للأسف لم أتمكن من الاضطلاع على تسجيل حي أو تغطية للندوة المنظمة من طرف الاتحاد الاشتراكي بمراكش ، والتي كان من ضمن المحاضرين فيها الأستاذ محمد الساسي والتي طرح فيها تقييمه الخاص لما يعيشه الاتحاد الاشتراكي . وفي انتظار ذلك سأحاول أن أناقش بعض آراء الأستاذ محمد الساسي عضو المجلس الوطني للحزب الاشتراكي الموحد وأحد متزعمي أرضية الأغلبية ،وعمليا أرضية الحزب ، وذلك استنادا لبعض ما نشرته بعض الصحف والمواقع من تغطيات لجولاته بدعوة من فروع الحزب، والتي نادرا ما تستدعي الرأي المخالف لأطروحات الساسي وتحرم بذلك المتتبعين لأنشطة الفروع من التناظر وعكس ميزة التعدد التي يتسم بها الحزب . سأنطلق على الخصوص في هذه المناقشة السريعة من تغطية لنشاط حاضر فيه الأستاذ محمد الساسي ببن جرير نشر بعدد الاثنين 22 أكتوبر 2012 بيومية أخبار اليوم في عددها 889 ، ينطلق الساسي في توصيف المرحلة السياسية في المغرب بأنها مرحلة جزر يعمد فيها النظام السياسي لاسترجاع سلطاته المطلقة التي كان يتوفر عليها قبل حركة 20 فبراير ، داعيا للعمل من أجل بناء نواة جبهة للانتقال الديمقراطي مكونة من اليسار والإسلاميين والمجتمع المدني، يكون أساسها اتفاق يجري بين العلمانيين والإسلاميين يؤدي إلى الاعتراف المتبادل وإلى التفاهم حول الحد الأدنى من المبادئ والقيم . وفي موضوع تجميع اليسار يحدد خمسة أسس رئيسية لهدا التجميع حددها في الملكية البرلمانية واعتماد الوسائل، وتبني المبادئ الديمقراطية وتسطير برنامج متوافق عليه وتبني موقف واضح من المعارضة والمشاركة في الحكومة، بالإضافة إلى الانخراط في البناء الداخلي القائم على احترام المنهجية الديمقراطية الداخلية . كما تنبأ الساسي بظهور حركات جديدة حتى ولو انقرضت حركة 20 فبراير ، مسجلا أنه من أسباب ضعف الحركة انسحاب العدل والإحسان وتعيين حكومة بن كيران مرحلة سياسية جديدة وليس جزر سياسي أو حالة عود بداية لا أجد نفسي في توصيف الساسي للمرحلة بكونها عودة النظام السياسي لاسترجاع سلطاته المطلقة وبأنها مرحلة جزر ، وذلك لسبب بسيط متماشيا مع موقفنا الذي عبرنا عنه من الدستور والذي قاد الحزب للمقاطعة ، إذ المرحلة ليست لا جزرا ولا عودة. هي أولا وبأحد المعاني استمرارية لنفس الاختلال البنيوي للنظام السياسي المغربي ، لم يقع تطور فيه ،إذ كل ما أقدم عليه النظام السياسي هو نوع من الانحناء للعاصفة عبر تغييرات مست بعض الشكليات وأبقت على نفس الجوهر ، وذلك بدءا من خطاب 9 من مارس ،والذي عرض الإطار وأبقى على مساحات كبيرة للتأويل، وبناء على ما ستفرزه موازين القوى الفعلية والمباشرة ، إلى فترة وضع الدستور وما بعدها ، طيلة هذا المسار لم يفعل النظام السياسي شيئا سوى أنه مارس قواعد الصراع السياسي وأدار معركة التحالفات بإتقان واحترافية، وتمكن من تكسير تحالفات نسجت وكانت قاب قوسين أو أدنى من الاحتضان العالي لحركة 20 فبراير المجتمعية .