استعادت مراكش ذكرى الاعتداء الإرهابي الذي استهدف قبل سنة مقهى أركانة بقلب ساحة جامع الفنا. و استحضرت صباح السبت 28 أبريل 2012 في حفل مهيب أرواح ضحايا هذا التعسف الشنيع على الحق في الحياة في مدينة ظلت رمزا تاريخيا ببلادنا للتعايش والتسامح. تخليد هذه الذكرى المؤلمة، الذي احتضنته عرصة البيلك المجاورة لساحة جامع الفنا، تميز بالرسالة الملكية السامية التي ألقاها مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، والتي جدد فيها جلالة الملك مشاعر التضامن والتعاطف مع أسر الضحايا، مؤكدا أن أن هذا العمل الإرهابي الشنيع لم يستهدف المغرب ومدينة مراكش فقط، وإنما استهدف يائسا، أيضا، ما يجمع بلادنا بدول صديقة تربطها وشعوبها بالمملكة أواصر متينة من التشبث بالقيم المثلى للإخاء والتضامن والتواصل والتفاهم والديمقراطية والتقدم. وقال جلالته في رسالته السامية «إننا نجدد إدانتنا وبكل قوة للإرهاب المقيت بكل أشكاله، ومهما كانت دوافعه وأسبابه، لكونه يتنافى مع القيم الإسلامية السمحة ومع المبادئ الكونية السامية التي تقدس الحق في الحياة الذي حرصنا على تكريسه في صدارة حقوق الإنسان، كما هو متعارف عليها عالميا في الدستور الجديد للمملكة.» كما أكد جلالته على التزام المغرب الراسخ بمواصلة انخراطه الفعال في الجهود الجهوية والدولية الهادفة للتصدي للإرهاب، هذه الآفة العابرة للحدود، والتي لا دين لها ولا وطن، ومحاربة شبكاتها وعصاباتها الإجرامية بلا هوادة، والعمل على تجفيف منابعها. وقال جلالته في رسالته السامية: «إننا حريصون على أن يظل المغرب، بحول الله وتوفيقه، وبإرادة جميع أبنائه، واحة أمن واستقرار، ومنارة مشعة للحوار والسلم، والتسامح والتفاعل الإيجابي بين مختلف الديانات والثقافات والحضارات. وستظل مدينة مراكش الفيحاء، بفضل شهامة ونبل وبهجة سكانها، وكرم ضيافتها، وعراقتها التاريخية وانفتاحها على كل الحضارات، القلب النابض للسياحة المغربية، وملتقى للتواصل والتعارف والتفاهم، وقبلة لضيوف المغرب الكرام من مختلف الشعوب والأقطار، حيث يجدون فيها، على الدوام، ما تهفو إليه قلوبهم من طمأنينة وسلام، وما تصبو إليه نفوسهم من راحة واستجمام، وما يخالج مشاعرهم من مودة ووئام .» الحفل الذي عرف مشاركة وفود رسمية ممثلة للدولة التي سقط أفراد من رعاياها في الحادث الإرهابي المذكور، وخاصة فرنسا التي مثلت بوزيرها في العدل، وكذا هولاندا وسويسرا وبريطانيا وكندا، الذين مثلوا بسفراء بلدانهم، إضافة طبعا إلى المسؤولين المغاربة، تميز بالتعبير عن الإصرار المشترك على نبذ الإرهاب ومناهضة الحقد والكراهية بكل أشكالها والانتصار لكل ما يعزز قيمة التعايش وحب الحياة والتسامح الجميل. ممثلو أسر الضحايا، الذين استحضروا بتأثر بالغ أرواح الأبرياء، الذين سقطوا في هذا الفعل الغادر، جددوا مناهضتهم للكراهية التي لا تنتج إلا الكراهية، مؤكدين أن مشروع الإرهابيين لن يكتب له إلا الفشل، لأن الأسرة الإنسانية مستميتة من أجل مكاسبها الحضارية المتمثلة في القيم السامية التي تضمن العيش المشترك والتفاعل الإيجابي البناء الذي يرفع التنوع والاختلاف إلى مستوى المكاسب الثمينة التي تغني التجربة الإنسانية وتحررها من الميولات الظلامية اليائسة التي لا هم لها سوى النيل من حرية البشر وازدراء كرامتهم و بخس قيمة الحياة و نبذ التعايش . المشاركون في الحفل أعلنوا مرة أخرى أن الظلامية والتطرف والحقد الأعمى لن يكون له موطئ قدم بالمغرب الذي أنجز تاريخه على قاعدة الإعلاء من شأن التعايش والانفتاح والتسامح الذي تكرس كثقافة وأسلوب في الحياة يمارس يوميا من قبل كل شرائح المجتمع المغربي. فقرات حفل تخليد ذكرى الاعتداء الإرهابي على أركانة تضمنت، أيضا تدشين نصب تذكاري يحمل أسماء الضحايا الذين قضوا في هذا الحادث المؤلم بحديقة عرصة البيلك من قبل وزير العدل الفرنسي ووزير الداخلية ووزير العدل والحريات المغربيين. كما تضمن، أيضا، إطلاق الحمام كرمز للسلام وتقديم الورود لعائلات الضحايا، وأداء أغنية تخيل للمغني العالمي جون لينون من قبل الفنان جون هاينس ووضع أكاليل الورود قرب النصب التذكاري لضحايا الحادث من قبل الشخصيات المشاركة وعزف النشيد العالمي لضحايا الإرهاب من قبل الفنانين المغربين يوسف قاسمي جمال ومحمد رشدي، إضافة إلى أنشطة أخرى . وكان هدوء جامع الفنا قد مُزق صباح الخميس 28 أبريل 2011 إثر تفجير مقهى أركانة مخلفا 17 قتيلا و21 جريحا من المغرب و جنسيات أخرى .