جدل كبير خلقته المذكرة الأخيرة لوزير التربية الوطنية الوفا ، والتي جاءت لتحمل قرار توقيف العمل مؤقتا بمقتضيات المذكرة 109 في شأن الترخيص لأطر التدريس بالقيام بساعات إضافية بمؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي. هناك من وصف هذا القرار بالايجابي، لأنه يستجيب للعديد من الشكايات لفئة جد مهمة من الأسر المغربية التي تشتكي من اهتمام الاساتذة الذين انخرطوا في العمل بالمؤسسات التعليمية الخاصة بهذا النوع من التدريس على حساب مهمتهم الرئيسية، وهي العمل بالمؤسسات العمومية. وقد ذهبت آراء بعض الآباء والامهات الى حد اتهام بعض هؤلاء الاساتذة بالعمل الجيد بالقطاع الخاص و«الاستراحة» داخل حجرات المؤسسات التعليمية العمومية. وإذا كان موقف النقابات التعليمية قد عرف بعد ساعات من صدور قرار وزير التربية الوطنية، فإن جمعيات الآباء والامهات رحبت بهذا القرار واعتبرته «جريئا وواقعيا» رغم تأخير صدوره أواتخاذه. الجريدة اتصلت برئيس الاتحاد الجهوي لفيدراليات ورابطات جمعيات الآباء والأمهات بجهة الدارالبيضاء الكبرى «أبو العلاء» فأكد لها أن مكتب الاتحاد الجهوي أدرج نقطة في جدول اعمال اجتماعه ليوم السبت 2012/09/09 بالثانوية التأهيلية الخنساء بالدار البيضاء تخص هذا التطور الحاصل المتجلي في صدور هذا القرار، وبعد دراسته من كل الجوانب صرح رئيس الاتحاد الجهوي ان الاتحاد يدعم هذا القرار الذي اعتبره «جريئا ويمس في العمق واقع تعليمنا»، مشيرا إلى أنه «في نفس الوقت لم يكن الوقت مناسبا ولم يفتح الوزير اي اتصال مع الشركاء والمتدخلين في العملية التعليمية، فاختيار هذا الوقت بالذات أرخى بظلاله على الدخول المدرسي وتسبب في انزعاج الأسر المغربية التي تفضل التعليم الخصوصي على التعليم العمومي »، و«في كل الاحوال، يضيف المتحدث، إننا مع المدرسة العمومية ومن اهدافنا الدفاع عنها». قرار وزير التربية ترك ارتياحا كبيرا وسط عامة المواطنين ، حيث أكد العديد منهم للجريدة في لقاء مباشر او عبر الهاتف، أن من أسباب نزول المستوى التعليمي انشغال الاساتذة الذين يشتغلون بالمؤسسات التعليمية الخصوصية بالتدريس بتلك المؤسسات وتخصيص جل اوقاتهم واهتمامهم لتلك المدارس على حساب تدريس ابنائهم، مؤكدين أن الأستاذ الذي يشتغل هنا ثم هناك لابد أن يبذل مجهودات اضافية، وهو ما يقوم به في التعليم الخصوصي، ثم حين يشعر بالتعب يضطر الى تقديم شواهد طبية الى المؤسسة التعليمية العمومية قصد الاستفادة من ايام الراحة، بينما يواصل و يستمر في التعليم بالمؤسسات التعليمية الخصوصوية، وهذا ما لا يقبله أحد! وذهبت تصريحات بعض الأمهات إلى حد وضع تحليل خاص حيث أكدت بعضهن أن التعليم الخصوصي لا يمكن أن يكون كذلك إلا بعد أن يكون له اكتفاء ذاتي يشمل كل شيء وخاصة المدرسين، و حين يعتمد بنسبة 90 الى 100 في المائة على المدرسين التابعين للدولة فإنه من الافضل ان يسمى تعليما شبه خصوصي، فالخصوصية غير كاملة. ثم ان اعتماد هذه المؤسسات على الاطر الوطنية التي تكونت على حساب الدولة يعتبر حيفا في حق الدولة. فهي تكون الاطر التربوية والمدارس الخصوصية تستفيد من بعضها او جلها بدون مقابل. فهذا حرام. فلماذا لم تستطع هذه المؤسسات التعليمية الخصوصية ان تكون أساتذة خاصين بها، دون الاعتماد على أساتذة الدولة؟ فالارباح التي يجنونها يستطيعون بهامش منها فتح مراكز لتكوين الاساتذة والمفتشين والاداريين عوض الاعتماد على اساتذة صرفت عليهم الوزارة مبالغ من المال العام من أجل تكوينهم وإعدادهم. بعض أصحاب مؤسسات تعليمية خصوصية أشاعوا بين زبنائهم الآباء أن الوزير الوفا تراجع عن قراره الأخير! مما جعل العديد من الأسر تنتقل الى هذه المؤسسات لمتابعة عملية تسجيل أبنائها التي أوقفوها بعد سماعهم لخبر قرار الوزير، لكن أصحاب هذه المؤسسات التعليمية الخصوصية ما أن اطلعوا على تصريح وزير التريبة الوطنية لجريدة الاتحاد الاشتراكي الصادر يوم الاثنين 2012/09/10 عدد 10190 ، حتى تيقنوا ان قرار الوزير جدي ولا رجعة فيه، وتسبب لهم مع الآباء والأمهات في مشاكل إضافية حيث وصف بعض الآباء والامهات هؤلاء المدراء ب«الكذابين» وهو الوصف الذي وصف به الوزير نفسه لوبيات التعليم الخصوصي في نفس التصريح الذي خص به جريدتنا. مجموعة من الآباء والامهات وامام هذا الوضع الذي من الصعب العثور له على حل، عبروا عن استعدادهم للقيام بكل انواع الاحتجاج السلمي لضمان تدريس ابنائهم حتى ولو استدعى الأمر مقاضاة المؤسسات التعليمية التي استخلصت واجبات التسجيل ولم تستطع توفير الاساتذة لتدريس ابنائهم. من جهة أخرى تأسف العديد من أطر التدريس التي تعمل منذ عقود بالتعليم المدرسي الخصوصي على هذا القرار، الذي حرمهم من مدخول اعتادوا عليه و وظفوه في أمورهم الخاصة، فمنهم من اقترض من بعض البنوك لشراء سيارة تليق بالمقام، ومنهم من بنى منزلا او رممه ومنه من يدفع واجبات دراسة ابنائه بالمعاهد العليا الخصوصية او خارج ارض الوطن، والآن مع هذا القرار سيتضررون ماديا وستتأزم وضعيتهم المالية، حسب تصريح بعضهم ، ولم يعد أمامهم سوى كراء بعض المؤسسات الخصوصية ليلا والشروع في إعطاء الدروس الليلية عساها تخفف بعض الشيء من مشاكلهم المالية المرتقبة. إن قرار وزير التربية الوطنية الاخير كشف عن بعض المستور مما كان يتجاهله الجميع، ولم يعط الوزير أهمية لتهديدات أرباب هذه المؤسسات التعليمية والتي تلوح بعضها بإعلان سنة بيضاء، أو إغلاق المؤسسات التعليمية الابتدائية ودفع التلاميذ للاحتجاج عبر الشوارع! لكن بعض المتتبعين وصفوا هذه التهديدات بالمبالغ فيها. «فالوزارة لم تصدر قرارا بإقفال هذه المؤسسات، بل هي فقط تحكمت في أساتذتها ، ولم تسلب أي مؤسسة تعليمية خصوصية حقها، فقط هي كشفت جانبا من نقائصها لا أقل ولا أكثر».