تستدعي التطورات والتفاعلات بالساحة الوطنية من زاوية المشهد النقابي وقفة لتدقيق الرؤية وإمعان النظر في ثوابت متغيرات الواقع الاقتصادي والاجتماعي في ضوء المتغيرات السياسية التي أفرزتها دينامية الحراك الاقليمي والعربي، التي أوصلت حركات اسلامية لمواقع السلطة والقرار بكل من تونس والمغرب وليبيا ومصر في سياق تسونامي كاسح زلزل الضفة الجنوبية للمتوسط قلب أنظمة وأطاح برؤساء وخلق أوضاعا جديدة كل الجدة مازالت محط متابعة ومساءلة إلى أن تستقر الأوضاع وتتضح الصورة. أشرنا تلميحا لهذه المتغيرات لنقف من بوابة المغرب على ما يعتمل بداخله منذ رفعت شعارات تنادي بالإصلاح الدستوري والسياسي ومواجهة الفساد وحاجة البلاد لتغيير حقيقي في مستوى مطامح الشعب المغربي وتطلعاته لدمقرطة البلاد، والخروج من وضع الارتباك والتردد والتناقض والازدواجية والعشوائية والذاتيات والحسابات الناقصة. وكان رد الفعل الرسمي استباقيا لخص عناوينه خطاب الملك في التاسع من مارس 2011، ويشرع الباب لإجراء إصلاحات، كان طبيعيا أن تكتسب طابع الضرورة والملحاحية تضمنها دستور جديد للمملكة ينحو في اتجاه دمقرطة تتجاوز ماهو كائن ودون ماهو مطلوب لكنها مفتوحة على أفق ملكية برلمانية لم تعد شعارا للاستهلاك أو التسويق وإنما أفقا محتوما يتجه نحوه المغرب الجديد. وكما عشنا جميعا بعد إقرار الدستور الجديد في يوليوز المنصرم، اتجهت الأنظار للاستحقاق التشريعي الذي حمل سلالة الدكتور لخطيب والعثماني وبنكيران لسدة الحكم، من خلال أغلبية رأس حربتها حزب العدالة والتنمية. وعود قوية، روجها الحزب الأغلبي لكسب أصوات الناخبين تحدثت عن نسبة نمو سريالية، وعن دفعة قوية للسميك بالمغرب وعن جنة ضريبية مغرية، وعن حوار مسترسل مع الشركاء وعن وفاء بالالتزامات وغير ذلك كثير، يقف اليوم حجة دامغة في وجه حكومة الاسلاميين بالمغرب. ماذا تحقق بعد مائة يوم؟ وعلى ماذا تؤشر مقدمات ماتم الوعد به والتعهد بتنفيذه؟ مازلنا أمام نفس الأوضاع، والمنجزات تنفيذ لبرامج سابقة وأوراش مبرمجة، وتصدمنا نفس الشعارات والعناوين التي أطرت المراحل السابقة وفي مقدمتها العطالة والمعطلون، تردي أحوال عموم المأجورين، تفاحش موجات الغلاء، وهبوط حاد على مستوى القدرة الشرائية في مواجهة المضاربات وفوضى الأثمنة، تراجعات على مستوى حماية المكاسب والحقوق، وعدم الوفاء بالالتزامات وبكلمة.. لوك جديد لحكومة مغربية في سياق وضمن تصور تحكمه مخططات العولمة المتوحشة وترتيباتها بما يحفظ ويحمي مصالحها، بنفس الخصائص والمواصفات التي حددت ملامح الحكومات التي تولت المسؤولية في ظل الدساتير السابقة مع تلوينات وتوابل جديدة في الخطاب والحركة والظهور للرأي العام من موقع المجد المغلوب على أمره المستجير من الرمضاء بالنار، والذي ما فتئ يردد عاونوني، اصبروا وصابروا، ما مخبي عليكم والو.. الدولة ما عندها ما تعطي، والرزق عند الله. عشنا وتابعنا مسلسل التراجعات التي عايشتها قوى اليسار من موقع الوهن والذهول لتجد نفسها على هامش الدينامية، حيث كانت النتائج الانتخابية دون مستوى امكانيات اليسار ببلادنا في ظل شتات غير مبرر لهذه القوى... إعادة إنتاج السلوك.. الخطاب.. المواقف مع إبطال لمفعول النقد والمبادرة والتجاوز. تموقع الاتحاد في صف المعارضة رغم قيمته ونجاعته في وقف مسلسل الخلط في الاصطفاف، ليس