بلومبرغ: زيارة الرئيس الصيني للمغرب تعكس رغبة بكين في تعزيز التعاون المشترك مع الرباط ضمن مبادرة "الحزام والطريق"    ميغيل أنخيل رودريغيز ماكاي، وزير الخارجية السابق لبيرو: الجمهورية الصحراوية المزعومة لا وجود لها في القانون الدولي    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    بريطانيا بين مطرقة الأزمات الاقتصادية وسندان الإصلاحات الطموحة    الجزائر والصراعات الداخلية.. ستة عقود من الأزمات والاستبداد العسكري    الرباط.. إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    بوريطة: الجهود مستمرة لمواجهة ظاهرة السمسرة في مواعيد التأشيرات الأوروبية    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    الجمارك تجتمع بمهنيي النقل الدولي لمناقشة حركة التصدير والاستيراد وتحسين ظروف العمل بميناء بني انصار    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    عمليات تتيح فصل توائم في المغرب    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    الوزير بنسعيد يترأس بتطوان لقاء تواصليا مع منتخبي الأصالة والمعاصرة    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء        التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    وسط حضور بارز..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تخلد الذكرى الستين لتشييد المسجد الكبير بالعاصمة السنغالية داكار    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور    قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    "مرتفع جوي بكتل هواء جافة نحو المغرب" يرفع درجات الحرارة الموسمية    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة        "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التأويل الديمقراطي للدستور مسؤولية الحكومة وليس من مهام المجتمع المدني

نظمت مجموعة من الشباب الجامعة الصيفية كابديما في كلية الآداب والعلوم الإنسانية الرباط خلال الأسبوع الماضي، فكان من بين المتدخلين في هذه الجامعة الصيفية، في يومها الأول الدكتور حسن أوريد. وقد أثارت هذه المداخلة التحليلية للوا قع السياسي اهتماما كبيرا من لدن الأوساط الإعلامية، والسياسية والشبابية.
ونظرا لأهمية هذه المداخلة التي ركز فيها الدكتور حسن أوريد كأكاديمي وأستاذ جامعي على المؤسسات وليس الأشخاص، وقام فيها بجرد لما وقع منذ أن أعلن المرحوم الملك الحسن الثاني أن المغرب مهدد بالسكتة القلبية إلى حين الربيع العربي وبزوغ حركة 20 فبراير ليخلص إلى سؤال مركزي هو ما العمل الآن؟ ومحاولة الإجابة عنه ننشرها كاملة من أجل تعميم الفائدة.
حين التقيت بمنظمي هذه الجامعة الصيفية، سألتهم لماذا فكرتم في دعوتي لهذا اللقاء بالنظر لمساري، فكان الجواب واضحا باعتبار أن كانت لدي مواقف واضحة فيما يخص حركة 20 فبراير في ظرفية معينة ولم يكن لي لأتردد لعدة اعتبارات.
