في أقل من عقد، أصبحت قطر دولة لا غنى عنها، حاضرة في كل مكان، وأضحت كل الطرق تؤدي إلى الدوحة. حركية دبلوماسية، حضور قوي في عالم المال والأعمال والثقافة والرياضة والفنون. قطر، الإمارة الصغيرة، أصبحت حاضرة في جميع الجبهات، وأضحى لها اسم في جميع الميادين. وقد قطع الربيع العربي الشك باليقين بخصوص طموحاتها الإفريقية، خصوصا في منطقة المغرب العربي. كانت قطر مملكة تائهة بين الصحراء والبحر. كان يستحيل لصغر مساحتها التعرف عليها. غير أنها أصبحت تتمتع بحضور خاص في العالم بأسره. سفارات في الدول العظمى ومجالس إدارة دوائر خيرية وإحسانية ومتاحف في ملاعب كرة القدم وحضور قوي في الصالونات. بات اسم هذه الإمارة، التي توازي مساحتها جزيرة كورسيكا، عنوانا ورمزا لوصفة سحرية للنجاح. في أقل من عقد، أصبحت قطر دولة لا غنى عنها، حاضرة في كل مكان، وأضحت كل الطرق تؤدي إلى الدوحة. وقد استضافت هذه المدينة في النصف الثاني من السنة الماضية عددا مثيرا من التظاهرات من قبيل الدورة الثانية عشرة للألعاب العربية، والمؤتمر العالمي حول البترول، والقمة الأولى للدول المصدرة للغاز، والقمة العالمية للابتكار التربوي والمنتدى الرابع للأمم المتحدى حول تحالف الحضارات. وانتقلت الدوحة من مجرد قرية للصيادين في مستهل القرن المنصرم إلى حاضرة عملاقة بعد أن سهر مهندسون معماريون مرموقون على وضع تصاميمها. في ضواحي العاصمة القطرية، ينتشر جيش من الآلات تسوي الأرض وتهد التلال وتحفر أساسات البنايات في ضباب قاتم: مدينة جديدة ولدت وسط الصحراء القاحلة. وفي الأفق يبدو الشعار التالي: «مدينة لوسيل: الرؤية تتحقق، وعهد جديد ينطلق». غير بعيد، يظهر أيضا الأرخبيل الاصطناعي «اللؤلؤ» مثل سراب من الإسمنت والفولاذ. وقد منح مصمم هرم متحف اللوفر، المهندس الأمريكي الشهير ذي الأصول الصينية، إيوه مينغ بي مدينة الدوحة منارتها الخاصة، وتتمثل في المتحف الإسلامي، الذي يعتبر الأفضل من نوعه في العالم بفضل خطوطه التكعيبية. أصبحت الدوحة بمثابة أثينا جديدة، حامية الفنون والرياضات والعلوم والتربية. عبقرية فذة ما السر الثاوي وراء هذه الثروة الرائعة؟ ثالث الاحتياطات العالمية من الغاز، المتمركزة على طول الساحل، والتي تمنح قطر قوة ضغط مالية هائلة. ومن يكون العبقري الواقف وراء نهضة هذه الدولة؟ إنه الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، الذي وصل إلى العرش بعد تنفيذه انقلابا على أبيه حين كان هذا الأخير يقوم برحلة استجمام إلى سويسرا. عرف هذا الأمير كيف يضمن مستقبل بلاده من خلال التركيز على تطوير تكنولوجيا الغاز المُسال تمهيدا لتصدير هذه المادة «الكنز» نحو العالم بأسره. غير أن الهاجس الأول الذي تملك الشيخ حمد تمثل في جعل دولته ذات كلمة مسموعة في العالم وحضور قوي في واجهة الأحداث. وكان هذا الأمير صدم حين سأله مستخدم في مصالح الهجرة البريطانية، ذات يوم، وكان حينها لا يزال وليا للعهد، قائلا: «ولكن أين توجد قطر؟»، في تلك اللحظة راودت ولي العهد أمنية في ألا يبقى أحد في العالم جاهلا بموقع دولته على الخريطة. ارتكزت خطته على ترويج صورة قطر في العالم بأسره. وراهن أيضا عل تمتين تأثيره ونفوذه في العالم عبر ذراعه الإعلامية المتمثلة في قناة الجزيرة. تملك أيضا سلاحا آخر للترويج لصورة مختلفة عن قطر: الحسناء والمسلمة المعتدلة، الشيخة موزة، زوجته الثانية، التي ترسم للإمارة الصغيرة صورة ساحرة ومثيرة في أعين العالم. وقد أتت استراتيجية التسويق التي اعتمدتها