بتعيين جان مارك أيرو في منصب الوزير الأول، يكون الرئيس الفرنسي الجديد فرانسوا هولاند قد اختار رجلا وفياً، يعرف جيداً البرلمانيين، رجل ثقة اعتاد العمل معه، ولنفس الأسباب، اختار هولاند رئيس الفريق الاشتراكي في الجمعية الوطنية، مستشاره الخاص أثناء الحملة، وهو ما اعتبر إشارة دالة على الدور الذي ينتظره على رأس الحكومة المقبلة. الرجلان ربطا مسارهما السياسي سنة 1997، عندما أصبح ليونيل جوسبان وزيراً أول بعد أن قرر الرئيس جاك شيراك حل الجمعية الوطنية، وسلم قيادة الحزب الاشتراكي لفرانسوا هولاند. بالمقابل، لم يبرز أي مرشح لرئاسة الفريق البرلماني الاشتراكي. لوران فابيوس الذي كان يضطلع بالمهمة من قبل فكر في إسناد المهمة لجان كريستوف كامبادليس. لكن دانييل فايان الذي عهد إليه بحقيبة الوزير المكلف بالعلاقة مع البرلمان، اقترح على الوزير الأول ليونيل جوسبان، اسم إيرو، النائب عن منطقة لورا الأطلسية. وطيلة الولاية التشريعية، سيصبح موعد الفطور كل ثلاثاء في ماتينيون (مقر الوزارة الأولى)، الموعد الاستراتيجي لتصحيح وتنفيذ سياسة الحكومة. حول الوزير الأول ودانييل فايان، كان يجتمع الكاتب الأول للحزب فرانسوا هولاند ورئيسي الفريقين البرلمانيين جان مارك أيرو وكلود إيستيي, ويشارك في الاجتماع أيضاً أوليفيي شراميك مدير ديوان جوسبان، وجان بيير جويي ودومنيك مارسيل، ومساعديه مانويل فالس، المستشار في التواصل وإيف كولمو مدير ديوان دانييل فايان. في هذا الاجتماع، كان يتقرر التحكيم بالنسبة للعمل التشريعي، وخلال هذه الاجتماعات المصغرة وفي مواقيت مضبوطة (8 و 45 دقيقة صباحاً إلى 9 و 45 دقيقة)، لأن القطار الذي يركبه جان مارك أيرو من نانت المدينة التي يشغل منصب عمدتها يصل إلى محطة القطار مونبارناس في الساعة 8 30 دقيقة. وفي الساعة 10 صباحا، يحضر ندوة الرؤساء التي تحدد كل أسبوع جدول أعمال الجمعية الوطنية. كل شيء في هذا التنظيم ممنهج وصارم كما هو الشخص. طيلة 5 سنوات، ظل فرانسوا هولاند وجان مارك أيرو جنباً إلى جنب في الخط الأمامي لتجربة التعايش، وعاشا كذلك »كابوس« 2002 الذي شهد إقصاء ليونيل جوسبان في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية ,ويترك المجال لمواجهة ثنائية بين جاك شيراك وجان ماري لوبين في الدور الثاني. وبعد النكسة التي عاشها الحزب الاشتراكي بعد ذلك في الانتخابات التشريعية، كان جان مارك أيرو النائب الاشتراكي الوحيد الذي حافظ على مقعده منذ الدور الأول، واحتفظ برئاسة الفريق الاشتراكي في الجمعية الوطنية رغم محاولات لوران فابيوس منافسته. في شتنبر 2006، وبمناسبة الأيام البرلمانية التي عقدت في مدينة نانت، أعلن أيرو أنه سيغادر رئاسة الفريق في نهاية الولاية. وفي خضم الحماس الذي رافق ترشيح سيغولين روايال، كان يؤمن بإمكانية حدوث التناوب سنة 2007، وآمن بإمكانية الوصول