اعتبرت هذه البادرة تنم عن وعي عميق، وأنه بعد الحركية التي عرفها المجتمع المغربي والتي رفعتها حركة 20 فبراير، آن الأوان للتفكير العميق والعمل الدؤوب ، واستحضرت مقولة مأثورة للحكيم الصيني كونفوسيوس "العلم بدون عمل لا يفيد والعمل بدون وعي جريمة"، لذلك أعتقد أنه بعد كل هذا الحراك الذي عرفه مجتمعنا وحملت رايته حركة 20 فبراير جئنا إلى مرحلة مفصلية من أجل تصور المستقبل بناء على مرجعية فكرية، ثم أنه بحكم السن وبالنظر أنني الأكبر سننا من المنظمين وراكمت تجربة في مسرى الحياة وفي ممارسة في دواليب الدولة، فيمكن أن فيد، وكما يقول كارل ماركس "الشعوب التي لا تعرف تاريخها تكرر نفس أخطائها "، لذلك كان لزاما وأعتقد من الضرورة على شباب المغرب أيا كانت المرجعيات و التسميات، ينبغي أن يستحضروا مسار الأجيال التي سبقتهم وأن لا يعتبروا حركة 20 فبراير نقطة صفر، وأن هناك نضالا مستميتا قادته أجيال سابقة، لا شك أنه استحضرنا السياق الذي عرفه المغرب في السنة الماضية، ولاشك أن هناك سؤالا يتبادر إلى الذهن، لماذا تحرك المغرب أو لماذا تحرك الشعب المغربي، والجواب بسيط، الوضع كان محتقنا، كان قابلا للحركية، وبتعبير آخر لم يكن للوضع أن يستمر على الشكل الذي كان عليه، كانت شروط موضوعية تتيح لهذه الحركية أن تظهر وهي التي عبرت عنها فصائل من المجتمع المغربي، ولكن في الظرفية التي نحن فيها ، ينبغي أن نقوم بجرد وهذا الجرد ليس للترفيه ، وإنما لاستشراف المستقبل، وأعتقد أن هناك فترة مفصلية وهي الفترة من 1995 ، والتي صادفت صدور تقرير البنك الدولي التي عبر عنها وأوضحها للصحافة في البرلمان المرحوم الملك الحسن الثاني، أن المغرب مهدد بالسكتة القلبية، هذه الفترة مفصلية وهيئت لمغرب جديد، كانت كل المؤشرات تدل أن المغرب يدخل في دوامة أزمة اقتصادية وسياسية ، وسارت الإصلاحات متوازية فيما يخص الجانب السياسي والاقتصادي، ومن دون شك تتذكرون بأنه سنة 1996 تم تبني دستور جديد، ولأول مرة يصوت الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي كان يرمز للمعارضة، على هذا الدستور وكان يؤشر على نوع من التصالح مع القصر والفصيل المهم من الحركة الوطنية، هذه المصالحة إن صح التعبير والتي بلورها دستور 1996 هي التي هيئت لانتخابات 97 ثم بعد ذلك إلى حكومة التناوب وحركية المجتمع التي ظلت حاضرة ممثلة في فاعلين وأطراف من المجتمع المدني سواء على مستوى حقوق الإنسان أو على مستوى جمعيات تدافع عن الحقوق الثقافية والصحافة ، ويمكن أن ندرج تجربة صحيفة لوجورنال التي انبثقت في هذا السياق، والذي كان يؤشر على أن هناك تحولا ديمقراطيا.
وفاة الملك الحسن الثاني واعتلاء الملك محمد السادس، لم يكن فقط استمرارية بل نظر إليها كدينامية جديدة ، ودفعة قوية لهذا المسار الذي يرمز إلى المصالحة بين الحركة الوطنية من جهة وبين القصر ، في أفق بناء الديمقراطية، ولاشك أنكم تتذكرون الإجراءات التي اتخذت سابقا قد أكدت هذا التوجه وهذا المنحى ، كعودة المنفيين وعلى الأخص الأشخاص ذوي الرمزية الخاصة كأبرهام السرفاتي، إحداث هيئة لتعويض المعتقلين وذوي الضرر ، جولة التي قام بها الملك في منطقة الريف ، وإقالة وزير الداخلية الأسبق إدريس البصري، ثم رفع الحجر على الشيخ عبد السلام ياسين... كل ذلك مؤشر على ما سمي آنذاك بالإشارات القوية ، ولم