ما المقصود بطب الشغل ؟ أولا، تجب الإشارة إلى أن طب الشغل هو تخصص قائم بذاته. وهو مجموع المعارف المتعلقة بصحة الإنسان في ميدان عمله وكذا المخاطر التي يتعرض لها في ممارسة العمل والتي تؤدي لما يسمى عادة بحوادث الشغل أو أمراض مهنية دون إغفال الجوانب الوقائية. وتعتبر الصحة والسلامة المهنية من الحقوق العامة للعمال، فحسب مدونة الشغل يجب على كل المقاولات التي تشغل أكثر من خمسين عاملا وضع مصلحة لصحة العمال/طب الشغل رهن إشارة المستخدمين، ونفس الشيء بالنسبة للمقاولات التي يمكن أن تشكل خطرا على صحة العامل بغض النظر على عدد العمال. ولطبيب الشغل دور استشاري في المقاولة، لاسيما فيما يتعلق بالحرص على تطبيق التدابير التالية : * مراقبة شروط النظافة العامة في المقاولة ؛ * وقاية الأجراء من الحوادث، وجميع الأضرار التي تهدد صحتهم ؛ * مراقبة مدى ملاءمة منصب الشغل للحالة الصحية للأجير؛ * تحسين ظروف الشغل، وخاصة فيما يتعلق بالبنايات والتجهيزات المستحدثة، وملاءمة تقنيات الشغل للتكوين الجسمي للأجير، واستبعاد المستحضرات الخطيرة، ودراسة وتيرة الشغل. كما أود أن أشير إلى تطور مفهوم طب الشغل عبر مراحل ليتم الحديث حول الصحة في العمل التي تشمل التخصصات المرتبطة بميدان العمل من قبيل الأمان والسلامة وحفظ الصحة وحاليا نتكلم عن صحة العاملين والتي تدرج كذلك الحالة الصحية للعامل وظروف الحياة حتى خارج أوقات العمل. هل هناك أرقام وإحصائيات عن أعداد المصابين خلال حوادث للشغل سواء خلال السنة الفارطة أو أية أرقام أخرى ؟ وإن توفرت هذه الأرقام فكيف هو توزيعها على التراب الوطني ؟ لا يمكن الحديث عن إحصائيات في أعداد المصابين بحوادث الشغل في غياب التطبيق الكامل لمدونة الشغل في جميع المؤسسات الإنتاجية والشركات والمقاولات وهذا لايتوفر حاليا، إذ أن حوالي 50% من المقاولات بالمغرب لا تتوفر على مصالح طب الشغل، كما أن بعض المقاولات لا تؤمن عن الحوادث. إلا أنه يمكن أن نورد رقم 6000 حادثة شغل سنويا حسب المعطيات المتوفرة من لدن شركات التأمين. وبالتأكيد، فإن هذا الرقم هو أقل مما هو مرصود في أرض الواقع. وبالطبع، فإنها تتركز بالمدن الصناعية وخاصة بالدار البيضاء. ما هو عدد أطباء الشغل في المغرب وتوزيعهم الجغرافي على تراب المملكة، وهل هو عدد كافي أم لا ؟ عدد أطباء الشغل يناهز حاليا حوالي 800 طبيب يمارس أغلبهم بالقطاع العام. وكما قلت سابقا، فإن حوالي 25% فقط من المقاولات تتوفر على مصالح طب الشغل. وبالنظر إلى النسيج الاقتصادي الوطني، فإن عدد أطباء الشغل المطلوب هو حوالي 3000 طبيب. لذا نجد أنه في غياب أطباء مختصين تلجأ بعض المقاولات إلى أطباء القطاع العام أو في تخصصات أخرى للقيام بدور طبيب الشغل. إن التغطية الصحية الوقائية المقدمة حاليا للعمال في إطار طب الشغل غير كافية سواء على المستوى الكمي أو على المستوى الكيفي. وبالنسبة للعمال الذين شملتهم التغطية من طرف مصالح طب الشغل، فإن عددهم لا يتجاوز 350.000 عامل ولا يمثلون سوى 7 % من السكان النشيطين بالوسط الحضري. أما بالنسبة للسكان النشيطين بالوسط القروي، فإنهم لا يستفيدون من أي تغطية صحية. وعليه، فإن نسبة التغطية بمصالح طب الشغل على الصعيد الوطني لا تتجاوز 3.5 % من