نظمت الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، ضمن أنشطتها الشهرية لمختلف القضايا المتعلقة بوضع الأمازيغية بعد دستور 2011 ، مائدة مستديرة مؤخرا، حول موضوع «الأمازيغية والإعلام»، وهو اللقاء الذي حضره، أعضاء من جمعيات أمازيغية مختلفة ومهنيون في الإعلام عامة وفي الإعلام الأمازيغي خاصة بمختلف أنواعه: المكتوب والمسموع والمرئي والإلكتروني وأفراد من مؤسسات حقوقية وثقافية تهتم بالحقوق اللغوية والثقافية والإعلامية الأمازيغية. وقد شارك في هذه المائدة المستديرة، التي نشط فقراتها الباحث الهاشم أمسكوري عضو الجمعية المنظمة، مجموعة من المتدخلين الذين يتكامل فيهم المهني والباحث والفاعل الجمعوي. واعتبر المشاركون هذا اللقاء مهمابالنسبة لكافة المهنيين في قطاع الإعلام الأمازيغي. إذ تم التأكيدعلى وجود عدم تكافؤ الفرص بين القنوات التلفزية، لا من حيث البنيات التحتية ولا من حيث الميزانية ولا من حيث تأهيل الموارد البشرية إضافة إلى أنه محاصر بمجموعة من الإكراهات المهنية. كما تمت الإشارة إلى عدم اهتمام المسؤولين اللازم بالإعلامالسمعي الأمازيغي )الإذاعة الأمازيغية( وببرامجه وبالأرشيف الإذاعي الأمازيغي، ذلك الإهمال الذي لا يتمثل فقط في عدم توفير ما من شأنه أن يمكن من الحفاظ عليه؛كما هو الشأن بالنسبة لمجالات أخرى؛ بل وفي ضياع كثير مما تم إنتاجه. ولذلك فالإعلام الأمازيغي في أمس الحاجة إلى خبراء وذوي الاختصاص لوضع تصور واستراتيجية للإعلام الأمازيغي عامة وللإعلام الإذاعي الأمازيغي خاصة وبالأخص منه ما يتعلق بالقيم الأمازيغية الإيجابية التي من شأنها أن تدعم قيم المواطنة المنشودة في بناء مغرب مواطن. كما تمت مناشدة تأسيس قطب إعلامي أمازيغي بإمكانياته وميزانيته الخاصة. وفي نفس التوجه الذي يتوخى تجاوز هذه المشكلات البنيوية والهيكلية تم التعبير عن ضرورة تنظيم ورشات متخصصة وعقد لقاءات أخرى حول الموضوع، ووضع تصورات وأهداف دقيقة تأخذ بعين الاعتبار الآفاق الإعلامية المنشودة من خلال فتح ورش الأمازيغية في مغرب اليوم والغد. كما تم التعبير عن ضرورة إعادة النظر في كثير من المفاهيم المستعملة أثناء الحديث عن اللغة والثقافة الأمازيغيتين والتي لا تأخذ بعين الاعتبار الحمولة اللغوية السليمة والثقافية الصحيحية المشكلة للقيم الخاصة باللغة والثقافة والهوية والحضارة الأمازيغية والتي ستساهم بلا شك في خصوصية الثقافة المغربية وفي بلورة قيم من شأنها تدعيم النموذج المغربي المنشود. كما تمت المناشدة، من حيث علاقة الأمازيغية بلغات أخرى، بخدمة الأمازيغية بكل اللغات مع الحرص على الحفاظ على روح ثقافتها وقيمها الإيجابية والنبيلة. وفي ما يخص الميز الذي يعرفه الإعلام بالأمازيغية من حيث الحصص الزمنية والميزانية، ثم اقتراح المطالبة باستراتيجية برمجية لمضامين هذا الإعلام وبميزانية ملائمة أكثر من المطالبة بأي شيء آخر. وفي إطار تحقيق الأهداف التي تتم المطالبة بها على مستوى الإعلام؛ سواء منه الإعلام بالأمازيغية )الإعلام الناطق والمكتوب بالمازيغية( أو الإعلام الأمازيغي )الإعلام حول الأمازيغية بأية لغة أخرى مكتوبة أو منطوقة غير الأمازيغية(؛ تم التأكيد على دور الإعلاميين الأمازيغيين أنفسهم في الحفاظ على القيم الأمازيغية والتعريف بها كمهمة إعلامية أساسية. كما تم التنبيه إلى ضرورة إعادة النظر في تسميات إذاعاتنا: «الإذاعة