ثانيا وفي تقديري المتواضع، الحديث الصائب اليوم في تحديد طبيعة المرحلة السياسية التي يعيشها المغرب في كونها مرحلة سياسية جديدة ، جديدة لأن القواعد الكبرى في العملية السياسية المغربية استنفدت ولم تعد قادرة على جذب وعلى توسيع قاعدة المشاركة السياسية للمغاربة ، وأن هذه القواعد المختلة محمية من طرف طبقة سياسية تتحرك داخل جسم سياسي ضحل ومحدود وتستفيد منه في ضمان تواجدها داخل مؤسسات محدودة الاختصاصات والأدوار ، يكاد المشهد السياسي يختصر في ما يشبه لعبة ربح الوقت حيث يقع نوع من التواطؤ في عدم اقتحام هذه المرحلة السياسية الجديدة، فلا النظام جاد في التعاطي مع تحدياتها ولا البديل إن صح التعبير جاد أو يقدر حق التقدير حقيقتها ، ولذلك مساحات الاعتراض والمعارضة والاحتجاج تتقوى وتتعاظم اليوم في الشارع . وحين أقول تتقوى أستحضر مراحل المد والجزر فيها ، هذه المرحلة السياسية الجديدة أشرت عليها بالضبط انتخابات السابع من شتنبر 2007 وزكتها انتخابات 2009 بنسبة المشاركة الضعيفة جدا ،والتي كانت غير مسبوقة خاصة بالمدن ، إذ المغاربة قاطعوا الانتخابات ورفضوا تزكية ما يسمى المسلسل الديمقراطي ، وحينما جاءت حركة 20 فبراير أكدت هذه الحقيقة ..حقيقة أن المغاربة يقاطعون نوعا من السياسة ويقاطعون مسلسل العبث السياسي ولا يزكون القواعد الكبرى في العملية السياسية المغربية كما صاغ معالمها مهندسها الراحل الحسن 2. إن هذه المرحلة السياسية الجديدة التي دخلها المغرب والتي حاول النظام السياسي أن يعتبرها مؤشرا على استكمال ما يعتبره حلقة إصلاح سياسي في البلاد ، ومحاولة تكريس تثبيت بأن البلاد باتت أكثر طلبا للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية و أنها لا تعتبر المشكل في الإطار السياسي والدستوري المؤسساتي ، غير أن انبثاق حركة 20 فبراير والزخم الشعبي، كما وكيفا، الذي وسم انطلاقتها والاتساع الجغرافي لها والمحافظة على انتظامية خروجها أربك النظام السياسي والطبقة السياسية ومجموع الفاعلين سياسيين كانوا أو اجتماعيين ، وجعلهم جميعا أمام مرآة الحقيقة ، حقيقة ضعف تمثيليتهم وضمور مشاريعهم السياسية . مرحلة سياسية جديدة بالنسبة للقوى الديمقراطية واليسارية في مجالات خيارها الديمقراطي وآليات اشتغاله وحدوده ، مما يعني أنه لتقتحم المرحلة السياسية الجديدة وتكون جزءا من ترتيباتها القادمة، ملزمة وجوبا بإخضاع قواعد وأسس ذلك التبني للمراجعة ، لا بهدف مراجعة الهدف العام الذي هو الديمقراطية وسيلة وغاية ، وإنما بهدف الوقوف على تطبيقاته وأسسه ، أي إعادة تأسيس قواعده من جديد على ضوء التجربة، وبناء على دروسها . في نقاش ما اصطلح عليه بنواة جبهة الانتقال الديمقراطي ينطلق الأستاذ الساسي في حديثه عن النواة من ضرورة حدوث اتفاق بين العلمانيين والإسلاميين، مما يعني أن الساسي يعتبر نواة جبهة الانتقال بين هذين الطرفين أساسية، ويضيف إليهم المجتمع المدني وفي مكان آخر اليسار وحزبي البديل الحضاري وحزب الأمة ، وعكس ما تضمنته وثيقة «الديمقراطية الآن وهنا» والتي وضعت خطا أحمر في أي حوار مع جماعات الإسلام السياسي ، هذه الأرضية الذي كان الساسي أحد أشد المتحمسين لها ، وأحد أشد من كان حريصا أن تكون الوثيقة الواحدة التي ينبغي أن تقدم للمؤتمر، ، ولذلك كان الأكثر سخاء في قبول تعديلات وإضافات خاصة تعديلات وإضافات رفاق أرضية اليسار المواطن ، بما فيها طبعا الموقف من الإسلام السياسي ومن جماعة العدل على وجه التحديد ومن الأصولية بكل أنواعها ، والذي