هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بداية الحرب التركية لإسقاط نظام الأسد

وافق البرلمان التركي اليوم الخميس 4 أكتوبر 2012 على طلب تقدمت به الحكومة التركية لشن عمليات عسكرية داخل الأراضي السورية. وقال نواب أتراك إن البرلمان وافق على شن عمليات خارج الحدود إذا اعتبرتها الحكومة «ضرورية».
وقد وافق البرلمان على طلب تفويض الحكومة بالتدخل العسكري لسنة واحدة ضد أهداف في سورية بأغلبية 320 نائباً مقابل رفض 93 نائباً معارضاً. وفي وقت سابق من اليوم أفاد مراسل قناة المنار في تركيا أن نقاشات حادة شهدها البرلمان التركي على خلفية رفض أحزاب المعارضة للتدخل العسكري في سورية.
وعقد البرلمان التركي، المؤيد بأغلبيته لحكومة رجب طيب أردوغان، اليوم اجتماعاً طارئاً مغلقاً للبحث في السماح رسمياً للجيش بتنفيذ عمليات في الاراضي السورية. فيما أعلن حزبان في المعارضة أنهما سيصوتان ضد الإقتراح الذي تقدمت به الحكومة. وينص الدستور التركي على ضرورة الحصول على الموافقة المسبقة للبرلمان للقيام بعملية عسكرية خارجية.
وكانت الحكومة التركية، الداعمة للعمليات المسلحة في سورية، اعتبرت أن "الأزمة السورية تمثل تهديداً لأمن البلاد"، وأضافت أنها "تبحث في تنفيذ عمليات عسكرية في سورية"، مطالبة موافقة البرلمان على عملياتها العسكرية خارج الحدود.
إلى ذلك، قال مستشار رئيس الوزراء التركي إبراهيم كالين في حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" إن أنقرة لا تريد حربا مع سورية، مؤكداً إستمرار "المبادرات السياسية والدبلوماسية".
وأوضح كالين أن "لا رغبة لتركيا بحرب مع سورية، ولكن تركيا قادرة على حماية حدودها وسترد حين يكون ضرورة لذلك".
وأشار إلى أن تركيا ردت على حادث الأمس "بدون إعلان الحرب على سورية".
من ناحيته، علّق وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اليوم على القصف العسكري التركي للأراضي السورية، وقال إن دمشق أكدت لموسكو أن قصف الأراضي التركية كان "حادثاً عرضياً محزناً".
وأضاف لافروف في تصريحات أدلى بها للصحافيين خلال زيارته إلى إسلام آباد أنه يجب على السلطات التركية والسورية إقامة قناة اتصال مباشرة على ضوء التوتر على الحدود.
واعتبر وزير الخارجية الروسي أنه يتوجب على دمشق التعهد بشكل علني بعدم السماح بوقوع حوادث مسلحة جديدة على الحدود مع تركيا.
وأعرب عن أسفه لعدم تنديد مجلس الأمن الدولي ب "العمليات الإرهابية في سورية".
ودان الاتحاد الاوروبي على لسان وزيرة خارجيته كاثرين أشتون "القصف السوري على قرية اكجاكالي التركية على الحدود"، وحث "جميع الاطراف" على ضبط النفس، حسبما ذكرت وكالة فرانس برس.
ونقلت "رويترز" عن وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ تفهمه ل "الرد العسكري التركي على الهجوم السوري"، وتأكيده على وجوب "تفادي تصعيد الموقف".
وأضاف "نعبر عن تضامننا الشديد مع تركيا لكننا لا نريد أن نشهد تصعيدا مستمرا لهذه الحادثة."
وقال هيغ إن على الحكومة السورية أن تضمن الا "تتكرر اي حادثة من هذا القبيل حتى يمكن تفادي هذا النوع من التوتر على المناطق الحدودية مع تركيا او غيرها من دول الجوار".
كما دعا وزير الخارجية الألماني غيدو فسترفيلي أنقرة إلى "الإعتدال ولرد معقول في هذا الوضع المتوتر"، مؤكداً وجوب نزع الفتيل ووقوف بلاده إلى جانب تركيا.
