وقفت هيلين ماكغلون أمام القاضي السكوتلندي وعرضت عليه إحدى صورها رفقة مجموعة من الأطفال الأيتام بالمغرب وقالت: «انظر كم أبدو سعيدة!». شغف هيلين بالأطفال لم يأت اعتباطا، بل هو نابع عن قرار شخصي اتخذته لتحدي الموت الذي كان يتربص بها بين كل لحظة وحين. ومنذ علمها بإصابتها بسرطان عنق الرحم وهي تفكر في طريقة تثبت بها أنها قادرة على تحدي الخوف والقيام بشيء يجعلها تزرع البسمة على شفاه الآخرين وتصنع الحياة. قبل بضع سنوات، كانت هيلين متألقة في دراستها، حيث حصلت على شهادة التقدير الأولى في الفيزياء والرياضيات التطبيقية بجامعة غلاسغو، لتليها شهادة الماستر ثم الدكتوراه في مجال علوم الفيزياء الدقيقة. إثر تخرجها، اشتغلت بالمنظمة الأوربية للأبحاث نووية بجنيف. وظلت في ذلك المنصب إلى حدود شهر يناير من سنة 2008، تاريخ اكتشاف إصابتها بسرطان عنق الرحم، وهو الاكتشاف الذي جاء بمحض الصدفة، حيث أصيبت بجرح في أحد أصابعها بينما كانت في المطبخ، لكن الدكتور الذي فحص يدها دعاها لإجراء فحوصات شاملة. وكانت صدمتها كبيرة عندما أخبرها الطبيب السويسري بأنها في مراحل متقدمة من الإصابة بالسرطان. فأخبرته بأنها أجرت اختبارات طبية في سكوتلندا في دجنبر 2005 ومارس 2006، دون أن يخبرها الأطباء ببوادر الإصابة. صدمة هيلين ستتعاظم والأطباء السويسريون يخبرونها بأن المرحلة المتقدمة التي بلغها المرض تستدعي استئصال الرحم! وهو ما تم بالفعل، لتباشر بعد ذلك جلسات مكثفة للعلاج الكيميائي. لكن الأطباء كانوا يصارحونها بأن أملها في الحياة يظل ضئيلا، وقد تغادر هذا العالم في ظرف أربعة أشهر على أكثر تقدير. اضطرت هيلين للتخلي عن عملها فقدان فرص عمل أخرى كانت قد تلقت عروض بشأنها، غير أن «الخسارة الكبرى»، كما عبرت عن ذلك، تظل هي فقدانها القدرة على الإنجاب: «عندما أرى أطفالا يلعبون في الحديقة، أشيح بوجهي بعيدا عنهم. كنت أعشق الأطفال، لكنني كنت أتألم جراء فقدان هذه النعمة. إنها خسارة كبيرة، وألم كبير.» وفي إحدى جلسات العلاج، سألت هيلين أحد الأطباء المشرفين عليها عن الطريقة التي يتعامل بها الأشخاص المصابون بالسرطان والذين بلغوا مراحل أسوأ منها. فكانت إجابة المعالج: «لقد كانوا يقفون في وجه المرض.» تقول: «عندما كنت مريضة، أتذكر أنني قلت لصديقي: ‹أنا في السابعة والعشرين من العمر، وسأموت عما قريب. لكنني لم أقم بأي شيء في حياتي.› أجابني بالقول: ‹لقد حصلت على ماستر وعلى الدكتوراه›. لكنني قاطعته قائلة: ‹هذه الأشياء لا تعني شيئا... هذه ليست هي الحياة›.» ظلت هيلين تتذكر مشهدا من فيلم سكوتلدني يظهر فيه الممثل بيلي كونولي محاطا بمجموعة من الأطفال والسعادة تغمره. فقررت ألا تتهرب من مواجهة المرض، وأن تعانق الحياة رغم ما يقوله الأطباء من اقتراب موعد رحيلها، وكان أن انخرطت في العمل الخيري، وتسافر إلى كل من كينيا، فييتنام والمغرب، حيث قضت فترات في مساعدة الأطفال الأيتام والمتخلى عنهم في الخيريات. وكانت بالفعل تشعر أنها تعيش الحياة وتقوم بشيء ما من أجل الآخرين. وهو ما ساهم بالفعل في رفع معنوياتها وجعل جسدها يستجيب للعلاج. وقوفها بداية هذا الأسبوع أمام المحكمة وعرض صورتها مع أطفال إحدى الخيرات في المغرب، جاء خلال عرضها لقصة مرضها ومعاناتها، مطالبة بالحصول على تعويض بقيمة خمسة ملايين جنيه إسترليني نظير الخطأ الذي ارتكله الطاقم الطبي السكوتلندي الذي فشل في تشخيص مرضها في مراحل متقدمة، وهو ما كان من شأنه أن يجنبها عملية استئصال الرحم.