إن الاسلاموفوبيا لا تتغذى بزمن الفكر البعيد الذي إما خاف الإسلام والمسلمين في أوج حضارتهم، أو عاب عليهم تخلفهم في زمن الانحطاط والاستعمار فقط، بل إن الاسلاموفوبيا مسلك من مسالك التراشق السياسي الذي تغذيه المصالح السياسية والاقتصادية قبل كل شيء. صدر للباحث المغربي محمد حصحاص، الباحث بسلك الدكتوراه في العلوم السياسية والاسلام في اوروبا, والملحق بمركز الاخلاق والسياسة العالمية بجامعة لويس الدولية بروما، كتابا موجزا يراجع فيه بعضا من حقائق الهجرة و نتائجها, خاصة على الجالية المغاربية والاقليات المسلمة بدول الاتحاد الاوروبي. صدر الكتاب باللغة الانجليزية بداية كبحث لنيل درجة الماجستير تحت اشراف البروفيسور ورئيس الوزراء الايطالي الاسبق جوليانو أماتو سنة 2009، وبمنحة دراسية من مفوضية التربية والثقافة في الاتحاد الاوروبي. أجرى الحوار يوسف لهلالي } السيد محمد حصحاص، كيف يمكنك وصف هذه السياسة الاوربية اليوم وماذا تغير فيها حسب بحثكم؟ سؤالكم يستوجب اجابة طويلة بعض الشئ، وفي بحثي ما يجيب عن سؤالكم. أولا، ليست الهجرة بظاهرة جديدة، ولكن حساسية القضايا التي تثيرها تعيد لها طابع «الجديد» باستمرار. يعتبر الاتحاد الأوربي مستقبِلا عالميا لأفواج هائلة من المهاجرين من مختلف الجنسيات والأجناس والثقافات والديانات. من بين أهم هذه الأفواج الوافدة أولئك القادمون من منطقة المغرب العربي، أي المسلمون، بدوافع تاريخية وجغرافية وأيضا سياسية واقتصادية. وقد هيأت المجموعة الأوربية ابتداء من الخمسينيات إلى السبعينيات لتوافد هذه الأفواج من المهاجرين ورحبت بها، غير أن مآل الأمور خالف توقعاتها، والسؤال الذي تطرحه الآن هو كيف تتعامل مع المهاجرين المستقرين وخاصة الجيلين الثاني والثالث. في ما يخص بحثي، فقد وصل الى خلاصة مؤداها أن الاتحاد الأوربي ككتلة دول تحاول دراسة المشكل بانسجام أهمل ظاهرة الهجرة منذ نشوئها في الخمسينيات وإلى غاية التسعينيات من القرن الماضي حين شرع يفكر فيها جديا ليبدأ سياسة مركزة موحدة, كان ولا يزال- إلى حد ما- كل بلد من مجموعة الدول الأعضاء هو المتعامل الوحيد معها ومع ما تجره في طريقها من نتائج. يعالج الجزء الأول من هذه الدراسة هذه النقطة، مصحوبا بمقدمة عن مختلف معاني «الإدماج» وفق رؤية دول الاتحاد له. يكشف الكتاب أن بعض البلدان لها مقاربات متشابهة للقضية، مقارنة مع باقي دول الاتحاد لأسباب تاريخية واجتماعية وسياسية مختلفة. الدانمارك والسويد مثلا ينتميان إلى ‹وجهة النظر/السياسة الإسكندنافية›، بينما تنتمي إيطاليا وإسبانيا إلى ‹وجهة النظر المتوسطية›.أما المملكة المتحدةوفرنساوألمانيا فلها ‹وجهات نظر› وسياسات مغايرة داخل أوربا الغربية. ينتقل الجزء الثاني من هذه الدراسة من طريقة فحص الدول الأعضاء للهجرة، إلى محاولات الاتحاد الأوربي ككل، كمجموعة لها صوت وسياسة واحدة، إيجاد انسجام بين سياسات الإدماج لمختلف أعضائه. يعالج القسم الأول من هذا الجزء أهم المراحل والسياسات بدءا ببرنامج «قمة لاهاي»، مرورا «بالمقاربة العالمية» ووصولا إلى «المنهج المفتوح للتنسيق» و»السياسة المشتركة للهجرة». من أجل تطبيق هذه المبادرات والبرامج، تم