وكانت الوكالة نفسها قالت إن القصف المدفعي التركي على منطقة تل أبيض السورية الحدودية تجدد صباح اليوم الخميس، ونقلت الوكالة عن المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي يتخذ من بريطانياً مقراً له، إن عدداً من الجنود السوريين قتلوا في قصف تركي ليل أمس الاربعاء على موقع عسكري سوري.
ويُشار إلى أن المعلومات التي ذكرها المرصد لم تؤكدها مصادر الرسمية للجانبين.
سوريا: شبح المأساة البوسنية
كان لابد من ثلاث سنوات من الحرب ومائة ألف قتيل قبل أن يتدخل الغربيون في البوسنة. أوجه التشابه مع الأزمة السورية متعددة. نهاية الحرب في سوريا رهين، لامحالة، بانقلاب موازين القوة في الميدان.
حرب أهلية بمكونات دينية وعرقية قوية، ودول جوار تتعامل كعراب للأطراف المتصارعة، وقوى عظمى مشلولة بانقساماتها، ورأي عام دولي مصدوم من هذه الانتظارية: أوجه التشابه بين ما جري في البوسنة بالأمس وما يجري في سوريا اليوم كثيرة ومتعددة، إلى أي حد ستصل الأمور؟ وبأي ثمن؟
ماذا لو يعيد التاريخ نفسه؟ «فيما يتعلق بسوريا، نحن اليوم نوجد حيث كنا نوجد سنة 1993 / 1994. بالنسبة للبوسنة، تطلب منا الأمر سنتين...» هذا التعليق الصادم صادر عن الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في شهر يونيو الماضي.
من جانبه، يعطي وليام هيغ، وزير الخارجية البريطاني، نفس التشخيص: سوريا «تشبه البوسنة سنوات 1990».
بالطبع، كل أزمة تختلف عن أخرى والحقب والظروف كذلك. ومع ذلك، عندما يتذكر مسؤولون غربيون ومراقبون وفاعلون أو شهود مباشرون على المأساة في البلقان تلك الأحداث، فإن المقارنة مع سوريا تعود بسرعة إلى الواجهة. يقول مستشار سابق لقوة الحلف الأطلسي في البوسنة «بعد 30 سنة من العمل في مناطق الصراع، لابد أن ألاحظ أن سوريا هي الملف الذي يقدم أكبر عدد من أوجه التشابه مع البوسنة: حرب أهلية بمكونات عرقية ودينية قوية، محيط إقليمي حيث تتعامل دول «الجوار» كعرابين لأطراف الصراع، ودائرة ثالثة مكونة من القوى العظمى عاجزة عن التوصل إلى اتفاق...».
خبير آخر في الملفين، المبعوث السويسري الحالي في الشرق الأوسط جان دانييل روش الذي اشتغل مع العدالة الدولية في البلقان، يتحدث عن أوجه الشبه، من خلال وجود «مأزق سياسي، تصعيد العنف، دبلوماسية عاجزة، رأي عام دولي مصدوم يتمنى فعل شيء ما لوضع حد للمجازر في حق المدنيين».
في البوسنة دامت الحرب الأهلية من 1992 إلى 1995. أظهر خلالها المجتمع الدولي تردداً وعجزاً واضحاً. كان لابد من انتظار سقوط 100 ألف وجرائم الإبادة في سريبرنيتشا ليقرر الغرب وقف حمام الدم. ضربات جوية محددة للحلف الأطلسي للمواقع الصربية مقرونة بإمدادات عسكرية سرية للقوات البوسنية الكرواتية، مما أجبر سلوبودان ميلوسفيتش على التفاوض. مفاوضات أدت الى اتفاقيات دايتون في نونبر 1995، والتي رسمت تقسيم البلاد وفق خطوط عرقية.