جزمت فيه الأرضية أرضية الحزب بدون لبس ولا غموض ، ولأن الوثيقة والأرضية وكما جرت العادة- للأسف- لم تكن إلا أرضية سيجري نسيانها كما وقع لسابقتها، وما وقع لكثير من الأرضيات التي صيغت على عجل وغادرها أصحابها على عجل دون أن يكلفوا أنفسهم حتى عناء الإخبار بسحبهم أرضياتهم ورؤاهم ، مما يعني أنها ليست فعلا أرضية التعاقد على فعل وممارسة سياسية ستكون محكومة بها ومستندة لمقتضياتها، لذلك كان الحرص أكثر على المظهر والشكل ولو بتلفيقية زائدة وبإضافة عبارات وجمل بهدف طمس الخلاف أو التصغير من أهميته، بدليل أن الرفاق كانوا يهددون بأنهم سيخرجون قضايا الخلاف إذا لم يكن الاستناد للاتفاق على الأرضية مربوطا بالاتفاق على التمثيلية في الأجهزة والهياكل . عود على بدء حتى وإن اعتبرنا أن رأي الأستاذالساسي شخصي فإن الأولى بعد كل الذي حدث وبعد التجارب المريرة التي عاشتها وتعيشها اليوم مصر وتونس وبدرجة أقل اليمن والأردن والمغرب ، أن يقع شد الانتباه لجبهة الديمقراطيين والحداثيين واليساريين والتقدميين في كل المجالات واعتبارهم هم النواة إن صح تعبير نواة الجبهة ، هم الأولى قبل ومن أجل حوار وطني شامل أو مائدة مستديرة أو ندوة وطنية أو ما شئت من الأسماء ، هم الأولى في تعديل موازين القوى وترجيح الخيار الديمقراطي السلمي المدني المنتصر وبدون تردد أو غموض لمجتمع المواطنين الأحرار ولقيم المواطنة الحقة ولمرجعية حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها حقا وحقيقة كونيا ، خاصة ، أن الأصوليين وعلى اختلاف مللهم ونحلهم أثبتوا بما لا يدع مجالا للشك حربائيتهم وبرغماتيتهم الزائدة وعلى حساب المبادئ والمثل ، وأثبتوا أنهم ينتصرون في المقام الأول والأخير لجماعتهم ولطوائفهم ، وأنهم جزء وأداة من الأدوات التي استعملت لإجهاض التغيير وتحويل مساره . وفي هذا الإطار وتماشيا مع هذه القناعة، قناعة الاشتغال على الأقرب وشحذ همم الأقرب والذي في حالتنا أولا دائرة اليسار المغربي، يمكن أن نناقش الأسس التي اعتبرها الأستاذ الساسي أسسا لا غنى عنها لأي تجميع لليسار والتي حددها في : الملكية البرلمانية واعتماد الوسائل وتبني المبادئ الديمقراطية وتسطير برنامج متوافق عليه، وتبني موقف واضح من المعارضة والمشاركة في الحكومة بالإضافة إلى الانخراط في البناء الداخلي القائم على احترام المنهجية الديمقراطية الداخلية. هذه الأسس مهمة لكنها غير كافية، خاصة أن الساسي ووفق ما هو مسطر في أرضية الحزب والتي أدخلت عبارة إعادة بناء اليسار ، والتي ليس فقط عبارة لتأثيث خطاطة الأرضية بل تعني إعادة بناء بكل ما للكلمة من معنى وفي المقام الأول التخلي عن فهم لوحدة اليسار لم يخرج عن الترسيمة القديمة وحدة مفهومة كوحدة أجهزة ووحدة مكاتب سياسية ، وهذه الوحدة المنعزلة انعزال الأجهزة سوف لن تكون إن هي تحققت إلا وحدة شلل وعجز . إعادة البناء تقتضي التخلي عن اعتبار اليسار عناوين تنظيمية فقط ، اليسار هو امتداد مجتمعي... هو جمهور يساري غالبيته غير منظمة في هياكل اليسار بسبب تكلس بنياته التنظيمية وغياب بنيات الاستقبال لديه ، والأهم بسبب غياب المشروع المجتمعي وتداخل الإيديولوجيات وعتاقة التفكير وتلفيقيته، حيث نجد خليطا من البعثية ومن الناصرية مع شيء من الاشتراكية ممزوجة بشيء من أخلاق وقيم شبه الجزيرة وتقليدانية الشرق وتلفيقيته التي أنتجت مثل صدام والقذافي وبشار الأسد ...