بعد زوال يوم الأربعاء 9 أبريل 2012 ، صادفت برنامج «المريخ الرياضي» الذي بثته إذاعة «راديو مارس» وينشطه عادل العماري، وقد شدني موضوع الحلقة، فلم أبرح المذياع حتى نهاية البرنامج بعد الساعة الرابعة .. خاصة وأن الموضوع تناول واقع التسيير الرياضي ... والحقيقة، أن البرنامج في نظري، قد نجح في تحقيق التنوع، إذ جمع بين مجموعة من المشاركين، والمتدخلين من مشارب مختلفة، كل يدلو بدلوه، ويدافع عن مواقفه وأفكاره، ويدلي بحججه.. كما نجح في خلق القطيعة مع لغة الخشب، فلم يبق للرياء والنفاق مكان، أمام الجرأة والصراحة التي تحدث بها المتدخلون، بل سميت الأشياء بمسمياتها، بدون مواربة أو تقية .. كما نجح البرنامج أيضا، وهذا هو الأهم، في أن يمد النيابة العامة بورقة عمل، هي عبارة عن صك اتهام حول ما تعرفه الرياضة بمكناس من فساد مالي وإداري، إن هي أرادت حماية المال العام .. بتحريك الدعوى العمومية ..التي طولبت بتحريكها في الموضوع مرات ومرات .. فلم تفعل ؟؟ كلام غليظ، ورد على لسان مختلف المتدخلين، فيه اتهامات خطيرة، موجهة إلى أشخاص أو هيآت بعينها وباسمها .. والمنطق يقتضي، فتح تحقيق قضائي .. فإما إدانة، وإما براءة .. فأن يجمع المشاركون في البرنامج على عدم شرعية المجلس الإداري.. وأن يصرحوا بأن الرئيس ومنذ تعيينه رئيسا، وتخويله صلاحية اختيار أعضاء المجلس، وعرضهم على الجمع العام للمصادقة، لم يعقد لا جمعا عاما ؟؟ ولم يعلن رسميا عن أية تشكيلة للأعضاء ؟؟.. فهذا ليس بالأمر الهين الذي لا يستحق متابعة، لأن الأمر يتعلق بمالية عامة تقدر بالملايير؟؟ وبقرارات لا ديمقراطية، قد تقبر الرياضة في الإقليم، وقد تقضي على كل عناصر النجاح لها .. وأن تتجسد حالة التنافي في رئيس المجلس الإداري.. من خلال رئاسته لفرع رياضي، وعضويته في آخر، فهذا ما لا ينبغي التمادي في السكوت عنه ؟؟ فإما ما قيل في البرنامج، محض افتراء، فوجب تفنيده .. وإما ما قيل، حقيقة فوجب التصدي له .. إن يقال في البرنامج أيضا، إن أمين المجلس الإداري، يجهل كل حيثيات الطريقة التي تم بها كراء حانتين وحديقة للألعاب، وكلها في ملكية المجلس ؟؟؟ مع أن مدا خيل هذا الأكرية تفوق العشرين مليون سنتيم في الشهر، إلا أنها لا تدخل في حسابات المجلس ؟؟ وأنها تسلم نقدا ؟؟ و لمن ؟؟ الله أعلم ؟؟؟ وأن الأمين لا يأخذ علما بها ؟؟... إن يقال ذلك، مبثوثا على الهواء مباشرة، فليس لهذا من معنى، إلا أن المصرحين به قد تحملوا مسؤوليتهم، ووجهوا اتهاما مباشرا، بالتصرف في مالية المجلس بسوء نية ؟؟ وينتظرون من النيابة العامة تحريك الدعوى العمومية.. فهل تفعل ؟؟ أن يتهم المتدخلون المجلس الإداري ، بالغموض والاحتيال ، والتواطؤ مع بعض رؤساء فرق الأومنيسبور ، للاستحواذ على 100 قطعة أرضية تبرعت بها «ليراك» سابقا، على المحتاجين من اللاعبين، وبعض الفعاليات التي ساهمت في بناء مجد الرياضة المكناسية ؟؟ غموض في توزيع 42 قطعة منحت لفرع كرة القدم ؟؟ وخمس قطع لفرع كرة السلة ؟؟ وخمس أخريات لفرع الكرة الطائرة ؟؟ والجمباز ؟؟ و..و..؟؟؟ فكل هذا الاتهام يستوجب فتح تحقيق ، بل يلزم النيابة العامة بتحريك الدعوى العمومية .. فهل تفعل ؟؟ أن يعاد على لسان المتدخلين ، الاستنكار و التنديد بالصفقة المشبوهة التي فوت بها مقر السوق التجاري «لابيل في» .. والتي ضيعت على المجلس مبالغ مهمة قدرت بأكثر من ثمانية مليارات ؟؟ وعائدا شهريا لا يقل عن ثلاثين مليونا ؟؟ أن يتم فضح هذه الصفقة ثانية، فهو لوحده يتطلب تدخل النيابة العامة، التي طلب منها ذلك عبر رسالة مفتوحة في هذه الجريدة، قبل سنوات، فلم تفعل ؟؟ فهل تفعل الآن ؟؟؟ أن نسمع في البرنامج بأن حديقة الألعاب، مكتراة بما دون خمسة آلاف درهم في الشهر، وأن المجلس الإداري هو الذي كان يؤدي فاتورة الماء والكهرباء ؟؟ بعد أن ربط الحديقة بعداده هو، وكأن ما تستهلكه حديقة الألعاب من ماء وكهرباء، ما هو إلا استهلاك لإدارة النادي ..؟؟ وأن نسمع أيضا أن امرأة تكتري منزلا صغيرا داخل الملعب الشرفي، كان في السابق مرفقا من مرافقه ؟؟ وأن الأمين يتبرأ من هذا الكراء ويعلن عدم علمه به، وكذا عدم توصله بعائدات كرائه ؟؟ أن نسمع كل هذا، ولا نرى في الأفق أية إشارة، لا من لدن السلطات المحلية، ولا من طرف القضاء، ولا من طرف الوزارة الوصية، أية إشارة..؟ فهذا معناه أن ما نص عليه الدستور من ربط جدلي بين المسؤولية والمحاسبة، يظل شعارا فارغا بدون مضمون .. وأن ما نص عليه الدستور في الجعل من القضاء سلطة مستقلة، يصبح بدون معنى، ما دامت النيابة العامة تتلكأ في تحريك الدعوى العمومية .. لكن هل مازال هناك من مبرر لاستمرار تغاضيها وسكوتها ؟؟؟ جمال الدين الناجي، إلى اليوم، وقد ولج إلى عوالم مسؤوليات دولية رفيعة، وعبر فوق بساطات حمر دولية عدة، قبل أن يستقبله ملك البلاد ويعينه مديرا عاما للإتصال السمعي البصري التابع ل «الهاكا»،، جمال، إلى اليوم لا يزال بذات الطفولة البكر التي صنعته في أحياء درب السلطان بالدارالبيضاء، بذات الحرارة في الحديث، بذات الإنطلاق الصادق في التعبير عن الموقف، بذات الإنحناءة، وضم الأصابع، لأجل لي عنق الإقناع عند من يتوجه إليه بالخطاب، وتكاد تحسه أنه يقتطع الكلمات من جسده كي يقدمها لمخاطبيه قربانا أنها كلمات صادقة نابعة من القلب. والجدية لها ثمن. والثمن كان مسارا متلألئا في المجال الذي انخرط فيه بعشق وأخلص له، والذي كان اختيار حياة: الصحافة. ولأنها قليلا ما تكون وفية كمهنة مع كل معتنقيها، خاصة في بلد مثل المغرب، لأنها مهنة جحود، فإن حظه أنها كانت معه وفية وقابلته بذات الوفاء، لكن في سماوات أخرى بعيدة، حيث ثقافة الإعتراف سلوك حياة. كان ذلك في كندا وفي لندن وباريس أكثر من الرباط. وكانت قمة ذلك، قبل مسؤوليته السامية الجديدة، تعيينه أستاذ كرسي لليونيسكو في مجال الإعلام بإفريقيا. وحين نقول إفريقيا، فالرجل من أرسخ الخبراء في العالم حول المشهد الإعلامي الإفريقي، ليس فقط في شقه الفرانكوفوني (وهنا قوة ذكاء الرجل) بل في شقه الأنغلوساكسوني أساسا. مثلما أنه من أهم الباحثين المتخصصين اليوم في مجال «أخلاقيات المهنة» ودفاتر التحملات والنصوص القانونية المقارنة المؤطرة للممارسة الإعلامية عبر العالم. فمع جمال الدين الناجي، تجد واقع سنغافورة وكوريا الجنوبية، متجاورا معلومات وتقنيات ونصوصا مؤطرة، مع واقع غانا وجنوب إفريقيا وكينيا. ومعه تكتشف، بل تتعلم، كيف أن العديد من شعوب قارتنا المعطاء المظلومة، قد قطعت أشواطا هائلة في دمقرطة مشهدها الإعلامي بما يتوافق ودفتر تحملات الإعلام المهني الرصين الحر والشفاف في العالم. وأننا مغربيا نكاد نكون في آخر الصف مقارنة مع المنجز المتحقق في تلك الجغرافيات الإفريقية، خاصة الأنغلوساكسونية. وليس اعتباطا أن اختارته الفرق البرلمانية المغربية منذ أكثر من سنتين لقيادة