يكن تظهر آنذاك النزوعات التيقنوقراطية وبتعبير آخر المنحى من أجل الالتفاف على المسار الديمقراطي، وسوف تبرز هذه الاتجاهات شيئا فشيئا، وكان من هذه المؤشرات بروز مصطلح الملكية التنفيذية، حيث تم نحت مصطلح جديد لا وجود له في أدبيات القانون الدستوري، الملكية التنفيذية الذي بمقتضاه تصبح الملكية هي صاحبة السلطة التنفيذية أوبتعبير آخر تحل محل الحكومة، وفي هذا السياق تم تعيين ولاة جدد ذوي مرجعية معينة واصطلح على هؤلاء ب Super Wali وبصلاحيات واسعة، وفي نفس المنظور في يناير 2001 تم إحداث مراكز الاستثمار الجهوية من خلال رسالة بعثت للوزير الأول دون علمه، كل ذلك يهيأ لمحطة مهمة تعتبر وقفا لهذا المسار ، وبعد 2002 تاريخ الانتخابات التشريعية التي تصدرها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، هذه الانتخابات كما يفرض منطق الأشياء والقانون الدستوري بأن يتولى الاتحاد الاشتراكي مسؤولية الوزارة الأولى ، لكن تم اللجوء إلى وزير أول تقنوقراطي، وكان خرق ما سمي بالمنهجية الديمقراطية، طبعا هذا لا يبخس من مكانة الشخص، ولكن يعتبر وقفا لهذا المسار ، موضوعيا ينبغي أن نقول رد الاتحاد الاشتراكي كان محتشما باستثناء البلاغ الذي أكد على عدم احترام المنهجية الديمقراطية، وبعدها كان تراجع الاتحاديين، كلهم هبوا للدخول إلى الحكومة بدعوى أنه ينبغي استكمال الأوراش التي ابتدأت، لذلك من الصعب عمليا أو موضوعيا أن ننزه الاتحاد الاشتراكي الذي له مكانة خاصة في المشهد السياسي عن المسؤولية في هذا التوجه،
واللافت أن هذه المقاربة التيقنوقراطية تعززت بمقاربة أمنية عقب أحدث 16 ماي 2003، التقاء كل من المقاربة التيقنوقراطية والمقاربة الأمنية ستفضي في نهاية المطاف إلى نهاية السياسة، لقد كان في نهاية المطاف المتضرر هو تقلص الحقل السياسي.
ومن اللازم من أجل فهم كل هذه التطورات لابد من استحضار السياق الدولي الذي كان ينحو منحى تغليب المقاربة التيقنوقراطية، فلم تكن هذه التجربة حكرا أو قصرا على المغرب بل كانت هي التوجه العام حتى في الدول ذات الديمقراطية العريقة، كفرنسا وساهم في هذا المنحى النجاحات التي أدتها العولمة، ثم إن سيادة المقاربة الأمنية التي كانت تجد مبررها بعد ضربة 11 شتنبر والحرب على ما يسمى بالإرهاب.
فيمكن أن نجمل الخطاب الرسمي حول ثلاثة محاور:
1- التأهيل الاقتصادي على اعتبار أنه المغرب انخرط في ما يسمى أوراش كبرى ومشاريع مهيكلة
2- التأهيل الاجتماعي من خلال أعمال اجتماعية سوف تتعزز بما يسمى المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
3- تأهيل الحقل الديني من خلال ضبط هذا الحقل
هذه المحاور الثلاثة هي التي تشكل دعامة الخطاب الرسمي، بقدر ما تحقق انجازات في هذه المحاور بقدر ما فشلت الدولة في ما يسمى بالتأهيل السياسي ، وكانت خطب رسمية من أجل شرح هذا الخطاب الرسمي للأحزاب لكي تضطلع الأحزاب بهذا التأهيل السياسي.
المهم جدا هو أن هذا الخطاب حول ضرورة التأهيل السياسي كان يوازيه تدخل في المجال السياسي، كضم حزب الحركة الوطنية الشعبية و حزب الحركة الشعبية. لم يكن هذا الضم بناء على تطور عرفه الحزبان اللذان ينحدران من نفس التوجه ولكن بإيعاز من الادارة
بذات الوقت تعرض حزب التجمع الوطني للأحرار إلى اعادة هيكلة بتغيير زعيمه التاريخي بزعيم قريب من الادارة.