السكان النشطين. ويتواجد جزء مهم من هؤلاء العاملين الذين لا يستفيدون من هذه التغطية بالقطاع العام والفلاحة والمؤسسات الصغرى والصناعة التقليدية والقطاع الغير المنظم. وتشكل المؤسسات الصغرى و ورشات الصناعة التقليدية (التي لا يتجاوز عدد العمال بها 50 عاملا) 76 % من المؤسسات الوطنية، وتشغل 80 % من السكان النشطين. وهم بذلك بعيدون عن أي مراقبة صحية. وفي بعض القطاعات، فإن المخاطر المهنية تشتد بسبب عوامل غير مهنية مثل الأمراض الوبائية وقلة النظافة وتغذية سيئة. ما هي خصوصيات طب الشغل مقارنة بتخصصات أخرى ؟ وهل يمكن لأي طبيب ان يقوم بهذا الدور ؟ وهل من المفروض أن يكون طبيب الشغل له تكوين قانوني ؟ بطبيعة الحال، فطب الشغل له خصوصياته التي تجعل منه تخصصا قائما بذاته كما قلت. أولا : فهو طب وقائي يركز على الجوانب المتعلقة بالوقاية والسلامة وحفظ الصحة في أماكن العمل. ولا يمكن لطبيب الشغل أن يقوم مقام الطبيب المعالج إلا في الحالات الاستعجالية في مكان العمل أو في حالة حادثة شغل من خلال تقديم الإسعافات الأولية. ثانيا : طب الشغل يهتم بصفة رئيسية بجانب الكفاءة لدى كل عامل من أجل ممارسة وظيفته في مكان عمله. وهذه هي الوظيفة الأساسية لطبيب الشغل عند قيامه بالفحوصات الطبية للعمال سواء تعلق الأمر بالفحص الأولي عند التوظيف أو الفحوصات الدورية أو في الحالات التي ينص عليها القانون (مثلا في حالة حادثة شغل أو مرض مهني ....). ثالثا : طب الشغل يرتبط بالجانب التقني للعمل. ويجب على طبيب الشغل أن يكون مطلعا على أساليب العمل والمواد المستعملة من أجل وضع الإجراءات والوسائل المناسبة للوقاية من المخاطر التي يتعرض لها العامل. وبطبيعة الحال، فطبيب الشغل ملزم بالسر المهني. هذه الخصائص وأخرى لا مجال لذكرها تفرض على طبيب الشغل أن يكون ملما بالجوانب القانونية لممارسة مهامه وهذا التكوين القانوني متضمن في بعض الوحدات التي تشكل مجموع البرنامج الكامل للتكوين في طب الشغل. متى يبتدئ التدخل الطبي في حوادث الشغل وأين ينتهي ليبتدئ التدخل القانوني ؟ هذا المسار يؤطره القانون المتعلق بحوادث الشغل، وهو من مسؤولية المشغل بحيث أنه يتحمل التكفل بالعلاج عبر التأمين عن الحوادث. وبطبيعة الحال، يتم التبليغ عن الحادثة ليستفيد العامل الضحية من حقوقه المؤمنة. ولا يمكن أن نتكلم عن التدخل القانوني إلا إذا أخل المشغل بالمسطرة العادية والمتبعة في هذا الإطار. هل هناك مراقبة من طرف وزارة الصحة للمؤسسات الإنتاجية وأوراش البناء والمناجم ... وغيرها، للتأكد من التوفر على وسائل الإسعاف الأولية كما ينص على ذلك القانون ؟ أم أن الأمر مرتبط بمفتشيات الشغل فقط ؟ هذا الأمر موكول حسب القوانين الجاري بها العمل لوزارة التشغيل. إلا أن وزارة الصحة التي تعتبر مسؤولة عن وضع وتنفيذ السياسة الوطنية المتعلقة بصحة المواطنين، لا يمكن أن تتجاهل المشاكل المتعلقة بصحة العمال. كما أن الجوانب التقنية والتنظيمية والوبائية في مجال الطب المهني تكتسي طابعا مهما يستدعي تنسيقا وتعاونا بين مختلف الفاعلين في ميدان الصحة المهنية ومن بينهم القطاعات الوزارية المعنية. وعلى هذا الأساس تم إنشاء مصلحة لصحة العمال بوزارة الصحة منذ سنة 1990. وبحكم مسؤوليتها عن الصحة العامة يمكن لها أن تتدخل في بعض الحالات التي تشكل خطرا على المواطنين بالإضافة إلى جميع الإجراءات الممكن اتخاذها على مستوى الإقليم من طرف السلطات المحلية، كما أن الوزارة تقوم بدور المراقبة في الشكايات التي ترد على الوزارة إذا تعلق الأمر بصحة المواطنين. ما هي طبيعة وسائل الإنقاذ والإسعاف الأولية التي يجب أن تتوفر في مؤسسات العمل، وهل هي مرتبطة بأعداد المشتغلين/العمال ؟ هذه الوسائل تؤطرها طبيعة الأشغال التي تقوم بها المقاولة والتي توفر وقاية شاملة للعمال من مثال محاربة الحرائق وكذا الوسائل الموضوعة رهن مصلحة طب الشغل. ويبقى الأهم في هذه المسألة هو تكوين بعض الأجراء في الإسعافات. وعددهم يرتبط بعدد الأجراء في المقاولة. فحسب المادة 317 من مدونة الشغل، يجب تلقين أجيرين على الأقل من الأجراء الذين يعملون داخل كل ورشة تنجز فيها أشغال خطرة، تقنيات وأساليب الإسعاف الأولي المستعجل. ولا يمكن اعتبار الأجراء الذين تم تكوينهم لتقديم الإسعافات الأولية قائمين مقام الممرضين المشار إليهم في المادة 315 أعلاه. هل تقوم وزارة الصحة بحملات للتوعية داخل المؤسسات الإنتاجية وأوراش العمل خاصة بالمناجم من أجل توعية العمال بشروط السلامة التي يجب التوفر عليها واتباعها ولمعرفة ما لهم وما عليهم ؟ هذا الجانب من الممارسة موكول حسب مدونة الشغل إلى مصلحة طب الشغل في المقاولة.وهذا لا ينفي أن يكون لوزارة الصحة دور في التوعية الصحية في جميع المجالات وليس فقط في صحة العمل كالوقاية من أخطار التدخين والمخدرات والسيدا وأمراض الفم والأسنان والأمراض المزمنة. هذه الأنشطة تأتي غالبا في إطار الحملات الطبية التي تبرمجها الوزارة بطلب من المؤسسات الإنتاجية أو من ممثليهم أو عن طريق جمعيات المجتمع المدني. العمل بالمناجم ينطوي على مخاطر صحية متعددة تؤدي إلى الإصابة بأمراض مزمنة ما هي الخطوات التي يتم القيام بها في هذا الصدد ؟ أولا عدد المشتغلين بقطاع المناجم قليل. وهو قطاع يسير عن طريق مقاولاتي تنطبق عليه مقتضيات مدونة الشغل ويخضع لمراقبة مفتشين من قطاع الطاقة والمعادن. وفي اعتقادي الشخصي، فالمناجم الرئيسية تضع رهن عمالها ما هو متعارف عليه للوقاية من الحوادث والأمراض المهنية. ويبقى أن التكنولوجيا المتقدمة هي مهمة ويجب أن تكون في متناول جميع المقاولات وليس فقط في المناجم. ما هي الآفاق المستقبلية لصحة العمال في المغرب ؟ لا زال هناك العديد من الأوراش التي يجب تنطلق لتعزيز الوقاية في أماكن العمل. ومن بينها المجال القانوني والذي يجب أن يتم تطويره من أجل تعميم التغطية الصحية الوقائية لكل العاملين في جميع القطاعات بما في ذلك القطاع العام الذي لا يفيد في أي خدمات باستثناء البرنامج الذي يخص العاملين بوزارة الصحة. وفي هذا المجال، نتمنى أن يعرف مشروع القانون الإطار للصحة والسلامة في العمل النور في أقرب الآجال. هناك كذلك إنشاء المعهد الوطني لظروف الصحة في العمل والذي نطمح إلى أن يكون دوره فاعلا في ميدان التحسيس والتواصل حول الصحة والسلامة المهنية وخصوصا في القطاعات التي تعاني خصاصا في هذا الشأن بما في ذلك القطاع غير المهيكل. طبيب مختص في طب الشغل ورئيس مصلحة صحة العمال بمديرية علم الأوبئة ومحاربة الأمراض بوزارة الصحة