واليوم يذكرنا القصف الجوي لحلب ومدن سورية أخرى بسراييفو، وتذكرنا عمليات التمشيط والتطهير العرقي التي تقودها مليشيات رانكو ملاديتش ورادوفان كرادزيتش في البوسنة. هناك أيضاً تشابه تاريخي: الأزمتان جاءتا كل واحدة في سياق دولي مأزوم. فالتغييرات الجيو سياسية التي شهدتها أوربا الشرقية بعد انهيار الشيوعية شكلت الخلفية العميقة للحرب في البوسنة. وهذا الصراع جاء نتيجة للانهيار الإيديولوجي ليوغسلافيا. وكان مسرحياً للجنون الدموي الذي أثمره مفهوم «صربيا الكبرى» الذي هلل له الرجل القوي في بلغراد، سلوبودان ميلوسفيتش.
المأساة السورية تتم في سياق تحولات تاريخية: ربيع لتحرير الشعوب العربية الثائرة ضد الأنظمة. في دمشق يتعلق الأمر بخريف نظام فئوي هو نظام آل الأسد يرتكز على تحالف أقليات، يصارع ضد انقراضه من خلال تصعيد العنف.
الحرب في البوسنة كانت دينية (الصرب الأورثودوكس ضد الكرواتيين الكاثوليكيين والبوسنيين المسلمين) وقومية (الصرب ضد البوسنيين والكرواتيين، وسراييڤو أحرقت لأنها كانت تحمل لواء التعدد العرقي). في سوريا الانتفاضة ضد الأسد نشأت داخل الأغلبية السنية، بينما الأقلية العلوية مرتبطة بالنظام (العلويون ليسوا كلهم موالين للأسد). فهي ليست حرباً دينية بالمعنى الدقيق للكلمة، ولكن خطر هذا المنحدر وارد وموجود. والمواجهة تجري أساساً بين شعب ثائر ونظام مستعد للجوء إلى الحلول القصوى من أجل الاستمرار والبقاء
طيلة عدة أشهر في السنة الماضية (2011) كانت احتجاجات الشوارع سلمية، والحرب كانت أولا خيار النظام.
وشبح شلل المجموعة الأوربية الطويل عنصر آخر من العناصر المشتركة بين الملفين. فالشلل والانقسام الواضح بين القوى العظمى هو نتيجة لتموقع الروسي أمام الغربيين: دعم موسكو للنظام السوري اليوم ومساندتها للعرب بالأمس. ومع ذلك، فإن صورة أوباما في خلق الصورة هي التي تبدو العنصر الحاسم. وكما كان وضع بيل كلينتون سنة 1993 و 1994 إزاء البوسنة، حيث ظل يتردد طيلة ثلاث سنوات قبل أن يقتنع بالتدخل.
وسوريا لم تكن من أولويات باراك أوباما. فهو في حملة انتخابية، ولا يريد حرباً أمريكية جديدة في العالم الاسلامي، والأهم بالنسبة له هو درء أي انزلاق في الملف النووي الإيراني الذي يبقى التعاون الروسي بشأنه أمراً مطلوباً بقوة. في سنوات 1992/1994 لم يكن جورج بوش الأب ثم بيل كلينتون يجدان مصلحة استراتيجية للتدخل في الملف البوسني، وكانا يعتبران أن النزاع في البلقان هو أولا ملف يهم الأوربيين. وقد كان لجيمس بيكر كاتب الدولة في عهد بوش، عبارة أصبحت شهيرة «ليست لنا أدنى مصلحة ندافع عنها في هذا الملف»، ويزيد خلفه وارن كريستوفر في نفس الاتجاه بقوله «البوسنة مشكل من الجحيم».
سوريا مشكل «جهنمي»، يبدو أن الولايات كلفت شركاءها الاقليميين بتدبير الملف، على الأقل في جزئه المهم، ويتعلق الأمر بتركيا وبعض الدول العربية. وهي تحاول تطويق خطر العدوى والانتشار، لكن ظهور هذه الأطراف الاقليمية التي يبقى تحركها غامضاً وملتبساً، مما يساهم في تضخيم الإحساس ب «الحرب بالوكالة» في الصراع الاستراتيجي الديني الكبير بين السنة والشيعة، بين إيران والسعودية.
