هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحقوقي التونسي المختار الطريفي ل :« الإتحاد الاشتراكي»:

قال الحقوقي التونسي المختار الطريفي في حوار خص به جريدة «الاتحاد الاشتراكي» أن هناك تيارا سلفيا جهاديا موجودا في تونس ومنظما في أحزاب وحركات و فيه جزء من قواعد حزب النهضة، يريد أن يفرض نمطا اجتماعيا على التونسيين غير النمط الذي اعتاده هذا المجتمع بتشجيع من النافذين في حركة النهضة. وقد مارس هذه القوة في مواقع مختلفة والأمثلة كثيرة تناولتها وسائل الاعلام بتفصيل، ومس ذلك النساء المثقفين والفنانين والسياح ومواقع يرتادها هؤلاء بدعوى أنها تبيع الخمر، بل تجاوز هذا التيار ذلك بحرق محاكم وأخيرا حرق السفارة الأمريكية يوم 17 سبتمبر الماضي. وهذا يكشف عدم التعاطي الجدي للدولة مع العنف السلفي.
وأضاف ضيف الجريدة :لقد نبهنا منذ البداية الى ضرورة تطبيق القانون على الجميع بصرف النظر عن أفكارهم. لكن في البداية قيل لنا هؤلاء أبناؤنا ولم نأت بهم من المريخ، وجاء ذلك على لسان الشيخ راشد الغنوشي، الذي أجبناه بالقول: أبناؤنا فعلا، ولكن إن خالفوا القانون فيجب أن يعاقبوا كما الجميع.
كما نبهنا يضيف المختار الطريفي الى أشخاص جهاديين من داخل النهضة، وعندما تم القبض على عناصر جهادية تجلب السلاح من ليبيا وتتواجه مع قوات الامنية حيث نتج عن هذه المواجهة قتلى من الجانبين، قال وزير الداخلية آنذاك أن هؤلاء يجمعون السلاح لخلق إمارة سلفية في تونس، لكن لم يتم مواجهتهم بناء على هذا المعطى، بل تم التغاضي عن العنف السلفي إلى أن استفحلت الأمور ورأينا ما سموه غزوة السفارة الأمريكية. هذا ما يجعل الدولة اليوم في مفترق الطرق إما أن تقف في وجه العنف السلفي الذي أصبح يهدد الدولة نفسها، وإما أن تونس مقبلة على أيام حالكة.
الاستاذ المختار الطريفي مرحبا بك في حوار ل«الإتحاد الاشتراكي» نؤسس له بسؤال عن الحراك العربي الذي تشعبت أسئلته بين المحيط الاقليمي و الجهوي والدولي، فيما يتعلق بالشأن الديني والمنظومة الدولية، ماهي قراءتكم في ظل هذا التشعب في الفهم والتفسير وفي المستجدات التي بدت تطفو الى السطح وتحتاج الى الكثير من التمحيص والتدقيق من أجل بلورة رؤية بناء على معطيات واضحة وغير مغلوطة؟
أولا شكرا ل«الإتحاد الاشتراكي» على الاستضافة. وأبدأ جوابي بالقول أن المسألة شديدة التعقيد، فما يسمى بالثورات العربية ليست على نمط واحد، فما حدث في تونس وإن كان يتقارب مع ما حدث في مصر، فإنه لا يتطابق معه تماما، ونفس الشيء بالنسبة لليبيا وسوريا واليمن والبحرين، الى غير ذلك من دول الحراك العربي. ومن هذا المنطلق يمكن القول إن كل بلد عربي خاض تجربته الخاصة في هذا الكل. والتعاطي مع الشأن الديني في هذا الإطار كان يندرج في شان داخلي . ولكن الظاهرة المشتركة هو أن الثورات العربية التي حدثت أدت في كثير من الاحيان، إن لم نقل كل الاحيان، إلى صعود الحركات الاسلامية إلى الحكم سواء في تونس أو مصر أو المغرب وليبيا إلى غير ذلك. والسؤال هو كيف تعاطت هذه الحركات الإسلامية مع موضوع حقوق الانسان على المستوى الكوني، حتى أجيبك عن سؤالك مباشرة؟
هذا التعاطي في تقديري كان على قدر كبير من الضبابية والغموض..