الى منصب وزاري، لكن اليسار تلقى هزيمة أخرى، وعاد أيرو الى رئاسة الفريق النيابي الاشتراكي لولاية ثالثة وهو رقم قياسي والأخيرة كرئيس لأكبر فريق في المعارضة. في سن 62 سنة، ها هو يعين على رأس الحكومة، ومهما كان طموحه »معقولا«، فإن الجهد الذي بذله من أجل الإعداد لهذه المهمة يشهد له بإصرار وعزيمة أكيدين. نوع من التتويج لهذا »المنتخب« الذي لم يسبق له أن كان وزيراً, خاصة بسبب قضية منح امتيازات غير مبررة التي كلفته بصفته عمدة لمدينة نانت، 6 أشهر حبساً موقوفة التنفيذ وغرامة 30 ألف فرنك فرنسي (4600 أورو). جان مارك أيرو لم يعرف الهزيمة في أي من الانتخابات التي شارك فيها منذ 1976، تاريخ حصوله على أول انتداب انتخابي كمستشار عام في دائرة سانت هيربلان بمنطقة لورا الأطلسية، وبذلك يوقع أستاذ اللغة الألمانية على بطاقة تعريف سياسية متينة. جان مارك أيرو من مواليد 25 يناير 1950 بمدينة موليفريي (ماين ولوار) جذوره قوية، تلقى تربية كاثوليكية، تصرفات صارمة. وكانت أولى خطواته في العمل السياسي في صفوف الحركة القروية للشبيبة المسيحية، حيث مارس داخلها مسؤوليات على مستوى الجهة، قبل أن يتوجه نحو الحزب الاشتراكي إبان مؤتمر إبيناي سنة 1971. في نفس السنة، تزوج بريجيت تيريان المنحدرة مثله من بلدة موليفريي. المنخرط الجديد ارتبط بجان بوبرين, زعيم تيار »صراع الطبقات, «المثقف اللامع القادم من الحزب الشيوعي الذي طرد منه سنة 1959. انخرط جان مارك أيرو في الحزب الاشتراكي حول »استراتيجية اليسار« المبنية على تحليل سوسيولوجي لتطور عالم الشغل. آمن بهذا التيار اليساري، وعندما انتخب سنة 1976 مستشاراً عاماً بمنطقة لورا الأطلسية، لبس خلال أول جلسة قميصاً أحمر لإظهار قناعاته. كان مساره السياسي سريعاً. بعد سنة، انتخب على رأس لائحة وحدة اليسار في المجلس البلدي لمدينة سانت هيربلان المحادي لمدينة نانت. وكان من ضمن هذا الجيل الجديد الذي شكل ما سمي »الاشتراكية البلدية«. وفي هذا السياق، دخل سنة 1979 إلى اللجنة القيادية للحزب الاشتراكي بعد مؤتمر ميتز, الذي ارتكز خلاله فرانسوا ميتران على الحرس القديم لندوة المؤسسات الجمهورية المتحالف مع تيار بوبرين وتيار جان بيير سوفينومان لقطع الطريق على تحالف ميشيل روكار وبيير موروا. بعد انتخاب فرانسوا ميتران رئيساً للجمهورية، دخل جان مارك أيرو إلى المكتب التنفيذي للحزب الاشتراكي عقب مؤتمر فالانس كعضو نائب. وفي سنة 1986، عين على رأس لائحة في الانتخابات التشريعية في دائرة لورا الأطلسية وكان الاقتراع نسبياً. كان فوزه أول انتداب كبرلماني، ومنذ ذلك التاريخ، أعيد انتخابه باستمرار نائباً برلمانياً في قصر بوربون (مقر الجمعية الوطنية). لكن أيرو «»صراع الطبقات»« ترك المكان للإصلاحي المقتنع، «»الواقع حسم الأمر»«، كما قال في الندوة الوطنية للحزب، ودافع عن ذلك بوضوح