خلف قرار مجلس المنافسة القاضي بتغريم الشركات الإسبانية والمغربية للنقل البحري العاملة بمضيق جبل طارق حوالي 100 مليون أورو استياء عميقا في أوساط المجهزين المغاربة الذين بادروا إلى الإعراب عن اعتراضهم على القرار وعن استغراب قيم الذعائر التي حطمت أرقاما قياسية عالمية، وباعتبار أن القرار تزامن من جهة مع مواجهة إسبانيا لوضعية مالية خانقة تهدد بإفلاس الدولة الإسبانية، ومن جهة ثانية مع تعدد التصريحات الرسمية الواعدة بتقوية علاقات التعاون والشراكة لما فيه مصلحة كل من المغرب وإسبانيا، فإننا التقينا برئيس اللجنة المغربية لمجهزي النقل البحري محمد قاريا الذي كان لنا معه الحوار التالي: كيف استقبلتم قرار مجلس المنافسة الإسباني، وما هو تعليقكم عليه؟ إن القرار مبني على وشاية كاذبة، أما الذعيرة فغير قانونية وباهظة القيمة، بل إنها ضاعفت بعدة مرات كل التوقعات، وإذا ما تأتى للسلطات الإسبانية فرض قراراتها، فإن كل الشركات المطالبة بأداء الذعيرة ستكون عاجزة عن تسديد المبلغ الذي طولبت بأدائه، مع فارق أن الشركات الإسبانية يمكن أن تستعيد نشاطها، لأن الحكومة الإسبانية لن تفرط فيها ويمكنها أن تستعمل القيمة الإجمالية للذعيرة المحتمل تحصيلها في تقديم الدعم الكافي للأسطول الإسباني. لقد بنى مجلس المنافسة الإسباني قراره على كون الشركات اتفقت فيما بينها على رفع أسعار التذاكر، والحال أن توحيد الأسعار الذي يطبق في فترات الذروة يتم تنفيذا لقرار مديرية الملاحة التجارية الإسبانية التي لا تتردد في إشهاره كلما تبين لها أن ميناء الجزيرة الخضراء يمكن أن يشهد اكتظاظا يفوق طاقته الاستيعابية، وكل امتناع عن تنفيذ هذا القرار تترتب عنه ذعيرة بقيمة 300 ألف أورو لتفادي منع بواخر الشركة المعنية من دخول ميناء الجزيرة الخضراء، فاستقلالية قرارات مجلس المنافسة الإسباني عن قرارات باقي الأجهزة الحكومية الإسبانية تضع الشركات المغربية في موضع يلزمها في كل الحالات بأداء ذعائر باهظة القيمة، وبتحمل كلفة مواكبة المسطرة إلى حين صدور القرار النهائي. إننا كمجهزين مغاربة ليست لنا أي مصلحة في رفع أسعار العبور بين إسبانيا والمغرب، لأن رفعها سيترتب عنه زيادة الطلب على الخطوط التي تغطيها البواخر الإسبانية والتي تربط من جهة الجزيرة الخضراء بالمدينتين المغربيتين المحتلتين سبتة ومليلية وتربط من جهة ثانية الميريا الإسبانية بالناظور، والدليل على ذلك هو أننا في الفترة التي فرضت علينا فيها مديرية الملاحة التجارية الإسبانية تبادل تذاكر السفر بين مختلف الشركات مع تحديد السعر في 41 أورو بالنسبة للمسافر، وفي 111 أورو بالنسبة للسيارة، كنا في رحلات العودة نطبق أسعارا في حدود 20 أورو للمسافر أي حوالي 220 درهما وفي 330 درهما للسيارة. هل سبق للسلطات الإسبانية أن اتخذت قرارات مماثلة؟ إلى حدود سنة 2004 كانت الشركات العاملة في المضيق تشكل أقطابا، وكانت تتقاسم المداخيل، وكان الهدف من ذلك هو مضايقة شركة «إي إم تي سي» التي أرأسها، فتقدمنا بدعوى إلى السلطات المغربية وإلى اللجنة الأوربية، ورغم أن الاتفاقية كانت مكتوبة، فإن الذعيرة التي حكمت بها السلطات الإسبانية على الشركات السبعة «ليماديت - كومناف - كوماريت أورو فيري - ترانس ميدتيراني - إف إر إس - لينياس ماريتيماس» انحصرت في 15 مليون أورو، ومع ذلك، فإن الاستئناف قلص الحكم النهائي ب 66 % وحدده في 1,7 مليون أورو، أي ما يعادل حوالي 300 ألف أورو لكل شركة، في حين أن الذعيرة الجديدة التي يسعى مجلس المنافسة إلى فرضها، والتي تبلغ قيمتها الإجمالية حوالي 100 مليون أورو، وتصل فيها حصة الشركات المغربية إلى حوالي 55 %، فلا تقوم إلا على وشاية كاذبة من طرف ممثل شركة عاملة بين الجزيرة الخضراء وسبتةالمحتلة، وبدل أن تتأكد السلطات الإسبانية من مصداقية الواشي ونزاهته المعنوية، فإنها جعلت الشك لفائدة الادعاء عوض أن يكون لفائدة المتهم ومقابل «الخدمة» التي أسداها لها الواشي فإنها منحته تخفيضا من قيمة الذعيرة. لم يسبق بقطاع النقل، على المستوى العالمي، أن عرف ذعائر من هذا القبيل، سواء على مستوى الحيثيات التي انبنى عليها الحكم أو على مستوى قيمة الغرامة، نحن كشركات مغربية نعتبر أن الأمر يتعلق بنشاط دولي، ونتحدى أيا كان بإثبات اتفاقنا على أثمنة العبور، لقد صار بإمكان أي كان أن يتصل بالشركات العاملة في الخط ويسافر مع تلك التي تعرض أرخص الأثمان، في حين أن تعدد الرحلات المنطلقة من طنجة، وارتفاعه إلى حوالي 35 رحلة في اليوم، صار يفرض إقرار أسعار متدنية لمواجهة المنافسة الشرسة. ما الذي تنون القيام به الآن، وما موقف السلطات المغربية؟ لقد قررنا استئناف الحكم، وآخر أجل لقبول الاستئناف هو يوم 9 يناير 2013 إننا نتابع هذا الملف منذ أزيد من سنة وسبق لنا أن أخبرنا مديرية الملاحة التجارية المغربية بفحوى الملف ، كما سبق لنا أن راسلنا وزير التجهيز والنقل عزيز الرباح الذي أخبرنا بأنه كاتب نظيره الإسباني حول الموضوع، لكننا إلى حد الآن لا نتوفر على أي رد رسمي من الوزارة حول الموقف الإسباني، علما بأن الإبقاء على النهج الحالي سيشجع السلطات الإسبانية على فرض المزيد من الذعائر على الشركات المغربية. إننا كمهنيين نطالب السلطات المغربية بالتدخل، لأن المغرب الذي كان يتوفر من قبل على إمكانية تغيير وجهة بواخره من الجزيرة الخضراء إلى موانئ أخرى، لم يعد يتوفر على هذه الإمكانية، لأن أسطوله العامل في نقل المسافرين تقلص إلى باخرتين تابعتين معا لشركة إي - إم - تي - سي، وبذل أن تكون حصة المغرب في النشاط مناصفة مع الاتحاد الأوربي، فإن التزام الصمت أمام ما يجري اليوم يمكن أن يعرض ما تبقى من الأسطول المغربي إلى الإفلاس، ويمكن أن يحول مضيق جبل طارق إلى منطقة خاضعة لنفوذ إسبانيا. ما رأي المحامين في هذا الملف؟ المحامون يقولون إنهم لم يسبق لهم أن وقفوا على أحكام بذعائر من هذا الحجم، وعلى ما يبدو، فإن كل الشركات المعنية، بما فيها الشركات الإسبانية، ستستأنف الحكم، وكلها تتوقع من المجلس الإداري للمنازعات بالمحكمة الوطنية بمدريد، تخفيض القيمة إلى مستويات متدنية، لأنها جميعها عاجزة عن تسديد المبالغ التي فرضت عليها. ما المطلوب من المغرب لإيقاف النزيف؟ المطلوب هو القيام بواجبه في الدفاع عن أسطوله البحري على غرار ما تقوم به مختلف الدول، والمطلوب كذلك هو العمل على إيقاف النزيف عبر تأهيل الأسطول لتكون كلفة الباخرة المغربية في نفس مستوى كلفة البواخر الأجنبية المنافسة، والكلفة تتضمن التأمين والضرائب ومعدلات الفوائد على القروض وغيرها من العوامل التي يتحايل عليها الأسطول الإسباني عبر رفع علم جزر الكناري، فاستفادة هذه البواخر من الإعفاءات المخولة لجزر الكناري يعتمد كذلك في تشغيل أوراش بناء السفن في إسبانيا، فما لم تتدخل الدولة المغربية، فإن الأجانب سيهيمنون على النقل في اتجاه المغرب، خاصة إذا اعتمدت الحكومة معالجة هذا الملف بمنطق طلبات العروض الدولية. وما يجب الانتباه إليه هو أن الأزمة العالمية فرضت توقيف نشاط عدة بواخر للمسافرين في شمال أوربا وفي إيطاليا واليونان، وبتوقفها تدنت أسعار البواخر بما بين 40 % و 50 %، ورغم أنها بدأت ترتفع الآن إلا أن أسعارها لا تزال متدنيةو ويمكن أن تكون مربحة في المغرب إذا ما سمح لها بتشغيل الأجانب بأجور معفاة من كل الرسوم والضرائب ومحصورة في حدود 600 دولار في الشهر. إننا في حاجة إلى الحماية، فجميع الدول، بما فيها الدول الكبرى صارت تتراجع عن التحرير العشوائي، وعلى عكس المغرب الذي فقد القسط الأوفر من أسطوله، فإن الجزائر وتونس ومصر وليبيا، لا تزال تتوفر على أساطيل بحرية هامة، إن التحرير العشوائي هو الذي فتح الباب على مصراعيه أمام الأتراك الذين فتحوا شركات في إسبانيا وصاروا باسمها يحملون راية جزر الكناري ويستحوذون على قسط كبير من النشاط في المغرب، علما بأن واردات تركيا من المغرب شبه منعدمة. أعلنت وزارة التجهيز والنقل عن فوز مكتب الدراسات الإسباني سأدفانست لوجستيك غلوبل» بصفقة إنجاز دراسة حول قطاع النقل المغربي بقيمة 340 مليون سنتيم، ما تعليقكم على هذا الخبر؟ نحن نرحب بالصفقة، ولكننا نعتقد أننا نعرف مشاكلنا أكثر من غيرنا، ونعتقد أن لنا القدرة على حل هذه المشاكل في بضعة أشهر، ولا أظن أن الإسباني مجهز لأنجاز دراسة حول الإستراتيجية البحرية، ولم يسبق لي أن سمعت أن دولة ما التجأت إلى الأجانب لإنجاز دراسة من هذا النوع ، وما أعرفه هو أن المغرب سبق له ان عالج مشاكل عميقة في سنوات 1963 ، 1968 و 1974 وأن المغاربة هم الذين تولوا بأنفسهم معالجة مشاكلهم.