مقاطعة: لماذا؟
لأن الحركات الاسلامية، وأخص بالحديث الساحة التونسية، رفعت خطابا ينص بالاعتراف بحقوق الانسان في كونيته وفي كل ما يتعلق بالحقوق الفردية، وهي بذلك كما قالت تؤسس لنظام ديمقراطي تعددي خال من كل ما يعيق الحرية، لكن في الوقت نفسه هناك حركة داخل الحركة السلفية سواء في الحزب الحاكم الآن أو من خارج النهضة نفسها، حيث أن هناك مجموعات سلفية تريد أن تفرض نمطا مجتمعيا لا يتطابق تماما مع المنظومة الكونية ومع المبادئ الديمقراطية، وهناك اليوم في تونس أحزاب معترف بها ترفض الديمقراطية باعتبارها فكرة استئصالية غربية لا تتناسب مع الدين الاسلامي ومع قيم الشريعة الاسلامية ، وتعارض القيم الحداثية والديمقراطية بشكل عنيف من أجل فرض نمط اجتماعي معين مختلف عن الشعب التونسي ، نمط يتميز بالغلو والتطرف واستعمال العنف والترهيب على التونسيين والتونسيات.
هناك حراك كبير داخل المجتمع بين هؤلاء الذين يفرضون نمطا يقولون إنه يستند الى الشريعة، وبين جزء من حركة النهضة الذي على الأقل في خطابه يتحدث عن دولة ديمقراطية مدنية تكون فيها قيم حقوق الإنسان محترمة ضمن منظومة عالمية كونية، ويتطابق هذا الشق من حركة النهضة مع الجزء الأعم من الشعب التونسي الذي يدافع عن المكتسبات. وهناك ازدواجية في الخطاب الاسلامي بين من يريدون أن يفرضوا نمطا معينا من التقليدانية باسم الدين والشريعة، وهناك من يخفف من ذاك بمحاولة الانخراط على مستوى الخطاب في المنظومة الكونية.
وعلى العموم اليوم في تونس نجد تدافعا كبيرا في محاولة كل طرف من هذه الأطراف في فرض توجهاته، خاصة أن مسالة الانتقال الى الديمقراطية في تونس عملية صعبة ومعقدة لا تتوقف فقط عند المطالبة بالمبادئ العالمية لحقوق الإنسان، ولكنها تواجه بناء اجتماعيا هشا. فمطالب الثورة انطلقت من الهم الاجتماعي في الشغل والحرية والكرامة والمساواة، والآن تواجه هذه المطالب صعوبات كبرى في تلبية الاحتياجات الاجتماعية للشباب الذين قاموا بالثروة خاصة في المناطق الداخلية، وبالتالي فبالإضافة الى النقاش الدائر حول الحرية، فالأمريستدعي حل المشاكل الاجتماعية، مما يفقد الدولة الآن السيطرة على الواقع بشكل كامل.
طيب السيد المختار، نلاحظ في الساحة التونسية أن لا حد ينكر أن الثورة كانت ثورة تطالب بالديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية والحرية، وفي الثورة لم يكن عنوانها برنامج خاص بالإسلاميين، لكن بعد ذلك كان هناك ركوب واضح من هؤلاء على الثورة التونسية لتحويلها الى التيار السلفي بصفة عامة. اليوم في تونس هناك خليط من الأوراق، فالتيار السلفي في تونس فيه الجانب السياسي ويتحكم فيه حزب النهضة، بينما يحال الجانب الدعوي من النهضويين أنفسهم نحو الجانب المدني الجمعوي، تم هناك أنصار الشريعة الذين يتوجهون إلى العنف الذي يتطور إلى الجهاد وحمل السلاح من أجل نشر هذه الشريعة، الشيء الذي يتنافى ومبادئ الدين الاسلامي المبني على الرحمة والتسامح والسلم، وهذا الخليط قائم في غياب دستور وحضور مجلس تأسيسي يدير البلد بشكل أو بآخر. فمن موقعك الحقوقي والسياسي من أين يمكن الخروج من هذا المأزق، هل بالحوار مع النهضة من أجل بناء الدولة، أم المطالبة بتأسيس الدستور أولا ؟
أنا اعتقد أننا دخلنا في تجربة فريدة في إدارة عملية الانتقال الديمقراطي. وكما تلاحظين سيدتي في دول عديدة أنجزت ثورات أو ما يسمى ثورات تم الانتقال الى كتابة دستور دون القيام بانتخابات. ونحن في تونس اخترنا الطريق الصعب، وهو التأسيس من جديد من خلال إرادة شعبية معبر عنها عبر انتخابات ديمقراطية شفافة ونزيهة وهي التي تمت في 23 أكتوبر الماضي بانتخاب مجلس وطني تأسيسي، وهي تجربة ناجحة أفرزت فوز حركة النهضة بأغلبية نسبية، حيث أن عددا كبيرا من التونسيين والتونسيات لم يتوجهوا إلى صناديق الاقتراع....
