تواجه حكومة بنكيران مجموعة من الانتقادات من طرف نواب المعارضة بعدما اكتفت بانتقاء مجموعة من مشاريع القوانين التنظيمية لعرضها على البرلمان ,غاضة الطرف عن مشاريع أخرى تعتبرها المعارضة قوانين مؤسسة لإعادة هيكلة المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي في أفق تطبيق الدستور الجديد الذي لا يمكن تفعيله دون المرور عبر هذه القوانين التي من شأنها أن تمأسس الحياة السياسية. والبرلمانيون يرون أن الطبيعي هو فتح الطريق أمام القوانين الهامة و التي ينبغي أن تكتمل في بنودها العريضة والأساسية في الولاية التشريعية الحالية. كما يرى البرلمانيون في فرق المعارضة على الخصوص أن الحكومة بتماطلها في وضع هذه المشاريع على سكة المصادقة هو في حد ذاته تراجع عن وعود الحكومة بأن تعمل بمبدأ إشراك البرلمان والفاعلين السياسيين والجمعويين ومنظمات المجتمع المدني في الورش التشريعي الكبير، حيث يتبين للعيان أن الحكومة بممارستها هذه تعطي الانطباع في حرصها على تقديم نصوص دون أخرى مستعملة في ذلك آلية التصويت السريعة لتمريرها تحت ضغط دكتاتورية الأغلبية العددية، الشيء الذي انعكس سلبا على الأداء البرلماني، وجعل الأداء الحكومي ينخرط في قضايا، يرى المراقبون أنها مفرطة في الشعبوية من خلال اختيار الواجهة الإعلامية، كواجهة للتمظهرات البعيدة عن مفهوم التفعيل الديمقراطي للدستور، زد على ذلك أن وزراء العدالة والتنمية ركبوا مركبا فرديا، متناسيا مبدأ التشارك سواء في الفضاء البرلماني أو الحكومي، هذا الأخير الذي بدأ يعرف تصدعا، يؤشر عن الارتباك واللانسجام الواضحين، مما يبين أن حجة الحكومة «كونها منبثقة من صناديق الاقتراع» جعلتها ترتخي في قضايا اعتقدت أنها ستشكل عائقا في ركوب مركب الشعبوية نحو الانتخابات المحلية التي تعتبرها صمام الأمام لاستحقاقات 2016 التشريعية. أحمد الزايدي رئيس الفريق الاشتراكي: نحن أمام الاستقواء بالأغلبية العددية بتمرير قوانين في غاية الحساسية مسألة عرض القوانين الجاهزة أمام البرلمان، تحتاج إلى رؤية سياسية وإلى مشروع متكامل سياسي اقتصادي واجتماعي. وهذا يتطلب من الجانب الحكومي في نظرنا تحويل الوعود التي جاء بها البرنامج الحكومي إلى مشاريع متناسقة، وللأسف الشديد هذا التناسق وهذه المشاريع الاجتماعية لا نجدها في الممارسة الحكومية التي تجاوزت الأربعة أشهر. فالارتباك الذي تعيشه الحكومة يتمظهر في الجانب التشريعي بالذات، ففي اعتقادنا أن عدم وجود استراتيجيات مرتبطة بتنفيذ الأوراش الكبرى، يبقى مشروعا انتظاريا. ولتفسير ذلك نتساءل اليوم: ما هي مخططات الحكومة مثلا في قضايا تكتسي طابع الاستعجالية، المسألة تعليمية، الشغل، السكن، المجال الصحي، صندوق المقاصة، صناديق التقاعد. وغيرها من القطاعات، التي تفتقد إلى رؤية، لم تستطع الحكومة بلورتها لحد الآن في الارتباط بالتشريع، وليس هناك سرا في كون الحكومة لها الأسبقية في تشغيل البرلمان، من خلال المشاريع التي تأتي بها أمام المؤسسة التشريعية. صحيح أن هناك بعض القوانين وصلت للبرلمان ولكنها قوانين متعلقة بجوانب محدودة لا ترقى إلى قوانين مهيكلة تستطيع جذب مؤسسة البرلمان للاشتغال حولها. إلى جانب الفقر التشريعي الذي يطبع بداية هذه الولاية نجد أن المبادرات القليلة التي جاءت بها الحكومة، كالقانون التنظيمي المتعلق بالتعيين في المسؤوليات بالمؤسسات العمومية يبقى قانونا، الهدف من إعطائه الأسبقية واضحا لكونه يعطي صلاحيات التعيين في جانب من المؤسسات الاستراتيجية لرئيس الحكومة. وقد عبرنا عن وجهة نظرنا في هذا القانون وخاصة معايير إضفاء صفة الاستراتيجية على مؤسسات دون أخرى. ولا يفوتنا في هذا الخضم أن نشير إلى مبادرة أخرى جاءت بها الحكومة بشكل سريع يبعث على الدهشة ألا وهي دفاتر التحملات المتعلقة بالقنوات العمومية للإعلام السمعي البصري. فإذا أضفنا إلى هاذين المبادرتين التصريحات المتعلقة بنشر لوائح مأذونيات النقل غير الكاملة، ونجد أن التوجه واضح. التعيينات، السيطرة على الإعلام العمومي، دغدغة مشاعر المواطنين، فيما يتعلق بمحاربة الفساد، تلك هي سمات التي تطبع عمل الحكومة، مما يجعلها تعطي للجانب الحزبي الأسبقية على أولويات ما ينتظره الشارع المغربي، إذ أن محيط بناية البرلمان الذي كان جانب منه فقط يضم وقفات