«... وتتوالى السنواتُ والحِقب الزمنية، وتزداد مواهِب هذه المرأة مِراناً وصقلاً، ويكون القدرُ قد جمع بيننا زوجين وعشيرين رزَقهما الله ذُرّيةً وتوافَرَ لديهما الأحفاد بناتٍ وبنين، وكل فضيلةٍ من الله تستلزمُ الحمدَ والشكران... وبلغنا المرحلة العُمْرية، مرحلة النُّضج المكين، وكم قاسى كلُّ منا، مراراً وتكراراً، ما يُقاسيه كلُّ حيٍّ على الأرض من المُزعِجات، وأشدُّها ثِقلا وهَوْلاً هو المرض الجسماني، الامتحان الأزلي الذي يُصيب الإنسان، أَيّا كان... وأينما كان... ففي فترة من معالجتي بخارج الوطن، على إثر عملية جراحية تعرَّض لها جسمي العليل خلال صيف 2010، كانت الفنانة هي التي ترعاني وتسهر على تمريضي جازاها اللّه بكل خير وثواب وهناك جاءت فكرة وضع هذا الكتاب». والحديث هنا كما فطنتكُم بذلك للأستاذ المحترم السيد عبد الله شقرون... والكتاب المقصود ها هنا هو كتاب «أمينة رشيد: ممثلة في الإذاعة والمسرح والتلفزيون والسينما» الصادر في السنة الماضية عن مطبعة الأمنية بالرباط.. حتى اسم المطبعة فيه الأمن والأمان... اسم الفنانة «جميلة بنعُمَر» وأطلق عليها مؤلف الكتاب اسم «أمينة رشيد» وهي في ربيع فتوَّتِها وريعان شبابها... فعلى أي، فهي شابة خالدة... أمينة: الأمانة والأمن والأمان... رشيد: الرُّشد والرّشاد... أمينة رشيد: تارة يصفها المؤلّف بالممثلة، ويصفها بالفنانة تارة أخرى... جميل بِنُبله، ونبيل بجماله هذا الكتاب الأنيق أناقَةَ الفنانة التي يتحدّث عنها... كتاب لا تَكلُّفَ فيه ولا هذيان... كتابٌ أطلَّ علينا بأسلوب بسيط وسلس وممتع بدون زيادة أو نقصان... كتابٌ نابع من وُجدان الصِدْق، ومن صِدق الوُجدان... كتابٌ يُمليه القلبُ على القلم، ويمتلىء البيَاضُ بالسّواد... وتَمتلىء الصفحات بالحب الصّافي النّبيل... بالاعتراف الجميل... كتاب لا يخضع لترتيب تاريخي في تسلسل الأحداث... بل يخضع للعفوية اللازمة التي تجعل من الذكرى والذاكرة عُرباناً للمحبة والوفاء والإخلاص... أمينة رشيد... هَرَمُنا جميعاً... وشكراً للأستاذ الجليل عبد الله شقرون عن تدوين مسارِها ومسيرتها باسمنا جميعاً... إسم لن يُمْحَى، ولن يندثِر... إنه اسمُ عَلَمٍ ممنوع من النسيان والتّناسي... وهكذا سَنَضَع يدَنا على يَدِ الأستاذ شقرون لنقول لكِ أيتها الفنانة المقتدرة البشوشة الإنسانية... يا أيتها الفنانة المحبوبة... يا لالة حبّي... إننا نحِبّك حُبّين: حب المسرح والسينما... وحبٌّ، لأنك أهل لذاك... تكريم أمينة رشيد الشامِخة... هو احتفاءٌ واحتفالٌ وشكرٌ واعترافٌ وامتِنان... تقول الفنانة في ص 12 من الكِتاب: «إن فضلَه عَلَيّ شامِلٌ طيلةَ مساري الفني، وهو الذي تفضّل عَليَّ بحَبْكِ هذا الكتاب وإخراجه، فأكْرَمني اليوم مثلَما أكْرَمني قديماً، شكَرَ الله مسعاه، وجازاه خيراً عميما...» نحن أيضاً نتقدّم إليه بجزيل التشكرات عن هذا المولود الذي وثّق فيه حياةَ فنانةٍ أحبّها آباؤنا... ويحبّها أطفالنا... ومازالت على المِشوار الفني كما بدأت... وما بُدّلَت تبديلاً... في هذا الكتاب، تناثرت الكلمات والألفاظ والعبارات والمقولات والشهادات... كل الآراء تصُبُّ في اتّجاه