وماذا حدث بعد ذلك؟
الذي حدث بعد ذلك أن الحكومة التي تشكلت، جاءت على أساس أنها ناتجة عن انتخابات برلمانية، يعني من ناحية ستحكم، ومن ناحية أخرى ستتكلف بكتابة دستور، وانصبت المطالب من الهيآت والتنظيمات الشعبية والأحزاب على ضرورة كتابة الدستور، وأن هؤلاء الذين تم انتخابهم ينبغي أن يتكلفوا بذلك. وأن يتم تشكيل حكومة توافق وطني تحت إشراف المجلس الوطني التأسيسي للقيام بالإصلاحات الضرورية التي تمكن من الانتقال الديمقراطي في ظرف وجيز، لكن الذي حدث أن حركة النهضة وحلفاءها من التكتل قرروا أن يحكموا، وبالتالي دخلوا في صراع بين ضرورة تلبية المطالب الاجتماعية وعملية الانتقال الديمقراطي، ومن ناحية أخرى التفكير في الانتخابات القادمة والعمل على كسبها، وأصبح كل شيء يقومون به يدخل في خانة الاستعداد للدخول للانتخابات القادمة، يعني عدم الفصل بين حكم البلاد بتجرد وتغليب مصلحة الوطن، وبين المصلحة الانتخابية لهذا الحزب أو ذاك. هذه المفارقة الأولى. أما المفارقة الثانية، هو أن حركة النهضة، وهي حركة سياسية ودعوية في نفس الوقت كحركة إسلامية لم تحسم صراع التيارات في داخلها. ففي داخلها هناك تيار سلفي معتدل معروف يمثله أشخاص معروفون لدى الرأي العام منهم الحبيب اللوز وصادق شورو، إلى غير ذلك من الأسماء، وهناك تيار منفتح على الحداثة وعلى الدولة المدنية ويمثله وزير الداخلية ووزير حقوق الانسان الحاليين وفي خطابهم ميل الى الديمقراطيةو لكن كلهم في إطار أسلمة الدولة والمجتمع. وهناك تيار سلفي جهادي موجود في تونس ومنظم في أحزاب وحركات، وأيضا فيه جزء من قواعد حزب النهضة، والمشكل ليس في وجود هؤلاء جميعا لو كانت الأمور تتم على مستوى الأفكار، لكن هذا التيار السلفي الجهادي وبتشجيع من النافذين في حركة النهضة، يريد أن يفرض نمطا اجتماعيا على التونسيين غير النمط الذي اعتاده هذا المجتمع، بل يريد أن يفرض ذلك بالقوة، وقد مارس هذه القوة في مواقع مختلفة، والأمثلة كثيرة تناولتها وسائل الاعلام بتفصيل ومس ذلك النساء و المثقفين والفنانين والسياح ومواقع يرتادها هؤلاء بدعوى أنها تبيع الخمر ..الخ، واختتم هذا بحرق محاكم وأخيرا حرق السفارة الأمريكية يوم 17 سبتمبر الماضي.
وهذا يكشف عدم التعاطي الجدي للدولة مع العنف السلفي. لقد نبهنا منذ البداية الى ضرورة تطبيق القانون على الجميع بصرف النظر عن أفكارهم. نحن لا نقول لابد من ملاحقة السلفيين، ولكن كان من الضروري أن يلاحق كل من يقوم بأعمال العنف، وأن يعاقب طبق القانون، و للأعمال التي ارتكبها وليس للأفكار التي يحملها، لكن في البداية قيل لنا هؤلاء أبناءنا ولم نأت بهم من المريخ، وجاء ذلك على لسان الشيخ راشد الغنوشي، وقلنا له أبناؤنا فعلا، ولكن إن خالفوا القانون فيجب أن يعاقبوا كما الجميع.
كما نبهنا الى أشخاص من داخل النهضة، وعندما تم القبض على عناصر جهادية تجلب السلاح من ليبيا وتتواجه مع القوات الأمنية، حيث نتج عن هذه المواجهة قتلى من الجانبين، قال وزير الداخلية آنذاك إن هؤلاء يجمعون السلاح لخلق إمارة سلفية في تونس، لكن هل تمت مواجهتهم بناء على هذا المعطى؟
لم يتم هذا، بل تم التغاضي عن العنف السلفي، إلى أن استفحلت الأمور، ورأينا ما سموه غزوة السفارة الأمريكية. هذا ما يجعل الدولة اليوم في مفترق الطرق إما أن تقف في وجه العنف السلفي الذي أصبح يهدد الدولة نفسها والمبادئ التي بني عليها المجتمع والمتعلقة بمدنية الدولة من ثم قتل بعضهم ويهدد سلطة القانون، وإما أن تونس مقبلة على أيام حالكة.
