خبراء يكشفون دلالات زيارة الرئيس الصيني للمغرب ويؤكدون اقتراب بكين من الاعتراف بمغربية الصحراء    تخليد الذكرى ال 60 لتشييد المسجد الكبير بدكار السنغالية    بعد صدور مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالان.. الرباط مطالبة بإعادة النظر في علاقاتها مع إسرائيل    قلق متزايد بشأن مصير بوعلام صنصال    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    رئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم: "فخور للغاية" بدور المغرب في تطور كرة القدم بإفريقيا    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    عندما تتطاول الظلال على الأهرام: عبث تنظيم الصحافة الرياضية        طقس السبت.. بارد في المرتفعات وهبات ريال قوية بالجنوب وسوس    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط    الموت يفجع الفنانة المصرية مي عزالدين    وسيط المملكة يستضيف لأول مرة اجتماعات مجلس إدارة المعهد الدولي للأمبودسمان    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    غارات إسرائيلية تخلف 19 قتيلا في غزة    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    موتسيبي يتوقع نجاح "كان السيدات"    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    ضمنهم موظفين.. اعتقال 22 شخصاً متورطين في شبكة تزوير وثائق تعشير سيارات مسروقة    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة        الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها        مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    مشروع قانون جديد لحماية التراث في المغرب: تعزيز التشريعات وصون الهوية الثقافية    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل أخطأ الوزير، مصطفى الخلفي، الطريق؟

النقاش الدائر حول محتوى دفاتر التحملات بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة وصورياد «دوزيم»، لا يهم الكثير من المواطنين ولايعيرونه اهتماما، لأن ما يهمهم هو الحفاظ على عاداتهم اليومية في التعامل مع «التلفزة»، عبر متابعة مسلسلات مغربية وتركية ومكسيكية، وبرامج أخرى يعتبرونها قريبة منهم، سواء في هذه القناة أو تلك. وتتكرر الحكاية لديهم يوميا إلى أن تتغير المسلسلات بأخرى وهكذا دواليك...
النقاش حول هذه الدفاتر تحول من نقاش تقني، حول التزامات متبادلة بين الحكومة وهيئات الاتصال السمعي البصري العمومي، إلى مسلسل في الصحافة من خلال هجوم إعلامي متبادل، وتهديدات بالعزل والطرد في حق قيادات إعلامية، اعترضت على بعض الأمور التقنية في هذه الوثائق.
بدأت الحكاية بإعلان وزير الاتصال عن محتويات دفاتر التحملات، في ندوة صحافية يوم الجمعة 30 مارس الماضي. كان فيها المتحدث الوحيد فأطال في شرح مضمونها، وقدم إحصائيات وأرقاما ومقارنات، بنى عليها مجموعة من الافتراضات القابلة لكل الاحتمالات.. وحين اطلعت على دفاتر التحملات، استقصيت أراء بعض الزملاء المهنيين العاملين بالقطاع، وكان رد أغلبهم بأنهم لم يستشاروا في تفاصيل هذه الوثائق، بل إن بعضهم لم يكن له علم بها أصلا، إلى أن خرجت إلى العلن...
فمن صاغ إذن هذه الدفاتر؟ وهل حررت في مكاتب مغلقة؟ ولماذا تم تغييب المهنيين من كلا القناتين؟ هل هو خوف من معارضتهم لمضمونها؟ أسئلة لا يمكن الإجابة عنها إلا بعد تشريح مفصل لبعض بنود هذه الدفاتر، لنكشف عن مكامن الخلل فيها ونقاط الاختلاف حولها...
كان من المفروض أن يكون بجانب الوزير في الندوة الصحافية رئيس القطب العمومي والمدير العام للقناة الثانية، لأنهما معنيان مباشرة بهذا الموضوع، لكنه فضل أن يقدم عرضه وحيدا، وهي أول إشارة دالة على أن الأمور لاتسير على ما يرام...
