لا نروم من خلال هذه القراءة لواقع السياحة المغربية، أن نقدم نقدا مجانيا للقطاع أو للشخص المسؤول على تدبيره، بقدر ما نريد أن ننبه إلى المأزق الحالي الذي توجد عليه سياحتنا والنفق الذي ينتظرها على المدى القريب والمتوسط، وكان الدافع لكتابة هذا المقال هو محور اللقاء التلفزي بالقناة الأولى يوم الثلاثاء 20 نونبر الحالي في إطار برنامج قضايا وآراء للزميل عبد الرحمان العدوي، حلقة أضفى عليها ضيوفها، طقسا تواصليا باردا سمته التلويح بالعديد من مخططات الفتح السياحي تجاوزت الأزمة البنيوية الحالية لتحط الرحال في سنة 2020 . وكأن سياحتنا تعيش وسط واحة من الرفاهية والانتعاش المطلق.لقد كان على السيد الوزير وجل المحاورين الذين كانوا يغنون مونولوغا واحدا و يدورون في فلك دفوعاته الشكلية، أن يقدموا تشخيصا لأزمة القطاع و لإستراتيجية الإنقاذ الفورية دون اللجوء إلى إلباس سياحتنا قميص عثمان والركوب على الأزمة الاقتصادية الأوربية والعالمية والربيع العربي . وهي في اعتقادنا عوامل استثمار ايجابية لو تم التعامل معها بالمنطق الاحترافي الواقعي كما حصل في تركيا والتيلاند وجزر الكناري والمكسيك. كما أن التباكي يضعف ميزانية القطاع في حدود 3 في المائة من الميزانية العامة، ربما يجد نفسه في ضعف الانسجام الحكومي وفي ضعف القدرة على الدفاع عن حاجيات القطاع المتعددة ضمن هذا الفريق أو على مستوى البرلمان بغرفتيه. هناك جملة ظل المسؤول الأول عن القطاع يرددها خلال هذا البرنامج التلفزي بكون المغرب بلدا استثنائيا في منتوجه السياحي بدليل حسب تحليله أن نسبة الزيادة في الليالي وفي الطاقة الإيوائية التي تراوحت ما بين 1و 2 في المائة وان عددا من زاروا بلادنا وصل الى 9 ملايين سائح متناسيا بأن عدد الذين يزورون برج ايفل بباريس يتجاوز شهريا 13 مليونا، فأين هو الاستثناء إذن؟ وحتى حينما تم تناول ملف السياحة الداخلية فأجوبة المسؤول لم تلامس طموح الساكنة المغربية التي ترغب في تقديم تحفيزات ومنتوج سياحي يتلاءم مع ميزانيات الأسر الفقيرة والمتوسطة الدخل، بدل أن نقدم لهم مخططات للنهوض بها لا نعلم من أين سيتم تمويلها أمام تلك الميزانية الهزيلة للقطاع. وحينما طرحت العلاقة البنيوية بين تطوير القطاع وارتفاع تكلفة الخدمات الجوية سواء مع الخطوط الملكية أو غيرها من الخطوط الجوية الدولية ، فقد اعترف الوزير بتراجع هذه الخدمات مقدما وعودا وبرامج استدراكية في هذا السياق لا يعلم خطوطها إلا هو ومن كان يدافع عن مخططاته في هذه الأمسية التلفزية. لا نريد الإغراق في قراءة حيثياث موضوع هذا البرنامج التلفزي، بقدر ما ننبه السيد الوزير إلى أن إصلاح القطاع وتمنيعه ضمن النسيج الاقتصادي والاجتماعي الوطني، يجب أن ينطلق من تشخيص الوضعية الحالية بدل القفز عنها وهو الإطار المغربي الذي لامس خبايا ونقط قوة السياحة في البلدان التي كان يزورها باستمرار في ارويا والولايات المتحدةالأمريكية ,كما يعرف سبل تقوية منافسة سياحتنا للسوق الدولية وخاصة بمنطقة البحر الأبيض المتوسط . سياحة لا تعتمد على الفرجة اللحظية بل تتجاوزها إلى استنطاق الموروث الحضاري والتضاريسي، وقد نبه احد المتدخلين إلى ذلك من خلال الحديث عن موقع قبور السعديين في مراكش وغياب ادنى الخدمات به. نحن بحاجة إلى سياحة ثقافية وبلادنا فعلا استثناء حقيقي بتعددها الثقافي واللغوي, خاصة وان الدستور الجديد يشدد على هذا المعطى، علينا كذلك الاستثمار في الساحة الرياضية خاصة وان بلادنا تتوفر على بنية رياضية هامة ومقبلة على احتضان تظاهرات قارية ودولية ككأس أفريقيا للأمم وكاس العالم للأندية، كما علينا الاستثمار في مارطون مراكش وماراطون الرمال وسباق السيارات القديمة بدل تقديم صور كاريكاتورية لزوارنا من الفلكور المغربي. كما علينا أن نجعل من مهرجان مراكش السينمائي الدولي، حدثا فنيا عالميا عوض تحويله إلى لوحات اشهارية لبعض الضيوف الذين نكرمهم إلى حد التخمة ، وأي اهتمام يمكن لوزارة السياحة بتنسيق مع حلفائها في الحكومة الحالية أن تمنحه لمهرجان السينما الافريقية بخريبكة؟ و أين موقف وزارة السياحة من مهرجان الموسيقى الصوفية بفاس ومهرجان موسيقى كناوة وعبيدات الرمى ؟ ألا تستحق كل مظاهر هذا التنوع والغنى الفني والثقافي اهتمامات وزارة سياحتنا العتيدة بدلا من الإكثار من الخرجات الإعلامية المجانية والمخدومة ؟ تشخيص مشاكل القطاع ، يجب أن ينطلق من رد الاعتبار للعاملين فيه إذا أردنا تحسين جودة منتوجنا السياحي، فمعظمهم لا يتوفرون على التغطية الصحية وبدون عقد عمل منصفة، وحمايتهم من الطرد التعسفي، على وزارة السياحة أن تتدخل لدى وزارة الاقتصاد والمالية لتحفيز أصحاب المشاريع السياحة الصغيرة في المناطق الداخلية والجبلية منها وإعفائهم من الضريبة لمدة محددة بدل استهدافهم مباشرة وإثقال كاهلهم بالضرائب قبل انطلاق مشاريعهم. وعلى الوزارة أن لا تغرق في تقديم الأمل المشفوع بالوهم, لأن المقدمات الخاطئة في علم المنطق تفرز نتائج خاطئة لذا يجب الالتصاق بواقع القطاع حاليا وبعدها يمكن الحديث عن مخطط 2020 أو 2030 السياحي، وعن عشرين مليون سائح وهو اقل من ريع السياح الذين يزرون جيراننا الشماليين. إنها مسؤولية حكومتنا ووزيرها في السياحة ومندوبياته الجهوية وكل من يلف حول القطاع وينشد كولو سياحتنا زينة... وأن التاريخ سيقول كلمته قريبا في حق من ينظر في الفراغ ومن يقول ويعمل.