في هذا الإطار كنا نقول دائما أن تونس حداثية، ونحن لا نتحدث عن هرم الدولة، بل نتحدث عن المجتمع التونسي الذي كان تواقا الى ترسيخ الحداثة في القوانين والحقوق في مواجهة نظام بنعلي، لينعكس نمط عيشه في أسلوب تدبيره على مستوى المجتمع والدولة. والعالم كان يعترف بهذا المجتمع عندما تأتي الجنسيات المختلفة لتقضي لحظات الحياة الجميلة في أسوار تونس الحداثة. لكن فجأة بعد ما سمي بثورة يختفي التيار المدافع عن الحداثة لصالح التقليدانيين التونسيين بمختلف توجهاتهم العنيفة والمعتدلة الدعوية والسياسية التي يبدو أنها تدبر الدولة بالفكر السلفي الواحد مع أطراف في التكتل شبه غائبة. فأين هم الحداثيين في النقابات والأحزاب والحركات؟
لم يختف الحداثيون، إنهم موجودون، وهم من يتصدون الآن لهذا المد الأصولي وأعطي مثالا على ذلك بالإتحاد العام التونسي للشغل الذي حاول المتطرفون السلفيون أن يفرضوا سيطرتهم عليه، بكل الطرق حتى بالطرق القذرة بإلقاء القمامة في مقرات هذا الأخير، لكنهم لم يتمكنوا والاتحاد صامد. ونتذكر جميعا عندما أعلن الإتحاد التظاهر بشارع بورقيبة يوم 1ماي 2012، كانت مظاهرة عارمة قادها الاتحاد والتحقت بها مكونات المجتمع المدني وكانت للتعبير عن رفض النمط الذي يريد السلفيون فرضه على المجتمع التونسي. المسألة الثانية أن المجتمع المدني بشكل عام يتصدى بالملموس للمد الأصولي، وقد شاهدتم مؤخرا مظاهرة كبيرة يوم 13 غشت بمناسبة العيد الوطني للمرأة في تونس وهي احتفالا بذكرى مدونة الأحوال الشخصية التي تم إصدارها في 13 ماي 1956، وهي رد على من قال في المجلس التأسيسي بتعويض كلمة المساواة بالتكامل بين المرأة و الرجل، واعتبرنا ذلك مسا بمكتسبات المجتمع ككل، وليس فقط بقضية المرأة، ونادينا بتكريس المساواة الفعلية. وكانت هذه المظاهرة حاشدة للطيف الديمقراطي الحداثي بمختلف توجهاته. زد على ذلك تصدي الأحزاب الديمقراطية في تونس لهذه الحركات في المجتمع وفي المجلس التأسيسي، حيث لم يستطع السلفيون داخله تمرير أن تكون الشريعة مصدر أساسي للتشريع.
إن المجتمع يتصدى بشكل كبير للمحاولات المتكررة للسلفيين في محاولتهم السيطرة على نمط عيشه. ولكن ما نشهده في هذا التصدي أن الدولة تكاد تكون في كثير من الأحيان منحازة الى الصف التقليداني السلفي، وهناك من يرى في ذلك محاولة لأسلمة المجتمع بطريقة غير مباشرة، ودفع هؤلاء لفرض سيطرتهم على المجتمع. وأكرر أن تونس تعيش تدافعا كبيرا ، ونحن نلاحظ ما يشهده المجلس التأسيسي من نقاش حول الحريات والحقوق الفردية والمساواة وكونية حقوق الإنسان وضرورة تضمينها في الدستور وإيجاد آليات لضمان ذلك. هذا نقاش حاد جدا، ويدل على أن الاسلاميين لم يتمكنوا بعد من سيطرتهم على تونس، وأن الحداثيين والديمقراطيين والمؤمنين بحقوق الانسان يتصدون لمحاولة الأسلمة.
ما تتناقله أوساط تنتمي الى التيار السلفي أن الحداثيين لا يريدون الإعمال بمبدأ الديمقراطية ولا يحترمون الأغلبية التي يقولون عنها أنها سلفية، وأنهم يؤدون بالبلاد الى التصادم نتيجة استفزازاتهم المتكررة في أكثر من مجال للسلفين المؤمنين بنمط معين في الحياة. هل يمكن أن نتحدث في أفق قريب بعد إصدار الدستور التونسي عن تسوية إجبارية في تونس يحترم فيها المعتقد الديني كما هي مثلا في تجارب أخرى عالمية في تدبير الشان الديني لخلق تعايش بين أفراد الوطن الواحد؟
أولا ليس صحيحا ما تتناقله الأوساط السلفية أن التيار الحداثي يريد أن يقصي التيار الاسلامي. وأريد أن أذكر هنا بتجربة فريدة، ففي سنة 2005 كان هناك إضراب قام به نشطاء يساريون و من أقصى اليسار، ويتعلق الأمر بالحزب الشيوعي التونسي إلى جانب إسلاميين من بينهم السيد سمير ديلو وزير حقوق الانسان في الحكومة الحالية. وعلى إثر ذلك أسسنا «جامعة 18 أكتوبر للحقوق والحريات». وأشير إلى أنه كان ذلك مغامرة كبيرة لنا نحن الديمقراطيين الحداثيين و اليساريين بصفة عامة، أن نتحالف مع الإسلاميين ومع ذلك تحدينا السلطة من أجل مواجهة الاستبداد والتسلط. وترتب عن هذا التحالف إصدار نصوص مرجعية تتعلق بحقوق المرأة و المساواة التامة والفعلية، والحقوق الفردية، ومدنية الدولة وحرية المعتقد. وتم الاتفاق على هذه النصوص من طرف الجميع يسار وإسلاميين. وأشير إلى دقة هذه المرحلة بالذات لأجيب عن سؤالك بالقول أنه لم يكن هناك أي إقصاء أو رفض للتيار السلفي.