قطر أكلها: أصبحت هذه الدولة حاليا حاضرة بقوة في كل المحافل الدولية وتثير صخبا إعلاميا لا يتناسب مع حجمها. غير أن مسألة الصورة ليست، خلاف ما يبدو للبعض، الشغل الأساس للأمير القطري. الواضح أنه مشغول أكثر بتحويل إمارته الصغيرة إلى قوة ضغط على أكبر دولتين جارتين له: المملكة العربية السعودية من الغرب وإيران من الشرق. وإذا كان المشكل الحدودي القطري السعودي قد حل بشكل نهائي في سنة 2008، فإن أمير قطر لن ينسى، بكل تأكيد، أن العاهل السعودي غالبا ما يعتبر نفسه سيد أسياد الخليج، وأنه لم يستلذ الانقلاب الذي أقدم عليه الأمير القطري على والده في سنة 1995. وبخصوص إيران، فإن قطر تتقاسم جانبا من آبار الغاز الطبيعي، الواقع في عمق الخليج العربي، مع جمهورية «الملا»، وغالبا ما توجه إيران اتهامات شديدة اللهجة إلى قطر بالاستغلال المفرط لهذه الآبار. ولكي تكون قطر في مأمن عن هذه التهديدات، عملت الدوحة على تكثير تحالفاتها وتنويع شركائها ما أمكن ذلك، وتعمل جاهدة لكي تصير دولة لا يستغني عنها العالم حتى لا تضطر للخضوع يوما ما لأي ضغوط أيا كانت مصادرها. وقد عرفت قوة قطر تناميا منذ إقدام الولاياتالمتحدةالأمريكية في سنة 2003 على نقل قواتها التي كانت متمركزة في المملكة العربية السعودية إلى قاعدة «العبيد» الموجودة على الأراضي القطرية. «لقد راهنت قطر بقوة على ورقة الإشعاع الدولي، ونجحت فيه بشكل كبير إلى درجة أن جارتيها القويتين، المزعجتين لها، لم تعودا قادرتين على التحكم فيها» تقول فتيحة دازي، عالمة السياسة المتخصصة في شؤون شبه الجزيرة العربية، والعضو المؤسس لمنتدى الفكر «كابمينا». وفي طريقها لتقوية تنافسيتها، عملت الإمارة على الاستثمار في جميع القطاعات وحرصت على اقتناء حصص في شركات متعددة الجنسية مربحة وذات أهمية استراتيجية في خطط تنمية الدولة. فقد تم تأسيس هيئة الاستثمار القطرية قبل 7 سنوات، وهي الآن تتمتع بقوة مالية تناهز 65 مليار دولار، وهو ما يجعلها أكثر صناديق الاستثمار نشاطا في منطقة الخليج، بل وأكثر طموحا أيضا، حيث تتوفر على حصص في العديد من الشركات العالمية مثل «فيوليا»، و«لاغاردير»، و»سويس للبيئة»، و«باركلايز»، و«فولسفاغن» و«بوغش»، والبقية تأتي. نشاط هذه المؤسسة الاستثمارية لم يستثن القارة الإفريقية. إذ تحضر بقوة في شمال القارة، ولاسيما في قطاع الاتصالات من خلال شركة «نجمة» في الجزائر، «التونسية للاتصالات»، بالإضافة إلى مساهمات في قطاعي العقار والسياحة. وكانت شركة «ديار القطرية»، أحد فروع هيئة الاستثمار القطرية، أعلنت في أواخر أكتوبر الماضي عزمها استثمار 426 مليون أورو لإنجاز مشاريع في كل من القاهرة وشرم الشيخ بمصر. وتوجد باقي دول القارة السمراء ضمن دائرة اهتمامات هذه الهيئة، خصوصا في ما يخص الأراضي الفلاحية والأنشطة المنجمية. وفي هذا السياق، أبرمت قطر في سنة 2008، اتفاقية مع كينيا تستأجر بموجبها أراضي تبلغ مساحتها الإجمالية 40 ألف هكتار. كما أبدى مجموعة من رجال الأعمال القطريين في شتنبر الماضي اهتمامهم بمنجم الحديد العملاق «بيلينغا»، الذي كانت السلطات الغابونية وعدت به الصينيين في وقت سابق. دبلوماسية دفتر الشيكات الدينامية الدبلوماسية لهذه الدولة الصغيرة جعلتها ذات تأثير متزايد في العالم بأسره. ومن هذا المنطلق، اضطلعت الدوحة بأدوار حاسمة في حل مجموعة من النزاعات قبل أن تتصدر واجهة أحداث الربيع العربي الحالي. دبلوماسية نشطة، كثيرا ما وصفت ب«دبلوماسية دفتر الشيكات» أو «دبلوماسية