الفكاهة لاتنطلق من فراغ فوراءها ثقافة واسعة، تروم نقض الأوضاع الاجتماعية بأسلوب بسيط وعميق. ويتمثل ذلك في حوار فني، ظاهره الضحك وباطنه الإصلاح. وتطالعنا في هذا المضمار أسماء عديدة أبدعت في توصيل أفكارها من خلال الأسلوب الفكاهي كنجيب محفوظ وعبد القادر المزيني في بعض قصصهما. كما أن بيرم التونسي بث نقضه اللاذع في بعض أشعاره بشكل هزلي. ولتنوير قناة «الأولى» في برنامجها الفكاهي «كوميديا» لابد من المزيد في توضيح هذا الميدان والرجوع إلى أصحابه وإبراز قدرتهم العفوية في بعث الضحك. ومن لاتنبعث الابتسامة من فمه دون شعور وهو يشاهد أمين الريحاني أو إسماعيل ياسين وعبد السلام النابلسي ثم فؤاد المهندس، لاتكتفي هذه الفئة بالشكل الظاهري بل إنها تمزجه بآراء فكرية تعتمدها بالأساس للإضحاك. مازال السيد رشيد المنشط في قناة «الأولى» ينتظر المزيد من الوعي وهو يرخي أذنه لمسرحيات الممثل الهزلي دريد لحام. ففيها يجد ماغاب عنه من وعي خلاق وأهداف اجتماعية وبجانب هذا المسرحي السوري، هناك العديد من المسرحيات المصرية التي تعالج مشاكل اجتماعية وتنفس عن المتعبين بشكل طبيعي يسهل التعبير عنها بيسر. أما لجنة التحكيم في «كوميديا» فعليها قبل أن تصدر أحكامها التملي في الحوار «مستقبلا»أي الدورات المقبلة إذا كان هناك «كوميديا» مرة أخرى، وما يغوص فيه من أفكار وأهداف. ورويدا عليها الآن لأنها لن تجد شيئا من ذلك، وخارج هذا المكان مر في الزمن الماضي عباقرة الفن الهزلي كشارلي شابلن وبرنادشو. وفي حواراتهما ما يرتفع بالوعي إلى القمم الخالدة. بعد أن استمعت لجنة التحكيم ومنشطها إلى النشاط الفكاهي عبر مراحل تاريخية، وكان يرقد وراء هذا النشاط خلفية ثقافية تركت بصماتها في عدة مسارح، فهل نجد شيئا من هذا الابداع؟ سيكون من اللاجدوى العثور على ملمح من ذلك الشعاع المفقود. وهذا ما يجعل وجود لجنة التحكيم وانعدامها سيان لاتقدم ولا تؤخر، فأي شيء ذا قيمة سيكون أمامها حتى تستطيع الحكم عليه، فإذا كان لها من الشجاعة بقية، فعليها أن تقدم استقالتها، احتراما للجمهور العريض من المشاهدين الذين يضجون غيظا من تلك الصور الباهتة التي تقدم إليه كألوان فكاهية وماهي بذلك، إن هي إلا التفاتة في أبشع صورها. كفى ضحكا على الذقون يامن اجتمعتم على التعتيم والتنغيص.