للتذكير، كانت إدارة الشركتين، الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة وصورياد «دوزيم» ومهنيوها شركاء أساسيين في إعداد دفاتر التحملات الخاصة بسنوات (2006 2008) و (2009 2011) بتنسيق وإشراف من الوزيرين السابقين محمد نبيل بنعبدالله وخالد الناصري، وهما اللذان أسسا لثقافة التشارك بمفهومها الإيجابي الواسع في هذا القطاع، وهذا أمر لا يمكن نكرانه أو تجاوزه.
لكنهما في نفس الوقت تجنبا التدخل المباشر في تسييره أو التأثير فيه، احتراما لاستقلالية القرار المهني لهذه المؤسسات، التي تتولى تنفيذ سياسة الدولة في الإعلام السمعي البصري العمومي. وحتى قبل ذلك التزم وزيرا الاتصال الأسبقين محمد العربي المساري ومحمد الأشعري، خلال فترة حكومةالتناوب ( 1998 2002) بعدم التدخل رغم أنه كان من حقهما ذلك، بحكم وصايتهما المباشرة على الإذاعة والتلفزة (( RTM والقناة الثانية «دوزيم».
لكنهما لم يفعلا بل أسسا لمبدأ الاستقلالية التي يتمتع بها القطاع منذ أزيد من أربع عشرة سنة، وخصوصا بعد انحسار الهيمنة المطلقة التي كانت لوزارة الداخلية على القطاع.
ومن أجل إعطاء حرية أكبر لهذه المؤسسات، صدر القانون المنظم للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري في غشت 2002 ، الذي زكى ضمنيا استقلالية هيئات الاتصال السمعي البصري العمومي عن الحكومة...
أثناء تقديمه لدفاتر التحملات، حرص السيد الوزير في كل مرة على التذكير بأنه يقوم بتنزيل الدستور، وقال في إحدى المرات، موجها حديثه على الأرجح إلى مدراء القطب العمومي «بيني وبينكم الدستور». وعلى كل حال فإن تنزيل الدستور ليست مهمة الوزير لوحده، وأن التوجه نحو رؤية أحادية لتنزيل الدستور تعتبر تعسفا في تفسير بنوده..
تنزيل الدستور إيجابيا، هو التكريس لمكتسبات المهنيين في هذه المؤسسات وتعزيز استقلاليتهم. التي يحميها الدستور.
إن الدفاع عن استقلالية هذا القطاع، ليست منوطة فقط بالمهنيين العاملين أو المسؤولين عنه، بل هي أيضا من مهام الحكومة، التي تحاول بعض مكوناتها الاستفراد بالقرار في هذا المجال الحيوي والعودة بالقطاع إلى الوراء...
وتدخل الوزارة يلغي أوتوماتيكيا استقلالية هذه الشركات، ويقبر نهائيا فكرة تطوير القطب العمومي.. كما يعتبر أمرا شاذا في ظل دستور جديد ومسار ديمقراطي كان من المفترض أصلا أن تلغى فيه وزارة الاتصال.
أتذكر أنه خلال سنوات هيمنة وزارة الداخلية على الإذاعة والتلفزة أن إدريس البصري عين رجال سلطة مديرين مسؤولين بهذه المؤسسة لأزيد من 17 سنة.. لا أريد أن أقارن بين الحالتين، فلا قياس مع وجود الفارق كما يقول الفقهاء، فهيمنة إدريس البصري الأمنية دمرت الإذاعة والتلفزة ولازالت أثارها بادية إلى الآن.. فلنستفد من العبرة، ونجعل إعلامنا السمعي البصري إعلاما ليبراليا، حرا وملتزما بقضايا الوطن والمواطنين. بعيدا عن أية وصاية سياسية أو إيديولوجية و كإعلاميين لا يمكننا أن نلدغ من الجحر أكثر من مرة، فقد عشنا تلك الفترة الحالكة والطويلة في شبه حصار فكري وإبداعي ونفسي أدى بالعاملين بالإذاعة والتلفزة في نهاية الأمر إلى الانتفاض، وكانت بوادر ذلك في سنة 1993، أثناء المناظرة الوطنية للإعلام التي نظمها إدريس البصري لإيجاد مخرج مشرف له للتخلص من ورطة الإعلام، التي وضع نفسه فيها عندما تم تعيينه وزيرا للداخلية والإعلام في نهاية 1985 .