كافيا لخلق شروط مواجهة الوضع الجديد. قوة المواقف المعبر عنها من قبل الاشتراكيين حزبيين ونقابيين داخل غرفتي البرلمان لها قيمتها، ولكنها غير كافية. استمرار وتواتر النضالات في الواجهة الاجتماعية، إضرابات، اعتصامات، مسيرات، وقفات قطاعية ومركزية لم تكن كافية أيضا. أول الغيث قطر يصعب على من خبر البيت الكونفدرالي/ الفيدرالي أن يعتبر القرار المشترك ل CDT وFDT للصدفة، أو بلغة البيضاويين »عَتَجَ«، لأنه وليد وعي مشترك وإحساس مشترك، ومعاناة مشتركة، وتطلع مشترك، يدركها بعمق أبناء المشروع المجتمعي للحركة الاتحادية، ومعهم المناضلون النقابيون من مختلف المشارب والحساسيات اليسارية على امتدادعقود، ممن أعلوا راية النضال النقابي ببلادنا إلى مستوى التوهج، ممن انتفضوا ضد التبقرط والخبزية خلال سنوات الستينات والسبعينات، وممن أرسوا قواعد وأسس مشروع البديل النقابي الكونفدرالي في نهاية سبعينيات القرن الماضي، وممن خلقوا ملاحم ربيع 1979 و20 يونيو 1981 ويناير 1984 و14 دجنبر 1990 وغيرها من المحطات التي نحث ملامحها ووضع سماتها مناضلون ومناضلات طبعوا المرحلة بقوة عزيمتهم وصمودهم وتضحياتهم، وممن فرضوا الحوار واستنبتوه في الساحة الوطنية كآلية من صميم الديمقراطية، لمعالجة الملفات وفض النزاعات والتغلب على الصعوبات. كل ما وقفنا عنده في هذا السياق، وغيره كثير، منجز قوى للكونفدراليين والفيدراليين، عايشناه وعشناه قد تحقق بالتزام نقابي قوي، وبدعم غير مشروط من قوى اليسار التي دعمت وساندت نضالات الشغيلة المغربية في عموم المحطات الاجتماعية ببلادنا. لقد شكل التصدع الذي شق المركزية خلال أبريل 2003 لحظة جسدت إخلالا ما ! واختناقا داخليا عصف بوحدة المركزية وضع الجميع أمام استثناء يشذ عن القاعدة تبدى من خلال الجسد الواحد منقسما على نفسه بعضه كونفدرالي وبعضه فيدرالي، أيهما الروح؟ وأيهما الجسد؟ أو بلغة الحلاج، أنا من أهوى ومن أهوى أنا نحن روحان حللنا بدنا فراق مدمر، كل ما يمكنني استخلاصه من وقوعه، أنه عنصر أساسي من العناصر التي أدت للانحسار والتراجع وما تعيشه الحركة اليسارية في وجهيها السياسي والنقابي. لكن المؤكد أيضا، رغم ثقل التحديات أن مخزون الحركة لم ينفذ، وأنها استراحة محارب، وأن من صنعوا الأمجاد والكفاحات السابقة قادرون على التجاوز بكل ما يحمله المناضلون الصادقون من قدرة على الدفع الإيجابي الى الأمام، وممارسة النقد البناء والخلاق لتدارك زمن لا نتملص منه، ولا نتنكر له، لكنه جزء من مسار وصيرورة أدت لما وقع، وواقع الحال اليوم كما يجسده تطلع مشروع وهاجس مشترك يسكن دواخل أهل اليسار البحث عن ممكن لمواجهة اشتراطات وإكراهات المرحلة. خلال السنوات التسع العجاف من منظور (وحدة/شتات) لم تكن القطيعة نهائية ولا الجفاء مطلقا، كان الإخوة يلتقون في التظاهرات والندوات والاحتجاجات والمواجهات، وبالمسوؤلية الكاملة - رغم الخلاف والتنابذ الظرفي - يتحرك المشترك والأصل ليعبر عن نفسه. أذكر من اللحظات القوية تواجد كونفدراليين وفيدراليين خلال الدورة السنوية لمنظمة العمل الدولية بجنيف، حين واجه الوفد المغربي مؤامرة من قبل خصوم الوحدة الترابية لبلادنا بتنظيم ندوة مدعمة للانفصاليين، حيث عرف الوفد المغربي والنقابيون المغاربة كيف يحبطون مفعولها، وكان في مقدمة الحضور أخونا نوبير الأموي الذي حاول بعض