الوطنية» و«الإذاعة الأمازيغية»؛ فهذا التمييز في التسمية قد يوحي بأن «الإذاعة الأمازيغية» ليست وطنية. وهذا التمييز يتجلى أيضا في نوعية الاستوديوهات المخصصة للإذاعة وللقناة الأمازيغيتين؛ إذ يعتبران أصغر استوديوهات في الإذاعة والتلفزة المغربيتين. وبصدد الوضعية الحالية للإعلام المكتوب، تمت الإشارة إلى أنه لا يرقى لطموحات بداياته التي لا يمكن إلا التنويه بها، بالرغم من قلة الإمكانات المادية والبشرية مقارنة بالوضعية الحالية. فالموارد البشرية والكفاءات الضرورية، لا زال الإعلام الأمازيغي يفتقر إليها اليوم. وفي ما يخص الإعلام الإلكتروني، تجدر الإشارة إلى أن بداياته أيضا كانت جد واعدة، إذ كانت هناك مدونات شخصية كثيرة للفاعلين الأمازيغيين يخصصونها لقضايا الأمازيغية فقط؛ بينما نلاحظ اليوم أن كثيرا من المواقع الإلكترونية المحسوبة على الأمازيغية قد تهتم بمواضيع لا صلة لها بالأمازيغية. وفي ملاحظة خاصة بالقناة الأمازيغية وهي مقبلة على البث 14 ساعة على 14 ساعة؛ تم التعبير عن أربع نقاط ينبغي أخذها بعين الاعتبار وهي: المعيارية، اعتماد قواعد الكتابة السليمة، احترام دفتر تحملات يرضي الأطراف المعنية وضرورة المراقبة من أجل التقويم والمحاسبة التي يستلزمها القانون نفسه. وفي تدخل آخر، تم التنويه مرة أخرى بهذا اللقاء لكونه أثار أهم الأسئلة المطروحة اليوم على الأمازيغية عامة وعلى الإعلام الأمازيغي، خاصة بعد ترسيم الأمازيغية في الدستور. كما تمت الإشارة إلى ضرورة الحفاظ على مختلف المكتسبات التي تحققت في مجال الأمازيغية، سواء على مستوى ما تحقق بفضل نضال الحركة الجمعوية أو ما تم إنجازه بعد خطاب أجدير؛ وذلك في إطار تجاوز الخطاب المطلبي إلى مرحلة تشكيل قوة اقتراحية ضمن المقاربة التشاركية التي يدعو إليها الدستور الحالي نفسه )حامي(. العتعقيبات: في بداية التعقيبات أشارت الأستاذة أمينة بن الشيخ إلى أن نسبة 31 % ، التي تمت المطالبة بها من طرف البعض، لم يتم التنصيص عليها في أية وثيقة رسمية؛ وأن ما ينبغي المطالبة به هو وضع شبكة برامج مدروسة بأهداف دقيقة تأخذ بعين الاعتبار مطالب الحركة الأمازيغية وانتظارات المستمعين والمشاهدين والدور المنوط بالإعلام الأمازيغي.كما ينبغي التفكير في الحصص الزمنية وفي الموارد البشرية اللازمة لإنجاح هذا الورش الإعلامي الحيوي. وفي ما يتعلق بالقناة الأمازيغية، تجدر الإشارة إلى أن السيد ماماد ليس؛ كما يعتقد لدى الأغلبية؛مديرا للقناة، بل هو مجرد مدير إنتاج البرامج وليست له القدرة لا في الفصل في الموارد البشرية ولا في الميزانية. كما تجدر الإشارة إلى أن مشاكل القناة الأمازيغية كثيرة؛ تتمثل في ضعف الميزانية المخولة لها سنويا، وفي ضعف الإشهار الذي تستفيد منه؛ إذا ما قارناه بقيمة الإشهار الذي تستفيد منه القناة الأولى مثلا. كما أنه لا توجد متابعة ومحاسبة «الهاكا» في ما يتعلق بالدور المنوط بها تجاه هذه الوضعية الغيرالمنصفة التي يعيشها الإعلام الأمازيغي السمعي البصري. وفي ما يتعلق بفكرة خلق قطب إعلامي أكدت أمينة بن الشيخ رغبتها في الحفاظ على الخط الذي اتبعته لحد الآن في ما يخص جريدة «العالم الأمازيغي»؛ لكن مع البحث عن حلول ناجعة لمشكل التكوين على مستوى التسيير، خاصة في المجال المالي. بالنسبة لموحا موخلص، عاد ليؤكد على ضرورة اهتمام الإعلاميين في مهامهم الإعلامية بقضية القيم. ذلك لأن هناك توجهات