ولقد قامت النقابة الوطنية للصحافة المغربية بقيادة تلك الانتفاضات ما عجل بانطلاق الإصلاحات وذلك بعزل مدير القناة الأولى من منصبه في نهاية 1999 .
مسلسل الإصلاحات حقق نتائج كثيرة وإيجابية، كما أفرز مشاكل أخرى تتطلب مقاربة مغايرة يفرضها التطور المهني والتكنولوجي السريع. ونتمنى أن يستمر مسلسل الإصلاحات في ظل حرية الإبداع واستقلالية القرار.. رغم أن بوادر الانتكاس والتراجع تبدو واضحة وجلية...
يصر وزير الاتصال في تصريحاته على القول بأنه استشار كافة المهنيين، وجميع الأطراف المتدخلة في الإعلام السمعي البصري.. لكن وجهة نظر بعض الأطراف المهنية الأساسية، تؤكد أن المشاورات كانت حول جزء من هذه الدفاتر فقط. وبصفة عامة فإن الانطباع السائد هو أن الوزير أقصى المهنيين والأطراف السياسية في الأغلبية والمعارضة، من إعطاء تصوراتهم وأفكارهم وملاحظاتهم، خصوصا أن هذه الدفاتر أعدت في إطار دستور جديد، وانتخابات تشريعية شفافة ونزيهة، أفرزت حكومة جديدة، كان من واجبه أن يأخذ بعين الاعتبار الاجماع الوطني الحاصل حول هذه الاستحقاقات، وأجواء الحماس التي مرت فيها وأن يعمل على خلق توافق مهني وسياسي من أجل تمرير هذه الوثائق بطريقة ديمقراطية، لأن الأمر يتعلق في الأخير بقطاع استراتيجي يملكه كل المغاربة وليس الحكومة فقط.. لكن يبدو أن الأطراف السياسية الأخرى المكونة للحكومة قد تم إقصاؤها هي أيضا من المشاورات.. كان حريا بالوزير أن يفتح نقاشا سياسيا ومهنيا واسعا من أجل تحقيق إجماع حول هذه الدفاتر. وهذه مسؤولية وزارة الاتصال...
كان بإمكان الوزارة نظرا لضيق الوقت الفاصل بين تنصيب الحكومة في أوائل يناير، والإعلان عن دفاتر التحملات في نهاية مارس الماضي، أن تؤجل إعداد هذه الدفاتر لعدة أشهر مع تمديد العمل بدفاتر التحملات السابقة، حتى يستوعب الوزير المجال الحساس الذي عُين فيه للتعرف على تناقضاته ومشاكله وإنجازاته، ما سيساعده على وضع استراتيجية متوسطة المدى بعد نقاش هادئ ومسؤول.
ففي أقل من ثلاثة أشهر انغمس وزير الاتصال على ما يبدو بحماس في ملفات لا أول لها ولا آخر، وسط ضغط يومي مرتفع تغذيه وتيرة العمل المتسارعة من أجل إعداد دفاتر جديدة، ولكن برغبة دفينة في إضفاء لمسة الوزير...
وتيرة العمل هذه مع ضغط الوقت، بدا فيها الوزير وفريقه كأنهم في سباق 100 متر،.. الشئ الذي أدى إلى عدم ضبط بعض الالتزامات ومواعيد تنفيذها كتلك المتعلقة بالموارد البشرية المؤهلة وبمجموعة من القضايا المهنية والتقنية، وبدل أن تكون هذه الوثائق عبارة عن خارطة طريق واضحة وملزمة قام الوزير بتضمينها تقريبا كل شئ وتحميلها ما لا تستطيع، ما أوقعه في تفاصيل عديدة ستربك تنفيذها لأنها تحولت إلى ما يشبه شبكة للبرمجة...
