إن النساء العاملات وهن يحتفلن بعيد الطبقة العاملة يستحضرن بعض الجوانب المضيئة في مسيرتهن النضالية إلى جانب النساء المغربيات. فالمرأة العاملة قبل أن تكون عاملة فهي أم زوجة ربة بيت بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني المسؤولية العائلية، امرأة اكتوت كغيرها من النساء المغربيات بنار الحيف الذي طالها لسنوات عدة على المستوى الحقوقي، السياسي الاقتصادي والاجتماعي، ناضلت إلى جانب أخواتها في الجمعيات النسائية والحقوقية والمنظمات النقابية والحزبية، انتشت كغيرها من النساء المغربيات وهي ترى بعضا من ثمار نضالها يتحقق في السنوات الأخيرة: * مدونة الأسرة بما تحمله من مساواة وإنصاف لكل مكونات الأسرة. * مدونة الشغل المبنية على مبدأ المساواة بين الجنسين في فرص التشغيل والأجر المتساوي وحماية الأمومة. * الاستراتيجية الوطنية لإدماج مقاربة النوع الاجتماعي في السياسات القطاعية. * تعديل قانون الجنسية الذي جاء لأنصاف المرأة المغربية المتزوجة بأجنبي. * الإعلان عن 10 أكتوبر كيوم وطني للمرأة المغربية * الرفع من تمثيلية النساء في الاستحقاقات الجماعية من نسبة % 0.56 إلى % 12 أي الانتقال من 127 مستشارة إلى 3200 مستشارة في انتخابات 2009. * قبول المغرب بسحب تحفظاته عن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ، باعتبار هذه التحفظات متجاوزة بفضل التشريعات المتقدمة التي أقرها المغرب. * الدستور الجديد وما تضمنه من إقرار بالمساواة والمناصفة وعدم التمييز بين الجنسين تستحضر النساء العاملات هذه المكتسبات في ظل أزمة اقتصادية حادة جاءت لتعميق معاناتهن اليومية مع الخروقات السافرة لمقتضيات مدونة الشغل والمس بالحريات النقابية. فرغم إقرار مدونة الشغل بالمساواة في الأجور فإن أجور الشغيلة النسائية تقل ب %25 إلى % 30 عن أجور الذكور بالإضافة إلى اشتغال %90 منهن دون عقد شغل. أما البطالة المرتفعة وسط النساء فتصل إلى 20.3% مقابل 13.1% (% 39.9 من الحاصلات على تكوين مقابل 29.3% عند الذكور من نفس المستوى ) وستزداد لا محالة بعد تسريح العديد من النساء العاملات في معامل النسيج والجلد وفي قطاع السياحة في ظل الأزمة الاقتصادية التي لا يمكن التحكم في مدتها ومداها. إن النساء العاملات هن الأكثر تضررا من النظام العالمي الجديد ومن الأزمة الاقتصادية الحالية لأن تواجدهن في سوق الشغل مطبوع بالهشاشة والدونية. فظروف الفقر تدفع بالعديد من النساء إلى قبول أي عمل، وهذا ما يفسر تواجد نسبة كبيرة من النساء في القطاع غير المهيكل الذي لا يخضع لقوانين الشغل وشروط السلامة المهنية والصحية (حالة روزامور)، يشتغلن ساعات غير محددة وفي أماكن تفتقر إلى أبسط الشروط الإنسانية وبدون حماية اجتماعية. كثيرة هي النقط السوداء في حياة المرأة العاملة ، تجترها في صمت تارة وفي احتجاج تارة أخرى، من تحرش جنسي في أماكن العمل قد يفقدها عملها أو يمنع عنها ترقية ما، ناهيك عن أثاره النفسية و الاجتماعية التي قد تمزق أسرا بكاملها، معاناة لا يعرف حدتها وخطورتها إلا مراكز النجدة لمساندة النساء ضحايا العنف بالإضافة إلى معاناة يومية من ضعف الخدمات التي تقدم للعاملات لمساعدتهن على العمل كمنتجات وكأمهات وربات أسر، فرغم ما تنص عليه مدونة الشغل من توفير دور الحضانة ورياض الأطفال بالمؤسسات الانتاجية أو بالقرب منها، فإن هذا المقتضى لا يفعل وتظل العاملات يوميا في حيرة أين يتركن فلذات أكبادهن. معاناة مع المواصلات في غياب وسائل النقل الخاصة بالشركات والمعامل، فيكفي أن يستيقظ الواحد منا باكرا ويقوم بجولة في أنحاء الدارالبيضاء مثلا ليرى قوافل النساء العاملات وهن يتوجهن إلى العمل مشيا على الأقدام في أجواء من الخوف وانعدام الأمن. أما إذا تجرأن وطالبن بحقوقهن وانخراطن في العمل النقابي فإن مآلهن المضايقات اليومية التي قد تنتهي بالطرد من العمل لأن العديد من المقاولات لا تعترف بالعمل النقابي. فمن يحمي هؤلاء العاملات ومن ينصفهن؟ أمام هذا الوضع الذي لا تحترم فيه القوانين تجد النساء العاملات أنفسهن مضطرات للجوء إلى النقابات بحثا عن حلول لمشاكلهن إلا أن العديد منهن ينتابهن الشعور في غالب الأحيان بعدم جدوى الانخراط النقابي هذا الشعور الذي يعود أساسا إلى: 1. عدم حضور المطالب الخاصة بالنساء العاملات ضمن الملفات المطلبية للمركزيات النقابية، فلا زالت هذه الأخيرة تركز على ما هو مشترك بين العاملات والعمال ولا زال تفعيل مقاربة النوع ضعيفا لديها بكل ما تعنيه هذه المقاربة من إنصاف ومساواة واستحضار لحاجيات كلا الجنسين في استراتيجيات وخطط عمل المنظمات النقابية. 2. تعرض العديد من العاملات للمضايقات التي تصل إلى حد التسريح من العمل في حالة انخراطهن في نقابة معينة وقد برهنت العديد من العاملات عن صعود منقطع النظير للدفاع عن حقوقهن، فتخوف أرباب العمل من العمل النقابي يعود إلى كونهم لا يرغبون في تفعيل مدونة الشغل رغم أنها تشكل الحد الأدنى المتفق عليه بين الحكومة وأرباب العمل والنقابات وكذلك للإبقاء على الطابع الاستغلالي في علاقتهم بالإجراء ولكون مفهوم النقابة كشريك غير وارد، فلا زالت النقابة تشكل عدوا يجب محاربته. 3. صعوبة ولوج النساء العاملات إلى مواقع المسؤولية في القطاعين العام والخاص نظرا للنزعة الذكورية التي لازالت سائدة في الأوساط النقابية (والتجربة أثبت أنه حينما تغيب المرأة عن مواقع القرار تغيب معها قضاياها) ولعدم تبني هذه المنظمات لآليات وإجراءات عملية تفعل مبدأ التمييز الإيجابي. أعتقد أنه أن الأوان لتنظيم حملة واسعة من أجل حقوق المرأة العاملة تنخرط فيها كل القوى الحية ببلدنا جمعيات نسائية حقوقية قوى ديمقراطية، منظمات نقابية من أجل: - الضغط للمصادقة على اتفاقية 87 المتعلقة بالانتماء النقابي. - احترام الساعات القانونية في المقاولات (فهناك عاملات يشتغلن 10 ساعات إلى 12 ساعة في اليوم). - توفير فضاء داخل المؤسسات الإنتاجية لتناول وجبة الغذاء، بدل تناولها في مداخل العمارات أو على الأرصفة المحاذية للمقاولات مما يعرض العاملات للعديد من المخاطر. - الضغط من أجل التصريح بالعاملات لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والتصريح بحقيقة الأجر. - توفير دور الحضانة ورياض الأطفال بالمؤسسات الانتاجية أو بالقرب منها تفعيلا لما تضمنته مدونة الشغل. - تفعيل دور مفتشي ومفتشات الشغل وأطباء الشغل. - تأطير النساء العاملات وتقوية قدراتهن ليتمكن من مواكبة التطور الاقتصادي والصناعي. - متابعة ملفات التحرش الجنسي وإيلاؤها الاهتمام اللازم ومن المفيد الاستعانة بالنساء كمفتشات للشغل لتسهيل عملية التواصل مع النساء العاملات. - خلق مراكز الاستماع ومساعدة النساء العاملات ضحايا العنف بمقر المنظمات النقابية أو بتعاون مع الجماعات المحلية. - وضع آليات تمكن النساء من الوصول إلى مواقع القرار في المؤسسات الانتاجية وفي القطاعات العمومية. - نشر ثقافة المساواة في صفوف منخرطي ومنخرطات المنظمات النقابية. - تكوين وتفعيل لجان المرأة في المنظمات النقابية لأنها الكفيلة بوضع برامج تستهدف العاملات تكوينا وتأطيرا. إن تفعيل مقاربة النوع من طرف المنظمات النقابية أصبح مطلبا ملحا لنا كمناضلات نقابيات وذلك بنقله من مجرد مبادئ وشعارات إلى آليات وإجراءات عملية تتحقق بها المساواة الفعلية بين الجنسين في الحسم النقابي، وتجعل مطالب النساء التي سجلنا بعضا منها حاضرة في الجولات الحوارية مع الحكومة ومع أرباب العمل، إنصافا للعاملات وحماية لهن من جميع أشكال الاستغلال والتمييز.