إنها دبلوماسية رمادية، دبلوماسية اللعب المزدوج. تارة مرئية، بارزة في مناوراتها الكبرى. وتارة سرية. هي دبلوماسية موالية تماما للغرب, لكنها تمول جماعات سلفية مثل جماعة عبد الحكيم بلحاج في ليبيا، بل على اتصال مع جمعيات مرتبطة بالقاعدة في المغرب الاسلامي. هي ايضا دبلوماسية تحدد نفسها على النقيض وبعيدا عن جارتها القوية العربية السعودية التي لم تقبل أبدا استقلاليتها, رغم أنها لم تتوقف عن إزعاجها بل وتحديها. في سنة 1971 عندما استقلت الملكيات الخليجية الصغرى عن الوصاية البريطانية. كانت الرياض تأمل ان تدخل قطر، وهي وهابية ايضا، تحت عباءتها, لكن كل سياسة الأمير كانت هي محاولة الهروب من هذه الهيمنة. ومن تم عقدت قطر عقد تأمين للحياة مع الولاياتالمتحدة. حيث حصلت هذه الاخيرة على الموافقة بانشاء مقر متقدم للقيادة المركزية الامريكية للشرق الاوسط واسيا الوسطى في قاعدة العبيد، ومؤخرا اقامة رادار مضاء للصواريخ لمواجهة التهديدات الايرانية. لكن هذه الشراكة المميزة مع واشنطن، اصبحت مرجعية وهو ما يفسر التقارب الواضح مع دول غربية اخرى لا سيما فرنسا. فمنذ سنوات حكم ميتران كانت فرنسا تغطي %80 من الحاجيات العسكرية للإمارة الصغيرة. وكان الدوحة قد بدأت لعبة توازن بين العالمين الشيعي والسني. اكثر من ذلك، استقبلت خالد مشعل زعيم حركة حماس وفي نفس الوقت فتحت تمثيلية اسرائيلية في اراضيها. ومع باريس، اصبحت العلاقة صحبة بعد الاجتياح العراقي للكويت ودخول الجيش الفرنسي الحرب، وتكتفت هذه العلاقة مع جاك شيراك، وتحولت الى زواج مصالح مع نيكولا ساركوزي. واذ كان ميتران سنة 1981 قد خص العربية السعودية بأول زيارة رسمية له كرئيس دولة. واذا كان شيراك قد حرص خلال زيارته للمنطقة قد خص الرياض بمقام اطول، فإن ساركوزي في يناير 2008 ارتكب خطأ تجاه الرياض, وخلال جولته بالخليج جعل من الرياض مجرد محطة قبل ان يقضي الليلة في قطر. وعلق الملك عبد الله على الحادث بقوله» ساركوزي يشبه الحصان الاصيل القوي، ولكن مثل كل الخيول الأصيلة عليه ان يقبل امتحان اللجام لكي يجد التوازن» تعليق يحمل المعنى: الرياض ابتعدت عن باريس، وابتعدت الصفقات ايضا. بعدها أصبح قصر الأمير الشيخ حمد ثان الشريك, بل المستشار رقم 1 للاليزيه فيما يتعلق بالعالم العربي. ونرى آثار ذلك في الملف السوري حيث تصالح ساركوزي مع بشار الأسد باستشارة وتأثير من أمير قطر. الأسد الذي قاطعه شيراك بسبب اغتيال الحريري. بل ذهب الى حد استضافته في المنصة الشرفية لاحتفالات14 يوليوز بباريس. نفس الأمير القطري، وبعد ان توترت علاقاته مع الرئيس السوري، شجع ساركوزي السنة الماضية على شن حربه ضده. سيناريو مشابه وقع قبل ذلك في ليبيا. لكني يبدو ان ساركوزي لم يفهم ان اجندة قطر قد تغيرت منذ بداية الثورات العربية. لقد تحول امير قطر الى زعيم هذه الثورات، يساند الاخوان المسلمين ويدعم القوى الاسلامية العابرة للدول، خلافا للرياض التي فاجأتها هذه الثورات وازعجتها. ويوضح كريم صادر, وهو محلل سياسي وخبير في شؤون المنطقة قائلا: قطر تريد اسقاط الجمهوريات الاستبدادية العربية وتعويضها بانظمة اسلامية واقعية بورجوازية اسلامية مدينية منفتحة على الاعمال مثل حزب النهضة في تونس. و تجسد في نفس الوقت الوهابية في القرن 21 .صحيح انه يشتري «غوشي» لكنه يبني في نفس الوقت في الدوحة اكبر مسجد في البلاد باسم عبد الوهاب (مؤسس الوهابية) بالنسبة لقطر عائلة ال سعود لم تعد لها الشرعية ويتعين ايجاد توافق بين الوهابية وشكل من الحداثة. لكن مع ذلك، أمير قطر ليس حرا تماما خلافا للسعودية, لا تعرف قطر ادنى مؤشر على وجود مطالب ديمقراطية. والخطر الاكبر مصدره القصر مع وجود جناح وهابي متشدد يمثله حمد بن جاسم رئيس الوزراء ووزير الخارجية، وهو جناح اغنى من الأمير. ومن ثم الصراع بين الجناح المتشدد والجناح الليبرالي الذي يجسده الامير وبالاخص زوجته الشيخة موزة التي يكرهها المتشددون. ويتهمونه «بالقوادة الدبلوماسية» فهل ستواصل باريس هذه العلاقة الملتبسة والمستحوذة مع الإمارة؟ يقول كريم صادر بخصوص سوريا مثلا قد تكون الأجندة مختلفة. باريس تريد حكومة انتقالية قادرة على حماية الاقليات، اما قطر فتريد سلطة سنية صارمة«.