ومباشرة، بعد إعلان المسؤولين المدبرين للقطاع عن وجهة نظرهم علانية، والتعبير عن آرائهم حول هذه الوثائق من موقع مسؤولياتهم، انتفضت قواعد حزب العدالة والتنمية (ولماذا فقط العدالة والتنمية) على طريقة انصر أخاك ظالما أو مظلوما، وتم نعتهم بالبوليس الإعلامي، ومناهضي التغيير، وإعلام المخزن والعلمانيين ولوبيات الفرنكوفونية.. وأنا متأكد بأن هؤلاء الأشخاص لم يقرؤوا محتوى هذه الوثائق ذات الطابع التقني والمهني، بل إن غريزة التضامن فقط مع الوزير والمناضل، هي التي دفعت بهم إلى التعبير عن مواقفهم المتشنجة...
نقط الخلاف في دفاتر
التحملات بالقناة الثانية
عندما خلق المرحوم الملك الحسن الثاني القناة الثانية كقناة خاصة سنة 1989، وحتى عندما أمر الحكومة بدعمها وإخراجها من أزمتها، وفتح بثها للعموم سنة 1997 . لم يغير خطها التحريري وسمح بأن تبقى برمجتها منفتحة أكثر، متمتعة بهامش من الحرية في تناول القضايا الوطنية. الشئ الذي رفع من إقبال المواطنين عليها، واستطاعت أن تحافظ على نسبة مشاهدة مرتفعة، في ظل منافسة شرسة في المغرب والخارج وخصوصا في أوربا.
كان بإمكان الملك الحسن الثاني آنذاك، أن يجعل منها نسخة من القناة الأولى، لكنه فضل أن تبقى قناة عامة منفتحة ومختلفة بتنوعها. فالتلفزيون في المغرب جزء من القطاع العام، وكل قناة فيه تؤدي وظيفة وهدفا، والقناة الثانية بهويتها التي اكتسبتها منذ 23 سنة، لا بأس أن توجه إلى المغاربة كلهم وبالخصوص المفرنسين منهم.
السيد الوزير فرض في الدفاتر الجديدة الخاصة بالقناة الثانية وإذاعة دوزيم، النقل المباشر لصلاة الجمعة وصلاة العيدين. وهي نفس الأنشطة التي اعتادت تقديمها القناة الأولى، والإذاعة الوطنية، والإذاعة الأمازيغية منذ عقود. بالإضافة إلى أن هذه الأنشطة تقدم أيضا في القناة السادسة وفي قناة تمازيغت، فما هي الفائدة المرجوة من ذلك؟ وما هي القيمة المضافة التي ستستفيد منها القناة؟ فهل متتبعو هذه القناة بحاجة إلى جرعة دينية أم هم ناقصو عقل ودين؟ كل المغاربة مسلمون والإسلام في بلدنا شأن عام لا يمكن احتكاره كما جاء في الدستور. وتقديم برنامج ديني هنا أو هناك لن يزيد في إيمانهم أو ينقص، بل ستشكل برمجة هذه الأنشطة فائضا لامبرر حقيقي له، كما أنه لم يسبق أن اشتكى المواطنون من هذا الأمر، مع العلم بأن النقل المباشر لهذه الصلوات تقوم به القناة الأولى نظرا لطابعه الرسمي ولحضور جلالة الملك هذه المراسيم، كما تقوم دوزيم بتغطيتها في نشراتها الإخبارية.
