يبدو أن ليبيا ستشكل الاستثناء في زمن الربيع العربي، فعلى عكس نتائج الانتخابات التي جرت في مصر و تونس ( اللتين شهدتا ثورة شعبية أطاحت بالدكتاتورين حسني مبارك و زين العابدين بنعلي) و التي قادت الإسلاميين إلى السلطة، تتجه ليبيا حيث جرت انتخابات تشريعية يوم السبت الماضي بمعدل مشاركة فاق 60 بالمائة، نحو برلمان ذي أغلبية ليبرالية بقيادة محمود جبريل رئيس وزراء ليبيا وقت الانتفاضة، الذي يبدو أنه اختار التوافق الوطني داعيا جميع الأحزاب و التيارات الليبية إلى التجمع من أجل مصلحة البلاد. و رغم انحسار فوز الإسلاميين في هذه الانتخابات ،الأولى منذ أكثر من أربعين سنة بالبلاد، إلا أن معظم الأحزاب السبعة و الثلاثين المشاركة، متفقة على إيلاء الشريعة الإسلامية مكانة مهمة في الدستور القادم. يتجه التيار الليبرالي الذي يمثله نحو37 حزبا وكيانا سياسيا بزعامة محمود جبريل رئيس المكتب التنفيذي السابق( رئيس الوزراء) إلي إحراز تقدم في الانتخابات التي جرت السبت الماضي.وهو ما يشير إلي أن قطار فوز الأحزاب الاسلامية في العالم العربي ربما يتوقف ولو مؤقتا في ليبيا. فقد أعلن تحالف القوي الوطنية بزعامة جبريل أن التقارير الأولية تشير الي تقدمه علي منافسيه في معظم دوائر البلاد .وقال الأمين العام للتحالف فيصل الكريكشي إن التقارير الأولية الواردة إلي التحالف تشير إلي تقدمه في معظم الدوائر الانتخابية بنسب عالية, لكنه أشار إلي أنه يفضل انتظار صدور النتائج الرسمية عن المفوضية العليا للانتخابات قبل تقديم مزيد من التوضيحات. وكان محمود جبريل دعا إلي دعم تشكيل حكومة ائتلافية واسعة. وقال جبريل في مؤتمر صحفي الليلة قبل الماضية انه يقدم دعوة صادقة لإجراء حوار وطني لتشكيل ائتلاف واحد تحت شعار واحد. وأضاف أن هذه دعوة صادقة ومخلصة لكل الاحزاب السياسية العاملة اليوم في ليبيا. ولم يحقق حزب العدالة والبناء الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا ولا جماعة الوطن الإسلامية التي يتزعمها قائد سابق لمقاتلي المعارضة أداء جيدًا في النتائج الجزئية. فقد أقر محمد حسن صوان رئيس حزب العدالة والبناء المنبثق عن الإخوان المسلمين في ليبيا و المنافس الرئيسي لأحمد جبريل، بإحراز التيار العلماني (يقصد كل الأحزاب التي لا تُشهر إسلاميتها) تقدما واضحا في العاصمة طرابلس وفي بنغازي. وقال مصطفي المانع رئيس الهيئة العليا للحزب إن الانتخابات تمثل نجاحا ومكسبا لكل الليبيين من نجح منهم ومن لم ينجح, مشيرا إلي أن حزبه لم تصله النتائج التفصيلية, ولذلك ندعو للتريث في كشف وإعلان النتائج حتي تتضح الصورة وتكتمل المعطيات في جميع الدوائر الانتخابية. ولم يؤكد المانع ولم ينف الأنباء عن تقدم التكتل الحزبي الذي يقوده أحمد جبريل, لافتا إلى أن المعلومات التي تتسرب حتي الآن تتعلق بنظام القوائم التي خصص لها80 مقعدا من أصل200 مقعد دون أي حديث حتي الآن عن نتائج المقاعد ال120 الفردية. وأوضح أن الفرز الأولي قد يظهر فارقا في عدد الأصوات بين حزب وآخر, دون أن يعني ذلك فارقا في المقاعد نتيجة لنظام النسبية الذي تجري انتخابات القوائم علي أساسه, مؤكدا في الوقت نفسه أن حزبه سيكون سعيدا بمضمون النتيجة مهما كانت سواء أكانت لمصلحة حزبه أم لمصلحة منافسه, وتعهد بتهنئة نفسه إن فاز أو بتهنئة خصومه إن كانت النتائج لمصلحتهم . و معلوم أن عدد