المعطلين، اليوم كل البناية محاطة شرقا وجنوبا وشمالا وغربا، بقوافل المحتجين على مختلف المستويات. بل ان هناك من استقر نهائيا للنوم في العراء في محيط البرلمان كما هو شأن مجموعات العسكريين الذين كانوا في معتقلات البوليساريو. نعتقد بأن الحكومة كان أولى بها أن تنكب على مواضيع عاجلة وحارقة، بدل إلهاء المجتمع بتصريحات لا تسمن ولا تغني من جوع. شاوي بلعسال رئيس فريق الإتحاد الدستوري: الركود والانتظارية يعطي الانطباع بأن الحكومة ليست في عجلة من أمرها صحيح أن هناك ارتباك واضح في سلم الأولويات لدى الحكومة. ويبدو هذا جليا من خلال التأخير الذي بلغ حدا لا يطاق بالنسبة لمشروع قانون المالية، فالركود والانتظارية اللذان يميزان البلاد، يعطي الانطباع بأن الحكومة ليست في عجلة من أمرها... في حين جاء تقديم دفاتر التحملات بالنسبة لقنوات القطب العمومي على عجل، وكان من المفروض إنضاج المواقف بخصوص هذه الدفاتر قبل عرضها. ويكفي اليوم، أننا نناقش القانون التنظيمي المتعلق بالتعيين في المناصب السامية قبل القانون التنظيمي الذي ينظم أداء ووظائف الفريق الحكومي... وكان من باب الأولى والأحرى أن يسبق هذا المشروع ما نناقشه اليوم... يبدو أن هناك ثمة استعجال غير مبرر في بعض الأحيان على حساب قضايا أخرى كتنظيم قطاع النقل، الصفقات العمومية، التشغيل، وإجراءات ملموسة للنهوض بالعالم القروي... يبدو الموقف الحكومي وكأنه متلهف لإثارة قضايا من شأنها دغدغة الرأي العام، في الوقت الذي يتعين فيه الإنكباب على إشكاليات التنمية في البلاد بالمسؤولية التي يحتمها الانتقال من المعارضة إلى التسيير. عبد اللطيف وهبي رئيس فريق الأصالة والمعاصرة الحكومة تعرقل عملها بنفسها في غياب الإعمال بالدستور المجهود التشريعي يحتاج إلى وجود رؤية كيفية إدارة الحكومة ورؤية للنتائج المتوخى الوصول إليها. والحكومة الحالية تفتقر إلى انسجام، ويلاحظ عليها ولوجها لبعض القضايا الهامشية المرتبطة ببعض الحركات الإعلامية، تغييب القضايا الكبرى، وخاصة التشريعية التي تعتبر من صميم عمل الدولة. ولهذا فالأغلبية الحالية لم تستطع أن تنتقل من دور أحزاب سياسية إلى دور الدولة، الشيء الذي يجعلها تتصرف كقوة حزبية عوض قوة الدولة، وهذا مرتبط بطبيعة الأشخاص الذين يريدون الآن السلطة التنفيذية. أنا أعتقد أنهم لو تخلوا عن هذه الحركات الإعلامية، والمواقف التي يستهدفون فيها الانتخابات المقبلة، واهتموا بقضايا الدولة بشكل أكبر، لقدموا أشياء كثيرة. ولكن غياب رؤية رجال الدولة، وأي عمل جدي يعتمد على إعادة هيكلة الدولة وفقا للمتطلبات الدستورية الحالية، هو الذي يجعلهم لا يستطيعون أن ينتجوا مشاريع قوانين، وان ينتجوا خطط عمل لإخراج البلد من الأزمة التي هي فيها. وأول القوانين التي نعتبرها بأنها ذات أهمية، أولا أن يكون هناك أجرأة وإعمال النص الدستوري. وغياب هذا الإعمال بجعل الحكومة تتخبط في دستور واسع، يحتاج إلى قوانين تنظيمية لإعماله. مما يجعلها تعرقل عملها بنفسها، وهذا يشكل إحدى العرقلات الأساسية لعمل الحكومة، كعمل دولة، نتيجة عدم قدرتها على إعمال النص الدستوري، الذي يحتاج أولا إلى رؤية سياسية،وإلى فكر دولة ويحتاج إلى التقلص من الفكر الحزبي إلى فكر رجل الدولة وامرأة الدولة. وفي إطار تغييب القوانين التنظيمية، وبناء على تساؤلكم حولها، خاصة قانون الوظيفة العمومية، أذكر أن محمد اليازغي سبق أن أثاره في الحكومة السابقة، حينما صدر قانون رجال السلطة وفصل عنه الموظفين. إنا رجال السلطة وضع لهم قانون، والموظفين وضع لهم قانون، ولازال يطبق عليهم القانون القديم الذي يمنعهم من إنشاء نقابة. الآن عندما نضع القانون نضع له ميزانية، وحينما نضع القانون تضع له تصور سياسي، وخطة عمل طويلة الأمد، وبناء على اتفاق على مستوى الأطراف. والحكومة المالية لا تستطيع أن تجد ميزانية، ولا أن تنجز تصورا سياسيا وليس لهم الوقت لاتخاذ الفرصة الكافية لإيجاد هذا القانون. ولهذا فنحن نعتقد أن مثل هذا العمل يحتاج إلى رؤية ومسؤولية سياسية. هل تستطيع الحكومة الحالية تحملها، ووزراء فيها يحتاجون إلى الحفاظ على مواقعهم من خلال خطاب شعبوي يتوجهون به إلى الانتخابات المقبلة التي يحلمون بها، ويريدون من خلالها ضمان انتخابات 2016 البرلمانية، دون الإكثرات بمصلحة الوطن والمواطنين.