الجانب الديني يحضر بشكل لافت في القناة الثانية والقناة الأولى وقناة تمازيغت وهذا أمر عادي، البرامج المقترحة في دفاتر التحملات هي برامج توجيهية دينية ويومية هدفها «تحفيز الاجتهاد والإفتاء في القضايا المعاصرة» كما جاء في دفاتر التحملات. ملاحظتنا على هذا الاقتراح، هل هي تكرار لبرنامج ركن المفتي الذي كانت تبثه القناة الأولى لأزيد من 20 سنة؟ وهل الإفتاء من صلاحية أي «فقيه» في هذه القنوات؟ وهل ستصبح هذه القنوات ميدانا للصراع في قضايا الافتاء بين شيخ من هذا التيار وشيخ من تيار آخر؟ وهل سيفتحون الباب للرد مثلا على فتاوى الفقيه الزمزمي والفقيه النهاري؟ مع العلم بأن المجلس العلمي الأعلى وهو المؤهل لإصدار الفتاوى...
القضايا التي طرحها وزير الاتصال بخصوص حذف فقرة الإعلان عن نتائج اللوطو وطوطوفوت بالقناة الثانية، سيلحق خسائر بنموذجها الاقتصادي، كما أنه سيؤثر على مداخيل وزارة الشباب والرياضة من هذه الألعاب كما يعرف الجميع. وأظن أن التسرع في اتخاذ هذا القرار، جاء بناء على مبررات غير واقعية. ويطرح أيضا مسؤولية من يملك حق التقرير في مثل هذه الأمور التي فُتح فيها المقال للحديث عن القمار والحرام والحلال، رغم أن المقام ليس مناسبا، في غياب دراسات علمية واجتماعية تبرز التأثير «السلبي» على الأطفال المغاربة كما أشار إلى ذلك السيد الوزير.
وكان من الضروري مناقشة هذا الأمر في جانبه الاقتصادي والرياضي والاجتماعي، قبل حذف هذه الفقرة الإعلانية بجرة قلم.. وبالمناسبة فقد أدلى مولاي إسماعيل العلوي الأمين العام السابق لحزب التقدم والاشتراكية في حديث لجريدة «أخبار اليوم» باجتهاد حول هذا الموضوع ملخصه أن المذهب المالكي يبيح ألعاب الرهان والمسابقات...
أثار تغيير توقيت نشرة الأخبار باللغة الفرنسية جدلا واسعا واعتراضا من المهنيين، ليس لأنهم علمانيون أو مدافعون عن الفرنكوفونية كما ادعى بعض المعترضين المتربصين، ولكن لأن برمجة هذه النشرة في موعدها سيسمح لمشاهدي القناة من المغاربة والأجانب من متابعة أخبارها، كما أن الجالية المغربية بأوربا تتابعها نظرا لتوقيتها المناسب لهم. ورغم أن مبررات الوزير تبدو واقعية لإزاحة هذه النشرة من مكانها. ولكنها مبررات غير مضمونة النتائج.
فمنافسة «الجزيرة» وغيرها من القنوات يتطلب عملا دؤوبا، وإمكانيات مادية وتقنية لا تتوفر عليها قنوات القطب العمومي حاليا.. المنافسة أساسها المهنية والاستقلالية والحرية في تناول جميع قضايانا الوطنية بكل تجرد ومسؤولية.. وكذلك التخلص من النوايا المسبقة والأحكام الجاهزة، ومحاولة فرض القيود على حرية التعبير والإبداع.. وقد حاول بعض الزملاء الربط بين العلاقة المتوترة التي كانت بين دوزيم وحزب العدالة والتنمية وقرارات الوزير، لكنني لا أتفق مع هذا الطرح، لأن مسؤولية الوزير تفرض عليه بصفته مؤطرا للقطاع أن يتعامل بدون خلفيات أو تصفية حسابات مع أي كان.. رغم أن اقتراحاته في دفتر التحملات بخصوص القناة الثانية ذهبت بعيدا فيما يسمى «بالإصلاح» بدل أن يعتمد التدرج في ذلك، وهو ما سيؤثر على جوهر القناة وهويتها التي اكتسبتها منذ أزيد من 23 سنة، حيث ألزمها دفتر التحملات الجديد أيضا بتقديم نشرة جهوية يومية، وهو أمر جيد لكنه لا يتناسب مع الخط التحريري العام للقناة، وسيشكل عبئا إضافيا على كاهلها. وبما أن بلادنا مقبلة على تطبيق الجهوية الموسعة فعلى الحكومة أن تفكر جديا في إنشاء قناة عامة رابعة تهتم بقضايا الجهات بدفاتر تحملات تحدد خطها التحريري وترصد لها الإمكانيات البشرية والمالية والتقنية الضرورية...