صياغة «فهرس سياسة الهجرة والإدماج» لكل بلد كأداة صالحة لمقارنة وتقييم جهود الدول الأعضاء للاستجابة لمحاولات الاتحاد تنسيق مخططاتها المتعلقة بالإدماج. يضم الفهرس المذكور ستة مؤشرات: إمكانية الحصول على الجنسية، التجمع العائلي، سوق الشغل، المشاركة السياسية، ومحاربة التمييز العنصري. فإذا كان الجزء الأول من الكتاب يتحدث عن تمظهرات سياسات الادماج المتنوعة في العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية، فإن الجزء الثاني عبارة عن نظرة عامة على الوضع الحالي، في إطار رقابة الاتحاد الأوربي للسياسات المقترحة. ولكن النتيجة هي تقريبا نفسها. لا تزال سياسات الإدماج بعيدة عن الكمال، باستثناء بعض المجالات والمؤشرات التي سجلت أرقاما إيجابية في بعض الدول كالسويد. تنتهي هذه الدراسة بالتركيز على المهاجرين المسلمين في أوربا منذ الخمسينيات وكيف تم إدماجهم أو إدماجهم بشكل جزئي فقط في المجتمع الأوربي. يصب اهتمام هذا الجزء في خمس دول أعضاء (بريطانيا، ألمانيا، إسبانيا، فرنسا والدانمارك) مع الأخذ بعين الاعتبار أهم الأحداث منذ الهجمات الإرهابية للحادي عشر من سبتمبر في الولاياتالمتحدة، وكيف تفاعل وتغير تشريع الدول الأعضاء في هذه الدول بعد ذلك, لتصبح أكثر صلابة وشدة على المهاجرين، وما تبع ذلك من تغير لسلوك المواطنين الأوربيي الأصل تجاه نظرائهم المسلمين الذين يرون انتشار الإسلاموفوبيا (الخوف من الإسلام) والإقصاء كأحد نتائج هذه السياسات. يتبين من خلال دراسة وضعية المهاجرين المسلمين أن سياسات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي متباينة في تجلياتها وغير كذلك في أهدافها وتوجد من ورائها دوافع سوسيو-ثقافية واقتصادية وسياسية داخلية وخارجية. } هل القوانين الاوربية في مجال الهجرة خاصة بايطاليا وفرنسا هي موجهة ضد القادمين من جنوب المتوسط خاصة البلدان المغاربية هل هناك من تمييز يخص منطقة جغرافية دون غيرها؟ لا أرى أن قوانين الهجرة في البلدين تخص المغاربيين بحد ذاتهم. ان القرب الجغرافي هو الذي يجعل الامر يبدو كذلك. صحيح ان أحزاب اليمين وبعض وسائل الاعلام تضع قوانين الهجرة في خانة التخويف من العرب والمسلمين بشكل عام، لكنها اجمالا لا تخص اشخاصا من منطقة بعينها. ان المنطقة المتوسطية منطقة عبور للمهاجرين من افريقيا جنوب الصحراء وأحيانا من اسيا كذلك، واستصدار قوانين من طرف الاتحاد الاوروبي تحد من الهجرة من الدول جنوب المتوسط لا يعني بالضرورة انها ضد المغاربيين، عربا او مسلمين. ان الاتحاد الاوروبي يحاول ان لا يجعل قوانينه تصب في خانة دولة اوروبية بعينها كاسبانيا او فرنسا او ايطاليا، بل يحاول ان يجعلها قوانين في خدمة القضية الاوروبية بصفة عامة، من الناحية الاقتصادية والامنية. أعيد القول بأننا هنا نتحدث عن قوانين الهجرة وكيفية الحد منها او تقنينها، وليس بالضرورة قوانين تتعلق بالحريات الدينية، فهذا موضوع اخر، رغم تشابكهما والخلط الذي بينهما. } ما هو تقييمك لاتفاقيات الهجرة التي تجمع المغرب مع بلدان الاتحاد الاوربي اليوم؟ عفوا هذا السؤال خارج مجال تخصصي. لم أشتغل على الحالة المغربية. } ما هي وضعية المهاجرين المغاربة بايطاليا, خاصة بعد الأزمة الخانقة التي تعيشها اوربا؟ مغاربة ايطاليا كغيرهم من المهاجرين، الايطاليين انفسهم، تضرروا ويتضررون بالازمة المالية العالمية، ليس بحجة مغاربة اسبانيا ولكن ليس احسن حالا كذلك. يبلغ عدد المغاربة بايطاليا حوالي 550 الف نسمة، وتقدرالجمعية الوطنية لما وراء الحدود (أنولف) التي يرأسها المغربي محمد السعدي، ان حوالي 13% من المغاربة فقدوا مناصب عملهم، وحسب القوانين الجاري بها العمل، يتم فصلهم مع دفع راتبهم لمدة 6 أشهر ليبحثوا خلالها عن عمل آخر، لكن الامر ليس سهلا في هذه الظرفية، فالبلاد في أزمة بدت صغيرة لكن بوادرها بدت تتسع، لتدخل ايطاليا دائرة الدول الجد متضررة من الازمة، خاصة بعد أزمة اليونان المستفحلة. لذا، ترى جمعية أنولف مثلا أن عددا من المغاربة قرروا الرجوع الى المغرب مؤقتا، أو أرسلوا الام والابناء، وفي حالات أخرى اما حاولوا النزوح الى جنوب ايطاليا التي تنخفض فيها مصاريف الحياة، أو قرروا البحث عن عمل في دول الاتحاد الاوربي غير المتضررة بشكل كبير كفرنسا وبلجيكا. } هل الحل الامني الذي تقترحه البلدان الاوربية هو الحل الامثل للحد من تيارات الهجرة السرية, أم ان هناك وسائل وحلول اخرى للحد منها ومن انعكاساتها ,سواء على بلدان الوصول او بلدان الانطلاق؟ أكيد أن الحل الامني ليس الحل الوحيد والمناسب. بل انه قد يزيد في توسيع رقعة الصور النمطية بين منطقتي الشمال والجنوب للمتوسط. فمثلا، يحاول الاتحاد اولا تقنين الهجرة وفتح سبل لتسهيل الحصول اما على التأشيرة بشكل أسهل، او فتح مجال اوسع لاصحاب المقاولات في اوروبا لاستقدام عمال من جنوب المتوسط، عبر اتفاقيات تقنين مع حكومات هذه الدول. هذه المشاريع تقنن من الهجرة، وتحفظ في نفس الوقت حقوق العمال والمهاجرين، وتعطيهم المكانة اللائقة بهم في البلد المضيف، لكي لا يكونوا مثار نقاش وتخوف لدى المجتمعات الاوربية. } هل الخوف الذي تعرفه اوربا اليوم وتصاعد تأثير الاحزاب الفاشية هي نتيجة الخوف من الاسلام او من الهجرة بصفة عامة ؟ هل هذا الخوف له اسس صحيحة ام هو نتيجة مزايدات شعبوية احزاب اليمين الاوربي؟ لا يجب ان ننسى ان الشعوب لا تنسى التاريخ وان دارت عينها عنه في الحاضر أحيانا. ان الذاكرة الجمعية لدى البلدان الاسلامية كما لدى البلدان الاوروبية ما تزال تدور في داخلها أصداء حروب الماضي البعيد والقريب والحاضر. ما يزال التخوف من الآخر يغذي ذاته من التاريخ، والخوف من الاسلام مرسوم في ذاكرة الغرب حتى قبل الاحتكاك بالمسلمين في القرون الوسطى، ولا تزال كثير من هذه الصور تتغذى بما تروج له بعض وسائل الاعلام و المفكرين، صور تلتقطها الاحزاب الشعبوية اليمينية التي تريد ان تجد لها مكانا في الساحة السياسية. ان الاسلاموفوبيا لا تتغذى بزمن الفكرالبعيد الذي إما خاف الاسلام والمسلمين في أوج حضارتهم، او عاب عليهم تخلفهم في زمن الانحطاط والاستعمار فقط، بل ان الاسلاموفوبيا مسلك من مسالك التراشق السياسي الذي تغذيه المصالح السياسية والاقتصادية قبل كل شيء. فلا شك انك تجد ان أكثر من يرفع راية الاسلاموفوبيا هم أكثر جهلا بالدين، وأكثر لادينية، واكثر جريا وراء السلطة او الشهرة والمال.