كتب الربان السابق الكومندار عبد الفتاح بوزوبع مقالاً بالبوابة الإلكترونية «مارتيم نيوز» بتاريخ 25 نونبر 2010 تحت عنوان «هل نحن في حاجة إلى أسطول بحري تجاري؟» استعرض في مقدمته تاريخ الأسطول المغربي منذ نشأته مروراً بمرحلة ازدهاره ومنها إلى وضعه الحالي الذي أصبح يطرح التساؤل عما إذا كانت الاستراتيجيات المغربية المعتمدة تسير في اتجاه تجهيز ما أسماه «جزيرة المغرب» بأسطول بحري تجاري، أم أنها تخلت عن هذا الخيار واكتفت بالاعتماد على الأساطيل الدولية والاستفادة من امتيازاتها. انطلق المقال بالتذكير بالقرار المغربي الصادر سنة 1958 والقاضي بمغربة الشركة الفرنسية الشريفة للملاحة «CFCN» وإنشاء «الشركة المغربية للملاحة - كومناف» ثم المصادقة عليه سنة 1962 بالظهير المنظم للنقل البحري، وبعد أن سجل أن «CFCN» التي أنشئت سنة 1946 كانت محرومة من النقل بين المغرب وفرنسا وحصر هذا النشاط على المجهزين المغاربة، لاحظ أن سنة 1973 تميزت بالمصادقة على قانون الاستثمار البحري الذي يمنح للمجهزين المغاربة امتيازات تشجع على شراء البواخر، وهو ما سمح بالتوفر على 65 باخرة سنة 1990. الحيثيات التي شجعت على بناء أسطول مغربي لخصها الكاتب في طبيعة الصعوبات التي واجهها مكتب التسويق والتصدير لنقل بضائعه القابلة للتلف في اتجاه أوربا ، سواء منها المرتبطة بتأخير الشحن أو المرتبطة بكلفته المرتفعة، وفي نفس السياق ذكر بقرار الزيادة في رفع كلفة الشحن من أجل المساهمة في بناء أسطول مغربي مجهز بمبردات وهو ما سمح بالتوفر سنة 1980 على 19 باخرة وبإنجاز 85% من صادرات مكتب التسويق والتصدير، وبعد مرور بضع سنوات تقلصت كلفة الشخن بما بين 20% و 30%، كما ذكر بإقدام الكتب الشريف للفوسفاط سنة 1973على إنشاء شركة «مارفرسيون» التي صارت بعد 10 سنوات تحتل المرتبة الثانية عالمياً من حيث عدد بواخر نقل المواد الكيماوية حيث كانت تنقل حوالي 40% من صادرات الحامض الفوسفوري كما كانت تقوم بنقل زيت النخيل من آسيا إلى أوربا، وذكر أيضاً بإقدام «كومناف» في أواسط السبعينيات على شراء 5 بواخر متخصصة في نقل الحاويات وعلى شراء التجهيزات المرتبطة بها. كل هذه الإجراءات مكنت المغرب من تصريف سلعه في ظروف الأزمة، على غرار ما وقع إبان التفاوض مع الاتحاد الأوربي في نهاية التسعينيات حول الصيد البحري، حيث واجه المغرب الحصار الذي فرضه الصيادون الإسبان على الصادرات المغربية في ميناء الجزيرة الخضراء بالتوجه مباشرة إلى الموانئ الفرنسية. وبلغة الأرقام، قدر الكاتب مجهود الدولة عبر قانون الاستثمار البحري ب 900 مليون درهم، وهو المبلغ الذي سمح برفع مكونات الأسطول المغربي من 20 باخرة سنة 1973 إلى 61 باخرة سنة 1987 وبذلك تضاعفت الحمولة الإجمالية بعشر مرات كما ارتفع عدد المجهزين من4 إلى 18 منهم 2 عموميين ، وهذا ما سمح برفع الأطنان التي نقلها المجهزون المغاربة من 92 ألف إلى 7 ملايين و8 ألف طن وبذلك ارتفع رقم المعاملات ليصل إلى حوالي 2,5 مليار درهم أي بمعدل تغطية ميزان الشحن يصل إلى 25. وفضلاً عن كل هذا، فإن الدور الاستراتيجي للقطاع تجلى بشكل خاص في مساهمة المغرب في عملية إقرار الأمن، تحت رعاية الأممالمتحدة، في نقل الأشخاص والسلع الى مناطق نائية كالصومال. بالنسبة للسياسة البحرية الجديدة سجل الكاتب تراجع حصة المجهزين المغاربة من مختلف أنشطة السوق باستثناء المسافرين