بخصوص البوسنة، كما بالنسبة لسوريا، يتميز الأوربيون بعجزهم عن التحرك بمفردهم، وبانقساماتهم الظاهرة، أو الخفية.
في سنوات 1991 - 1994 كان الكرواتيون يحظون بدعم ألمانيا. أما الصرب فقد كانوا يحظون بتساهل واضح من فرانسوا ميتران.
وفرنسا في عهد فرانسوا هولاند، كما في عهد نيكولا ساكوزي، في مقدمة الأوربيين للتنديد بممارسات نظام الأسد. لكن هذه التغريدات تبقى معزولة ومنفردة. وإعلان فرانسوا هولاندا يوم 27 غشت الماضي بإمكانية الاعتراف بحكومة انتقالية في سوريا، ودعوته الأخيرة في الأمم المتحدة من أجل فرض حماية للمناطق المحررة في سوريا، لم يكن لها أي صدى حتى الآن. فالبريطانيون والأمريكيون اعتبروا أن هذه المبادرات سابقة لأوانها. ويبدو أن باريس درست لأسابيع فكرة الارتكاز على المناطق المحررة داخل سوريا لإضفاء نوع من الشرعية على سياسة التدخل، بما أن سلطة دمشق لم تعد قائمة في هذه المناطق، فإن سيادة الدولة السورية لن تمس.
لكن الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان إلى الأردن ولبنان، سجلت التخلي عن هذا الخيار: لا إمدادات أسلحة ولا«مناطق عازلة» محمية. ويقتصر الأمر حتى الآن على التجهيزات «غير القاتلة» التي توزع على مجموعات المعارضة المسلحة التي تحاول المخابرات الفرنسية انتقاءها، مقاربة متناغمة مع ما يفعله الأمريكيون، وما تبقى من المساعدة الملموسة تدخل في خانة الإنساني ودعم المجتمع المدني. قادة الكتائب المعارضة للأسد يؤكدون لمحاوريهم الفرنسيين أن رفض الغرب تزويدهم بالأسلحة المضادة للطائرات يدفعهم للبحث عن مصادر تموين من جهات أخرى. السوق السوداء حيث يتمتع الإسلاميون الذين يتلقون التمويل من دول الخليج، بنفود واضح.
ونجد في هذا الموضوع بعضا من أصداء النقاش الذي كان رائجا أنذاك حول البوسنة، هل يجب تقديم السلاح وفرض الحظر (الأممي المفروض في البوسنة الأوربي في سوريا؟)
إدارة كلينتون كانت تويد تزويد البوسنيين بالسلاح، لكن باريس ولندن كانتا تعارضان. واليوم سياسية الغرب تجاه سوريا تتمثل في عدم أخذ موقف العدو المباشر، ولو أن ذلك يبدو غير متناغم مع دعواتهم بضرورة رحيل الأسد. وهناك تخوف واضح من وقوع أسلحة أرض - جو متطورة بين أيدي جماعات متطرفة أو إرهابية أو معادية لمصالح الغرب. وقد أرسلت أسرائيل رسائل واضحة وصارمة بهذا الخصوص، هاجسها مخزون الأسلحة التي يتوفر عليها حزب الله.
وحسب مصادر مقربة من السعودية، وضعت واشنطن فيتو على أي إمدادات أسلحة متطورة مضادة للطائرات للمعارضة السورية من قبل دول الخليج. هذا الأمر صحيح أم خطأ؟ إذا كان ذلك صحيحا ماهي العواقب بالنسبة لمعارضة ندعي مساندتها. ويشير أحد خبراء قضايا الدفاع في باريس أن الامريكيين قضوا 15سنة لاستعادة صواريخ سينغر التي أرسلوها للمجاهدين الأفغان، وفي البوسنة مشكل مراقبة الأجواء لم يكن مطروحا. ميلوسفيتش لم يكن يستعمل الطيران، لأنه تم فرض منطقة حظر الطيران سنة 1993، وهو ما لا يوجد بالنسبة لسوريا.