لقد ساهم الكل في الانتخابات، ولكن النهضة هي من حاولت شيطنة خصومها، وبدأت حملتها الانتخابية على أساس أنها هي من يصون تونس العربية الإسلامية، والآخرون مغتربون ويريدون أن يخرجوا تونس عن هويتها، إلى غير ذلك من التعبيرات الموجودة في قاموسهم الايديولوجي، في حين تمت حملة الانتخابات في إطار معقول، وفازت النهضة، ولا أحد ينازع في شرعيتها. وبعد ذلك تم التحالف مع مجموعات سياسية، والجميع يقر في شرعية وجودها في السلطة، ولا أحد يقول إن النهضة قامت بانقلاب، وهي في السلطة نتيجة إرادة شعبية.
لكن هذا لا يعطي للنهضة أو أي حزب موجود في السلطة حكما مطلقا، فلابد من المراقبة، لأن لدينا قناعة أن مهمة المعارضة هي أن تنتقد وتقدم المقترحات والبدائل.
إن حركة النهضة اليوم، رغم كل خطبها، لا تقول بالعودة الى التوافق الذي بنينا عليه المرحلة الأولى في التأسيس للانتقال الديمقراطي، ونحن اليوم نقر أن لا مناص للعودة إلى طاولة الحوار من أجل الاتفاق على كل القضايا العالقة والتي تتمثل في تحديد موعد الانتخابات ومتى سننتهي من صياغة الدستور.
فلحد الآن سيدتي، لم نحدد آجالا لكتابة الدستور. فرئيس الجمهورية هو الوحيد في العالم الذي لا نعلم متى تنتهي ولايته، لأن المجلس التأسيسي رفض تحديد سقف زمن لولاية الرئيس وذلك بالتصويت بالأغلبية ضد القانون المنظم للسلط العمومية.
ولهذا نقول إنه من الضروري التعجيل بالتوافق على قضايانا العالقة حتى نستطيع التقدم بشكل واضح نحو إجراء الانتخابات المقبلة، علما أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لازالت لم تتشكل بعد والتي يلزمها على الأقل ثمانية أشهر لترتيب أمورها وتهيئ مساطر اشتغالها، في غياب قانون للانتخابات. ناهيك أننا لا نعرف هل النظام سيكون رئاسيا أم برلمانيا كما تريد النهضة، أم أنه سيكون نظاما مزدوجا. وما نعلمه أن هناك قضايا كثيرة لازالت عالقة وتحتاج الى تعميق الحوار من أجل استصدار القرارات. وأنا أعتقد أنه إذا اتفقنا الآن حول النظام السياسي يكون أفضل لنا جميعا. فكل الأحزاب الممثلة في المجلس التأسيسي وغير الممثلة تتحدث عن كون لا مجال للنظام البرلماني إلا حركة النهضة التي تصر عليه.
وما الحل أمام هذا الانفراد في القرار لدى حزب ذي أغلبية في حكومة التحالف؟
الحل يكمن في الجلوس إلى طاولة الحوار والاتفاق بشكل نهائي عن النظام السياسي للدولة. وللإشارة فيوم 23 أكتوبر هو يوم تاريخي بالنسبة للتونسيين، لأنه يوم يذكرنا بانتخاب المجلس الدستوري، وجاء في المرسوم أن على هذا المجلس أن يهيئ مشروع دستورا في آجال لا تتجاوز سنة، والتي سيكون يوم 23 أكتوبر نهايتها. ولا يفوتني هنا أن أذكر بأن 12 حزبا الذين كانوا ممثلين في «الهيأة العليا لتحقيق الثورة»، ومن بينهم حركة النهضة، وأحزاب التحالف أصدروا وثيقة في سبتمبر الماضي يتعهدون فيها بإنجاز مشروع الدستور في ظرف سنة من تاريخ الانتخابات أي 23 أكتوبر 2012 .
