21 مارس 1962.. وصول القادة الجزائريين وثقت جريدة «التحرير» في عددها الصادر بتاريخ الخميس 22 مارس 1962، وصول القادة الجزائريين الخمس بمجموعة من العناوين على صدر صفحتها الأولى، نذكر منه «وصول بن بلة، بوضياف، أيت احمد، بيطاط وخيضر الى أرض المغرب العربي»، ثم عنوان ثاني جاء فيه «لقاء حماسي رائع بين جماهير الرباط وقادة الثورة الجزائرية»، «يوم خالد لم يسبق للعاصمة أن عاشته منذ اعلان الاستقلال»، و«مناضلو جبهة التحرير من مدنيين وعسكريين يحتفلون بالابطال». هكذا وصفت الجريدة وقائع الاستقبال كالتالي: «كان يوم الاربعاء 21 مارس 1962، يوما مشهودا في تاريخ المغرب العربي، فقد عاد الأبطال الخمسة الى أرض المغرب ،التي اختطفوا منها، وهم في عهدتها، منذ مايزيد على الخمس سنوات قضوها جميعا في قبضة الاستعمار. بينما تناول الروبورتاج ردود فعل الجماهير المغربية في مختلف المدن. حيث كان الدارالبيضاء بعد سويسرا، أول من احتضن القادة الجزائريين الخمسة، بعد أن ظلوا رهن الاعتقال خمس سنوات ونصف، أي منذ شهر اكتوبر من سنة 1956، حينما اختطفوا من الطائرة التي كانت تقلهم من الرباط إلى تونس. ولقد وصل الزعماء الى مطار النواصر على متن طائرة خاصة، وكان في انتظار القادة الخمسة وزراء من المغرب والجزائر، كان من ضمنهم الرئيس بن يوسف بنخدة، ووزير الدولة سعيد المحمدي وشوقي مصطفى رئيس البعثة الجزائرية في المغرب، وحينما توقفت الطائرة بعد نزولها بالمطار صعد إليها كل الشخصيات التي جاءت لاستقبال القادة الجزائريين الخمسة. وبعد ذلك نزلت الشخصيات من الطائرة و امتطوا السيارات التي كانت في انتظارهم، ثم غادر الموكب الرسمي مطار النواصر قاصدا الدارالبيضاء. ليصل موكب الزعماء إلى فيلا عامل اقليمالدارالبيضاء ، حيث كان يوجد بها أعضاء المجلس الوطني للثورة الجزائرية وأعضاء القيادة العامة لجيش التحرير الوطني، الذي كان على رأسهم الكولونيل بومدين. لينتقلوا فيما بعد إلى الرباط، بينما توجه أعضاء الحكومة الجزائرية والمغربية إلى مطار «كازا» ، حيث نزلت الطائرة القادمة من زيوريخ وعلى متنها كل من كريم بلقاسم نائب رئيس الحكومة الجزائرية ووزير الداخلية وسعد دحلب ومحمد يزيد والاخضر بن طوبال والكولونيل بن عاودة من القيادة العامة لجيش التحرير الوطني. استقبالات جماهيرية للقادة الجزائريين بالمغرب كانت مدينة الدارالبيضاء، أول مدينة حظيت بمشاهدة واستقبال القادة الجزائريين الخمسة، حيث خرجت الجماهير بالعاصمة الاقتصادية إلى الشوارع تترقب مرور موكب الزعماء الجزائريين. وانطلق موكب الزعماء من مقر عمالة الدارالبيضاء، ليمر عبر الشوارع الرئيسية للمدينة، وكانت الجماهير تحيي الموكب بحماس كبير، وتهتف بحياة قادة الثورة الجزائريين وبالجزائر المجاهدة وحياة المغرب العربي المتحرر. وكانت الرايات المغربية والجزائرية ترفرف على طول الطريق التي يمر منها الموكب. ونفس المشاعر، قابلت بها جماهير مدينة الرباط موكب القادة الجزائريين وزملاءهم أعضاء الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية وجيش التحرير الوطني الجزائري. والجدير بالذكر، أن الاستعدادات لهذا الاستقبال، كانت تتم بمقر الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وبورصة الشغل ومقر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، حيث كانت نتيجة هذه الاستعدادات ، هي أن جدران البنايات وأعمدة الكهرباء أصبحت مغطاة بمنشورات تحمل صور القادة الخمسة، وشعارات وحدة المغرب العربي، وكانت نتيجتها أيضا عشرات من