ونقل الشاحنات، إذ يعود الفضل في هذا الاستثناء لتطور المجهزين «إي إم تي سي IMTC و كوماريت COMARIT في ظرفية أقل ما يقال عنها أنها غير ملائمة، غير أن التحرير المتقدم لقطاع النقل البحري وتقليص حجم الأسطول المغربي يدفعان إلى التفكير في أن الأسباب التي دفعت الدولة إلى تشجيع إنشاء أسطول مغربي لم تعد قائمة ، وأنه يمكن التوجه نحو السوق الدولية لنقل مبادلات المغرب مع الخارج، التي بلغت سنة2009 حوالي 53 مليون طن بقيمة 380 مليار درهم. فما هي التغييرات التي طرأت لتبرير هذه الخلاصات؟ إن الجغرافية عصية، ولابد من الإقرار بأن المغرب لا يزال باستمرار «جزيرة»، فنقل صادراته ووارداته يتم بنسبة 95% عن طريق البحر، كما أن حوالي 8 ملايين من المسافرين يستعملون الخطوط البحرية، فالملاحة التجارية هي بمثابة الحبل السري الذي يمكن «جزيرة المغرب» من التبادل مع الخارج، وبلغة أوضح فإن تجارة المغرب الخارجية ترتبط كلياً بالنقل البحري، ولا يمكن تصور أن بمقدور المغرب أن يتطور دون أسطول للملاحة التجارية ودون مجهزين. فمصالح المغرب يجب أن تحافظ ، في حدود معقولة، على التحكم في هذا القطاع الحيوي، وفي هذا السياق يمكن ضرب المثل بالاتحاد الأوربي الذي يتخوف من كون أساطيله الوطنية لا تنجز «إلا حوالي 34 بالمائة من مبادلاته مع باقي دول العالم، وهذا التخوف لا يقلل من أهميته كون النقل بين دول الاتحاد الأوربي يتم بشكل كلي من طرف الأساطيل الأوربية، وحتى الولاياتالمتحدةالأمريكية الرائدة في مجال الليبرالية، فإنها تراقب أسطولاً بحرياً تحت غطاء حرية التسجيل ورفع أعلام أخرى غير العلم الأمريكي.فقد يكون من المشروع أن نتوقع كل الخير الذي يقال عن المخطط اللوجيستيكي الوطني، ولكن إذا لم تراقب «جزيرة المغرب» إلى حد ما المحور البحري، فإن الامتيازات المنتظرة من المخطط اللوجيستيكي يمكن أن تختزل بشكل كبير، إذ بدون بواخر لا يمكن ربط الموانئ المغربية بالموانئ الأجنبية ولا يمكن أن ننقل الحاويات ولا الحبوب. عند تطرقه لمستجدات القطاع لاحظ الكاتب أن المغرب يستفيد منذ بداية تحرير قطاع النقل البحري سنة 20 07 من انخفاض ملحوظ لسوق الشحن بفعل الأزمة الاقتصادية العالمية تم تساءل: كيف العمل لتقليص انعكاسات كلفة اللوجيستيك على ارتفاع قيم الشحن التي لا مجال لاستبعاد وقوعها؟ للإجابة عن هذا التساؤل انطلق السيد بوزوبع من كون المبادلات مع الخارج سنة 2009 تميزت بأداء فاتورة شحن بحري بقيمة 22 مليار درهم، أي ما يعادل حوالي 1.5 مرة كلفة واردات المغرب من المحروقات. إن معدل التغطية في مجال الشحن البحري مستقر حالياً في حوالي 10 بالمائة ومجرد ارتفاع الشحن بحوالي 10 بالمائة ستترتب عنه نفقات إضافية وطنية في حدود 2,2 مليار درهم، فقد يكون من التدبير السياسي الجيد ألاّ يتقلص الاهتمام بالملاحة البحرية وبتحسين الحصيلة . بالنسبة لما أسماه الكاتب «التحرير المتقدم»، انطلق المقال من فكرة أن المصادقة السابقة لأوانها على ظهير 1973 حرمت منذ فترة طويلة المجهزين المغاربة من الاستفادة من دعم الدولة المالي، فمعاناة الأسطول المغربي منذ سنين من فقدان قدرته على مواكبة الركب تواصلت بإعادة الهيكلة التي انطلقت سنة 2007، بدون إجراءات تواكب المجهزين المغاربة، وبالمصادقة سنة 2010 على ظهير 1962لإقرار تحرير قطاع النقل البحري. إن هذا التحرير ستكون له فوائد حصرية على الأسطول الأجنبي إذا لم يتم وضع المجهزين المغاربة في أقرب وقت على قدم المساواة مع الأجانب في المجالات التنظيمية والضريبية والاجتماعية. لمعالجة هذه الإشكالية سجل الكاتب أن خوصصة «كومناف» لم تكن متبوعة بتطوير أسطولها وفق التزامات الفائز بالصفقة، بل إن العكس هو الذي واجه مصير الشركة المخوصصة.