ودون تردد. وجعل من ذلك ماركته المسجلة ولو أن منتقديه في اليمين، يتصفونه ب «»الاشتراكي البدائي والتجزيئي«« في سنة 1989، غادر جان مارك أيرو مدينة سانت هيربلان لينطلق في اكتساح مدينة نانت التي كان يسيرها اليمين، فاز منذ الدور الأول وأصبح بذلك أحد »كبار منتخبي« الحزب الاشتراكي، وفي نفس السنة، انعقد المؤتمر الوطني للحزب (مؤتمر رين)، والذي سيبصم على القطيعة مع تيار بوبرين، وتموقعه خارج التيارات على أساس «»الواقعية الاقتصادية». جان مارك أيرو الإصلاحي البراغماتي، الحذر, يتميز أيضا بحس سياسي حاد. يعرف قيمة الأشخاص ويقيس موازين القوة، يمارس بلباقة فن التوافق, لكن دائما بنفس الإصرار على إنجاح التوجهات الكبرى التي رسمها ويريد تنفيذها. منذ 1989 قاد التحول العميق الذي شهدته مدينة نانت التي أصبحت في نفس الوقت عاصمة ثقافية وعاصمة التنمية المستدامة رغم الانتقادات التي يتعرض لها مشروع بناء مطار نوتردام دي لاند. وطيلة 15 سنة التي تقلد فيها مسؤولية رئاسة الفريق النيابي بالجمعية الوطنية، أصبح جان مارك أيرو أحد الركائز الأساسية للحزب الاشتراكي وسواء خلال الانتخابات الأولية التي جرت لاختيار مرشح الحزب الاشتراكي للانتخابات الرئاسية أو خلال مؤتمر ريمس سنة 2008، فضل دائما ضرورة الحفاظ على وحدة الفريق حتى لا يكون مضطرا لأخذ موقف، ويلتحق دون تردد إلى جانب الشخصية التي خرجت منتصرة من المعركة. لكنه منذ شهر يونيو 2011 أفصح عن اختياره لفرانسوا هولاند جاره على كرسي الجمعية الوطنية الذي يتقاسم معه، كما يقول, نفس التصور «»الإصلاحي«« الذي تغذيه تجربة الهزيمة التي عاشاها معا سنة 2002، ليس واردا لديه «»التيه جريا وراء راديكالية ما... لن نربح من وراءها أبدا « كما يقول باستمرار. يؤاخذه البعض باستمرار على غياب الكاريزما لديه وعدم ميله لركوب المخاطر ونادرا ما يبتعد عن التحفظ الحذر ويلف أجوبته بكثير من الاعتبارات قبل أن يصدر موقفه. يتكلم الألمانية جيدا، وبنفس القدرة يمكنه ممارسة لغة الخشب. هذا الجانب الأستاذي تجده أيضا في ظهوره العمومي الذي يحضر له بنفس الدقة والعناية من خلال النقط والملاحظات التي يدونها، يمكن مع توالي خطبه وحركات يديه التي تؤطرها، غالبا ما تضيع الورقات التي أعدها دون أن تفقد الفكرة لديه خيطها الناظم, هو رجل منظم أكثر مما يوحي به وعندما ينهي خطابه، يجمع بعناية جميع أوراقه بعيد تنقيحها مرة أخرى بمناسبة خطب مقبلة. وكرئيس »»عادي»« اختار فرانسوا هولاند وزير أول »عاديا« كذلك، ليست له حكايات, منظم, رجل متعفف بسيط, لا يحب الحديث عن شخصه. في لحظات تيهه، يذهب لاستجماع قواه في شبه جزيرة رييس على ضفاف خليج موربيهان، حيث يملك سكنا ثانويا وهو معروف بشغفه بالموسيقى الكلاسيكية وبالأغاني العصرية ويحكى أنه راقص متميز, خاصة الطانغو وهي هواية يمكن أن تفيد... بتصرف عن لوموند