سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عبد القادر اعمارة (النائب البرلماني المغربي الذي شارك في أسطول الحرية):أسطول الحرية هزّ ركان إسرائيل وحصر موقف أمريكا في الزاوية وكشف عن هزالة الموقف المغربي
يؤكد الدكتور عبد القادر اعمارة، البرلماني المغربي الوحيد الذي شارك في أسطول الحرية الإنساني، والقيادي في العدالة والتنمية، أن أسطول الحرية أسّس لمرحلة جديدة في الصراع مع الكيان الصهيوني، سمتها تفكيك الأركان التي قام عليها، وفي مقدمتها الدعاية الإعلامية التي تقدمه كمدافع عن النفس، وانكشف في حدث أسطول الحرية كمجرم وجزار. وأبرز اعمارة أن الموقف الأمريكي المنحاز دوما لإسرائيل وجد نفسه منحصرا في الزاوية لأول مرة. وأضاف المتحدث الذي عانى من التعنيف والصلف الصهيوني طيلة أيام الاعتقال لدى الصهاينة، أن أسطول الحرية أبرز قوة الشعوب وقوة الإعلام، منتقدا موقف الإعلام المغربي الذي وصف أداءه بالبئيس والمنحدر، وأداء الطبقة السياسية في المغرب بأنها غير قادرة على المبادرة والفعل، ومن ذلك الموقف الرسمي المغربي الذي كشف أسطول الحرية عن حدوده، ووضع مصداقيته على المحك، وفيما يلي نص الحوار: ما هي دلالات أسطول الحرية في سياق الصراع العربي الصهيوني، وانعكاساته على المشروع الصهيوني مستقبلا؟ الدلالات كبيرة جدا، أولا ونحن نعد لهذا الأسطول في أنطاليا جنوب تركيا، كنا نقول بأن هذا الأسطول سيكون له ما بعده، دعني أقول لك كيف خططنا لذلك، بداية على مستوى التسمية اتفقنا أن نطلق عليه اسم أسطول الحرية الإنساني، المسألة الثانية التي اتفقنا عليها هي الحرص على أن يشارك فيه مناضلون من مختلف دول العالم، ومن مختلف الديانات والجنسيات والطبقات الاجتماعية، إذ حضره برلمانيون كثر، سياسيون، فنانون، وإعلاميون. وما وقع جعلنا اليوم أمام منتظم رسمي للأمم المتحدة عاجز تماما عن فرض احترام القانون من قبل الكيان الصهيوني، وعاجز عن فرض تطبيق القرارات التي يصدرها المنتظم الدولي، وعاجز أيضا عن أن يكون في مستوى تطلعات الشعوب وهي تدخل القرن الواحد والعشرين. أسطول الحرية أعطى إشارة التحول بأننا بدأنا ندخل إلى منتظم شعبي لأمم متحدة لا تكتفي برفع الشعارات، بل كرست مرحلة يقترن فيها القول بالفعل، ولهذا ستجد أن المشاركين كانوا من مختلف القارات، ومن مختلف الديانات والثقافات، وهذا يحمل دلالة عميقة، مفادها أن الموضوع، وإن كان يخص منطقة عربية وإسلامية، فإنه يهم كل شعوب العالم، أي اتخذ بعدا كونيا وعالميا. الدلالة الثانية لأسطول الحرية هي التأكيد على أننا ندخل مرحلة يقترن فيها القول بالفعل، وهو ما أراد له الصهاينة أن يأخذ منعطفا كبيرا وخطيرا، تمثل في تقديم الشهداء. في القوافل التي سبقت أسطول الحرية، كان الأمر يقف عند الاحتجاج، بعد تعرضها للمنع والتضييق، لكن المرحلة الجديدة قدمنا فيها شهداء، هذه مرحلة سال فيها الدم. الدلالة الثالثة تمثلت في استيعابنا لرسالة الكيان الصهيوني التي مفادها أنه لا مجال لأساطيل جديدة، لكن جوابنا كان أننا سنعود مرة أخرى، وهذا جواب لم نكن متفقين عليه، لأننا كنا موزعين ومفرقين في سجون الكيان الصهيوني، ولذلك فكوننا نقرر اليوم أننا سنعود، يعني أننا سندخل أمام حلقات أخرى تمهد لأن نزلزل أركان الصهيوني، الذي نعت المشاركين في الأسطول بالإرهابيين، في الوقت الذي يصدح العالم كله بأن هؤلاء مناضلون مدنيون ومسالمون تحركوا ضد الظلم الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني. هذا التحدي الذي رفعتموه يفترض وجود غطاء سياسي، إلى أي حد تراهنون اليوم على تركيا للسير نحو هدفكم، أم أن القضية باتت تتعلق بالشعوب وليس بالدول؟ هذا سؤال عميق، لأنه فعلا عندما نعاين الخريطة نجد أن بعض الدول محكوم علينا منها بأن لا تنطلق منها أساطيل، الدول العربية في هذا السياق انتهى أمرها ولا يعول عليها أحد، وليس في مستوى أن ترفع هذا التحدي، اليونان تم الضغط عليه، ولبنان واقعه لا يسمح، الذي بقي لنا هي تركيا، عندما كنا نجهز أسطول الحرية قدمت لنا دعما غير مسبوق، سواء على المستوى اللوجيستيكي أو السياسي أو الاحتضان لكل المناضلين، ونعتقد أنه خلال السنتين المقبلتين يمكن لنا أيضا أن نراهن على تركيا، خاصة وأن الكيان الصهيوني ارتكب خطأ يتمثل في المجزرة التي ارتكبت في حق الأتراك أساسا، وهذه المجزرة من شأنها أن تحدث دينامية عند الشعب التركي، لن يتنازل بموجبها عن دعم غزةوفلسطين بكل ما يملك. ويمكن لمناضلي الحرية في العالم الاعتماد على تركيا كمنطلق لأساطيل الحرية في المرحلة المقبلة. يبقى الأمد المتوسط والبعيد، أقول إنه من الصعب التكهن بأي شيء، هذا مرتبط بالتغير الذي يمكن أن يقع في المنتظم الأوربي والأمريكي، المهم بالنسبة لنا أننا ننتقل من مرحلة إلى مرحلة في الصراع مع الكيان الصهيوني، بدأنا بأساطيل صغيرة، اليوم هناك أسطول كبير، كان مقررا أن تشارك فيه تسع سفن، نحن في مرحلة الاعتماد فيها على تركيا. وننتظر تطور الأحداث لننظر كيف يمكن التحرك مستقبلا. الاعتماد على تركيا والتوجه مباشرة إلى فلسطين وبالتالي الصراع المباشر مع الكيان الصهيوني، أليس هذا تخفيفا عن بعض الدول العربية لتتنصل من مسؤوليتها في حصار غزة، خاصة مصر؟ نحن الآن في مفترق طرق، يفرض علينا إعادة تقويم مبادرات التضامن مع غزة، نحن لم نترك معبر رفح، ورفضنا الاستجابة للمقترح المصري بالدخول عبر رفح أثناء الرحلة من تركيا إلى غزة عبر البحر، لأن المقصود بذلك هو التخفيف عن الكيان الصهيوني، ولهذا السبب اعتبرت اللجنة المنظمة للأسطول أن المقترح المصري طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني، ومن ثم فقد فضلنا دخول غزة عبر البوابة البحرية، وهذا أساسي بالنسبة لنا الآن. هناك أيضا حديث عن البوابة الجوية، لكن ذلك يطرح إمكانية بحث حول المعطيات التقنية والتكنولوجية. الأساسي بالنسبة لنا الآن أن هذه المرحلة عندنا حولها تخوف أن يستمر الكيان الصهيوني في ارتكاب المجازر، مع ذلك قرارنا هو أننا سنستمر في عملنا، لن نكل ولن نمل، حتى يملّ الكيان الصهيوني من ارتكاب مجازر. هناك من ذهب إلى القول إن أسطول الحرية أرسى مرحلة يبدأ فيها العد التنازلي لسقوط الكيان الصهيوني؟ في تقديري نحن في حلقة بالغة الأهمية من سلسلة حلقات تهدف إلى هزّ أركان الكيان الصهيوني، وزلزلة الدعاية التي قام بها طوال سنوات، والتي استهدفت استبلاد واستحمار العالم، وخاصة الدول التي ترى أن من حق الكيان الصهيوني أن يدافع عن نفسه أمام مقاومة تعتبرها إرهابية. ومع ذلك، يجب أن نكون موضوعيين، وأن نفقه الواقع الذي نتحرك فيه، نحن لسنا دولة، ولا حزبا ولا جمعية ولا منظمة، بل مجموعة من النشطاء هدفهم أن يكسروا الحصار على غزة. عندما كنا في أسطول الحرية، كان البعض يتحدث عن شعارات ضخمة مثل الجهاد والاستشهاد في سبيل الله وعن تحرير فلسطين، نحن كأسطول للحرية ننشد رفع الحصار، لسنا أسطول صلاح الدين الأيوبي، أسطولنا يعبر عن ميثاق أخلاقي دولي بين مجموعة من النشطاء من مختلف الديانات والجنسيات والقارات، لديهم أهداف إنسانية تتمثل في رفع الحصار، ولا يمكن أن نحمل هذه الأساطيل ما لا تطيقه، ونقول إنها تسعى إلى تحرير فلسطين، هي تعبر عن القاسم المشترك بين جنسيات مختلفة، وتسع الجميع، وفي المستقبل ستشارك شخصيات من العيار الثقيل إن شاء الله. هناك من قرأ في الموقف الأمريكي والبريطاني أنه لأول مرة وجد نفسه محصورا في زاوية ضيقة جدا؟ الموقف الأمريكي بالأساس وإن كان منحازا بشكل غير مشروط للكيان الصهيوني، بدأ الآن يعزل وينحصر في زاوية ضيقة، ما كانت تقوله أمريكا سابقا بأن إسرائيل من حقها الدفاع عن نفسها بدأ الآن يتهاوى، باعتبار أن المجزرة التي ارتكبت كانت ضد نشطاء مدنيين، وأنا أقول أن من نقاط القوة في أسطول الحرية، أنه حرص على تخصيص مكان مستقل وخاص للإعلام داخل السفينة، فكل القنوات الفضائية الدولية، وعمل الصحفيين امتاز بالمصداقية، وكانوا يكتبون كل شيء بكل حرية، ولم يٌترك مجالا للكيان الصهيوني بأن يكذب ويقول إن السفينة كانت تحمل أسلحة، في الوقت الذي كان على متنها نساء، وأطفال بينهم طفل يبلغ عمره السنتين، وشيخ يبلغ الثمانين من عمره، مما كشف عجز الدعاية الصهيونية، والدول الغربية نفسها لم تجد ما تقنع به شعوب العالم، لكن إلى أي حد سيضيق الخناق على مواقف الدول المؤيدة للكيان الصهيوني، في اعتقادي هذا رهين بمزيد من الأنشطة لصالح القضية الفلسطينية، وبالتالي فضح جرائم الكيان وعنصريته. كيف تقرؤون موقف الدول العربية؟ مواقف الدول العربية يمكن أن نميز فيها بين موقفين: هناك دول عربية تعاملت بذكاء وبنوع من المكيافيلية، هي لم تتعامل مع الأسطول في البداية، ولكن بعد انطلاق الأسطول ومعرفتها بعدد المشاركين فيه وحجمه، ركبت على الموجة ودخلت على الخط، مثل الجزائر، إذ صرّح عبد العزيز بلخادم بأن الجزائر تحذر من المسّ بالأسطول، وحين عودة المشاركين أرسلت طائرة خاصة ونظمت استقبالا رسميا وشعبيا لهؤلاء المشاركين، وأيضا تعاملت الكويت على هذا الأساس. وهناك دول عربية لم تدخل على الخط من البداية، ويمثل المغرب نموذجا في هذا السياق، حيث بقي خارج التاريخ، ثم تحرك تحت الضغط الشعبي، ولم يتوج ذلك باستقبال رسمي أو شعبي، ما وقع في مطار محمد الخامس يدعو للأسى والأسف على هذه الطبقة السياسية التي انحصرت في مستوى ضيق جدا، وخضعت لحسابات لا ترقى إلى طموحات الشعب المغرب. في نظرك، ألا يؤثر هذا على مصداقية الموقف الرسمي المغربي أمام الشعب مستقبلا؟ أنا استمعت إلى تصريح خالد الناصري الذي تحدث بأن المسألة كبيرة، وأنه لا يتناطح فيها كبشان، وهي قضية وطنية وقضية جميع المغاربة، هذه كلمات فضفاضة بالنسبة لوزير في الحكومة، مطلوب منه أن يقرن القول بالعمل، لأن الأمر يتعلق بحكومة، لو أن الدولة قامت باستقبال شعبي ورسمي لأصبحت القضية قضية الجميع حقا، ولن تظهر العدالة والتنمية أو العدل الإحسان، ولكن للأسف الشديد، بما أن الحكومة لم تكن في المستوى، فإن الذي سيستقر في أذهان الشعب أن الذي يناضل من أجل فلسطين، هو العدالة والتنمية الذي مثله في الأسطول قيادي وبرلماني ورئيس لجنة، إضافة إلى العدل والإحسان التي حضر عنها أيضا ثلاثة مسؤولين بها. وللأسف الشديد فإن الطبقة السياسية لم تكن في مستوى اللحظة، فباستثناء اتصال أجراه معي إدريس لشكر وامحند العنصر وسفير فلسطين، فإنه لم يتصل لحد الآن لا رؤساء الفرق البرلمانية، ولا رئيسا البرلمان، كما لو أن هذا الذي شارك في قافلة الحرية ليس رئيس لجنة في البرلمان، وهذا يدل على أن الطبقة السياسية عاجزة عن الفعل، ومع عجزها ذاك فهي لا تريد لفاعل آخر أن يتحرك ويبادر، وتحسب ذلك بطريقة بئيسة عندما تقول إن ما قام به من شارك في الأسطول سيزيد من رصيده الانتخابي، وهذا قمة البؤس الذي رأيته في قضية جوهرية يعتبرها المغرب الرسمي قضية وطنية، بينما أكد حدث أسطول الحرية أن ذلك مجرد كلام فضفاض. دون أن نتحدث هنا عن بعض الأنظمة التي كانت خارج السياق كالنظام التونسي الذي لم يمثله أحد، باستثناء صحفي من قناة الحوار، والذي يحمل الجنسية البريطانية. وما انعكاس هذا الجفاء على المغرب الذي يعتبر فلسطين قضية وطنية؟ أنا في اعتقادي، أن هذه المرحلة تؤرخ لواقعة التجاوب الشعبي المتجاوز للأداء الرسمي، وإن لم يتدارك المغرب في الأسطول المقبل بمشاركة قوية وفاعلة من خلال تجهيز سفينة على الأقل، فإن هذا الشعار الذي رفعه سيتهاوى، وستدخل دول أخرى على الخط أكثر ذكاء، تماما كما فعلت تركيا، لكنها ليست في مستوى مبدئية هذه الأخيرة ولا في مستوى قيمها، ويحزنني أن المغرب سيبقى يردد المقولة التي أطلقها بعض السياسيين مفادها أن تازة قبل غزة، والتي لا ترقى إلى مستوى المغرب وتاريخه وما قدمه من تضحيات. خلال حدث أسطول الحرية ظهر أن دور الإعلام فاق وتجاوز دور الأنظمة، كيف تقرأ ذلك؟ أولا أنا أحيّي رجال الإعلام كثيرا، أمام ما قدموه لفضح المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل، من جهد كبير ومن تفاني في كشف الجريمة، لقد كانوا يشتغلون أمامي في ظروف استثنائية، كما أنهم عانوا من التعنيف والإيذاء، وفي مقدمتهم صحفيو قناة الجزيرة : عباس ناصر وعثمان الغتيري، إضافة إلى مراسل قناة الحوار. لقد قاموا بدور إشعاعي ورائد حقا. وللأسف الشديد فقد قابله إعلام مغربي رديء وبئيس، عندما عدت بحمد الله، رجعت إلى التغطيات التي أنجزتها القناتان الأولى والثانية، وعثرت على البؤس بعينه، بل والانحدار الغريب، فحتى الصور التي نقلت غير واضحة تماما، على خلاف ما بثته قنوات أخرى، والمعيب أنهم تجرؤوا على الحديث عن استقبالنا من قبل مسؤولين، وفي الحقيقة لا نعرف من هم هؤلاء المسؤولون، وهل حزبيون أم رسميون. إنه بمقدار ما رأيت من توهج وإشعاع في الإعلام الدولي، بقدر ما رأيت من بؤس وانحدار في إعلامنا المغربي. والمحزن أن الإعلام المكتوب وقع أيضا في نفس المطب، خاصة تلك التي تنعت نفسها بالصحافة المستقلة. وباستثناء تغطية قامت بها جريدة الاتحاد الاشتراكي، فإن جريدة الوزير الأول لم تذكر حتى أسماء الذين شاركوا في أسطول الحرية وكأنهم نكرات. إن إعلامنا يحتاج إلى تأهيل، لأن معركتنا في وقت من الأوقات ستكون معركة إعلامية.