وفي نفس السياق لاحظ أن المغرب فقد حصصه من نقل المواد الصلبة التي لا تحتاج إلى تعبئة، ومنذ حوالي 10 سنوات لم يعد أسطوله ينقل ولو طنا واحداً من 5 ملايين طن من الحبوب أو برميلاً واحداً من 9 ملايين طن من المحروقات التي تستورد كل سنة. وعند استقرائه للوضع الدولي، سجل الكاتب أن ثلثي الأسطول الدولي ترفع أعلام دول أجنبية أو أعلاما ثنائية، فليس هناك من دولة، انطلاقاً من الولاياتالمتحدةالأمريكية ووصولاً إلى الصين، لا تسمح لمجهزيها بتسجيل بواخرهم وفق نظام حرية التسجيل، أي رفع علم أجنبي، بل إن من الدول، وإن كانت أقل عدداً، أعتمدت نظاماً تسجيلياً وطنياً مزدوجاً يوفر للمجهزين نفس الامتيازات. للدلالة على ذلك يكفي التوجه إلى ميناء الدارالبيضاء للوقوف على أن البواخر الراسية بالأرصفة لا تحمل أعلاما فرنسية أو إسبانية أو ألمانية أو بلجيكية، بل إن الأغلبية تخضع لنظام التسجيل الحر وتحمل أعلام بانما وباهاماس وبيرمود وماطا واليونان وما إلى ذلك، وفضلاً عن ذلك فإن الطاقم مكون أساساً من الدول التي توفر حوالي 60 بالمائة من أيادي العمل بالقطاع بأبخس الأجور والامتيازات. نفس الوضع ينطبق على خط طنجة الجزيرة الخضراء، حيث أن بواخر إسبانيا ليست مسجلة في إسبانيا ولا تشغل الإسبانيين فقط. لقد صار من المفروض اتخاذ عدة إجراءات لتمكين الملاحة التجارية من القيام بالدور المنوط بها، ولكن يجب الانطلاق من وضع المجهزين المغاربة على قدم المساواة مع المنافسين، فهؤلاء المنافسون يؤدون للدول التي يرفعون أعلامها فقط، ضريبة على الحمولة ولا يؤدون ضريبة الأرباح ولا الضريبة على القيمة المضافة ولا على غيرها من الضرائب والرسوم، كما أن الأيادي العاملة التي يشغلونها لا تخضع لنظام الاقتطاع الضريبي على الدخل. بالنسبة للبواخر الخاضعة للتسجيل الحر، فإنها لا تخضع لواجبات معقدة في مجال ارتباط الباخرة بالمقر الاجتماعي للمجهز أو جنسية العاملين. فبإمكان المجهز أن يدير بواخره من المكان الذي يناسبه ويوفر له تسهيلات في مجالات الخدمات الإدارية والمالية والتواصل. كما أنه حر في اختيار القبطان والطاقم بغض النظر عن الجنسية. قد تبدو هذه الإجراءات صعبة، ولكن هذا هو الوضع الذي يهيمن على تدبير مجمل الأسطول العالمي، والبواخر الوحيدة التي تعمل تحت الراية الوطنية هي تلك المسخرة للربط بين الموانئ الوطنية أو تلك التي تخضع لرقابة الدولة. على عكس هذه الإجراءات، فإن الأسطول المغربي العامل في النقل الدولي، والذي يصل معدل سن بواخره إلى 24 سنة، لا يمكنه أن يقاوم طويلاً ضغط المنافسة، إذ أن بواخر الربط بين الموانئ المغربية هي الوحيدة التي ستستمر في مزاولة أنشطتها علماً بأن مجموعها يعد على أصابع اليد الواحدة. الكاتب عبر في ختام مقاله عن أسفه لكل هذه الصعوبات خاصة أن كل الإسقاطات على السنوات المقبلة تعد بارتفاع الطلب بشكل قوي في المغرب على النقل البحري للسلع والمسافرين، كما عبر عن أمله في أن يتمكن المجهزون المغاربة من المقاومة حتى ذلك الحين للمساهمة في تلبية هذا الطلب.