ينتابني شعور من التعجب وأنا أتصفح مقالات بعض الصحفيين، وخاصة المترجمة منها، إذ لا أدري لما يحاول هؤلاء إعطاء القراء وجهة نظر واحدة لما يترجمونه، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بحدث تشارك فيه العديد من الأطراف. فشرف المهنة الصحافية يلزمهم بتقديم الحدث من كل جوانبه وبكل موضوعية، بعيدا عن النزعة الذاتية، وعلى القارىء أن يحكم بنفسه. فحول ما يكتب عن الأحداث في سوريا، هناك نقط استفهام كثيرة تستوقف القارىء، وأنا لن أستدل بما كتبه حسنين هيكل أوالكتاب والصحفيون العرب، بل بالعديد من الأجانب والذين لا يخفون الحقائق وإن كانت تتعارض مع أفكارهم. فلماذا لم يترجم صحفيوكم ما تحدث به الطبيب جاك بيريي وهو من مؤسسي أطباء بلا حدود، الذي دخل مع المسلحين من «المعارضة» في سوريا وعاش بينهم أسبوعين قام خلالها بعمليات جراحية في أوكارهم، وحينما عاد إلى فرنسا أدلى بتصريح للعديد من القنوات والمجلات عن رعب ما شاهده من فظاعة للقتل والتدمير، حتى من قبل المجموعات المسلحة، وأن من بين الجرحى الذين عالجهم هناك ستون في المئة ليسوا من السوريين بل من كل الأجناس. واستغرب من وجود فرنسيين معهم يفتخرون بذلك الإرهابي «مراح» الذي قتل الفرنسيين أمام باب المدرسة بدون رحمة، ثم أضاف أنهم كلهم من السلفيين التكفيريين الذين يحلمون بإقامة إمارة إسلامية في بلاد الشام. لماذا لا تترجم مقالات الكاتب والصحفي «روبرت فيسك» التي تنشر في جريدة «الأندبندت» البريطانية المشهورة التي يروي فيها ويحلل الوضع كما يحدث في سوريا؟ ويتحدث بإسهاب عن المسلحين وتمويلهم اللا محدود بملاييىر الدولارات الخليجية، وأفكارهم التكفيرية الوهابية؟ لماذا لا تنشرون ما يكتب في موقع «الحقيقة» الخاص بالكاتب الفرنسي المعروف «تيري ميسون»، والذي أظهر أول انفجار انتحاري في سوريا قام به شاب مغربي. كما يتحدث عن سير الأحداث بالصوروبالتدقيق. لماذا لم تنشروا مقال لوموند ديبلوماتيك في 12 9 2012 بعنوان «الإعلام الكاذب». لماذا لم تنشرو ما كتب في التايمز البريطانية وتناقلته كل القنوات والمواقع ،عن السفينة الليبية «انتصار» التي رست في ميناء الإسكندرونة في تركيا وهي محملة ب 400 طن من الأسلحة المتطورة و صواريخ سام 7 ، وقبطانها ليبي يسمى يوسف مصعب وقد دخل كل ذلك السلاح لسوريا؟ لماذا لم تنشروا المقالات التي تنشر في موقع «نو فيولونس» التي تتحدث بصدق عن كل المتورطين في سفك الدم السوري وليس طرفا واحدا؟ لماذا لم تنشروا مقالات الكاتب الفرنسي فردريك بيشون؟ لماذا لم تكتبوا عن 21 ألف تونسي أعطيت لهم تأشيرة العمرة، ولم يعد منهم سوى 10 في المئة إلى تونس والباقي أدخل لسوريا للقتال؟ لماذا لم تكتبوا عن عملية البيع التي جرت في اليمن إذ قدم لكل عائلة 10 آلاف دولار للفرد وأغلبهم من القاصرين لتجنيدهم وإرسالهم لسوريا؟ لماذا لم تتحدث أية منظمة نسائية عن السماسرة الذين يشترون القاصرات من مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن بأبخس الأثمان ثم يطلقونهن بعد مدة قصيرة؟ وأخيرا لما لم تذكروا شيئا عن المغربي طه عبد الرحمن الملقب بأبو خليل الذي قتل في معركة مركز البحوث العلمية في حلب في 18 من هذا الشهر؟ والقائمة طويلة مما لا تكتبونه من الحقائق والوقائع، لأن الصحفي إذا لم يكن في موقع الحدث، فعليه أن يأخذ الخبر من مواقع متعددة وليس من الموقع الذي يتناسب مع وجهة نظره، أو وجهة نظر من يوجهونه. وما ذكرته ليس وجهات نظر، بل حقائق ووقائع من قبل أجانب لا صلة تربطهم بالنظام السوري، والسؤال هو لماذا هذا الإقصاء وهذا الإنتقاء في نشر الأخبار وترجمة المقالات، لأن ذلك حسب رأيي يحجب الواقع الحقيقي للأحداث ولا يترك سوى الواقع الذي تريده بعض الأطراف التي سيطرت على الإعلام بكل ثقلها، ومع الأسف أن ما يشعر به أغلب الناس أن القارىء الباحث عن الحقيقة، لم يعد يحتاج للجريدة لتتبع الخبر، لأنه أصبح يعرف أكثر من الصحفي، وأصبح أكثر مهنية من الذي يمتهن حرفة الصحافة.