قادة البوليزاريو مهاجمته، فتصدى لهم إخوة في قيادة الفيدرالية (الدكتور اللحياني والعربي حبشي ومحمد بنحمو) إلى جانب أخوة من قيادة الكونفدرالية الأخوان براهما والعزيز. كما استحضر رسائل متبادلة بين المركزيتين ولقاءات عقدت بتحدي واصرار مشترك داخل المقر المركزي ل CDT تم خلالها تجاوز أعراض التصدع والذاتيات وكل مسببات الفراق. ونستحضر في السياق التعبير المشترك عن النفس الوحدوي من خلال تبادل التمثيلية في المهرجانين المركزيين أثناء فاتح ماي لهذه السنة وصولا لمحطة الإعلان عن المسيرة الاحتجاجية المشتركة، مسيرة الكرامة أولا ليوم الأحد 27 ماي 2012. نحن أمام مقدمة قوية تنجز في الميدان، من خلال عمل نضالي يعيد للفعل النقابي اعتباره، يلهب الحماس الساكن في أعماق مناضلين لم تبعدهم شروط التيئيس والتبخيس وضبابية الصورة عن الامساك بحلم مشروع في وحدة مأمولة وتغلب على عوامل الانتكاس والتراجع وتجديد النفس والعزم لهزم عوامل استمرار الانقسام وتجفيف منابعه ولسان حالهم يردد مع الشاعر. وقد يجمع الله الشتيتين*** بعدما يظنان كل الظن ألا تلاقيا . لقد أدى التشتت للتراجع والضعف ومعه انحسار للمد النقابي نهوض وضمور لتأثيره،وبالوحدة والرجوع الى الاصل نوفر شرط نهوض واستنهاض الدينامية النقايبة ببلادنا.. نعيد به. التوازن لمعادلة اضطربت مكوناتها السياسية والاجتماعية، وأوصلتنا لحدود فقدان البوصلة والاطلال على التيه دون مبالغة. دعوة الاخ منشد أحد اقطاب العمل النقابي ببلادنا وأحد مؤسسي الكونفدرالية والفيدرالية للوحدة وتثمينه للمبادرة الوحدوية خلاصة ثمينة تلتقي مع ما صرح به الاخ الاموي خلال الندوة الصحفية الاخيرة للمركزيتين »»وضعية المغرب والمغاربة سواء بالداخل او الخارج صعبة، لهذا لابد من حوار وطني لا يتوقف، بين كل مكونات الامة من احزاب ونقابات ومجتمع مدني ومنظمات وهيئات حقوقية وشغيلة... ان المسؤولية اليوم يتحملها الجميع وان كل من يساهم بالصمت والخوف والتواطؤ فليتحمل مسؤوليته«. ومباركة هذه الخطوة الوحدوية من قبل قوى اليسار ببلادنا: الاتحاد الاشتراكي و المؤتمر الوطني الاتحادي والطليعة والاشتراكي الموحد والنهج الديمقراطي والخضر وحركة 20 فبراير تأكيد لا يحتاج لكثير من الجهد لاكتناه دلالاته الفعلية والرمزية، تعطي الاشارة بأن وضعا آخر ممكن بالوحدة ومن خلال الوحدة بكل مستوياتها دفاعا عن المشروع الديمقراطي الحداثي المهدد بتراجعات محافظة سلفية و ماضوية ان لم نسمها خارج المرجعية الديمقراطية الكونية، لا يشرف بلادنا بكل تراكماتها وبكل تاريخها وامجادها ان تصبح اسيرة له، وتعيش تحت رحمته، وتستسلم لقيوده. وبالتالي.. فلهذه الخطوة النقابية الوحدوية دلالات لا يستقيم فهمها بدون استحضار مؤداها وما تؤشر عليه. مقدمة الحدث، تعطينا أسباب النزول، وتردم بقصدية ووعي تنابذا وشتاتا يعتبر من وعثاءالسفر، وأعراض مسيرة نضالية طويلة أنهكها صراع مرير وتحديات مراحل عصيبة ومهمات حارقة واستهدافات ادت لما حصل، كما يؤكد الحدث ايضا الحاجة لوحدة مفتقدة، وان محطة المسيرة الاحتجاجية الوطنية درجة على سلم وحدة نقابية مأمولة لا محيد عنها. اوضاع البلد تتطلب نقاشا بين كل المكونات الديمقراطية لضبط عقارب الساعة على حاجيات المغاربة اليوم، ومتطلبات مغرب اليوم لاستكمال مسار ومسيرة دمقرطة المغرب. نتوجه للمسيرة الاحتجاجية