المقاعد المخصصة للاحزاب 80 فقط من بين 200 مقعد في المؤتمر الوطني المكلف باختيار رئيس للوزراء قبل الاستعداد للانتخابات العامة العام المقبل بينما تذهب المقاعد الباقية وعددها 120 للمستقلين، وقالت حنان صلاح من منظمة هيومان رايتس ووتش «لا نملك وسيلة لمعرفة كيف سينظمون (المستقلون) صفوفهم». إلا أن المراقبين يعتقدون أن نتائج فرز انتخاب المائة و العشرين المخصصة للمستقلين لن تشذ عن الاتجاه العام الذي يمنح التكتل الليبرالي الأسبقية، على اعتبار أن جل إن لم يكن كل المرشحين المستقلين مدعومين بحزب من الأحزاب المشاركة التي يفوق عددها 150 حزبا سياسيا. و معلوم أن هذه أول انتخابات وطنية حرة في ليبيا منذ ستة عقود وتأتي كمرحلة فارقة بعد 42 عامًا من حكم الديكتاتور معمر القذافي، وقال مراقبون دوليون إن الانتخابات سارت بشكل جيد رغم حوادث العنف التي قتل فيها ما لا يقل عن شخصين. ومحمود جبريل الذي تلقى تعليمه في الولاياتالمتحدة ويجيد التحدث باللغة الإنجليزية بطلاقة ويألف العواصمالغربية إذ أجرى معظم المهام الدبلوماسية للمعارضة العام الماضي ،من المرجح أن يكون مقبولًا للحلفاء من حلف شمال الاطلسي والذين دعموا الانتفاضة للإطاحة بالقذافي. وهناك تكهنات بأن جبريل الذي لن يكون هو نفسه في المؤتمر الوطني قد يسعى إلى دور أكبر لنفسه - وربما حتى كرئيس إذا تم وضع مثل هذا المنصب في دستور ليبي جديد يصاغ العام المقبل- لكن جبريل نفى هذه التكهنات وعرض إجراء محادثات مع جميع الأحزاب، التي تزيد على 150 في ليبيا لإقامة ائتلاف كبير. وقال محمود جبريل في مؤتمر صحفي إنه يقدم دعوة صادقة لحوار وطني من أجل تحالف واحد تحت راية واحدة، وقال إن هذا نداء صادق ومخلص لجميع الأحزاب السياسية التي تعمل اليوم في ليبيا. وأضاف أن الانتخابات لا يوجد بها خاسر أو فائز وأيًا كان الفائز فإن ليبيا هي الفائز الحقيقي. وقالت السلطات إن نحو 1.8 مليون ناخب من بين 2.8 مليون ناخب مسجل أدلوا بأصواتهم وأن نسبة الإقبال بلغت نحو 65 بالمائة. وفي وقت سابق أشاد مراقبون دوليون بانتخابات المؤتمر الوطني الليبي أول أمس الإثنين، واصفين إياها بأنها انتخابات ناجحة، وقالوا إن حوادث العنف والاحتجاجات المناهضة للانتخابات في الشرق المضطرب فشلت في منع الليبيين من الإقبال بأعداد كبيرة على التصويت، وقال «الكسندر جراف لامسدورف»، من فريق التقييم التابع للاتحاد الأوروبي في مؤتمر صحفي، «من الملاحظ أن جميع الليبيين تقريبًا أدلوا بأصواتهم بلا خوف أو ترهيب». وأضاف «هذه الحوادث لا تثير الشبهات في سلامة الانتخابات الوطنية ككل» في إشارة إلى حالات سرقة وإحراق صناديق اقتراع واحتجاجات متظاهرين يسعون إلى حكم ذاتي أوسع في شرق البلاد. وقال «جون ستريملو»، نائب رئيس مركز كارتر لبرامج السلام ، «بعد 11 شهرًا من البناء لأمة جديدة هناك مخربون... تصميم الليبيين على الاستمرار في عملية التصويت هو ما يعطينا الأمل في المستقبل.» واتسمت ردود الفعل على دعوة جبريل بالتفاؤل الحذر. وقال علي رحومة السباعي، رئيس جماعة الأصالة الإسلامية السلفية، لرويترز، إن الباب مفتوح للحوار الآن بين كل الليبيين لكن أي اتفاق سيكون غير ممكن دون معرفة ما هو مطروح على الطاولة وصرح بأن الجماعة لا تساوم على مبادئها. وأكد اقتحام محتجين لأربعة مراكز تصويت في بنغازي مهد الانتفاضة، التي وقعت العام