يعز علي في هذه الأيام أن أحمل القلم لأكتب عن شخصية فريدة من نوعها، فارقتنا هذه الأيام، عن وجه من الوجوه النضالية التي لا تحب الظهور، عن إنسان عزيز، ناضل في قطاع المهندسين، يحمل مبادئ نقية، كان مناهضا للظلم والاستبداد، هو المناضل الفذ مراد بوزيد، الإنسان النحيف البنية، شقيق الأخت نجاة بوزيد، زوجة الفقيد عبد الرحيم بوعبيد. المرحوم بوزيد أحد مؤسسي قطاع المهندسين الاتحاديين بصحبة الفقيدين العزيزين يوسف الزواوي وعمر بنجلون، وآخرين، وهو أحد المعالم في علوم الإعلاميات بالمغرب، ومن الأطر الفاعلة في الحزب، من الذين اشتغلوا في الظل، بعيدا عن الأضواء. أتذكر الأخ محمد فرج أحد المناضلين الأوائل في الاتحاد الاشتراكي القوات الشعبية، كان أنذاك عضوا بالكتابة الإقليمية للدار البيضاء، ومدير شركة، هو من عرفني بالمرحوم مراد بوزيد، وأن هذا الأخير هو من قدمني إلى الأخ محمد اليازغي لألتحق وأشتغل بجريدة "المحرر"، كان ذلك في منتصف السبعينات. لقد توطدت معرفتي بهذا الرجل الشهم، الوطني الاتحادي الغيور الحر المقدام، حين كنت أزوره من حين لآخر بمقر عمله بشارع الحسن الثاني بإقامة النحلة بالدار البيضاء، ليقدم لي يد المساعدة في إنجاز بعض الأعمال الخاصة بالجريدة التي كنت أقوم بها. وكان بدوره يقوم بعمل نضالي لفائدة الجريدة في الخفاء، وبدون مقابل. أحيانا في زيارتي له إذا لم أجده ،أصعد لأسأل عنه في الشقة التي كان يسكنها في نفس العمارة، كان بوزيد إنسانا بشوشا لا يتضايق من زيارتي المتكررة له. عرفت مراد بوزيد معرفة جيدة عن قرب، جالسته عدة مرات لساعات طويلة، سنوات الجمر، وعن طريقه كان لي هذا التوجه في مساري المهني. اكتشفت فيه المناضل الاتحادي، قل مثيله، يمتاز بأخلاق حميدة، ونكران ذات، له مبادئ تقدمية حداثية. كان مديرا للإعلاميات في إحدى الشركات بالدار البيضاء، متمكنا من اللغة الفرنسية حتى يكاد ينافس الفرنسيين الضالعين فيها. له ذاكرة قوية يشتغل كثيرا، وكانت له علاقات واتصالات بالعديد من المؤسسات التي تشتغل بالإعلاميات، كان كثير السفريات خارج الوطن في إطار عمله، شارك في عدة ملتقيات وندوات ومؤتمرات لها علاقة بالإعلاميات سواء داخل الوطن أو خارجه، منها حضوره في الأيام الدراسية حول نقل التكنولوجيا بالدار البيضاء في شهر ماي 1980. ثم الملتقى الوطني السادس للشبيبة الاتحادية بالمعمورة في مارس 1985 الذي انعقد تحت شعار "من أجل اعلاميات في خدمة الإنسان". كما واكب كل المحطات الحزبية عن بعد، باستثناء التي حضرها، كالمؤتمر الاستثنائي للحزب سنة 1975، وبعض التظاهرات الحزبية والنقابية كاحتفالات فاتح ماي، وقدم للحزب أعمالا جليلة. إنسان صادق وجدي ومقتدر ومتواضع كل التواضع لا تظهر عليه أمارات الإعجاب بالنفس أو الغرور بالمعرفة، الأستاذ مراد بوزيد تعلمت منه الكثير، حديثه حلو، حين تراه يحدثك كأنه يتحدث إلى إنسان عزيز عليه، لقد بقيت علاقتنا مستمرة إلى أن منعت جريدة "المحرر" من الصدور سنة 1981، ومنذ ذلك الحين لم أعد أراه إلا في بعض المناسبات الحزب والنقابية، وكذلك بعد وفاة عبد الرحيم بوعبيد سنة 1992. مراد بوزيد إنسان هادئ وخدوم، صدمت حين وصل خبر وفاته يوم 6 ماي 2012 بفرنسا، وتم نقل جثمانه الطاهر إلى أرض الوطن، ليدفن بمقبرة حي الرياض بالرباط. وبهذه المناسبة الأليمة نتقدم بأحر التعازي إلى كل أفراد أسرة الفقيد الصغيرة والكبيرة، راجين من الله عز وجل لهم الصبر والسلوان وللفقيد فسيح الجنان. وإنا لله وإنا إليه راجعون.