أجرت مجلة «جون أفريك» الباريسية حوارا سجاليا مع المناضل التونسي محمد الطالبي، الذي اعتبر فيه حركة النهضة بزعامة الغنوشي سرطانا يتهدد جسم تونس. وهو الحوار الذي فيه لغة عنيفة وجرأة سياسية، وكذا صوت آخر جديد قادم في بلاد أبو القاسم الشابي، من خلال حزبه الجديد «نداء تونس»، الذي ينافس جديا حزب النهضة في كل استطلاعات الرأي في أفق انتخابات شهر يونيو القادم. ورغم سنواته 91 لا يزال لسان الطالبي صارما في تحليلاته ورؤاه، من موقعه كباحث في الفكر الإسلامي ومؤرخ، هو الذي كان عميدا سابقا لكلية الآداب بالعاصمة التونسية. وإذا كان قد تعايش مع نظام بورقيبة فإن كان معارضا لنظام بنعلي، وكان من المؤسسين للمجلس الوطني للحريات بتونس. { أنتم لا تخفون قلقكم من مستقبل تونس. ما الذي يخيفكم؟ راشد الغنوشي. إنه يخبئ لنا مفاجئات غير سارة وقد يأخدنا صوب حرب أهلية. ففي حواره الأخير مع السلفيين (الذي تسرب عبر الأنترنيت) يكشف عن عمق تفكيره. وهو اليوم يقيم ممكنات نجاح انقلاب يرسخ لديكتاتورية دينية. { هل للغنوشي قدرة مماثلة؟ الأمر مرتبط بنا. فإذا أغمضنا العين عن ألاعيبه كالماشي نائما، فله القدرة على ذلك. لكن إذا كنا متقضين له (وهذا ما يحدث اليوم)، فإننا سنوقفه عند حده. { التونسي حامل لقيم منفتحة، فهو ليس متطرفا بطبعه... * انتبهوا، جزء كبير من المجتمع يحلم بدولة تحكم فيها الشريعة، تلك التي تدرس في معاهدنا الدينية. علينا أن لا نتوهم، فكل العلماء بدون استثناء يطالبون بتطبيق الشريعة، وكلمتهم مسموعة. وأسجل أن أي حزب لم يتجرأ علنا على إلغاء الشريعة، مما يعكس حقيقة واقع مجتمعنا وتركيبته السياسية. علما أن من يقول شريعة يقول دولة دينية. وهنا الخطر. علينا أن لا نثق كثيرا في خطابات التطمين التي تتحدث عن التسامح فلا أحد من الأحزاب ينادي بها رسميا. علما أنه علينا تحخديد ما نقصده بالتسامح، فقد نتسامح مؤقتا لحظيا مع ما لا نستطيع الآن إلغاءه. والكثيرون يتربصون الفرصة المواتية لفرض نموذج مجتمعي خاضع للشريعة وحينها لا حاجة للتسامح. فمادمنا لم نقل بشكل واضح « ممنوع الشريعة»، سنبقى دوما تحت تهديدها. وليس هناك حزب واحد في تونس أعلن رسميا تبنيه العلمانية. فالمعمم أن العلمانية كفر. وهذا خطأ، فالعلمانية هي الحياد، بالشكل الذي يسمح لكل مواطن العيش كما يحلو له، بحرية. مؤمنا أو غير مؤمن. { كيف تقيمون اتساع حجم التطرف في تونس؟ كان كامنا. ففي عهد بورقيبة وبنعلي كان محاصرا، مراقبا وكامنا. مع الديمقراطية برز إلى السطح وتفجر كفكرة تريد تقديم جواب. { لقد اقترحتم إنشاء جمعية لأهل القرآن. لأية غاية؟ لأننا في حاجة إلى إعادة تطوير الفكر الإسلامي. إنني أوجه نداء إلى كل المسلمين المؤمنين المناهضين لسرقة الدين الممارسة أمام أعيننا إلى تشكيل جبهة مشتركة تواجه هذا التوجه الإرتدادي. اليوم تهاجم بيوت لطرد من لا يمتثل للشريعة. { أليست الشريعة متأصلة في الإسلام؟ القرآن وحده الحكم. أما الشريعة فهي صناعة بشرية لرجال في القرن 3 الهجري. والحل هو إسلام قرآني منتصر للحريات. فلا أحد أكد يوما أن الرسول كان مسلحا بعصا وحاملا قنبلة في حزامه من أجل تنفيذ «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» بأي طريقة كانت. إن صناع الشريعة قد حرفوا القرآن الذي يمجد الحرية واحترام الإنسان. وعلى كل المؤمنين أن يصطفوا ضد هذا التوجه. ويوم يصطف المسلمون الحقيقيون في صف واحد ويبتكرون قانونا يخدم حاجياتهم الملحاحة، حينها سنكون فعلا دخلنا زمن الحداثة، لأن القرآن حداثة. «لا إكراه في الدين»، إنها جملة بسيطة وعميقة تترجم أن الإسلام لا يفرض شيئا عنوة وأن لا علاقة لها بالممنوعات التي تلصق به. فكل ما يرتبط بالحريات الفردية هو مصون في القرآن. { هل ممكن أن تكون مسلما ومتصالحا مع زمن القرن 21؟ بالقرآن، الذي هو قبل كل شئ عبادة، سنلج إلى الحداثة، من خلال منح النص بعدا إنسانيا متصالحا مع قيم التضامن والحرية وحقوق الإنسان. فالقرآن منتصر للإنسان. وكلما استنبطنا من النص النصوص الدامغة المنافحة عن الحرية والحداثة كلما حاربنا الظلامية الكامنة في الشريعة وكلما نجحنا في فضح لا إنسانيتها. فالرجم ومحاربة الردة غير موجودة في القرآن الذي ينصح بترك الناس في الأمان. { تقول دوما إن الترويكا الحاكمة هي مشيطنة.. إن الترويكا الحاكمة هي أشبه بالثالوث (المسيحي يقصد). فهناك الأب، الذي هو الغنوشي وحمادي جبالي كواجهة، والإبن هوالمنصف المرزوقي، والروح القدس هي مصطفى بن جعفر. والروح القدس تنقل فقط ما يريده الأب والإبن. وإذا ما تركناهعم يفعلون، فإن الثالوث سيربح وحينها على الدنيا السلام. { أنت حانق جدا على إسلاميي النهضة؟ النهضة أشبه بسرطان يشل كل الأطراف. حتى الثقافة تحت رحمته. وبيت الحكمة، تلك الأأكاديمية الرفيعة للمعرفة، قد سقطت تحت جبته. فقد عين رئيس الحكومة أربعة أكاديميين تابعين له وعينوا بدورهم 60 آخرين، لكنها لائحة سرية حتى تنال رضى الإسلاميين. بل إن أسماء كانت تابعة لبنعلي توجد ضمن اللائحة. وهذا دليل عن ما يرتكب من تراجعات. { أنت تعرض أمامنا لوحة قاتمة، أليس هناك من أمل وحل؟ هناك حركية تبشر بالتغيير وبالأمل. واللحظة جد صعبة وخطيرة. وهذا يفرض علي دعم حزب يواجه «الثالوث». «نداء تونس» التي التحقت به مؤخرا، و»الجبهة الشعبية» هما الحركتان التي تظهران لي قادرتين على مواجهة المد السلفي وإنقاذنا من الغرق الذي يقودنا إليه «الثالوث». ليكن الله في عوننا. { ألا تخلطون بين الإسلامي والسلفي؟ ليس هناك سوى سلفيون، ليس هناك إسلاميون. إنهم يحسنون التخفي كالحرباء وهذا ما يسمح له بالزحف مقنعين. إن ذلك ما نراه في أروبا، فالسلفيون ينتشرون كبقعة زيت والحال أنهم ضد الإسلام. { تجريم المس بالمقدس لن يكون متضمنا في الدستور. ما رأيكم في ذلك؟ سيكون هذا مكسبا هاما. إنكم ترون كيف يدنسون ويهدمون أماكن مثل ضريح سعيدة المنوبية، ويهاجمون الفن بدعوى المس بالمقدس. فمن خلال المقدس الذي لا يحددون ما هو، بإمكانهم إلغاء كل شئ. ووأد الفكر كما التقاليد. { لقد كان التونسي دوما منافحا عن هويته. أليس ذلك هو الضمان ضد التطرف؟ الهوية التونسية مهددة. إذ ما الهوية إن لم تكن ألق التاريخ الغني لبلد بتعدده؟ وهوية تونس تاريخية، موثقة ومجربة، وهي أيضا قرطاجية ورومانية مع ترتليان رجل الدين المولود بقرطاج في القرن الثالث الميلادي، أب الكنيسة المسيحية، والقديس أوغسطين الذي وضع أسس الثقافة والفكر المسيحي. هل علينا هدم آثارنا القديمة أم إنها جزء من هويتنا؟. والعمل الذي ينتظر السلفيين هنا كبير، إذ عليهم تدمير كل قرطاج وقصر الجم ودوغة. عليهم إذن أن يجزوا البلد كله، عدا مساجدهم. لكن الهوية التونسية هي واحدة من أغنى الهويات في العالم. فنحن أبناء طبقات عدة من الحضارة، وعلى الذين يتساءلون حول هويتنا أن يذهبوا إلى متحف باردو حيث تقدم في كل تفاصيلها. { كيف تحلل هذه الثورة؟ مثل كل الثورات، فهي غير مكتملة وهي في طور الإكتمال.، لقد استنفدت الثورة الفرنسية قرنين للقيام بذلك. ونأمل أنه خلال عقود قليلة سننجز ثورتنا كاملة، تلك التي تطال الفكر وهو بطئ التحول عادة. { أنتم إذن تعتبرون أن ذلك يتم الآن؟ عملي يذهب في هذا الإتجاه. والمعركة الحقيقية هي على واجهتين، واحدة ضد السلفيين والثانية ضد المسيحيين. فهذا الأخير قد لطخ الإسلام حين صنفه ضمن خانة «محور الشر». فحتى البابا بونوا 16 قد قال في راتسيبون إن «محمدا لم يمنح للعالم غير الشرور». الثورة مهددة بمثل هذه الأفكار التي تصنفنا في خانة أعداء الإنسانية. إنني أحاول تقديم جواب مزدوج لمواجهة الإسلاموفوبية التي تغديها المسيحية. ومادمنا لا نتوفر على ما يكفي من الأرشيف والوثائق الدامغة سنظل مهددين في إسلامنا. فالتطرف الإسلامي يخدم الأجندة المسيحية، لأنه يلعب على صورة إسلام منغلق ظلامي الذي يواجهونه إشهاريا بدينهم الذي يقدم كدين متسامح ودين حب وإخاء. { العنف، الذي يصل حد القتل، أصبح ساريا في تونس هذه الأيام؟ علينا أن نكون يقظين. فالإنتخابات غير بعيدة (23 يونيو 2013) والسلفيون المنظمون جيدا، يخططون للسيطرة على السلطة. وكل ما يقف في طريقهم سيدمرونه. واستهداف حركة «نداء تونس» فلأنها تنافس النهضة في استطلاعات الرأي. فلها 22 بالمئة وللنهضة 30 بالمئة.. إن «نداء تونس» هو الحزب الناهض. وهذا يخيف النهضة التي تعتبره عدوا لها. { مواقفكم صارمة. لكن أين هي الأمال حول تونس؟ نحن نعيش في لحظة اسثتنائية. وتونس تعرف تحولا رائعا يخشى أن ينتهي مع السلفيين في حال فوزهم. فهذا ما على الأحزاب السياسية أن تفهمه. الخطر ليس حمى الهمامي (رجل اليسار الراديكالي) بل الخطر قادم من راشد الغنوشي وألاعيبه. علينا الإنتباه لمسار هذا الرجل الذي انطلق من الصفر. فالأجوبة كامنة هناك.