تؤكد الأحداث التي يعرفها العالم العربي أن جماعات الإسلام السياسي تخدم العولمة؛ فهي تزرع الحروب الطائفية التي تقضي على الوحدة الوطنية وتخرب الأوطان، ما جعل الغرب يسعى جاهدا إلى استيعاب هذه الفئات بهدف توظيفها لتمزيق الوحدة الوطنية وهدم الأوطان، خدمة للعولمة التي تريد تحويل المنطقة إلى مجرد سوق يتحكم فيها منطق الليبرالية المتوحشة. وهذا ما يفسر رفض العولمة لوجود دول وطنية لتعارُضِه مع طبيعتها وأهدافها... إذا كان الإسلام السياسي مناقضا للعولمة من حيث الطبيعة والتوجهات، ويشكل ردة فعل ضد العولمة دفاعا عما يسميه بالخصوصية وما تحمله من قيم...، فمن المفارقة أن يتحول إلى أداة في يد هذه الأخيرة. يعرف الغرب جيدا أن الوطنية في اعتقاد جماعات الإسلام السياسي كفر، حيث تؤمن بأن وطن المسلم هو الإسلام ذاته، وأن المساحة الجغرافية للإسلام هي العالم كله. يقول الشيخ يوسف القرضاوي: «ليس بمجتمع مسلم ذلك الذي تقدم فيه العصبية الوطنية على الأخوة الإسلامية حتى يقول المسلم وطني قبل ديني»، كما أنه ينظر إلى الوطنية بكونها كفرا وعبادة أصنام، إذ يرى أن «دار الإسلام ليس لها رقعة محددة»، وهذا ما يترتب عليه أن تكون «مشاعر الولاء للإسلام وأهله هي التي تقود المجتمع وكذلك مشاعر البغض لأعداء الإسلام» (ملامح المجتمع المسلم الذي ننشده، القاهرة، 2001). وقد أضاف إلى ذلك قوله إن الوطنية من صناعة الدول الاستعمارية بغرض تفكيك وحدة المسلمين (الإخوان المسلمون، 1999). عندما كان «مجاهدو» جماعات الإسلام السياسي ينفذون أوامر الغرب في أفغانستان وغيرها من البلدان، لم يكن ذلك الغرب يعير أي اهتمام لحقوق الإنسان في منطقتنا. ولما انتهى دورهم هناك وتخلى الغرب عنهم، حوَّلوا وجهة جهادهم صوبَه. ومع ذلك صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس حينئذ لصحيفة واشنطن بوست: «إننا لا نخشى وصول الإسلاميين أو المتطرفين إلى الحكم، لأن التطرف ناجم عن غياب قنوات النشاط السياسي والاجتماعي». كما قال دبلوماسي أمريكي آخر: «لا ضرر في وصول جماعات الإسلام السياسي إلى الحكم إذا مارسوا تداول السلطة عبر الديمقراطية». لكن ألا يعلم الغرب أن الديمقراطية ليست مجرد تداول للسلطة بصندوق الاقتراع دون النظر إلى شروطها والقيم التي تنهض عليها قبل هذا الصندوق؟! ألا تقتضي الديمقراطية تعددية حزبية، واحترام حقوق الإنسان، ونسبية الحقيقة ونبذ تقديس الفكر البشري...؟ ألا يعتبر الإسلام السياسي كل هذه الشروط والقيم كفرا صريحا؟ كيف يوهمنا الغرب بأن هناك إسلاما سياسيا وسطيا وهو يعرف جيدا مآسي تاريخ الإسلام ودور الفرق الطائفية فيها؟ ألا يعرف بشكل قاطع أن ما يسمى بالتيار المعتدل هو في العمق ضد الإعلان العالمي لحقوق الانسان، وضد الحريات المدنية، وضد الحقوق السياسية والمدنية للمرأة...؟ ألا يعي أكثر من غيره أنه من المستحيل قيام الوسطية مع عقيدة الولاء والبراء التي ينهض عليها الإسلام السياسي؟ ألا يدرك جيدا أن هذه الجماعات تمارس الخداع بما تدعيه من تبَنٍّ للديمقراطية والحقوق، وهي تحمل في عمقها فكرا استبداديا تغلفه بألفاظ زماننا لممارسة «التقية»؟ ألا تريد هذه الجماعات انتخابات تأتي بها إلى الحكم، وبعدها تحكم باسم الله، فتلغي الدور التشريعي للبرلمان بهدف تطبيق الشريعة؟ ألا تعلن إيمانها بالديمقراطية، وتصر في الآن نفسه على إقامة دولة الخلافة، ودولة الفقه الإسلامي الذي لم يتغير مطلقا عبر القرون؟ ألم يقل الشيخ القرضاوي (المعتدل في نظر الغرب) عبر قناة الجزيرة إن الإسلام هو دين الحياة للفرد وللأسرة وللمجتمع وللأمة وللدولة..، ثم أفتى بوجوب عدم النقص من هذا أوالحذف منه، لأن الله أنزله كاملا والكامل لا يقبل زيادة ولا نقصانا؟... عندما تتم دعوة جماعات الإسلام السياسي بالالتزام بالديمقراطية الحقوقية، ومبدأ تداول السلطة بين أحزاب متعددة، وحرية العقيدة وحرية الفكر وحقوق المرأة وحقوق الأقليات...، فإنها لا تقبل ذلك، لأنها تعتقد أن الأحزاب ليست من الإسلام، وأنها هي الفرقة الناجية التي يلزم أن تحكم وحدها لأن ما عداها كافرة. كما أنها ترفض حرية العقيدة لأنها ردَّة جزاؤها القتل، ما يئد حرية التفكير... أضف إلى ذلك أنها تعتبر العمليات البنكية ربا، ولا تعترف بحق للأقليات إلا بموجب عقد الذمة. علاوة على ذلك، فهي تنكر على المرأة حقها في المساواة مع الرجل لأنها ترى في ذلك نقضا لحدود الله... (يوسف القرضاوي). بقية ص 4 نفس المصادر شددت على ما ذهبت إليه المعارضة الاتحادية، فيما ناقشت القانون التنظيمي المتعلق بالتعيين في الوظائف السامية، إذ دافع الفريق الاشتراكي على أن تكون العديد من المؤسسات المهمة تابعة لتعيينات رئيس الحكومة، حتى يمكن مراقبتها ومحاسبتها، وفقا لما جاء به الدستور الجديد، الذي ربط المسؤولية بالمحاسبة إلا أن فرق الأغلبية قررت التنازل عن هذه التعينات بتوجيه من الحكومة نفسها، وهو ما اعتبرته المعارضة الاتحادية تراجعا كبيرا، ومسا بالدستور نفسه. وفي علاقة بالموضوع علمنا أن غياب مصطفى التراب عن استقبال اللجنة البرلمانية يعزى إلى مشاركة الرئيس المدير العام للمجمع الشريف للفوسفاط في المؤتمر الدولي للأسمدة الذي تحتضنه مدينة الدوحة القطرية والذي يحضره عدد من قادة صناعة الأسمدة الكيماوية في العالم، ويشغل التراب منصب نائب رئيس منظمة «إيفا» وهي أكبر منظمة للأسمدة الزراعية في العالم.