الماضي، أنه لن يتم التخلي عن مطالب القطاع الشرقي والتي تتراوح بين زيادة التمثيل السياسي للمنطقة إلى الحكم الذاتي. وإذا تأكدت هذه النتائج, فإن ليبيا ستختلف عن جارتيها تونس ومصر اللتين مرت عليهما رياح الربيع العربي وفاز فيهما الإسلاميون بالحكم في أول انتخابات تلت انهيار نظامي الحكم فيهما. وتشمل هذه التقديرات الأولي نتائج المقاعد المخصصة للأحزاب السياسية المتنافسة وعددها80 مقعدا من أصل200 مقعد وبالنسبة إلي المقاعد ال120 المخصصة للمرشحين فرديا, يتوقع أن تنحو النتائج المنحي نفسه, حيث إن معظم المرشحين مدعومون من أحزاب سياسية. وقد أكد العديد من مراقبي الانتخابات في طرابلس وبنغازي ما أعلنه الإسلاميون والليبراليون علي حد سواء, وتحدثوا عن فوز ساحق لليبراليين في عدة دوائر ومراكز اقتراع بنسب تتجاوز أحيانا93% مثلما جري في حي أبو سليم الشعبي بالعاصمة ومن جانبه, أوضح الدكتور سعيد الحاسي رئيس حزب الأمن والرفاة وهو أحد الأحزاب المنضوية تحت راية تحالف الدكتور محمود جبريل أن هذا التقدم الواضح لتحالف القوى الوطنية في المناطق الغربية والشرقية, والذي وصل حسب تقارير المراقبين إلي اكثر من90% لمصلحة التحالف, ماهو إلا إفراز طبيعي للشارع الليبي, حيث يريد الليبيون والليبيات دولة مدنية ذات مؤسسات دستورية قوية ومتقدمة من كل النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وأضاف في تصريحات› للأهرام› أن الليبيين يريدون كذلك رجلا قويا ليحكم البلاد وهم يرون في الدكتور محمود جبريل رجل المرحلة للعبور بليبيا إلي بر الأمان. و رغم تحليلات المراقبين و توقعاتهم القوية بفوز التكتل الذي يقوده محمود جبريل إلا أن هذا الأخير امتنع عن التعليق علي تكهنات بأن تحالف القوي الوطنية الذي يتزعمه قد تقدم علي الجماعات الإسلامية بما في ذلك الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين الليبية. وفي الوقت نفسه, رفض وصف تحالف القوي الوطنية بأنه تحالف علماني أو ليبرالي قائلا إن الالتزام بمباديء الشريعة الإسلامية أحد مبادئه الرئيسية وهو ما اعتبره المراقبون تلميحا إلي إمكانية إقامة علاقات مع الأحزاب الإسلامية. وإذا تأكد هذا الاتجاه فإنه يميز ليبيا عن غيرها من دول الربيع العربي مثل مصر وتونس، حيث حصل الإسلاميون على نتائج متقدمة في الانتخابات، رغم أن جبريل يصر على أن تحالفه متعدد الأحزاب (37 حزبا) ليس علمانيًا أو ليبراليًا وأن الالتزام بمبادئ الشريعة الإسلامية أحد مبادئه الرئيسية. و قد شكلت الانتخابات الليبية و سيرها موضع اهتمام كبير من جانب وسائل الإعلام الدولية ، و في هذا الإطار اهتمت كبري الصحف الأمريكية الصادرة أول أمس الاثنين بالحدث الليبي، حيث شهدت البلاد أول انتخابات ديمقراطية في أعقاب الثورة التي أطاحت بالديكتاتور ‹›معمر القذافى›› ، واعتبرت صحيفة ‹›نيويورك تايمز›› الأمريكية فى تقرير أوردته على موقعها الإلكتروني أن المؤشرات الأولية لنتائج الانتخابات الليبية التي أفادت بتقدم حزب تحالف القوى الوطنية الليبي برئاسة الدكتور محمود جبريل وحصوله على غالبية أصوات الناخبين على الأحزاب الإسلامية الأخرى، حطمت امتداد نفوذ الإسلاميين في المنطقة على النقيض من النتائج التي تمخضت عن الانتخابات البرلمانية التي جرت في مصر وتونس والمغرب في أعقاب ثورات الربيع العربي . وأشارت الصحيفة إلى أن النتائج