ومنذ 2011 استعادت الدبلوماسية الدولية بالنسبة لسوريا، سلسلة من الصور، سبق ملاحظتها بالنسبة للبوسنة، وتتمثل في عقد مؤتمرات وقمم ومحاولات وساطة وسيناريوهات حل سرعان ما تنتهي بالفشل. بالأمس كان المبعوثون اللورد كارينون والورد اوين وسيروس فانس، واليوم كوفي عنان والأخضر الزبراهيمي. وصيغة مجموعة الاتصال نجدها معتمدة في الملفين، مثل صيغة المراقبين الدوليين (القبعات الزرق في البوسنة، مهمة الامم المتحدة والجامعة العربية في سوريا)، صيغ عاجزة، لأن هؤلاء المراقبين محصورون في دور المتفرج على الدمار والجرائم. ومشكل أمنهم يجعل منهم رهائن مفترضين. وبالتالي تتم الاستكانة إلى الشق الإنساني الذي يبقى ضروريا وله، أيضا، ميزة تقديم صور إيجابية لمشاهدي القنوات، كما كان الأمر في سراييفو من قبل، فالمساعدات التي تصل للسوريين تخفف من المعاناة، لكنها لا تقدم أي حل لعمق المشكل، فالعنف متواصل ضد المدنيين خلف حتى الآن ما لا يقل عن 30 ألف قتيل.
كيف تغيرت المعطيات في البوسنة؟ أثر عنصر قناة سي.إن.إن« كان حاسما دون شك، وأثر التغطية الإعلامية لما يجري اليوم في سوريا، يتابعه عن قرب أصحاب القرار في الغرب على إيقاع «التعب من الحروب» الذي يحسه الرأي العام. في سنة 1995، كانت الصدمة التي خلفتها المجزرة التي ارتكبت في حق 8000 رجل وطفل في بلدة سيريبرنيتشا عامل تحول حاسم في الصراع. فالإحساس بالعجز أمام الرعب وفي قلب أوربا أصبح أمرا لايطاق بالنسبة للجميع. ولا يمكن تهميش دور الشخصيات السياسية. فبعد وصول جاك شيراك إلى السلطة، تشكل ثنائي قوي مع بيل كلينتون، حيث اتفق الرجلان على ضرورة أن يظهر الحلف الأطلسي عضلاته.
وحتى يكون الضغط العسكري على العرب حاسما وذا مصداقية، اتفق الغرب في يوليوز 1995، على أن موافقة الأمم المتحدة من أجل شن ضربات مكثفة، لن يكون ضروريا، وبذلك تم تجاوز العائق الروسي في الأمم المتحدة. بعد أربع سنوات، سيذهب الأمريكيون والأوربيون أبعد من ذلك بالتدخل في كوسوفو بدون تفويض صريح من مجلس الأمن. واستنزاف الورقة الدبلوماسية والرغبة في القضاء على سلوبودان ميلوفيتش كانا بمثابة دواسة سرعة حاسمة.
فرانسوا هولاند يردد بأن لا شيء يمكن فعله في سوريا دون قرار من الأمم المتحدة. وهو شيء لم يقله الأمريكيون ولا البريطانيون، وبذلك يقرر الرئيس الفرنسي «عقيدة كوسوفو»، ويقضي على المنطق الذي تحكم في تصرف جاك شيراك سنة 1999، والذي يقول «الفضيحة الإنسانية تمحي الفضيحة القانونية».
و«الخط الأحمر» الوحيد الذي حدده الغرب لبشار الأسد حتى الآن يتعلق باستعمال الأسلحة الكيماوية. وهنا يكمن تناقض يمكن أن يثير اتهامات بالكلبانية: فالدول الغربية تبدو منشغلة أكثر بمشكل انتشار أسلحة الدمار الشامل أكثر من انشغالها بحماية المدنيين.