الهاتف المفتوح»، أكسبت الوزير الأول ووزير الشؤون الخارجية، القوي حمد بن جاسم آل ثاني، انتصارات مهمة. كثيرا ما لعبت هذه الدولة أيضا دور الوسيط بين حركة المقاومة الإسلامية «حماس» وإسرائيل، ولاسيما في قضية الجندي الإسرائيلي الذي أسرته حماس قبل أن يطلق سراحه في أكتوبر 2011. وفي عاصمة الإمارة أيضا، وقع كل من محمود عباس أبو مازن، رئيس السلطة الفلسطينية، وخالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية، «إعلان الدوحة» الذي يقضي بتأسيس حكومة وحدة وطنية تتولى التحضير للانتخابات التشريعية المقبلة في كل من قطاع غزة والضفة الغربية. وكان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي التجأ إلى الإمارة في سنة 2007 من أجل حثها على المساهمة في مساعي إطلاق سراح الممرضات البلغاريات اللواتي كن معتقلات لدى نظام العقيد الليبي السابق معمر القذافي. وتمكنت قطر أيضا في سنة 2008 من تجنيب الشرق الأوسط، وتحديدا لبنان، نزاعا مسلحا بفضل قربها من حزب الله اللبناني ومعارضيه على حد سواء. أشرفت قطر كذلك على توقيع اتفاقية السلام بين السودان وتشاد، وتم ذلك في عاصمتها الدوحة في سنة 2009. وفي الدوحة أيضا، كانت حركة طالبان الأفغانية افتتحت تمثيلية دبلوماسية لها على بعد بضعة كيلومترات من القاعدة العسكرية الأمريكية بهذه الإمارة. كما أن الدوحة تلزم الحيطة والحذر في تعاملها مع كل من الرياض وطهران، ولكنها تبدو في الآن ذاته حريصة على إبقاء الأبواب مفتوحة والأيدي ممدودة لجارتيها القويتين. «ربما يتوفر القادة القطريون على رؤية استشرافية إستراتيجية متقدمة جدا على باقي القادة العرب: إنهم لا يغامرون خلافا لباقي القادة العرب، ولكن مغامراتهم تكون محسوبة» يقول محمد فاعور، باحث أول في مركز كارنجي للشرق الأوسط. «لم تأخذ قطر بعدها الدولي الحقيقي إلا في الربيع العربي الذي وسم سنة 2011» يؤكد المثقف اللبناني سمير فرنجية. وكان لافتا إقدام راشد الغنوشي، زعيم حزب النهضة التونسي، ذي المرجعية الإسلامية، على جعل تونس أول محطة خارجية يزورها بعد فوز حزبه بأول انتخابات تعرفها تونس بعد سقوط نظام الرئيس السابق زين العابدين بنعلي. وفي ليبيا، كانت قطر أول دولة عربية تعترف رسميا بالمجلس الوطني الانتقالي، وقد منحتها مشاركتها في العمليات العسكرية لحلف الشمال الأطلسي في هذا البلد المغاربي شرعية جهوية. وفي سوريا، كانت حركيتها حاسمة في دفع جامعة الدول العربية إلى عزل نظام الأسد والسير في اتجاه فرض عقوبات عليه، وذلك اعتمادا بالأساس على ذراعها الإعلامية قناة «الجزيرة»، التي باتت تقدم بوصفها «قناة الربيع العربي». «قناة تلفزيونية كانت كافية لتغيير مجريات الأمور وقلبها رأسا على عقب: إنه عالم جديد يولد تحت إشراف دولة قادمة من عالم قديم». وستنتهي هذه التحولات إلى تخوين معارضي السياسة القطرية. وقد كان لافتا أيضا رد الفعل السريع الذي أبداه أمير قطر تجاه الحركة الاحتجاجية التي برزت في جارته البحرين، وهو ما يكشف حرص الأمير القطري على إبقاء موجة «الثورة» بعيدة عن أجواء إمارته. إذ انضمت قواته إلى قوات مجلس التعاون الخليجي ونزلت بقوة في البحرين للقضاء على الاحتجاجات التي كانت تهدد الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وغضت «الجزيرة» الطرف على ما وقع حينها في البحرين. «كلما اقتربت التوترات من الحدود القطرية، تتقوى الميولات المحافظة لقطر وتأخذ ردود أفعالها طابع السرعة» تقول فتيحة دازي، وهذا سلوك يكشف، حسب خصوم