فحتى حزب الاستقلال لم يسلم من هذا التدخل على اعتبار أن بعد نتائج انتخابات 2002 تم إضفاء الانتماء الحزبي لأشخاص لم يكونوا أعضاء في حزب الاستقلال ، فأغلب من استوزروا باسمه لم يكونوا أعضاء في الحزب. ربما كان آباءهم أعضاء في حزب الاستقلال. فقد كان هناك تدخل ، فحتى الأحزاب الاشتراكية ذات المرجعية، رضخت لسلطة النجاح في المقاعد ، فالاتحاد الاشتراكي لم يكن يشترط المرجعية الاشتراكية لمنح التزكية في الانتخابات التشريعية، والنتيجة المغاربة لم يعودوا يثقوا في السياسة ، فهناك تدخل في الحقل السياسي وهيكلته، و في نهاية المطاف تم تشويه الحقل السياسيBanaliser le champ politique والنتيجة لم يعد يثق المغاربة في السياسة. واتضح ذلك من خلال عزوفهم على السياسة، وأعتقد أن انتخابات 2007 كانت لها إشارات، بالرغم من المجهودات التي قامت بها الدولة، لعلكم تتذكرون جمعية 2007 دبا الداعية للمشاركة في انتخابات 2007، فلم تتجاوز نسبة المشاركة 37 في المائة ، فجهة مكناس تافيلالت لم تتعد نسبة 17 في المئة، وأن هناك جماعات في خنيفرة رفضت التصويت، بتعبير آخر لم يعد إيمان بالفعل السياسي.
إن الانتخابات شيء، وإقامة الحكومة شيء آخر. نعم لقد أصبحت الانتخابات تجرى في موعدها، وهناك شفافية، لكن لم يعد للسياسة وجود، ولم يعد للأحزاب أي منطق. كان مسار كل شخص ينغمر في السياسة ، حق مشروع.ولم يعد الانغمار في السياسة يؤدي إلى الطريق للاستوزار، مثلا فحتى أشخاص للاتحاد الاشتراكي دون أي رصيد حجوا إلى بنجرير ليتولوا حقائب وزارية. كل هذا أدى في نهاية المطاف إلى تمييع الحقل السياسي.
ويبدو أنه أجريت قراءة غير صائبة لسؤال جوهري، فسنة 2007 كانت في الحقيقة ناقوسا، كان من المفترض أن تجرى القراءة غير القراءة التي أجريت، فعرفت إحداث حزب جديد، هذا الحزب يستوقفنا بالرغم من مرجعيتنا وما نحمله من أفكار مسبقة لأنه سيؤشر مرة أخرى على التدخل في الحقل السياسي. وفي 2008 خاض الحزب الانتخابات الجزئية ولم يحصل إلا على مقعد واحد وبتعبير آخر بدت حظوظ هذا الحزب في ظل التنافس ضئيلة بدون رعاية، وما نشرته الصحافة عبر زعيمه في صحيفة ماروك ايبدو "لم يساعدوني" مقال لمصطفى السحيمي لم يتم تكذيبه، بتعبير آخر كان هذا الحزب يعول على الدولة .
وفي يناير 2009 ستة أشهر إلا يوما تمت حركة في صفوف الولاة والعمال قبيل الانتخابات المحلية المزمع إجراؤها في شهر يونيو، وهو شيء طريف في وزارة الداخلية. فمن المفترض أن تتاح فترة زمنية للولاة والعمال للالتئام مع الوضع إذ حيث لا تتم مثل هذه الحركة قبل الانتخابات، فبعدها يكون ذلك شيء منطقي .
وفي نفس السياق، جرت هناك معركة حول تأويل بنود الفصل الخامس من قانون الأحزاب والذي بمقتضاه يجرم الترحال السياسي الذي أساء للحياة السياسية، لكن الطريف هو التأويل الذي قدمته الأمانة العامة للحكومة للترحال السياسي ، والطريف كذلك ما قدمه أحد أعضاء هذا الحزب "على أن الأحزاب ليست ثكنات عسكرية" ويبدو أن الأمور كانت تهيأ ليكتسح هذا الحزب الساحة السياسية، هذا الحزب الذي كان جزءا من المنظومة يتموقع في المعارضة، والطريف أن هذا الحزب حافظ على عضو في الحزب كوزير في الحكومة بتجميد عضويته، فهذا وضع سوريالي.