في سنة 1995، تم حل الصراع في البوسنة بتغيير موازين القوة على الأرض. ورضخ الصرب في النهاية لأنهم وجدوا أنفسهم محاصرين بين كماشة ضربات الحلف الأطلسي واستعادة زمام المبادرة العسكرية من طرف القوات الكرواتية في الميدان. هذه القوات التي تم تسليحها وتدريبها على يد شركة عسكرية أمريكية خاصة. ويحكي بيل كلينتون في مذكراته قائلا: «كنا نعلم أن الدبلوماسية لا يمكنها أن تنجح ما لم يتكبد الصرب خسائر مهمة في الميدان». في نونبر 1995، رسمت اتفاقيات دايتون خطوط الجبهة في البوسنة. سلام ناقص نعرف آثاره المؤلمة اليوم، لكن الأسلحة صمتت.
عناصر نهاية الحرب البوسنية لم تتوفر في الوقت الحالي في سوريا، والغربيون مقتنعون بأن بشار الأسد سيسقط لا محالة. إن عاجلا أم آجالا. لكن مع مرور الوقت تعفن الوضع، سيصعب أكثر فأكثر من نهاية أزمة تهدد بالانتشار والتوسع في الشرق الأوسط المتفجر. هناك دول عربية تدفع في اتجاه القيام بالمزيد، لكنها تجد صعوبة في الاتفاق فيما بينها. في الغرب، التخوف من عامل الإسلاميين يعزز فتور الحماس، ويؤدي إلى نسيان المقاومة المدنية الهائلة التي تعمل في سوريا على المستوى المحلي. لم يبادر أي مسؤول غربي إلى الاهتمام وأخذ المبادرة بخصوص هذا الملف. بل على العكس فلاديمير بوتين، الذي يعارض بقوة سياسة تغيير مفروض من الخارج، هو الوجه المهمين في هذا الجانب.
ربما كات أزمة البلقان حدثا عارضا، حالة خاصة، حيث أمكن تنفيذ تدخل خارج إطار الشرعية الدولية الصارم، لأنه في كل الأحوال، كان الأوربيون يتدخلون في «ديارهم» في أوربا وليس في مستعمرات سابقة. لكن الدرس البوسني، وبعد مسافة 20 سنة، هو أيضا اللحظة التي لابد أن تحل، حيث لابد من الرد على نداءات المساعدة. وقتها سنلاحظ أن الوقت الذي مضى كان ضياعا كبيرا، وأن المتصارعين الأكثر نشاطا والأكثر تطرفا هم من انتصروا، وأنه بكل بساطة فات الأوان بالنسبة للسكان المدنيين، عشرات الآلاف من القتلى.
رهانات خيار التقسيم الطائفي في سوريا
هل سنرى على المدى المنظور أو البعيد قيام «دولة علوية» في سوريا؟ فبينما يغرق البلد أكثر فأكثر في مستنقع حرب أصبحت ملامحها «كحرب أهلية» واضحة، أصبح السؤال يطرح بإلحاح متزايد بالنظر إلى العدد الكبير من العائلات التي تنتمي إلى هذه الطائفة الذين بدأوا الانتقال والتمركز في ما يسميه الخبراء «الجيب العلوي».
تاريخيا، يمتد هذا الجيب بشكل عام من الحدود مع لبنان الى الحدود مع تركيا ويشمل بعض المدن الساحلية (اللاذقية، بنياس طرطوس) والجبل الذي يحمل هذا الإسم.
ويشير أحد المختصين الفرنسيين في دراسات البحر المتوسط والشرق الأوسط أن هناك مسلسلا لتشكيل جيب علوي، في بعض المناطق، مثلا في دمشق وضواحيها (حيث يقيم ما بين 600 و 800 ألف علوي)، يغادر العلويون قراهم أو أحياءهم للاحتماء في هذه المنطقة. عموما الذين يرحلون هم من النساء والأطفال، لأسباب أمنية، والرجال مازالوا في مناصبهم في عين المكان. في بعض الحالات، ترحل العائلة بكل أفرادها .