الأولية التي أعلنها المراقبون المستقلون وممثلو الأحزاب المختلفة الذين حضروا عمليات فرز الأصوات التي أظهرت فوز حزب ‹›جبريل›› على حزب الإخوان المسلمين في ليبيا ، من شأنها أن تؤهل ‹›جبريل›› لأن يكون أكثر الليبيين نفوذاً خلال المرحلة الانتقالية القادمة التي تشهدها ليبيا. وأضافت الصحيفة أنه على النقيض من باقي الدول العربية التي سيطر فيها الإسلاميون على الحكم ، فإن جبريل لم يتهم الجماعات الإسلامية في البلاد بالتطرف ، مشيرة إلى أن ‹›جبريل›› تعهد باعتبار الشريعة الإسلامية مصدراً رئيسياً للسلطة التشريعية في البلاد. ورأت الصحيفة الامريكية أن الاتجاهات الايدلوجية للناخبين الليبيين في أعقاب الحملات الانتخابية التي أجريت على مدار أسبوعين فقط ، لاتزال يكتنفها الغموض . وأوضحت الصحيفة أن العديد من الناخبين الليبيين لم يتكبدوا عناء اختيار مرشحهم في الانتخابات ، حيث تركوا هذه المهمة للقبائل والعائلات التي أثرت عليهم في الاختيار. من جانبها ، رأت صحيفة ‹›واشنطن بوست›› أن النتائج غير الرسمية للانتخابات البرلمانية الليبية في معظم المدن الليبية أكدت تقدم الأحزاب الليبرالية وإلحاقها هزيمة محتملة بجماعة الإخوان المسلمين وحلفائها، وذلك في خطوة غير متوقعة في أعقاب ثورات الربيع العربي التي مكنت الجماعات الإسلامية من بسط نفوذهم وسيطرتهم في معظم الدول العربية . وأشارت ‹›واشنطن بوست›› إلى أن تفوق الأحزاب الليبرالية على الجماعات الإسلامية يعكس الأبعاد المختلفة للديناميكية السياسية في ليبيا عن باقي الدول العربية ، موضحةً أن الولاء للقبائل عميق للغاية في ليبيا ، فضلاً عن أن جماعات مثل جماعة الإخوان المسلمين كانت تتعاون بشكل وثيق مع الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي ، حيث اعتبرت أن موجة من الكره في نفوس الشعب الليبي ضد أي جهة أو شخص كان يتعاون مع النظام البائد حالت دون نجاح الأحزاب الإسلامية في ليبيا. واعتبرت الصحيفة أن البرلمان المكون من 200 مقعد سيواجه امتحاناً صعبا في تشكيل الحكومة، الذى يمكن أن يصبح اختبارا لقوة الإسلاميين والقوى العلمانية حول قضايا حساسة في ليبيا مثل حقوق المرأة ومدى تطبيق الشريعة الإسلامية والعلاقات مع الولاياتالمتحدة والدول الغربية الأخرى التي ساهمت فى الإطاحة بالقذافي . و من جهتها قالت صحيفة لوموند الفرنسية أن «الجماعة الإسلامية الليبية مرتبطة مباشرة بالإخوان المسلمين المصريين مما لعب لغير صالحها. كما أن الخوف من التدخل الأجنبي يفسر أيضا كون الحزب الجهادي لعبد الكريم بلحاج، و هو أحد أوجه الثورة في ليبيا، هو ما جعل إسمه يظهر قليلا في شهادات الناخبين الخارجين لتوهم من صناديق الاقتراع. و من بين النكت الرائجة حول هذا الموضوع هو أن الشعار الذي اختاره حزب عبد الكريم بلحاج، شعار يحيل إلى راية دولة قطر التي تموله» أما صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية فقد ركزت على موضوع الشريعة موضحة على لسان الليبيين أن «الشريعة الإسلامية لا تخلق أي خلاف بين الأحزاب المشاركة، بل يمكن المراهنة على أن الشريعة الإسلامية ستحتل المكانة الأولى في الدستور الجديد، بيد أن الدستور القادم سيحدد بشكل ملموس موقفه حول ما إذا كانت الشريعة مصدرا من مصادر التشريع في ليبيا أو مصدر التشريع أو المصدر الرئيسي للتشريع أو المصدر الوحيد للتشريع»