وكانت النتيجة كما كان يمكن أن يتوقع أن اكتسح هذا الحزب في هذه الانتخابات الجماعية وظهرت أحداث في كل من الدار البيضاء وطنجة ووجدة حيث كان المنطق العددي لم يكن هناك حظوظ، لكل وحده واضحة، فالتحالفات التي كان يعقدها تظهر أن لهذا الحزب أكثر من ذراع، وأستشهد هنا مرة ثانية بملف نشرته صحيفة ماروك ايبدو تتساءل فيه ما هو دور وزارة الداخلية فيما يسمى عملية الضبطla regulation ، فهذا الدور انتقل من وزارة الداخلية إلى حزب البام، فكيف يمكن لحزب أن يكون في نفس الوقت خصما وحكما ، وكان منطق الأشياء يرفض هذا التباين، وتبين انحياز الإدارة لهذا الحزب من خلال تسريب ورقة التصويت بمراكش وانتقل كاتب الدولة لتقصي الحقائق. بإيجاز أن سنة 2009 كنا نعيش وضعا غير طبيعي. وقد أفضى الأمر إلى ظاهرة تساءلنا حيث أن أطرافا لم تكن معينة ولا منتخبة ولامسؤولية لها داخل الدولة أصبحت فاعلة، فهذه الظاهرة يجب الوقوف عندها مليا وتحليلها التحليل الكافي، لذلك حين وقع الربيع العربي وخرجت حركة 20 فبراير للتنديد باحتقان حقيقي يظهر الهيمنة على الفعل السياسي والواقع الاقتصادي.
فحين قمت بهذا الجرد، فالسؤال المركزي هو المآل، ما العمل الآن، لأنه يجب استخلاص العبر، فكل ما وقع لا يجب أن تعتبر المسألة ترتبط بنزوات. إن المشكلة بنيوية ولا تفترض مستوى التنزيل الديمقراطي للدستور ، فالمسألة أعمق في تصوري، فتنزيل الدستور هذه مسؤولية الحكومة ولا أريد أن أخوض في هذا الدستور الذي يحتمل كل القراءة القانونية بالإضافة للبيضات التي أريد للقوانين التنظيمية أن تحملها، فمسؤولية الشباب ليست هي التنزيل الديمقراطي للدستور ولا حتى الحراك، فعمل الشباب استنفد نهايته حول إثارة الاهتمام بالقضايا المصيرية للشعب المغربي، فمسؤولية الشباب هي العمل السياسي العميق وماذا نعني بالعمل السياسي العميق:
أولا تحديد الأهداف فلست مخولا لأقول لكم ما هي أهدافكم، ولكن هذه الأهداف لا يمكن أن تكون بمفصل عن الأجيال السابقة من أجل بناء دولة ديمقراطية لابد أن تكون بالنضال واستمرار لكل الأجيال.
ثانيا تحديد وسائل هذه الأهداف ، لابد من إدراج ذلك في نفط استراتيجية وتكتيكية والتأقلم التكتيكي لأن العمل السياسي يفترض التكتيك والتنازلات مع أطراف أخرى، ووسائل العمل تفترض كذلك ما أسميه بالتناقض الكبير والتناقض الصغير، وأنا هنا أحيل على مرجعيات ماركسية، لكن كل عمل سياسي لابد من تحديد التناقض السياسي الأكبر والتناقض السياسي الأصغر، ومن جانب آخر لابد من استحضار التجارب الإنسانية ، فنحن لسنا في معزل عن التجربة الإنسانية، فلابد من أن نستفيد منها،
وأخيرا أقول للشباب أن المعرفة ليست فقط أكاديمية، ولكن المعرفة يجب أن تكون ميدانية، لذلك يجب على هذه الجامعة الصيفية أن تبقى مستمرة وأن تخرج للأحياء الشعبية.. وأن ترتبطوا بجمعيات الأحياء لكي لا يصبح عملكم عملا نخبويا يجب أن تجول الريف والأطلس والصحراء، وثقوا بي أن هناك دينامية اجتماعية في المناطق، فهذا ما أ قصد به العمل السياسي العميق.