واحد: امرأة تنسى من أساء إليها... فتارة ها هي في مدرسة لمحاولة مساعدة تلميذ أو تلميذة... قلبُها قلبُ الفنّان الحنّان الحنون... امرأة طموحة صامدة منذ بداية البدايات... المرأة الشجاعة المِعطاء... امرأة سخِية في العَطاء وبالعطاء... أَعطَت للوطن من القلب ومن الذات بالتضحية ونكران الذات... امرأة يعتبرها بعض أهل الفن فوق كل وصفٍ وفَوقَ كل كلمات التكريم... امرأة تساعد الشباب بالنصيحة والتوجيه... امرأة تحدّت العراقيل والمثبّطات من أجل تأكيد الحضور... امرأة معروف عليها الانضباط والالتزام وتقدير المسؤولية... امرأة تكرهُ المداجنة والنّفاق والتّحيّز... إنها حبّوبة الشاشة الصغيرة... إنسانة مسالِمة لا تحِبّ الخصومات ولا الحسابات الضّيقة... امرأة تكره القيم الزائفة والكلام السوقي... فنانة تؤمن بالصداقة الصّادقة، وتعتزُّ بكونها فنانَةً في هذا الوطن العزيز... فنانة ترفض قطعاً اقتحام عالم الإخراج أو الإنتاج... وتقول: إنّه منْ قِلّة الأدب الارتماء على ميدان ليس هو ميداني... فلكل واحدٍ مهنتُه، وكفى المؤمنين شرَّ القتال... فنانة تطرز الأدوار... كما تحب طرز القفاطين الأصيلة... إن القفطان هو مُبتَغاي وهَوَايَ الحقيقي... ومن واجب القفطان أن يحافظ على أصالته: تقول الفنانة في الصفحة 53. الفنانة أمينة رشيد تُحِب الصحافيين والإعلاميين المغاربة بوطنيتهم وحبّهم اللامشروط لبلدهم الحبيب... تقول الفنانة: «لقد غَمروني بِلُطفهم ولَباقَتهم واهتمامِهم وإخلاصهم، وهذا كلام نابِعٌ مِن سويداء فؤادي»: ص: 57... إنّنَا نُصَدِّقُكِ يا فَنّانة! أبانت الفنانة عن حَنّة يدِها منذ زمان كان فيه الرّجال يتقمّصون دور النساء... ومنذ ذلك الحين، تأقْلَمت الشابة الخالدة مع كل الأجيال من المخرجين، وهذا نادرٌ جداً ولعَمري... مِنْ نُقط ضعفها، ودائماً من خلال الكتاب الوثيقة، أنها لا تحتمل رؤية شخص يتألّم أمام عْينِيها، لأن نفسيتَها تَنهارُ تماماً (ص 67) وهنا أتوقف على شهادة أدلى بها الفنان الكبير أحمد الطيب لعلج في الصفحة 85، جاء من ضمن ما جاء فيها... «... والذي سبق له أن شخّصَ معها أو بجانبِها يُدرك أنّ لها حيوية تأخذ وجاذبية ساحرة تحوّل الممثل المشارِك إلى متفرّج، والذي يريد أن يعدِّدَ أو يرْصُدَ تجربة هذه الفنانة يحتاج إلى حيّز طويل من الزمن الطويل، وأيضاً إلى حَيّز من الأوراق ليقول عنها القليل مِمّا تحفَل به مواهِبُها من الكثير الكثير...». وعليه... فإن قلنا الكثير، فلن نقول ما يكفي في حقّ هذه الإنسانة... وإن نسيتْ لن أنسى ذلك اليوم... اليوم الذي وشّحَها الملك محمد السادس بوِسام المكافأة الوطنية من درجة قائد... إنها حسب تعبيرها «لحظةٌ مثالية وتاريخية ستبقى منقوشَةً إلى الأبد في الذاكرة... بل ستبقى نقشاً سَرمدياً في الذاكرة...». فيا أمينة رشيد... لكِ مني ألف تحية ملؤها الاحترام والتقدير... وللأستاذ عبد الله شقرون ألف شكر وشكر، لأنّه علّمنا الشيء الكثير، وجعلنا نقترب أكثر وأكثر بأيْقونَتِنا الجميلة... وشكراً... نص المداخلة التي قدمها الزميل والناقد السينمائي حسن نرايس في تكريم الفنانة أمينة رشيد خلال مهرجان سينما المرأة بسلا