النقط المثيرة للجدل
في دفاتر التحملات بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة
لم تثر دفاتر التحملات الخاصة بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة لغطا كبيرا كالذي أثارته تلك الخاصة بالقناة الثانية، رغم أن هناك مجموعة من القضايا التي تحتاج إلى تعريف ومناقشة.
بالنسبة للأخبار، تم إلغاء نشرات الأخبار بالفرنسية والإسبانية نهائيا من شبكة البرامج لسبب غير معروف، وأظن أن خسارة إلغائهما أكبر من القيمة التي يمكن أن نربحها من فكرة عشوائية، هي محو اللغات الأجنبية من محيطنا الإعلامي، الذي تمثل القناة الأولى نسبة مهمة منه.
النشرة الفرنسية ظهرت مع ظهور التلفزيون في المغرب المستقل أي منذ حوالي خمسين سنة...
وأظن أن الحاجة إلى هذه النشرات لازالت قائمة، لأننا بلد منفتح والقناة الأولى يتابعها مغاربة مفرنسون سواء في المغرب أو عبر البث الفضائي.
وفي القناة الأولى دائما تمت برمجة نشرات إخبارية موضوعاتية تتعلق بالاقتصاد والرياضة والثقافة والأحداث الجهوية. فكرة تقديم هذه النشرات هي استجابة مهنية لموضوع سبق أن طرح عدة مرات، لأن هذه الأنشطة الإخبارية يتم تغييب بعضها رغم أهميتها من النشرات الإخبارية اليومية، ما عدا أخبار الرياضة التي تستأثر بالقدر الكافي من التغطية.
أظن أن الأخبار تبقى أخبارا، ومبدأ تقديمها إلى المواطن في حينها وبسرعة، هو أساس العمل الصحافي، بدل أن تقدم بعد مرور أسبوع عليها لتصبح «كالخبر البايت».
فالأخبار الاقتصادية والثقافية، نظرا لأهميتها من المفروض أن تكون ضمن النشرات الإخبارية اليومية للقناة، بدل التخلص منها في نهاية الأسبوع، وبذلك نكون قد قمنا بالواجب اللازم...
وأظن أن تخصيص طاقم إخباري متكامل لهذه النشرات المباشرة، سيشكل عبئا على هيئة التحرير التي تعاني أصلا من خصاص في الصحافيين والأطر التقنية الفنية.. وبدل أن تقدم هذه النشرات في تلك الصيغة لماذا لا تتم برمجتها في أوقات مناسبة؟ في شكل مجلات إخبارية، تقدم الأخبار والتحليل في المجالات المذكورة يقوم بمتابعتها فريق مهني أقل ويتم تسجيلها وبثها وإعادة بثها في الأوقات الملائمة لذلك.
وبالنسبة لرفع مستوى بث قنوات تمازيغت والسادسة والمغربية إلى 24 ساعة فهو أمر جيد بطبيعة الحال، ولكن إضافة ساعات بث جديدة ربما ستتضاعف إلى أكثر من النصف في بعض القنوات سيطرح إشكالا أمام البرمجة، التي ستتضاعف لديها مواعيد إعادة بث البرامج المغربية لعدة مرات، ما سيسقط هذه القنوات في عملية تكرار ستتحول بالضرورة إلى ما يسمى لدى المهنيين «بالتعمار».