إعادة بناء اليسار تعني أيضا إعادة تأسيس مفاهيمه ومنظوميته القيمية، والقطع مع ازدواجية القول والفعل والذهاب في المنهجية الديمقراطية ليس على صعيد المركز ولكن من التحت إلى الفوق . إعادة بناء اليسار تعني أيضا الانفتاح على المستقبل والتخلص من رواسب الماضي وتقطباته، ويعني أيضا نقاشا مفتوحا بين مختلف مكونات اليسار سواء اليسار السياسي إن صح التعبير أو اليسار النقابي ويسار المجتمع المدني وتعبيرات الحركات الاجتماعية المستقلة . ويجب على مجموع هذه الأطراف، في سيرورة إعادة بناء اليسار، أن تكسر الاستمرارية البيروقراطية التي تخنق المبادرات وتحد من فعالية النضال الاجتماعي الجماهيري المستقل، وأن تتمكن هذه السيرورة من تجميع القوى الاجتماعية ذات المصلحة العميقة في التغيير الديمقراطي الحداثي ، كما يجب أن تؤدي على الخصوص لإعادة إدخال الممتنعين والمقاطعين للعمل السياسي السياسوي وإعادة إشراكهم في ديناميات المشاركة والمواطنة . بهم ومعهم يمكن لليسار الجديد تشكيل رافعة تغيير ضخمة . حركة 20 فبراير وجماعة العدل والإحسان ستظل موضوعة حركة 20 فبراير قضية خلافية وغير منتجة طالما لم يقدم تعريف لطبيعة هذه الحركة ومعانيها ، وأظن أن الأستاذ محمد الساسي ينتصر للمعنى الذي يفيد أن الحركة هي ائتلاف تنظيمات وأحزاب ، لذلك هو يقدم من ضمن أسباب تراجع الحركة انسحاب العدل والإحسان وعدم قدرة جزء من مكونات أخرى على تدبير الاختلاف والإقرار بالتعدد. والحقيقة أن حركة 20 فبراير عند انطلاقتها لم تكن لا ائتلاف تنظيمات ولا هيئات بدليل أنها انبثقت في فعلها المستقل من شابات وشباب في غالبيتهم لم تكن تربطهم روابط تنظيمية، وإن كان بعضهم تربطه بقيم اليسار وقواه الحداثية روابط انتماء لقيم ومثل من مثل عدالة، حرية وكرامة . حركة 20 فبراير يمكن التأريخ لها بمرحلتين: مرحلة الانطلاقة وامتدت لحدود 24 أبريل ما بعد هذا التاريخ تحولت النوايا والتردد إلى تصميم من طرف هذه الجماعة للتحكم في الحركة وتوجيهها وفق أجندتها ولأهدافها الخاصة ، في الانطلاقة كانت الحركة مجمعة ومكثفة للمطالب وكان السياسي يكثف ويجمع وينوع في الجمهور المساند للحركة . صحيح تماما أن الفئات الوسطى لم تمنح الدعم والمساندة بالشكل المأمول ، لكن صحيح أيضا أن الانطلاقة الأولى ضمت الفئات الوسطى وشرائح اجتماعية متنوعة،وأن الانطلاقة الأولى كانت واعدة، لكن مباشرة بعد تحكم الجماعة في الحركة والتي بدأت بتعطيل الميكانيزمات الداخلية للجموع العامة لصالح أشكال مغلة في البيروقراطية وبعيدة عن المرونة والديمقراطية التي ميزت الجموعات العامة في الانطلاقة ،ثم وقع تغيير استراتيجية الخروج والتظاهر نحو الأحياء الشعبية ، ثم بعدها تغيير ملحوظ في الشعارات وعمليا تغيير الجمهور وتغيرت الشعارات وتغيرت الأهداف ، على عكس ادعاء الأستاذ الساسي. أنا من الذين يعتبرون سطوة جماعة العدل على الحركة من أحد الأسباب الرئيسية لتراجع وضعف الحركة وزادت ضعفا وتراجعا حينما جرى تحويلها لتنسيقية أحزاب ومكونات سياسية حزبية .