وختاما أحيل إلى ماكتبته في احد كتبي أن المجتمعات تتحول من خلال ثلاثة عوامل أولها تبصر المفكرين، ثانيا استماتة القادة السياسيين أي أن تكون لهم رؤية ويكون لهم ثبات على المبدأ، ثالثا تضحية الجماهير.
فبدون هذه العناصر الثلاثة المترابطة فيما بينها لا يمكن أن يكون هناك تحول.
أريد أن أتوجه إليكم أيها الشباب، أن على عاتق كل واحد منكم جسامة المسؤولية، فكل واحد منكم يحمل جزءا من تراث محمد عبد الكريم الخطابي، موحا واحمو الزياني، علال الفاسي، المهدي بنبركة، عبد الرحيم بوعبيد، فانتم مسؤولون عن التراث النضالي السابق وكذا على ما أنتم مقبلون عليه كأجيال قادمة.
محمد المعزوز يرد على أوريد
التصنع في السياسة وتهمة التنكير
محمد المعزوز
«ما يكون التنكير مخصوصا بالتهميش و المحو و لكنه حي..... و يكون التعريف نتاج تواطؤ المصادفة والحظ، فاعلم ان النكرة، هاهنا اصل الحقيقة، وان المعرفة مجرد وهم لأنها صنيع ليس إلا "
ان اكون نكرة في تمثلاتك، فهذا يعني انك تنطلق من المثل الباذخ الذي صور حضورك وأي مثل اكثر بذخا من ان تكون بالمصادفة والحظ صديق دراسة الملك وناطقا رسميا باسم القصر وواليا....... وصاحب حضوة وكلمة نافذة. هذا المثل اخرجك من طوقك الذي لم ترتضه، فأغواك بان تلبس جبة "الباحث" او "الروائي"، لتوسع دائرة اوهامك وشطحاتك السريالية، بوجدان ملتبس غامض او لتقفز بأرجل متعددة في كل الاتجاهات دون ان تعي ماذا تريد....؟
كان لك الاسم "المعرف" وكانت لك الصور المنمقة في الصحيفة والمجلة...... ولكن لم يكن لك أي معنى، لأنك ايها السيد "المعرف" قد "عرفت" بتواطؤ المصادفة والحظ، فكنت الصنيع ولم تكن الصانع، لذلك فانت وهم ......
اما اني نكرة، حسب زعمك فلاني لم اكن مثلك نتاج هذا التواطؤ الناذر ولم اكن الصنيع ابدا.....
كان عليك ان تسرد في محاضرتك، ان شباب 20 فبراير كانوا من النكرات او هم نكرات، ولكن بدون ان تنسى انهم كانوا اصل الحقيقة، ولم يكونوا ابدا معارف......
تزهو بأنك لست نكرة ،فتناسيت ان ألاف الكفاءات والكتاب من شعبنا داخل وطننا وخارجه، نكرات . او بالأحرى، نكرت ففضلت الهامش لتشتغل في صمت تاركة للغثاء منصة الظهور والانتفاخ ....
طوبى لهؤلاء البررة الذين حاولت ان اقتفي اثرهم بهدوء وبخجل، وبدون أي وسائط اعلامية موجهة او بهرجات زائفة تسعى الى خدعة التعريف، فلم ارد ابدا ان أشهر متكلفا ما كتبت وما حصلت عليه من جوائز وتكريمات وعضويات علمية وطنية ودولية، لان شرف التواضع وبلاغة الصمت والتكتم هما الابقى والانقى،علماني كيف انسحب من تدافع الفزاعات.....
