تعرض بعض القنوات العربية في هذا الشهر الكريم المسلسل الديني «عمر»، حيث اشتغل فريق العمل بقيادة المخرج السوري حاتم علي على الإحاطة بالمحطات الكبرى لحياة ثاني خليفة لرسول الله عمر بن الخطاب أول من لقب بأمير المؤمنين والصحابي صاحب المواقف الجليلة في تاريخ الإسلام. إن عرض مسلسل بهذا الحجم في هذا الوقت بالذات يعتبر رسالة إلى من يهمهم الأمر في خضم ما يعيشه العالم العربي من توتر بين علاقة الحاكم بالمحكومين، من جهة أخرى ساهمت الزوبعة الأولى التي عرفها المسلسل قبل عرضه في انجذاب شريحة كبيرة من المشاهدين إليه ناهيك عن قيمة الشخصية المثارة وعن حجم الاستثمار المخصص له وعدد الوجوه الفنية المشاركة به، كما أن المشاهد الممزوجة باختيار دقيق للغة والديكور والملابس وإكسسوارات الحروب زاد من قيمة العمل. لكن كثيرا ما تثار قضية على جانب من الأهمية والتي يعتبرها النقاد نقاط ضعف المسلسل وهي العلاقة الوطيدة بين السرد التاريخي الذي يحتاج إلى مصداقية لا غبار عليها والعنصر الفني الذي يستمد قوته من البناء القصصي والتشويق والإحاطة بالتفاصيل والحياة العادية خاصة أننا أمام شخصية لها قيمة كبيرة لدى المسلمين بعد رسول الله. لقد استنزفت الحقائق التاريخية إمكانيات البناء الدرامي فوجد المشاهد نفسه أمام أحداث حفظها عن ظهر قلب قبل إسلام عمر وبعد إسلامه ومواقفه بالمدينة المنورة ثم فترة ولايته، لقد كان المسلسل مغرقا في حوارات طويلة وغاب عنصر الإثارة باستثناء مشاهد المعارك ومواقف أخرى قبل هجرة الرسول كاستقبال ملك الحبشة لمهاجري رسول الله وحواراته معهم وتأثره الشديد بالقرآن، يلاحظ المشاهد أن السلسلة جاءت مشحونة بالأحداث ولم ترسم بشكل متروي شخصية عمر الإنسان الأخر الذي كنا نتوق إلى معرفته بعيدا عن كتب السيرة والمصادر التاريخية خاصة للذين لا يمتلكون ثقافة دينية واسعة، إننا كنا نتوق إلى مشاهدة خرجات الفاروق ليلا وكيف كان يتفقد أحوال الناس عن قرب، كنا نتشوق إلى رؤية عمر الأب والزوج، أي الإنسان البسيط الذي كان يعمل بيده وهو الذي كانت كنوز الشرق والغرب تحت قدميه. إن التناول الدرامي للشخصيات الدينية يعرف صعوبات سواء لحساسية هاته الشخصيات أو لقلة المصادر التاريخية عنها، وهذا يؤثر على السير الدرامي الذي يعتبر التشويق أحد عناصره، وأحيانا تفرض الشخصية نفسها على العمل. لقد كان عمر رضي الله عنه حاكما استثنائيا بعد رسول الله، وشغله الناس عن نفسه، لذا جاءت سيرته غنية بالمواقف، من هنا ركز فريق العمل على استحضار هاته المواقف الكبرى مع غياب لبعض التوابل الدرامية التي ينبني عليها العنصر الحكائي للقصة، إلا أن هذه المواقف ستبقى أنوارا ربانية في العدل والاستقامة والزهد إلى أبد الدهر.