رسميا، سيناريو قيام دولة جديدة ليس على جدول الأعمال. وإذا ما تشكل هذا الجيب العلوي، فذلك سيكون بعد سقوط بشار الأسد، آخر طوق للنجاة «يمكن أن نتصور أنه بعد بضع سنوات من الحرب الأهلية الدامية، يصبح هذا الوضع أمراً واقعاً، وأن يتصالح السنيون المعارضون والسنيون الذين يقفون حالياً إلى جانب النظام على حساب العلويين، ويتذرع السنيون الموالون للنظام بأنهم اضطروا لذلك تحت ضغط العلويين».
لكن بالنسبة لوليد جنبلاط الزعيم الدرزي اللبناني والعارف بخبايا وأساليب النظام السوري، فإن هذا الأخير بدأ بالفعل بتنفيذ هذا المشروع، «لذلك فهو يريد أولا تدمير كل المدن السنية»، وفي النهاية، سيتم خلق «ممر استراتيجي» يمتد من ميناء طرطوس إلى سهل البقاع اللبناني (الذي تسكنه أغلبية شيعية تحت سيطرة حزب الله، أحد أهم حلفاء دمشق). ومن ثم تبرز أهمية مدينة حمص، ثالث أكبر المدن السورية التي يشكل السنة حوالي ثلثي سكانها، والتي يكسر موقعها هذه الاستمرارية والامتداد الترابي العلوي الشيعي. وبرأي الزعيم الدرزي، فإن ذلك يفسر بشكل كبير الإصرار والعنف الكبير الذي تحاول بواسطته القوات السورية استعادة المدينة من المعارضة انطلاقاً من الشتاء الماضي.
فكرة إنشاء دولة علوية ليست جديدة وتعود إلى عهد الانتداب الفرنسي (1920 / 1946). في تلك الفترة، فكرت باريس في تقسيم البلاد والمراهنة على العلويين من خلال خلق «منطقة» خاصة بهم، وذلك من أجل مواجهة الوطنيين العرب. وفي فبراير 1933، انعقد مؤتمر للزعماء العلويين أعلنوا فيه تأييدهم لفكرة الانفصال عن سوريا، وكان من بين 79 موقعاً على رسالة في هذا الاتجاه موجهة للمندوب السامي الفرنسي، جد بشار الأسد، لكن زعماء علويين آخرين كانوا من المؤيدين لوحدة سوريا وبعضهم حمل السلاح ضد الفرنسيين.
إلا أن قابلية هذا الكيان المفترض تبقى غير مضمونة، ويمكن أن يساهم اكتشاف الغاز في عرض مياه البحر على حدود المياه الاقليمية التركية في قيام هذا الكيان. بدون شك، سيعني ذلك نهاية بشار الأسد «لأنه سيفقد هيمنته على العلويين. فوالده حافظ الأسد قضى على زعماء العشائر والقبائل، وعوضهم بضباط سنيين ومع الوقت، قد يعودون أو يعود أبناؤهم... وأغلب العائلات العلوية الكبرى تحلم بسقوطه وأخذ مكانه. ولكي يبقى في السلطة، لابد أن يقبل الروس والإيرانيون به كراع للريع الاستراتيجي الذي يعطونه لهذا المشروع»، لأنه لا يمكن تصور قيام كيان علوي دون دعم قوي من إيران وروسيا: الروس حريصون على الحفاظ على قاعدتهم العسكرية في طرطوس، والإيرانيون يريدون الحفاظ على موطىء قدم في البحر الأبيض المتوسط، ويعرفون جيداً أن الضربة القادمة ستكون ضد حزب الله، وبالتالي فهم حريصون على الحفاظ على قاعدة خلفية».
يضاف إلى ذلك، مشكل السكان السنيين المتواجدين في تراب هذا الكيان العلوي، ولاسيما في اللاذقية، حيث يشكلون الأغلبية. في حمص تطهير الأحياء بدأ والعديد من العائلات السنية غادرت المدينة. فهل ستتم مقايضة حمص باللاذقية؟
عن »ليبراسيون»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.