اما انك قد اعلنت عن منطلق " نقدك " لتجربة حزب الاصالة والمعاصرة باعتبارك باحثا في العلوم الانسانية، فهذا منزلق قد اسقطك سقطة شائنة اضرت بصفة "الباحث" فيك خاصة انك قد صرحت في محاضرتك، بانك اعتمدت معلومات تدوولت في وسائل الاعلام.
ان "الباحت" الصانع و ليس المصنوع لا يستند علميا في قراءته لتجربة سياسية إلا على الاصول من المعطيات، كمادة للانطلاق و لا يرتكن الى ما تدوول في وسائل الاعلام ليصدر حكما فجا غير مؤسس.
كان على باحثنا ان يتناول ظاهرة حزب الاصالة والمعاصرة نقديا، باعتماد صوغ دقيق للاستشكال وضبط للفرضيات وتجميع المعطيات، وانتقائها ثم تقليبها من مختلف جوانبها تحليلا وتأويلا، ضمن جهاز مفاهيمي صارم، حتى تتسنى له حوصلة النتائج والتعريف بها.....اذاك يكون لحكمه، ومهما كانت خلاصاته، بعد العلمية والموضوعية.
قصدت ان اذكر بهذه الابجديات في البحث، لأنك اجبت بأنك تحدثت عن الاصالة والمعاصرة، باعتبارك "عالما" في علوم السياسة، وبعلمك هذا "أفتيت" لتقرر ايضا ان هذا الحزب جاء" ليؤدي دور الضبط وهو الدور الذي كانت تؤديه وزارة الداخلية".
هدا الكلام يؤكد مرة اخرى سوء النية، وفي كثير من الغمز واللمز ومجانية الصواب، لان جذور تجربة الاصالة والمعاصرة تمتد من هيئة الانصاف والمصالحة، مرورا بحركة لكل الديمقراطيين، وهي تجربة التحم فيها كثير من الشرفاء، فضلوا ان يكونوا لزمان "نكرات".
كان على الباحث ان يستند الى قراءة الوثائق التاسيسة للحزب، وبضبط مرجعياتها حتى يكون لحكمه حكم واقعة وليس حكم قيمة. لقد جاء حزب الاصالة والمعاصرة بعرض سياسي مفتوح، ينطلق من معطيين قويين، يتمثلان في :
- عدم اهتمام المكون السياسي والحزبي بدلالات تقرير الخمسينية وتقرير هيئة الانصاف والمصالحة، وخلاصاتهما وتوصياتهما من جهة، ونسبة المشاركة الضعيفة للمواطن في الانتخابات التشريعية لسنة 2007 والتي اظهرت ضعف التاطير السياسي من جهة ثانية،
من هنا جاء عرض حزب الاصالة والمعاصرة للمساهمة في اعادة الثقة للعمل السياسي وحفز المواطن على الاهتمام بالشان العام. وذلك عبر محطتين تتعلق الاولى، بمحاولة المساهمة في الدفع بعقلنة المشهد السياسي، وفتحه امام فعاليات لم تسمح لها الممارسات الحزبية القائمة بالانخراط في الفعل السياسي حزبيا.
ما الثانية فلها علاقة بجرأة الخطاب السياسي بالتركيز على قضايا لم تكن على راس جدول اعمال جل الفاعلين السياسيين، منها محاربة الفساد، وجعل الاصلاحات الدستورية والجهوية ضمن اولويات الاجندة السياسية والحزبية، والدعوة الى مراجعة الدعوات الارتجاعية والمحافظة كعوائق في المشروع الديمقراطي الحداثي، وهذا ما اسميناه "بجيل جديد من الاصلاحات". وهو المصطلح الذي استرفده كثير من الاحزاب السياسية من قاموسنا السياسي العام.
هي الشعارات نفسها التي تبنتها حركة 20 فبراير، وهو التنبؤ نفسه الذي خشي الاصالة والمعاصرة وقوعه، متمثلا في تراجع قوى الحداثة والتقدم.
اعلم اخيرا أن من صفات الزائف العلوق الماكر بالتعريف، أي الظهور،وأن من صفات الاصيل هجران اللمع وتحبيذ التنكير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.