اللافتات التي رفعتها الجماهير التي اصطفت على طول شوارع وساحة باب الأحد ومحج لعلو وشارع الجزاء وشارع محمد الخامس وطريق زعير. ولما وصل القادة الخمسة ومعهم بقية أعضاء الحكومة الجزائرية إلى مدخل العاصمة، حيث كان في انتظارهم الملك الحسن الثاني وأعضاء الحكومة السلك الديبلوماسي، حيث حيى الجميع العلم على نغمات النشيدين الوطنين المغربي والجزائري. وبالرباط كذلك، نظمت الجماهير بحي يعقوب المنصور مظاهرة كبيرة طافة خلالها شوارع الحي، ليتوجهوا بها إلى مركز الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بساحة الزرقطوني... مرددين شعارات تهتف بحياة الجزائر المجاهدة. مدينة مكناس ، هي الأخرى، عبرت عن تضامنها الفعال مع الجزائر، وبمناسبة عودة القادة الخمسة، حيث شاركت في المظاهرات عشرات الآلاف من النساء والرجال والأطفال للتعبير عن عطفها وتضامنها حيال الجزائر المجاهدة. وبنفس الحماس، عرفت الدارالبيضاء بدورها خروج الآلاف من الجماهير إلى الشوارع لتعبر عن انتصار وحدة الكفاح وعودة الزعماء الجزائريين الخمسة... هكذا انطلقت الجماهير من مقاطعات الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في مظاهرات عبر شوارع المدنية، لتلتقي في ساحة السراغنة - شارع الفداء، وتنتقل بعد ذلك إلى شارع للاياقوت، محمد الخامس، علال بن عبد الله، محمد الديوري وشارع مديونة... كما كانت هناك مظاهرات أخرى عرفتها كل من: مدينة زرهون ، فاس، ومشروع بلقصيري... وحسب ما جاء في عدد لجريدة «التحرير» بتاريخ 22 مارس 1962، وجهت الكتابة الاقليمية للاتحاد الوطني للقوات الشعبية بالدارالبيضاء، برقية إلى القادة الجزائرين الخمسة، مهنئة لهم بإطلاق سراحهم، وبالانتصار الذي حققته الثورة الجزائرية، متمنين لهم مقاما سعيدا في المغرب الذي هو بلدهم الثاني وتضيف التهيئة «وأن جماهيرنا لتخوض المعركة من أجل توحيد مغرب عربي ديمقراطي». عاصمة المغرب الشرقي وجدة تحتضن قادة الثورة الجزائرية كانت مدينة وجدة بالنسبة لجميع الملاحظين الذين تتبعوا الثورة الجزائرية، فرصة أتيحت لهم بالاتصال الفعلي بالثورة الجزائرية، خصوصا عند زيارتهم لمعسكر بن المهيدي بمدينة وجدة. هذا ما فسره مغزى الكلمتين القصيرتين اللتين ألقاهما الكولونيل بومدين القائد العام لأركان جيش التحرير الوطني وأحمد بن بلة. وأظهر بومدين في كلمته أن هذا اللقاء كان في «الحقيقة اتصالا أخويا مع اخوان كانوا رهن الاعتقال لدى العدو عدة سنوات، ولم يكن حفلة، حيث حث الشعب الجزائري على اعتبار أنفسهم مجندين لخوض المعارك القادمة إلى أن يتطهر الوطن من كل الشرور، وأن يغادر البلاد كل جندي دخيل، فعلي الجزائريين أن يبقوا مجندين للمرحلة الثانية من الثورة». كما شكر الكولونيل بومدين الشعب المغربي على مساندته، مشيرا إلى ذكريات مع المغفور له محمد الخامس، قائلا: «كم كنا نتمنى ونحن في غمرة هذه الأيام لو أن المغفور له محمد الخامس، كان حاضرا بيننا في هذا اليوم التاريخي». بن بلة، من جهته، شكر الشعب المغربي على حفاوته واعتبر «أن اتفاقيات ايفيان يجب أن لا تكون نهاية للثورة، وأن الثورة ستستمر ، وإن لنا من المسؤوليات نحو الجزائر ونحو المغرب العربي، ونحو افريقيا ، وإننا لنحمل مسؤوليات إنجازها. وأن هذا اليوم يجب أن لا نعتبره احتفالا، ذلك لأن إخواننا وأخواتنا مايزالون يسقطون ضحايا العدوان، وأن عددا من هم ما يزال في غياهب السجون. وأن اليوم الذي سيكون فيه احتفالنا هو ذلك اليوم الذي سنطهر فيه تراب وطننا ، ولن يكون هذا اليوم بعيدا...».