فكرية تبدو وكأنها تكره الحياة نظرا لميولاتها الانتحارية كاختيار استراتيجي لحل المعضلات التي تواجه المجتمعات الحالية؛ هذا في الوقت الذي نجد في الثقافة الأمازيغية قيما تنشر الرغبة في الحياة وتعتمد أعرافا تنبذ العنف الجسدي والعزل الاجتماعي )السجن( ونبذ الإعدام وغيرها من العقوبات التي تحط من كرامة الإنسان ومن إنسانيته. كما أن هذه القيم، إضافة إلى أنها تدعو إلى الجد والإخلاص والصدق في المعاملة، فإنها تنشئ الفرد على رؤية وتمثل إيجابيين للغير والانفتاح عليه مع احترام قيمه، بعيدا عن كل نظرة احتقارية له. وقدم أمثلة كثيرة لهذه القيم التي على إعلامنا أن يعكسها في هذا الزمان الذي تسود فيه الميولات الظلامية والانتحارية. أما بالنسبة لعبد الله حيتوس فقد أشار بدوره لأهمية القيم التي تزخر به ثقافتنا الأمازيغية والتي لا يمكن إلا أن تكرس توجهات المجتمع الديمقراطي والحداثي والتي يمكن لها أن تخاطب في نفس الوقت العقل والقلب. وإذا استحضرنا، يقول الإعلامي أحمد أوعاس، وضعيات كان فيها بعض المهنيينالإعلاميين في مؤسساتنا الإعلامية يمارسون مهاما؛ إدارية أو صحفية؛ ليست من اختصاصهم ولا تلقوا تكوينا يؤهلهم لممارستها؛ وقارناهم بالمهنيين الإعلاميين في البلدان الديمقراطية والحداثية من احترام للقوانين وللمهنة ولأفراد المجتمع؛ فإننا نتصور بوضوح ما ينتظر إعلامنا من تدبير وأخلاق مهنية وتكوين مهني وعلمي وتقني وغيرها من الشروط الضرورية ليكون إعلامنا على ما يرام. أما بالنسبة لإعلامنا الأمازيغي فيكفي اليوم أن يستمع المسؤولون على الإعلام صوت الحركة الأمازيغية التي تعي جيدا ما يفتقر إليه هذا الإعلام وما ينتظره المعنيون به؛ كيفما كانت شرائحهم المجتمعية؛ ليجد الطريق السليم في إطار استراتيجية واضحة. وكما أنه «في البدء كانت الكلمة»، فإنه سيكون البدء الملائم بالانكباب على التكوين وإعادة التكوين في مجالات اللغة بشكل علمي ومهني وذلك بإشراك المتخصصين والمهتمين؛ لأن الإعلام يتم أساسا عبر التواصل الذي تشكل اللغة أهم عناصره؛ إضافة إلى أننا في مرحلة التأسيس للغة التي تواصل بها المغاربة في إطار الوحدة الوطنية وفي إطار المواطنة التي لا تلغي تنوعها. و في رده على الأسئلة والملاحظات الموجهة إلى تدخله، أكد الباحث محمد بلحاج على ضرورة استحضار كون الصحافة مهنة قائمة الذات، إذ لها ضوابطها وقوانينها وتكويناتها، وبالتالي يجب التعامل معها كذلك. ووجه نداء إلى مكونات الحركة الأمازيغية للاشتغال بالاعتماد على «التخصصات» معتبرا زمن «العموميات» قد ولى إلى غير رجعة، وذلك وفق رؤية استراتيجية شاملة تقر بالضرورة بكون اعتماد أسلوب المطالبة قد استنفذ إمكانياته، ولم يعد وحده كافيا. وفي الأخير، نوه الحسين أيت باحسين، باسم الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، بالمشاركين في هذه المائدة المستديرة الثانية؛ وكذا بالحاضرات والحاضرين الذين لبوا دعوة الجمعية؛ من أجل متابعة الحوار والنقاش واقتراح ما من شأنه أن يساهم في إصدارمختلف القوانين التنظيمية المرتبطة بالتفعيل المرغوب فيه لترسيم الأمازيغية. كما أخبر بموضوع المائدة المستديرة المقبلة الثالثة؛ والتي سيكون موضوع الحوار فيها هو : «الأمازيغية والممارسة السياسية». وأشار إلى أنه قد تم الاتصال مع الفعاليات التي ستشارك فيها وبأنه سيتم الإعلان عن تاريخ ومكان انعقادها في شهر شتنبر المقبل.