الحوار الوطني حول الإعلام والمجتمع، والذي أعطى اليوم كتابا أبيض، هو خارطة طريق متكاملة، غنية في يد أي صاحب قرار سياسي، يمتلك شجاعة ترجمة روح ذلك الكتاب في المشهد المغربي العام لإنتاج القيم، سياسيا وإعلاميا. وقوته أنه كتاب تأسيسي بامتياز. جمال الدين الناجي، الذي ولد في نونبر 1948، بدرب سبانيول بدرب السلطان، غير بعيد عن القصر الملكي، بالزنقة 17، الدار 21، بمحاداة شارع بني مغيل، غير بعيد عن سينما «الزهراء» العتيقة.. والذي كبر بعد ذلك بالزنقة الشهيرة لدرب بوشنتوف (الزنقة 26)، الشهيرة بما أعطته من فنانين وكتاب ومسرحيين، من طينة ثريا جبران والفنان الراحل محمد الحياني.. والذي درس في مدرسة بوشنتوف (السكويلة)، التي كان يديرها المربي الذائع الصيت في كل الدارالبيضاء حينها الأستاذ زروق.. والذي كان فضاء شيطنة الصغر لديه هو «سوق جميعة» الذي لا يزال قائما إلى اليوم بذات الرواج وبذات السلوك في التربية العمومية التواصلية.. والذي أخيرا كان جارا للبيت الذي اعتقل فيه الشهيد محمد الزرقطوني، وأيضا شابا مواضبا على مقهى «بغداد» (مقهى الخلص من محبي فريق الرجاء بدرب السلطان).. جمال الدين الناجي، بهذا التراكم في التجاور مع رمزيات عدة، كان شيئا طبيعيا أن يحلق سياسيا في اليسار، وأن يكون الإصطفاف لديه إلى جانب «أولاد الشعب»، بعد أن كان اصطفاف الآباء في ذات الحي والفضاءات إلى جانب «أولاد الوطن» زمن الإستعمار. من هنا الحرارة التي تسكن العين دوما عند جمال، بل إنها حرارة تكاد تكون مرضا محبوبا لديه، أن يكون دوما مصطفا في ضفاف مثل اليسار الخالدة. ومثل هؤلاء الرجال لا خوف منهم، لأنهم واضحون، وأساسا صادقون. ومنذ غادر الدارالبيضاء، لإتمام دراسته في الصحافة، بالمعهد العالي للصحافة بالرباط، وكان من جيل استثنائي بكل المقاييس في ذلك المعهد، لأن العديد من زملاء صفه أصبحوا وزراء وسفراء ومسؤولي دولة كبار، ومنهم من طواه الموت ومنهم من انسل باكرا إلى صمت الكأس والنسيان.. منذ ذلك السفر البكر لمغادرة مدينته العمالية، كانت مواقفه رسولا عنه، أن هذا الفتى لن يلين، وأنه يمتلك ما يكفي من الذكاء كي ينجح في تبليغ رسالته. وكذلك كان. فبعد تجربة في الصحافة المكتوبة بالفرنسية وتجربة في وكالة المغرب العربي للأنباء، هاجر في زمن الإنغلاق السياسي الحقوقي والمهني بالمغرب، إلى حيث هاجرت كفاءة مغربية أخرى وازنة من طينة الراحل الطاهر بلعربي العلوي: كندا. هناك درس الصحافة وعمل بها ورسخ علاقاته الدولية أكثر، حتى أصبح اليوم مرجعا لا يستغنى عنه لدى كل المنظمات الدولية ذات الصلة بالإعلام المغربي والعربي والإفريقي والمتوسطي، قبل أن تختاره اليونيسكو أستاذ كرسي عنها في مجال تدريس الشق الحقوقي والقانوني لمهنة نبيلة وخطيرة مثل مهنتنا الصحافة. وللحقيقة، فحين تصطف وجوه الإعلام المغربي، في امتداد صفحة التاريخ، نجد خطا بيانيا واضحا لقمم سامية تسامت هنا وهناك، في هذه الفترة أو تلك، منذ سعيد حجي وماقبله، إلى العربي الصقلي وعبد الجبار السحيمي وما بعدهما، وفي تلك الصفحة، سيظل راسخا منها، كمعنى خاص، عال، إسم جمال الدين الناجي. وفي مكان ما حين يتأمل المرء صورة استقباله من الملك إلى جانب امرأة نبيلة، خلوقة، عالية الرمزية في السلوك الحقوقي، مثل الأستاذة المريني، نكون أمام لحظة مغربية عالية القيمة للإنصاف. وأيضا، لأنه في مكان ما، مهنيا، قد أوتي القوس باريها.