عندما تضيق السبل في وجه بعض الأشخاص وتنعدم حيلهم لظرف من الظروف الطارئة، التي لاتكون في الحسبان، فإنهم يسعون إلى البحث عمن يمدّ لهم يد العون والمساعدة، وعندما لايجدونها عند أقارب وأصدقاء لهم نظرا لأنهم بدورهم يعيشون العوز ولايتوفرون على الإمكانيات اللازمة لتحقيق المتمنيات المادية، فإن الحل يكون آنذاك هو طرق أبواب الجمعيات الخيرية والمحسنين الذين لايكلّون عن البذل والعطاء ويسعون إلى القيام بأعمال البر والإحسان، ومن أجل اللقاء بهم بشكل مباشر أو غير مباشر، فإن العديد من الطلبات يتم إدراجها عبر الصحافة الوطنية المكتوبة أو عبر أثير بعض الإذاعات التي تبرمج ضمن شبكة برامجها، بعض البرامج/الفقرات التي تسعى إلى التقريب بين المحتاجين والمحسنين وربط الصلة فيما بينهم، وهو ما ساعد على حل الكثير من المشاكل وتمكين مرضى من الخضوع لعمليات جراحية باهظة أو اقتناء معدات طبية، أو أشياء أخرى ...، إلا أن الجرّة لاتسلم كل مرة، وليس كل من يدعي الإحسان شخص هو بالفعل خيّر، فعديدون هم ، ورغم معاناة المتضررين/المحتاجين، فإنهم يعملون على توسيع هوة الألم لديهم ويزيدون في ضائقتهم المادية والمعنوية، بعدما يتبين أن المحسن المنتظر قد تحول إلى محتال ماكر جعل من حاجة غيره وسيلة للنصب عليه! «محمد.س» نادل بسيط متزوج وله ابنان، أصيبت زوجته بمرض السرطان، فوجد انه مضطر لتدبر مبالغ مالية لاقتناء الأدوية لها، إلا أن الوصفات كانت باهظة التكاليف، الأمر الذي أرّقه وحرمه من لذة النوم فلم يعد باله مرتاحا بحثا عن مال يعينه على اقتناء ما من شأنه تخفيف المعاناة عن زوجته، فقد باع أثاثه البسيط ولم يعد قادرا على توفير المال اللازم للدواء، إلى أن اهتدى إلى وسيلة بعدما سمع بنجاعتها ، وهي إدراج إعلان على الهواء عبر موجة إحدى الإذاعات الخاصة، بحيثيات الموضوع الذي يؤزمه وأسرته الصغيرة تاركا رقم هاتفه للمستمعين لعل قلب محسن يرق لحاله ويسعفه في توفير مبلغ الأدوية الذي لم يستطع إلا توفير 8 آلاف درهم ظلت غير كافية. بعد إدراج إعلان المساعدة الخاص به، اتصل به أحد الأشخاص الذي اخبره بأنه مستعد لمساعدته في شراء باقي الأدوية ، وذلك عبرمنحه شيكا بنكيا بقيمة 50 ألف درهم المطلوبة، لم يصدق «محمد» ما سمعته أُذناه، فاستبشر خيرا معتبرا أن يدا مُدّت إليه من السماء، وسارع إلى ملاقاة المتصل وفقا للموعد الذي حدده معه بزنقة صالونيك بمقاطعة مرس السلطان، وهناك توجها معا إلى إحدى الصيدليات المتواجدة بالمنطقة، حيث استفسرا معا عن مبلغ الأدوية، وقام «المحسن» بتقديم شيكه البنكي إلى الصيدلاني بعد ملئه بمبلغ 50 ألف درهم، وتركه له دون أخذ الأدوية إلى حين أن يتأكد من توفر المبلغ المطلوب بالحساب الخاص بصاحب الشيك. الخطوة كانت مبعثا على ارتياح «محمد» الذي اطمأن لخطوة مرافقه، فسلمه بدوره مبلغ 8 آلاف درهم التي بحوزته من أجل إضافتها إلى المبلغ المتبرع به، وغادرا الصيدلية على أساس أن يلتقيا يوم الأربعاء 30 ماي الفارط بالصيدلية في توقيت معين، وبالفعل عند حلول الموعد ، وقف «محمد» ينتظر «المحسن» خارج الصيدلية إلا أنه تأخر عليه، فشرع يحاول الاتصال به إلا أن هاتفه كان مغلقا ، الأمر الذي أصابه بالحيرة وجعل قلبه يتوجس خوفا، فسارع إلى دخول الصيدلية حيث استفسر الصيدلاني عن الأدوية، فأجابه بأن الشيك الذي سلمه له مرافقه لايتوفر صاحبه على أية مؤونة مالية!؟ نزل الجواب كالصاعقة على «محمد» الذي أمسك رأسه بيديه وهو يحس بالدوار، غادر الصيدلية بضعة أمتار قبل أن يتصل بالشرطة التي حضرت عناصرها إلى عين المكان، حيث روى لهم الحكاية بتفاصيلها التي أكد الصيدلاني جانب عدم توفر صاحب الشيك على رصيد مالي، وبعد تنقيط صاحبه بمقر الدائرة الأمنية بعد تحديد هويته، تبين أن الامر يتعلق ب «عبد الصمد . ش» من مواليد سنة1971، عازب ويقطن بالحي الحسني ببرشيد، وهو مبحوث عنه بموجب برقيات على الصعيد الوطني من أجل إصدار شيكات بدون رصيد!