سجلت الإحصائيات الأخيرة لوزارة الصحة بخصوص انتشار داء السيدا، أن منطقة الشمال عرفت تناميا ملحوظا خاصة وسط مدمني الهيروين عبر الحقن. عن أسباب هذا الارتفاع، برامج الحد منه، آليات اشتغال المجتمع المدني على هذه الظاهرة، كان لنا هذا الحوار مع الدكتور رشيد علوي حسنوني، طبيب نفسي بتطوان، خبير دولي في التحسيس وعلاج الإدمان، رئيس فرع جمعية محاربة السيدا بتطوان. { رصدت وزارة الصحة في آخر إحصائيات لها حول انتشار فيروس السيدا بالمغرب، تطور منحنى الإصابة بمدن الشمال في هذه السنة، إذ وصل الى 13.5%، بما تفسرون هذا التنامي؟ هناك ملاحظة أولية تجب الاشارة اليها وهي اننا كمجتمع مدني بالشمال لم نتفاجأ بهذه النسبة بل كانت توقعاتنا أكبر بكثير مما جاءت به دراسة وزارة الصحة. لأننا نبهنا الى ذلك من قبل من خلال دراسة قمنا بها خلال 2009 حول السيدا والمخدرات، وسجلنا من خلالها نتيجة كارثية مفادها أن 35% من المدمنين بالناظور ( بين نصار ? فرخانة) وحدها مصابون بفيروس داء فقدان المناعة المكتسب. إلا أن هذه الدراسة وضعت عليها مجموعة من الملاحظات وانتقدت من الناحية العلمية، ما دفع وزارة الصحة الى إنجاز دراسة أخرى بالناظور لتكتشف أن حالات الاصابة وسط مدمني الهيروين عن طريق الحقن تصل الى 27%. لكن النسبة النهائية المعلن عنها رسميا بمدن الشمال هي 13.5%.ونحن كمجتمع مدني ننتظر أن تقوم الوزارة بدراسة مضبوطة بمدينة تطوان على غرار الناظور. { لماذا تم التركيز على مدمني المخدرات عبر الحقن؟ وهل يكفي توزيع الحقن للحد من تنامي الإصابة بالسيدا؟ هذه الفئة أقلقت المجتمع المدني بالشمال لأنها فئة تعاني التهميش والإقصاء وخروقات في مجال حقوق الانسان. وباعتبارهم مرضى فلهم الحق في العلاج كحق إنساني. وقد شرعنا بشراكة مع وزارة الصحة في عملية توزيع الحقن. فبطنجة هناك مركز حسنونة لمساعدة المتعاطين، وبالناظور جمعية تقليل مخاطر المخدرات/المغرب ،وبتطوان تتميز الشراكة بكونها بين الوزارة وجمعية محاربة السيدا فرع تطوان والوكالة الكاتالانية للتعاون. إلا أنه بالنظر للأزمة الاقتصادية بالجارة الاسبانية سيتوقف دعم الوكالة الكاتالانية في دجنبر الحالي ، وقد عوضنا ذلك بمشروع دروسوس السويسرية من أجل ضمان استمرارية المشاريع التي كنا بدأنا العمل فيها مع الكاتالانيين لتمويل مراكز محاربة الادمان وتجهيز قافلة تجوب تطوان، الفنيدقمرتيل، المضيق، بالإضافة الى اننا لن نكتفي بتوزيع الحقن بل سنشرع في توزيع الميتادون وهو يعوض الهيروين، إلاأ نه آمن باعتباره دواء يصنع وفق معايير المختبرات ، وهو محلول للشرب. وهذه التجربة قررنا الشروع فيها بعد ملاحظة نتائج بلدان مثل اسبانياوفرنسا، حيث يتمكن المدمن أولا من إبعاد شبح السيدا عنه والتهاب الكبد الفيروسي، كما أن المجتمع كذلك يستفيد حيث يتم حل مشكل فئة تشكل خطورة عليه. قبل توزيع الميتادون، يجب التوعية والتحسيس بمخاطر الهيروين عبر الحقن ثم نشرع في هذا البرنامج. وهو ما نسميه ساسة تقليل المخاطر التي تمر من 3 عتبات للعلاج: 1- إعطاء الحقنة وتوعية المدمن بالطرق الآمنة لاستعمالها 2- النصح بترك الحقن والتدخين فقط 3-الميتادون ويتم إعطاؤه بطريقة تدريجية لخلق توازن (من نسبة أقل الى أكثر) وبعد حدوث استقرار وتوازن نبدأ تدريجيا كذلك في تقليل الكمية عبر شهور حتى حصول الاقتناع بالإقلاع عن الادمان، ومن ثم الإدماج في الاسرة والمجتمع. { ألا تتخوفون من التلاعب بهذا الدواء بين تجار المخدرات؟ فرنساواسبانيا تقدمان هذا الدواء على شكل أقراص، ونحن قررنا تقديمه كمحلول، وكنا قبل ذلك شكلنا لجنة وطنية للسهر على الميتادون. وحتى لا يباع بين المدمنين قررنا إعطاءه كل صباح داخل المراكز الصحية. وقد بدأ العمل بذلك بطنجة، أما بتطوان فسينطلق هذا البرنامج خلال أسبوعين على أقصى تقدير من خلال افتتاح مركز سيدي طلحة بالتنسيق بين جمعية محاربة السيدا ووزارة الصحة والذي كان مقررا فتحه منذ سنتين في تماطل غير مبرر، خاصة أن الصندوق العالمي لمحاربة السيدا والملاريا قدم 20 مليونا لدعمه. وأنا متأكد من أنه لو تمت دراسة حول إصابة مدمني تطوان بالسيدا لكانت النتائج أقرب أو نفسها المسجلة بالناظور. هذا العمل هو جزء من برنامج. فنحن كمن يحاول إخماد النار، لأن انتشار السيدا وسط هذه الفئة يتم بسرعة فالحقن تنقل العدوى مباشرة عبر الدم، ونظرا كذلك لوضعهم الهش أصلا، فمدمن الهيروين يمر قبل ذلك بتدخين الحشيش، ثم الشم ليصل الى الحقن. { ماذا عن المدمنات؟ في بداية ظهور السيدا أي التسعينات كانت نسبة النساء لا تتعدى 8 %،الآن نجد 48% . بالنسبة للمدمنين في بداية التسعينات كان استثناء أن تجد امرأة تتعاطى للهيروين. اليوم الأمر تغير. وهنا أسجل أن معاناة المدمنة مضاعفة أكثر من الرجل المدمن. فالمدمنة تهمش وتعامل بقسوة وتتعرض للعنف من المجتمع والعائلة وبين المدمنين. أتذكر فتاة ذهبت لشراء الهيروين من منطقة خالية فاختطفت واحتجزت وتعرضت للاغتصاب كما أن المدمنة تطرد من المستشفى ولا تتجرأ على إعلان إدمانها. نتابع حالات مدمنات مصابات بالسيدا إلا أن الاشكالية هي صعوبة متابعة علاجهم، إذ يرفضون التنقل لأخذ العلاج بطنجة لغياب مركز يقدم العلاج الثلاثي ضد السيدا بتطوان وهم يرفضون التخلي عن حمل الهيروين معهم مما يعرضنا لملاحقة الشرطة. وحتى عندما نتنقل معهم فهم غالبا ما يختفون لأنهم يعيشون حياة غير مستقرة، وهو ما يجعل العمل مع هذه الفئة صعبا.. وهنا أود الاشارة الى عدم تفهم السلطات الأمنية لعملنا في حين نعتبر عملنا مكملا لعملها.