ولهذا أقول إذا كان هذا التزاما إخلاقيا فنحن اليوم لسنا قادرين على الوصول إلى أي شيء في هذا التاريخ أو تاريخ أبعد منه، مما يحتم علينا الرجوع إلى التوافق. وهذا ما تبشر به النهضة، لكنها لا تعمل به.
فالإتحاد التونسي للشغل أطلق منذ ماي الماضي مبادرة وطنية لجمع القوى السياسية والمدنية من أجل حوار حول التوافق. وفي البداية رفضت حركة النهضة هذه المبادرة، وقالت إنها جاءت متأخرة، تم تراجعت و تمنتها، ولحد الآن ممكن أن يحدث أي شيء منها، لأنها غير مستقرة على رأي، فرئيس الحكومة يثمن وجماعته تقول :ىنحن لا نجلس مع حزب «نداء تونس»، لكن هذا الحزب هو من الأحزاب الرئيسية الآن في البلاد.
ومجمل القول إن حركة النهضة تضع العراقيل أمام أشياء وضعتها وأعلنت عنها تم تراجعت، وهذا لم يعد مقبولا ولا يمكن مواصلة الأمور بهذا الشكل.
طيب، هل كان من الخطأ أن تتحالف أحزاب من اليسار مع حركة النهضة الاسلامية نظرا لإختلاف المرجعيات والتصورات؟
الأحزاب التي قامت بذلك هي التي بإمكانها الجواب عن سؤالك...
مقاطعة : نريد وجهة نظرك فقط إذا كان ذلك ممكنا؟
أنا في تقديري أن الخطأ ليس في التحالف في حد ذاته، ولكن الخطأ أن تتصور الجماعة أنهم انتخبوا ليحكموا، فالمجلس الوطني أنتخب بالأساس لكتابة الدستور، وكان في تقديري منذ البداية أن تشكل حكومة توافق وطني أو مصلحة وطنية، كما قال حزب التكتل تحت إشراف ومراقبة المجلس التأسيسي، يعني حكومة من كفاءات وطنية غير مرتبطة حزبيا حتى لا يتم استغلالها من طرف أحزابها في المسار الانتخابي، وذلك بما فيه مصلحة البلاد وما يطمح له الشعب التونسي.
هل الأمر يتعلق بمشكل تونسي - تونسي أم يتعلق بحراك في منطقة بكاملها، غير معزولة عن تحركات محيطها الجهوي و الاقليمي والدولي. ويرى المراقبون ما وقع في تونس لا يمكن أن يتم هكذا بمعزل عن سياسة دولية في المنطقة، والتي يتصدر رئاستها أو رئاسة حكوماتها سلفيين بشركاء دوليين؟
المشكل تونسي - تونسي، لكن هذا لا يعني أن الأمر يتعلق بحدود وطنية مقفلة، فالأبعاد الدولية حاضرة ولا يمكن إخفاؤها، وتونس تقع في محيط إقليمي ودولي مهم، والدول النافذة في هذا المحيط تريد أن تفرض الاسلامي السياسي كنمط للحكم. ونحن نعرف أن أموالا كثيرة تصرف من أجل ذلك.
كما أن هناك دولا تسخر إمكانات كبيرة من أجل الوصول الى ترسيخ حكم الاسلاميين في المنطقة. وحركة النهضة تحظى بدعم خليجي وأمريكي.
إن الثورة التونسية كانت ثورة شباب تواق الى الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وسقوط نظام بنعلي كان بيد الشعب...
مقاطعة، وهذا ما نؤكد عليه نحن كذلك ..لكن ليس لصالح الحركات الاسلامية؟
الحركات الاسلامية ركبت على الثورة وأصبحت مشجعة بروافع كثيرة من مراكز القرار الدولي، ويرى المراقبون أن هؤلاء يريدون تجريب الإسلاميين بعدما جربوا الحداثيين والعلمانيين في الحكم، وقالوا عنهم إنهم فشلوا وهم خاطؤن في ذلك... ونستشف منه محاولة فرض نمط اجتماعي وسياسي على المنطقة من خارج إرادة شعوبها. نحن نقول إن كل حامل فكرة سواء كان إسلاميا أو علمانيا أو حداثيا ينبغي أن يدافع عن أفكاره، وأن يكون الشعب هو الحكم، في جو ديمقراطي لا يقصي فيه أحد أحدا. ومن هذا المنطلق نريد أن نبني ديمقراطيتنا باحترام جميع الأفكار على أساس أن نكون محكومين بدستور ينظم العلاقة بيننا ويحفظ الحريات والكرامة والمساواة كما يحفظ التداول السلمي للسلطة. ويخلق آليات لكي لا تظل مجرد شعارات كما كانت.