يوم الاحد 27 ماي 2012لنقول »»نعم»« لوحدة افتقدناها او بلغة الاخ العزوزي كاتب عام الفيدرالية ان لسانه عاجز امام الحضور الذي ضم قيدومين ومناضلين مؤسسين من مختلف المشارب، قائلا :»»يجب ألا ننسى أننا ابناء بيت واحد، ولا أرى امامي مركزيتين،بل منظمة واحدة««. لقد استطاع النقابيون على امتداد عقود الاستقلال التميز بحضور نوعي بالمواقف المسؤولة بالحزم المطلوب دفاعا عن حقوق ومطالب الشغيلة المغربية، وحقوق الشعب المغربي في الكرامة،و العيش الرغيدفي اطار دولة الحق والقانون. فهل يلتقط السياسيون الديمقراطيون رسالة النقابيين اليوم لوضع حد لنزيف طال واستطال، وانضاج شروط ارضية مشتركة يحكمها منطق حد أدنى، قاعدته القواسم المشتركة للديمقراطيين الاشتراكيين التقدميين الحداثيين، ابناء وأنصار المشروع الحداثي الديمقراطي ببلادنا لخلق الاجواء المطلوبة، والجاهزية المنتظرة لبعث الامل ومن جديد في نفوس المناضلين والمواطنين عموما، لاسترجاع مناضلين ومثقفين واطرا ابتعدوا الى حد ما واهتزت ثقتهم نسبيا في ما يدعو له اليساريون ببلادنا، وتجديد التعاقد مع محبطين ويائسين ورافضين، لكنهم في ذات الوقت مشدودون لمن يعبر بلسان الجميع عن المطلوب والمقدور عليه من قبل الديمقراطيين المغاربة، بدعم الخطوة الوحدوية على المستوى النقابي اولا باعتبارها مدخلا وخلفية اجتماعية لمشروع يتوخى حشد القوى وتجميع الانفاس لمواجهة متطلبات المرحلة وفي ذلك تقوية للموقع التفاوضي لحمل الحكومة على احترام التزاماتها من جهة، وايجاد الحلول للمطالب من جهة ثانية. هل يحسب للشغيلة المغربية اليوم ويضم لرصيدها انها اقتدت بالنقابيين الرواد؟ الذين قاوموا بالامس الاستعمار وساهموا في تحرير المغرب، وطبعوا الحركة الوطنية بنكهة خاصة جعلت العمق الاجتماعي حاضرا وبقوة في مسيرة صانعي استقلال المغرب، ومهندسي الخيار الديمقراطي واستراتيجيته ببلادنا؟ وهل تحضر روح قادة نقابيين كبار عمر بنجلون احمد البوزيدي ومولاي عبد الله المستغفر وعبد الرحمان شناف والاف المناضلين الاشاوس، ممن عمدوا الحركة النقابية المغربية ولمعوا صورتها طيلة عقود من الزمن المغربي، و جسدوا روح العمل النقابي النبيل؟ هل نقرأ جماعيا «عودة الروح» لجدل السياسي والنقابي وفق مقتضيات المرحلة ومتطلباتها الجديدة؟ وهل يدخل اصدقاء الطبقة العاملة ومناصروها مثقفون اعلاميون ومختلف مكونات المجتمع المدني على الخط لاكتمال وتكامل سمفونية يعزفها ويساهم في كورالها جميع المعنيين لتحصين التراكم الديمقراطي وحماية المسار الحداثي الديمقراطي بالمغرب؟ أكاد أسمع وأرى هدير انصار التحديث والدمقرطة يباركون ويزكون نداء الوحدة النقابية اليوم »الآن.. «الان.. وليس غدا« «التي انطلقت ديناميتها، وتم ضبط ايقاعها من خلال المسيرة الاحتجاجية كمنطلق، والمنفتحة على أفق نتحدث كديمقراطيين اشتراكيين كل بلغته ولكنته، لكن بمضمون واحد يجسد حلمنا وتطلعنا المشروع لمركزية نقابية عتيدة قوية ومناضلة يلتف حولها الجميع، تلعب دورها التاريخي في الدفاع عن مكتسبات الشغيلة المغربية وكامل حقوقها الاقتصادية والاجتماعية وتساهم في تعبيد الطريق للبيت الاشتراكي الكبير، أداتنا لتأمين دمقرطة المغرب، وتحصين مكتسبات الشعب المغربي، وللحيلولة دون اكتساح وتجذر مشروع ماضوي لا يشرف مغرب اليوم. ولا يرقى لمستوى مطامح المغاربة.