اهتزت منطقة الدكارات، يوم الجمعة 29 يونيو 2012، لحادثة انتحار، حيث قامت المسماة قيد حياتها (خ.ب) والبالغة من العمر 55 سنة، وهي تعاني من مرض نفسي، على الانتحار بإلقاء نفسها من الطابق الثالث، فأصيبت بكسور في مختلف عظام جسمها وفارقت الحياة في طريقها إلى المستشفى الجامعي الحسن الثاني بفاس متأثرة بإصاباتها. محاولة فاشلة بنفس المنطقة كادت أن تعجل، مؤخرا، بموت رجل أمن داخل الثكنة بعدما استسلم لضغوطات نفسية نتيجة مشاكل عائلية، وحاول شنق نفسه، لولا تدخل زملائه في الوقت المناسب. ويسجل المتتبع أن حالات الانتحار في تزايد مستمر وسط معظم الطبقات والفئات المغربية، إذ تفاقمت بشكل ملحوظ، حيث تؤكد معظم الأرقام ارتفاع نسبة هذه الظاهرة، مما يتطلب المتابعة السريعة. وتشير بعض الدراسات التي أجريت سنة 2006، تناولت ظاهرة الانتحار بإقليم تاونات، إلى أن هذه الدراسة خلصت إلى أن الفئة العمرية من 20 إلى 35 سنة تشكل نسبة 60% من مجموع حالات الانتحار بالإقليم، متبوعة بالفئة التي يقل عمرها عن 20 سنة، بنسبة 33%، بينما لم تتجاوز هذه النسبة 6% بين من هم فوق 40 سنة. وقد سجلت مصالح الوقاية المدنية بتاونات 18 حالة انتحار سنة 2001، وارتفعت إلى 23 حالة سنة 2002. وفي سنة 2004، سجلت 35 حالة انتحار، بمعدل ثلاث حالات في الشهر الواحد، فيما سجلت 21 حالة سنة 2005. وخلصت الدراسة إلى أن 33% من ضحايا الانتحار هن إناث. وأكدت التقارير ذاتها على التنوع في طرق الانتحار، بين الشنق ورمي النفس من المنازل والقناطر، وكذلك الغرق عمدا في بحيرات السدود ووديان الإقليم، فيما شكلت وسيلة الشنق بحبل إلى جذع شجرة، خاصة أشجار الزيتون 87% من مجموع حالات الانتحار. وكشفت المصادر ذاتها أن 19 من الضحايا استعملوا الحبال لشنق أنفسهم إلى جذع شجرة أو عند غرفة النوم أو الإسطبل أو مرآب المنزل، وسجلت المصالح ذاتها حسب نفس المصادر 14 حالة انتحار غرقا، وحالتي انتحار بالقاء النفس من سطح المنزل والطعن بالسكين. وتراوح مجموع حالات الانتحار، حسب التقارير ذاتها بين سنة 2005 و2010 بين 21 حالة و53 حالة كل عام، من بينها 23 حالة انتحار خارج المدار الحضري لمدنية تاونات سنة 2010، ضمنها 5 حالات في صفوف النساء خلال نفس السنة. ولعل السبب الأساسي لظاهرة الانتحار يكمن في التصرف والسلوك اليائس الذي يتبعه الشخص لوضع حد لحياته أمام المشكلة التي يواجهها دون أن يجد لها حلا أو يجد من يقدم له المساعدة. ويقدر علماء الاجتماع أن ظاهرة الانتحار، التي نجهل أسباب غياب أرقام وإحصائيات دقيقة في شأنها بفاس، لاتتعلق باللحظات الآنية التي يعيشها المنتحر، لكنها تكمن في عوامل تتعلق بالماضي الذي كان يعيشه، حيث الرواسب النفسية العميقة والمشاكل المتراكمة التي كان يواجهها في مرحلة ما قبل الانتحار، التي تتطور مع الأيام حتى تصل إلى تشكيل أزمة نفسية وإلى نقطة لا رجعة فيها. وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه ليست كل أزمة نفسية داخلية تكون نتيجتها الانتحار، بل إن بعض الأزمات تكون سببا لنمو ونضوج الشاب في مقتبل العمر. ويعتبر الباحثون أن مرحلة المراهقة، هي أكثر المراحل التي تشهد ظاهرة الانتحار، نظرا لحالة عدم الاستقرار في هذه المرحلة على مستويات عدة اجتماعية ونفسية، فضلا عما يعانيه الشاب من تغيرات سيكولوجية وجسمانية وأسرية، حيث يتسبب في كثير من الحالات، إعطاء المراهق حريته في اتخاذ القرارات وبناء شخصيته المستقلة تحت ذريعة ضرورة دخوله العالم المحيط به من تلقاء نفسه وبقرار منه قد يكون سلبيا في بعض الحالات. أما عن أسباب الانتحار عند الكبار، فتهم أساسا حالات: الوحدة، الحرمان، وانهيار الصحة، وتناقص الفرص المتاحة، والعيش في ظروف غير مناسبة، والخوف من الوقوع عبئا على الآخرين. ويقسم الأخصائيون الأسباب التي تؤدي بالشخص إلى الانتحار إلى الخوف والهلع والإحساس بالاضطهاد، خصوصا في صفوف الأطفال والمراهقين، حيث غالبا ما تدفع هذه الأسباب، المتضرر إلى الانتحار لتخليص نفسه من هذا الخوف، ثم إلى الاكتئاب والانفصام، وهما دافعان رئيسيان إلى الانتحار، إذ تشير بعض الدراسات إلى أن 10% من المصابين بهذين المرضين النفسانيين يموتون بالانتحار، وكذا الحالات الاكتئابية الهوسية، حيث ينتحر 15% من المصابين بها. لكن يبدو أن الاختلالات والأمراض النفسية ليست وحدها المؤدية إلى الانتحار، إذ تكون أيضا وراء ظاهرة الانتحار أسباب اجتماعية واقتصادية تدفع بالشخص إلى وضع حد لحياته، حسب التحريات التي أنجزت في الموضوع.