أريد ان أسألك كمشتغل في المنظومة الدولية الحقوقية الكونية، فإلى آخر لحظة قبل سقوط نظام بنعلي كنتم في شراكة تامة مع المجتمع الدولي الحقوقي في الدفاع عن المنظومة وخضتم معارك كبيرة ضد أنظمة الاستبداد من أجل فك الحصار عن الترسانة القانونية التي بإمكانها ضمان حقوق الإنسان، كمطلب كوني يحمي حقوق الفرد كان من الشمال أو الجنوب، وتونس كانت نموذجا للتصعيد من أجل هذه المطالب التي دونت بأيادي حداثية ديمقراطية وطرقت الابواب الفرانكفونية والانجلوسكسونية من أجل ذلك، لكن ما الذي حدث وأقنع المجتمع الدولي بأن من سيدبر الدفاع عن الكرامة والحرية ليسوا الحداثيين وإنما حركة الإخوان المسلمين التي هي أصلا ضد المنظومة الكونية وتحاربها لصالح الشريعة إما بشكل منغلق أو انتقائي لهذه المنظومة، فكيف يمكننا تفسير أو تبديد هذا الضباب على الأقل من أجل الفهم؟
أولا لابد أن نضع الأمور في نصابها، فليس كل الديمقراطيين والمدافعين عن حقوق الإنسان يريدون أن ينحون في هذا المنحى، لكن الأمر يتعلق بالحكومات الغربية التي ترى أن مصالحها الآن تكفل بمساعدة هذه الحركات الاسلامية.
وكما تلاحظين سيدتي أن السياسة الأمريكية التي تتحكم في العالم لديها أفكار ثابتة تنطلق فيها من أن مواجهة إيران وتفكيك المنظومة التي تدعمها من قبيل سوريا وحزب الله، يتطلب دعما من دول الخليج باعتبارها معبرا على المستوى الجغرافي لإيران، فأي حرب على هذا البلد بدعوى تدمير الأسلحة النووية الإيرانية لا يمكنها أن تتم إلا عبر هذه المنطقة و مساعدتها، وما يحدث في سوريا، والذي كان بسبب تعنت النظام القمعي الديكتاتوري لبشار الأسد، هو كذلك استغلال لثورة شعب ضد الاستبداد لفصل سوريا عن إيران، وبالتالي فصل حزب الله عن الدعم الإيراني.
كل هذا يتطلب دعم دول الخليج التي لها المال وعلى أراضيها القواعد الأمريكية و فوق مياهها البوارج البحرية الامريكية كذلك. وهذه من المسائل التي تعطيها أهمية ودفعة قوية وثقلا لدى الإدارة الأمريكية، لدول الخليج المناصرة للحركات الإسلامية، وخاصة الحركات الاسلامية الوهابية، والذي يخدم في نفس الوقت المصلحة الأمريكية، الممثلة في تفكيك إيران ومعها المنظومة الشيعية المارة من إيران إلى العراق ثم بعض الشيء في سوريا ولبنان مع حزب الله اللبناني.
هذا من أحد العوامل . ومن العوامل الاخرى التي أعتبرها قائمة أن هذه الحركات الاسلامية كانت قريبة دائما من أمريكا بحكم أن أمريكا كانت متواجدة دوما في دول الخليج في السعودية وقطر والإمارات والبحرين وغيرها من دول الخليج ، وأعني وجودها الفعلي حتى أن هناك من يسميها قوات حماية للخليج .
إضافة إلى ذلك فمنذ دخول أمريكا إلى أفغانستان عبر الحركات الإسلامية، تم التعاطي مع هذه الأخيرة بمختلف ألوانها رغم ما عانت منه الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن تحولت هذه الحركات الى حركات جهادية. ونذكر هنا أحداث 11شتنبر 2001 . فهناك منظومة كونية الآن تحاول أن تخلق نمط جديد للحياة، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن أمريكا ستذهب بمخططها إلى أبعد مدى في تشجيع الحركات السلفية الجهادية.
وما الذي يضمن ذلك ؟
أنا في تقديري أن حرق السفارة الأمريكية في تونس كان علامة فارقة في عملية التحول الأمريكي، لأن الأمريكيين بدؤوا يفهمون من - خلال حديثي الى بعضهم - أنه لا يمكن التغاضي عما حدث. وممكن أن يتم دعم الحركات الإسلامية المعتدلة، لكن على شرط أن تضع هذه الأخيرة حدا للمد السلفي الجهادي .