وكذلك الأمر بالنسبة للإذاعات الجهوية، التي ألزمتها دفاتر التحملات بتقديم ثلاث نشرات إخبارية عامة على الأقل كل يوم، تقدم فيها الأخبار الوطنية والجهوية، كما تم تمديد بث مدة الإذاعات إلى 24 ساعة، والكل يعرف أن هذه الإذاعات لا تتوفر على الموارد البشرية المؤهلة الكافية. ورغم ذلك لازالت صامدة وتحقق نسبة استماع مهمة، في مواجهة منافسة حادة من طرف الإذاعات الخاصة. ولتحقيق نتائج مهنية إيجابية من هذا التمديد، يجب توفير الظروف المواتية، والاعتمادات المالية الضرورية...
هذا الأمر يحيلنا على أجندة تطبيق هذه الإصلاحات، التي لم تأخذ بعين الاعتبار الخصاص الحاصل في الموارد البشرية المؤهلة، وكذلك ظروف العمل والإمكانيات التقنية والمالية التي يجب توفرها قبل تحديد الأجندة، التي سيعاني المهنيون من تطبيقها إذا احتفظت بنفس المواعيد المعلنة.
وما أثار انتباهي في المادة « 51 » الخاصة بالبرامج الدينية بقناة تامازيغت، هو التنصيص على أن تمثل برامج التربية الدينية 10 بالمائة من الشبكة المرجعية اليومية للقناة، ما يعني أن تخصص القناة ساعتين و24 دقيقة كل يوم لهذه البرامج. أن تخصيص كوطا لبرامج التربية الدينية فقط بهذه القناة، يطرح تساؤلا حول عدم تخصيص كوطا لبقية البرامج الأخرى، ولماذا هذا الاستثناء في القناة الأمازيغية ؟؟؟
تحويل قناة المغربية إلى قناة إخبارية أمر جيد وقد حان الوقت لذلك، وأظن أن توفير البنية التقنية والمالية، والموارد البشرية من صحافيين وتقنيين فنيين، سيعجل بانطلاق هذا المشروع في أقرب فرصة، وبما أن هذه القناة ستكون نافذة لمغاربة العالم في أي مكان - وكيفما كانت اللغة التي يتحدثون بها للتعريف بالمغرب كما جاء في المادة «2» من دفتر التحملات التي تحيلنا على تصدير الدستور، وفي تصديره الذي يدعو إلى تعزيز مقومات الهوية المغربية، بمختلف مكوناتها، الحضارية وروافدها الثقافية، بما فيها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية.
وبناء على مقتضيات الدستور، فإنه من الواجب على مختلف هيئات الاتصال السمعي البصري، وخصوصا قناة «المغربية» و«الإذاعة الدولية» أن تنفتح على هذه الروافد، بما فيها رافد الثقافة اليهودية المغربية، وذلك بتخصيص برامج ونشرات إخبارية، موجهة لليهود المغاربة باللّسان العبري ذي الخصوصيات المغربية، للحفاظ على التواصل مع مئات الآلاف من المغاربة اليهود، الذين يعيشون في مختلف بقاع العالم والذين يشكلون قوة اقتصادية وسياسية يجب استثمارها، وللتعريف كذلك بثقافة مغربية تكاد تندثر .
مع الإشارة إلى أن مجموعة من خريجي وطلبة الجامعات المغربية درسوا اللغة العبرية ويمكن الاستفادة منهم.
وفي الختام قدمت هذه القرآة ولو متأخرا، لأن النقاش العمومي حول دفاتر التحملات فتحته الصحافة بعد ردود الأفعال المتباينة حولها، من طرف الوزارة والمسؤولين عن القطاعات الإعلامية العمومية. وأتمنى أن تكون هذه الخلاصات التي تحتمل الصواب على الخطأ مفيدة للقارئ والمهتم.
(*) الكاتب العام
للنقابة الوطنية للصحافة المغربية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.