قطر، نوعا من «النفاق» لدى هذه الإمارة الصغيرة، التي باتت تتهم بزعزعة أنظمة وتنفيذ أجندة غامضة وفق ما يخدم مصالحها في المنطقة العربية. ولذلك، كثيرا ما أقفلت مكاتب الجزيرة وتعرضت موجاتها للتشويش. وفي سوريا، يرى المتعاطفون مع نظام الأسد أن قطر هي مدبرة «المؤامرة الخارجية» التي تستهدف بلادهم. وذكى أمير قطر نفسه غضب هؤلاء حين طالب، في 15 يناير الماضي، في تصريح أدلى به لقناة «سي. بي. إس» الأمريكية» بالتدخل عسكريا للإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد. «إننا نولي اهتماما كبيرا لما يجري في سوريا على صعيد العمل الدبلوماسي، ومن الطبيعي أن تلقى تحركاتنا معارضة من هذا القبيل» يبرر فهد العطية، المستشار المقرب من ولي عهد قطر. شبهات التدخل أخفق القطريون في مناسبات عديدة في دفع تهم التدخل في شؤون بعض الدول، خصوصا التي عرف فيها الربيع العربي حركية كبيرة. وفي هذا السياق، قال أمير قطر بالعاصمة الفرنسية باريس في شتنبر 2011: «أكون في بلادي في ليبيا، ويمكنني أن أوجه إليكم الدعوة بنفسي». شهرين بعد ذلك، سيأتي الرد الليبي من نيويوركالأمريكية عندما قال ممثل المجلس الوطني الانتقالي الليبي لدى منظمة الأممالمتحدة: «لن تكون ليبيا إمارة تدبر شؤونها من قبل خليفة قطر». وفي أكتوبر الماضي، وقبيل حلول موعد الانتخابات التونسية، دعا يوسف القرضاوي، العالم الإسلامي الأكثر متابعة على شاشة قناة «الجزيرة» التونسيين إلى التصويت لصالح حزب النهضة الإسلامي، الذي يتهم بدوره بالحصول على موارد تمويلية من الدوحة. «رغم أن صورة قطر حسنة في أعين الغرب، فإنها تقض مضجع الدول العربية» تقول فتيحة دازي. فإذا كان أمير قطر استقبل بحفاوة كبيرة من قبل السلطات الجديدة في تونس حين وصل إلى العاصمة التونسية من أجل المشاركة في احتفالات الذكرى الأولى لقيام ثورة الياسمين، فإن استقبال العلمانيين له كان فاترا لكونهم يتهمونه بدعم حزب النهضة. داخليا، أعلن الشيخ حمد، في نونبر الماضي، عزمه تنظيم أول انتخابات تشريعية في تاريخ قطر في سنة 2013، ولكن قطر تبقى من وجهة نظر فتيحة دازي «دولة مستبدة فوق العادة». ويبدو أن هذه الإمارة الصغيرة محظوظة لقلة عدد سكانها ووفرة مواردها، حيث يمكنها أن تتفادى تفجر احتجاجات داخلية عن طريق مباشرة عملية إعادة توزيع الثروات. شاب قطري أقر بأن «القطريين لا يتمتعون بثقافة سياسية، تفصلنا عن الانتخابات سنة واحدة فقط ومع ذلك قلة من الناس هنا يندهشون لغياب مرشحين وانعدام النقاش السياسي وعدم بروز معالم أي حملة انتخابية». في الدوحة، تتعالى الأصوات فقط للمطالبة باحترام المذهب الوهابي، وعدم المغالاة في التحرر قلما ينظر إليها بعين الرضا من قبل إجمالي سكان قطر. وتضيف دازي: «إذا كانت هناك فعلا معارضة في قطر، فإنها ستتركز حتما داخل المذهب الوهابي، خصوصا وسط الأسرة المالكة». في أواخر فبراير 2011، تم اعتقال 30 ضابطا ووضع 16 فردا من الأسرة المالكة رهن الإقامة الجبرية، وكانت قطر شهدت أحداثا مماثلة في سنة 2009. وفي شتنبر الماضي، تناقل رواد الانترنت أخبارا تفيد بتعرض موكب الأمير لهجوم، ورغم تكذيب هذه الأخبار «الإشاعة بسرعة»، فإنها كشفت عن نوع من «القلق» الداخلي. تظل قطر بلدا غامضا يثير الإعجاب ويكسب موالين وداعمين. غير أن قطر تخطو خطواتها فوق ألغام، وتكاد تنسى مبدأ النسبية، وهذا ما يجعلها توشك أن تفقد توازنها. فهل ستكون هذه الإمارة الصغيرة جزءا من ذلك العالم الذي «يريد فيه كل بورجوازي أن يبني ويشيد مثل الأسياد الكبار، ولكل أمير فيه سفراء»، وفق وصف جون دو لافونتين في قصته «الضفدعة التي تريد أن تصير بحجم الثور».