الآن ينبغي أن نأخذ هذا الوضع في عين الاعتبار، أن هناك صعودا للحركات الإسلامية، وينبغي أن تعمل الحركات الديمقراطية التي تؤمن بمدنية الدولة والقيم الكونية لحقوق الانسان بناء ذاتها بشكل يمكنها من أن تكون بديلا للحركات الإسلامية، وهذا ما هو غائب الآن . هناك خطوات لا يمكن نكرانها، فمثلا في تونس هناك تحالفات في صفوف الديمقراطيين، وهناك جبهات يسارية ، لكن مازالت في تقديري لم تنضج بالشكل المطلوب، حتى يجد المواطن - عندما يذهب لصناديق الاقتراع - خيارا آخر غير خيار الحركات الاسلامية.
نلاحظ أن هذا التيار الحداثي الذي نطالبه اليوم بأن يسترد عافيته في المجتمع وسط مد أصولي واضح، أصبح ضحية شيئين إثنين، أولا أصبح ضحية أجندة أمريكية لها حسابات كبرى في المنطقة وتتجه إلى تقوية من يحمي مصالحها في المنطقة، وكذلك هو ضحية للصراع القائم في الشأن الديني بين فكر وهابي وشيعة الفرس اللذين أصبحا يلعبان أوراقهما بإمكانيات مالية كبرى في المنطقة ومع المجتمع الذي يريد التيارالحداثي اليوم أن يسترد عافيته به. إنه تسونامي فكري يمتد في العائلات والاحياء والجامعات، ليجد المدافع عن قيم الحداثة والمناضل من أجل التحديث المجتمع مخترق بالفعل والقوة وأعني قوة المال والشروط المريحة للدعاية الفكرية. فكيف الخروج من هذا المأزق، وما السبل لخلق ثقافة القرب وسط هذا الضجيج، بفكر ديني وأمن روحي مغاير قريب من المغاربة بصفة عامة وأعني دول شمال إفريقيا؟
كل ما حدث في تقديري كانت الديكتاتورية سببا فيه، وقد قضت الديكتاتورية والاستبداد على كل إمكانيات التفكير والبناء الذاتي لمجتمعاتنا، ففي تونس لدينا إسلام معتدل والذي دخل انطلاقا من القيروان. فعقبة بن نافع دخل القيروان وفتح بلاد المغرب، وطارق ابن زياد الذي فتح الأندلس كان من جيش عقبة بن نافع . وأريد أن أقول من خلال هذا الاستحضار للتاريخ إن الاسلام في تونس كان معتدلا وتكرس فيما بعد في جامع الزيتونة، وخلق أئمة وفقهاء معتدلين ومستنيرين والذين قرؤوا القرءان والسنة والشريعة بشكل مستنير وحافظوا على إسلام التونسيات والتونسيين بشكل مكنهم من أن يكونوا قدوة في كثير من الأحيان . وعندما نذكر الفقهاء والمفكرين التونسيين أمثال الطاهر بنعاشور والفاضل بنعاشور، والفكر الذي نشروه نرى أننا لسنا في حاجة الى فكر من الشرق. لقد حاولت الوهابية الدخول الى تونس، فتم الرد عليها في رسالة شهيرة جاء في معناها أننا لسنا في حاجة الى هذا التطرف الذي تنشرون.
لقد جاء الاستبداد وقضى على إمكانيات التفكير سواء التفكير الديني المستنير أو التفكير الفلسفي بل كل أنواع الفكر الشيء الذي هيأ التربة لدخول هذه المجموعات الآتية من الخارج بعد احتكاكها مع مجموعات أخرى سواء من الجزيرة العربية أو من افغانستان أو غيرها من المجموعات الوهابية السلفية المتطرفة.
هذا جانب. أما فيما يتعلق بالحركة الحداثية فقد تم القضاء عليها سواء في جانبها الحقوقي أو السياسي من طرف الإستبداد، مما يعني أنه تم تسخير المجتمع بالكامل في الوقت الذي ظهر فيه أناس لا يؤمنون بالديمقراطية، لكنهم يستغلونها من أجل فرض أنماط مجتمعية آتية من الخارج وهؤلاء هم من السلفيين الذين يريدون أن يرجعوننا الى القرون الغابرة. وأقول إن هذا لم يعد ممكنا، لأن هؤلاء سيحدثون أضرارا في تونس و غيرها، و في النهاية التونسيون لن يقبلوا العودة الى هذه القرون الغابرة، لأن هناك مقاومة شديدة في هذا الاتجاه.
بالفعل هناك عودة الى التدين في مجتمعاتنا، لكن هذا لا يعني العودة الى التطرف. و هؤلاء أعدادهم قليلة مقارنة مع 12 مليون تونسي. والذين جعلهم في الواجهة هو تغاضي الدولة على تطبيق القانون، بل و الامتناع عن ذلك . هذه الحركات تستطيع أن تبرز، لكن لن تستطيع فرض النمط الاجتماعي الذي تريد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.