذي يجب..». كان عليه أن يوازن بين من يدعوه إلى التمترس في الوسط، ومن يدعوه إلى الدفاع عن الغلط كالفدائي في قصيدة مديح الظل العالي وهم يسمع تضارب الأقوال: «يجب الذهاب إلى اليمين يجب الذهاب إلى اليسار يجب التمترس في الوسط يجب الدفاع عن الغلط..» لكنه كان يجد التمرين المناسب لكي يستمر الحزب حاضرا في المعادلة. هذا الحزب الذي أنهتكه الحروب الداخلية، وأنهكته صناديق الاقتراع، وتكالب القوى الإعلامية من كل حدب، كان على الراضي أن يصنع منه مخاطبا سياسيا، ومخاطبا للدولة وللأطراف السياسية. وبذلك استقبل الاتحاد، وهو في عز النقاش الداخلي كل أطياف السياسة، لكي يطلق مشروع حوار وطني حول الإصلاحات السياسية والمؤسساتية، مع كل مكونات الحقل السياسي، من العدالة إلى الأصالة، مرورا بالأحرار وأحزاب الكتلة.. وبذلك أيضا، صاغ الاتحاد مذكرة إلى ملك البلاد حول الإصلاحات الدستورية وحول أفق الملكية البرلمانية، وقاد الاتحاد الفترة ما بين رفع المذكرة وما بين ... نزولها إلى الشارع المغربي، عندما خرج الآلاف من الناس إلى الشارع يطالبون بتطبيق.. برامج الاتحاد الإصلاحية.. ولم تكن أمام المغرب، في لحظة البحث عن جواب سوى مذكرة الاتحاد، فهو الحزب الوحيد الذي تقدم بالمذكرة، قبل أن يتقدم بها الشارع العام..! وكان الراضي في ذلك يسلك المسالك الصعبة، بتؤدة، بصبر الفلاحين..عشت اللحظات الصاخبة لهذا النقاش وشاركته فيه، بهذا القدر أو ذاك، وكنت أتابع الأستاذ الراضي و المجرب السياسي، والاتحادي الذي بدأ منذ كان الاتحاد. أسر إلي ذات يوم أنه لم يسع إلى أي مسؤولية، وأن عضويته في اللجنة الإدارية للاتحاد في 1962 جاءت باقتراح من الشهيد المهدي.. تلك صيغته في الكلام لكي يقول بأنه لا يطلب المسؤوليات، وأنها تأتيه دوما بقدر اتحادي .. وتلك طريقة، أيضا، لكي يربط بين قدره التنظيمي وبين قائد من كبار الأباء المؤسسين، بن بركة.. أحيانا يجمع كل دوائر الرضى حول ذاته: فقد رضي عنه المواطنون عندما اختاروه منتخبا لجماعتهم، القصيبية، سنوات طويلة، ونائبا برلمانيا من 1963 إلى الآن، كأقدم برلماني في المغرب المعاصر، تتجدد الثقة فيه ورأي الناس عنه.. ورضي عنه الاتحاديون عندما وضعوه في القيادة منذ الستينيات، ثم في القيادة الأولى في مؤتمر 2008.. والراضي لا يجد صعوبة في التحدث إلى الدولة ولقائدها والقدرة على الإقناع بما يراه صالحا للبلاد.. وقليلون يعرفون أنه أحيانا يغضب، ويغضب بشكل حاد، وإن كان ذلك نادرا: قاد كمسؤول وطني كبير حر.. جلسات التشاور والحوار حول دستور 2011، وكيف أنه رفض أن يناقش بيانا مهيأ سلفا ضد الذين انسحبوا من القاعة من أبناء اليسار والحركة الاتحادية، بالرغم من أن من دافع عنه كان هو محمد معتصم المستشار.. هي معلومة للتاريخ، وأيضا لكشف جزء من شخصية الرجل الهاديء والوديع، الذي يفضل جلباب البيداغوجي على الكلمات الحماسية، وينحو نحن اللغة الدارجة المتداولة، عوض الخطاب الناري.. فهو يدرك أن التاريخ قد تخلقه الأطراف الراديكالية، لكنه لا يستمر بدون اعتدال .. ولا يستمر سوى بالإصلاحيين وكان يدرك، أيضا، أن التاريخ قد يتقدم من أسوأ جانب فيه .. والراضي في تدبير العلاقة مع القرار يسعى إلى ألا يختار بين الحسم الذي يقود إلى الندم، وبين الانتظارية، هو ينضج الأشياء على نار هادئة تشبه طبعه، حتى يكون الحسم مرضيا لأغلب الناس.. يقتضي ذلك رفقة طويلة مع الزمن وجوارا كبيرا مع الوقت، وإنصاتا.. أيضا إلى دقات الساعة ليبرالي بالمعنى الموسوعاتي، يقر بالحق في الاختلاف، والسعي إلى الإقناع وتداول الأفكار.. يومن بالتحليل الذي يفضي إلى وضع الدواء اللازم. الراضي بكل هذه الخصال كان عليه أن يقود الاتحاد الاشتراكي، بتركيبته المتأزمة وأعطابه وسط رياح التغيير الكبيرة التي هبت على المنطقة: سيحتفظ له التاريخ بأنه قاد الاتحاد في زمن 20 فبراير، بدون أن يقع الاتحاد في خصومة - مثل الأحزاب التي أصدرت بيانا ضد المسيرات الشعبية - ولم يقدسها - مثل الحركات التي اعتبرتها هبة ربانية لابد من تقليد الشرق فيها، وتقليد المغرب الكبير.. كيف تقود حزبا شبه معطل تنظيميا، حركته هو بدوره رياح الربيع الديموقراطي، وكيف يمكن أن تساير سرعة التغيير بدون أن يتفكك هيكل السيارة؟هي ذي المعادلة التي كان على عبد الواحد - هكذا نسميه عندما نتحدث عنه بيننا - أن يدبرها، دون أن يخسر الفرصة ودون أن يتعب الجسد بسباق يفوق قدرته! لا يتعب الراضي من محاولات الإقناع ومن تقريب وجهات النظر، وعندما اغرورقت عيناه بالدموع، ليلة السبت - الأحد أمام عشرات، المئات من الاتحاديات والاتحاديين، قلنا بأن الرجل لم يسبق له أن تأثر أو بكى مثل تلك الليلة: بفرحة من أوصل الحزب موحدا إلى بر الأمان.. تأثر لأنه جعل من وحدة حزب المهدي عقيدة، ولم يحدث ما يشوش على تلك اللحظة.. شكرا عبد الواحد، هكذا باسمك الشخصي، لأنك الأخ الكبير الذي حافظ على تماسك الحزب وسط العاصفة.. وشكرا، مني، لأنني تعلمت الكثير منك، بالقرب من الشمعة التي تضيء .. سأذكر عنك هذه القولة: إذا ما يوما ما غادرت السياسة أو خرجت بدون عودة، فلن يكون ذلك بسبب المواقف، ولا بسبب الخصامات والاختلافات، لكن بسبب قلة الحيا..» وتدني الأخلاق إلى الحضيض!