عين قطر على المغرب العربي وجد حمد بن خليفة آل ثاني، أمير قطر، في استقباله، لدى وصوله إلى تونس في يناير الماضي للمشاركة في احتفالات الذكرى الأولى لثورة الياسمين مجموعة من المتظاهرين المنددين بدعمه لحزب النهضة الإسلامية. وفي المقابل، كان له نصيب الأسد من حفاوة المسؤولين التونسيين الجدد. وقد تم توقيع 12 اتفاقية بين تونسوالدوحة بهذه المناسبة، التزمت قطر باقتناء صكوك خزينة بمبلغ مالي وصل إلى 380 مليون أورو من أجل تمويل مشاريع في الطاقة والبيئة والماء والعقار والمجالين الإنساني والاجتماعي. كما اقترح أمير قطر المساهمة في تمويل صندوق دعم أسر الشهداء وجرحى الثورة وقال: «شهداؤكم شهداؤنا، وجرحاكم جرحانا أيضا». «يقوي القطريون وجودهم في تونس بفضل قربهم من حزب النهضة الإسلامي. أنشطتهم تنمو بسرعة وصاروا منافسين أقوياء» يقول مسؤول أوربي. وتجدر الإشارة إلى أن قطر سجلت نقطة إيجابية لصالحها في مستهل سنة 2011 حين استحوذت على 75 في المائة من أسهم شركة الاتصالات التونسية «التونسية»، علما أن 25 في المائة المتبقية كانت في حوزة صهر بنعلي واستعادتها الدولة بعد الثورة. أما في الجزائر، فتبدو العلاقات أكثر تعقيدا. البلدان يتنافسان في قطاع الغاز، خصوصا على صعيد السوق الأوربية. بالإضافة إلى تداعيات دعم قطر للربيع العربي على العلاقات بين الدوحة والجزائر في ظل الجمود الذي تشهده السلطة في هذا البلد المغاربي. وفي 18 ماي 2011، لم يمكث الشيخ حمد في الجزائر أكثر من يوم واحد في الجزائر، وتم تطويق تلك الزيارة بجدار صمت شديد. وقد استعادت العلاقات بين البلدين دفئا مفقودا بعد مشاركة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في منتدى الدول المصدرة للغاز المنعقد بالدوحة في 15 نونبر الماضي. كانت العلاقات عرفت دفعة أيضا حين أقدمت «اتصالات قطر» على اقتناء 80 في المائة من شركة «اتصالات وطنية» التي أصبحت نجمة في وقت لاحق. في موريتانيا، تمتلك قطر أيضا موطئ قدم لها منذ سنة 2007 من خلال مساهمتها في المشروع المنجمي قلب الأوج. أما العلاقات القطرية المغربية، فعرفت دفعة جديدة بمناسبة الزيارة التي قام بها الأمير القطري إلى المغرب في 24 نونبر الماضي. إذ اتفق البلدان على تمتين مبادلاتهما التجارية التي لا تتعدى في الوقت الراهن 50 مليون أورو سنويا. وقد عرفت تلك الزيارة إحداث شركة مشتركة للاستثمار وتوقيع اتفاقيات لتمتين التعاون في قطاعي السياحة والمعادن. وإذا كان الملك الراحل الحسن الثاني لم يخف في سنة 1995 عدم رضاه عن إقدام الأمير حمد على الانقلاب على والده، فإن انتقادات قناة الجزيرة للمغرب في عهد الملك محمد السادس تسببت في إقفال مكتبها بالرباط، ولم يفتح بعد رغم أن الصحافيين حصلوا على رخص للعمل داخل المملكة. وتم أيضا إحداث صندوق للاستثمار السياحي أطلق عليه اسم «وصال كابيتال» بقيمة مالية بلغت 2 مليار أورو ساهمت قطر في تمويله. وتعتزم قطر أيضا تأسيس بنكين إسلاميين بالمغرب عبر بنك قطر الدولي الإسلامي، كما أن بنك قطر الوطني يرغب في اقتناء حصة من رأسمال بنك التجاري وفابنك. وفي قطاع العقار، ستتولى الإمارة تمويل مشروعين ضخمين بكل من الدارالبيضاء ومراكش. وفي المدينة الحمراء أيضا احتفل أمير قطر وحرمه الشيخة موزة بحلول السنة الميلادية الجديدة، وهي بادرة لا تخلو من إشارة في مدينة اعتادت استقبال أصدقاء المملكة.