نشرت الزميلة الأسبوعية «الأيام» في عددها الصادر هذا الأسبوع، ملفا مفصلا حول الرئيس الجزائري الراحل أحمد بنبلة، عنونته ب: «حينما ترأس عبد الرحمان اليوسفي كوموندو لاختطاف أحمد بنبلة»، قدمت فيه معلومات تفيد أن الطائرة القادمة من المغرب والتي تحمل زعماء جيش التحرير الجزائري الخمسة، لحضور لقاء في تونس، قد كان مقررا أن يعقد هناك لقاء مغاربي يحضره الملك الراحل محمد الخامس والرئيس بورقيبة والقادة الجزائريون. مثلما تضمن معلومات تفيد أنه بعد الإنقلاب على الرئيس بنبلة من قبل رفيقه في السلاح ووزير دفاعه هواري بومدين، قرر الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي تنظيم عملية تحرير للرئيس بنبلة من مكان احتجازه وأن الراحل هواري بومدين علم بالأمر فاستدعى الراحل الفقيه البصري لإقناع اليوسفي بالعدول عن مخططه. وهي معلومات تنشر لأول مرة، مما اقتضى الإتصال بالأستاذ اليوسفي لمعرفة تفاصيل الأمر. حيث نفى الأمر كلية، مقدما تفاصيل أخرى تعرف لأول مرة. بخصوص قرار حضور الملك الوطني الراحل محمد الخامس إلى تونس، فقد كان فعلا أمرا واردا، وكان الإقتراح أن يسافر مع القادة الجزائريين إلى تونس، لكن جلالته لم يكن متحمسا لعبور الأجواء الجزائرية لأنه كان يؤكد أن السلطات الإستعمارية للمعمرين الفرنسيين بالجزائر جد متهورة وأنها قد تنزل طائرته عنوة. وكان الإقتراح من قبل قادة المقاومة وجيش التحرير المغربي هو اتباع الطريق المعتادة للوصول إلى تونس من قبل قادة المقاومة الجزائرية، أي عبر مدريد أو روما. وأنه كان المقترح هو التوجه من المغرب صوب مدريد ومنها إلى تونس أو التوجه إلى روما عبر مدريد ومنها إلى تونس. لأنه كان ذلك هو المسار الآمن المعتاد في السفر جوا. لكن القادة الجزائريين، بعد تراجع الملك الوطني محمد الخامس عن السفر، طلبوا الإنتقال عبر طائرة من المغرب مباشرة إلى تونس، فكان أن حجزوه في طائرة تابعة لشركة نقل فرنسية اسمها «إير أطلس»، لأن المغرب لم يكن يتوفر بعد حينها على شركة خطوطه الجوية المدنية الخاصة. فكان سهلا أن تصل المعلومة إلى المخابرات الفرنسية عبر تلك الشركة الفرنسية وكان الذي كان من القصة المعروفة لإنزال الطائرة بالقوة. أما بخصوص ما روج له من أن ولي العهد المغربي حينذاك، مولاي الحسن، الملك الحسن الثاني رحمه الله، قد كانت له يد في ذلك، فهذا أمر لا يسنده أي دليل وغير صحيح. وهذا مما يعزز ما سبق وصرح به المناضل الجزائري الحسين أيت أحمد (أحد القادة المعتقلين بالطائرة) من أن لا علاقة للملك الراحل بالأمر، مما يدحض أطروحة الصحفي المصري حسنين هيكل الذي كان قد نشر من قبل، أن للملك الراحل يد في ذلك. وتأتي هنا شهادة الأستاذ اليوسفي لتحسم الشك باليقين وتؤكد براءة العاهل المغربي الراحل من تلك التهمة الصحفية المصرية. أما عن قصة الكومندو الخاص لتحرير بنبلة، فالأمر يتعلق بمخطط تحريره من الإعتقال بفرنسا وليس بعد الإنقلاب عليه من قبل بومدين. حيث أكد الأستاذ اليوسفي قائلا بطريقته الخاصة في التعليق: «هذه معلومة أسمعها لأول مرة» (وضحك). الحقيقة يضيف الأستاذ اليوسفي أنه بلغ إلى علم قادة المقاومة المغربية أن المخابرات المصرية تخطط لتحرير قادة المقاومة الجزائريةبفرنسا، فربطوا الإتصال بالقاهرة وأقنعوهم أن الأمر لا يمكن أن يتم إلا عبر الحركة الوطنية المغربية، فتكفل اليوسفي شخصيا بالعملية وكان القرار الأول هو الحصول بداية على موافقة المعنيين بالأمر، أي القادة الجزائريين. فكان أن توجه اليوسفي إلى فرنسا وزارهم في السجن ونقل إليهم الفكرة، فرفضوها مطلقا. وبذلك وضعت نقطة النهاية للعملية كلها. وكانت نتيجة تلك الزيارات التي قام بها، وهو محام عنهم، أن طردته السلطات الفرنسية من فرنسا، بعد أن اعتقلته في القطار على الحدود بين فرنساوإسبانيا سنة 1958 لثلاثة أيام حققت معه فيها مطولا. وأن قرار الطرد استند على قرار طرد سابق، لم ينفذ، يعود إلى سنة 1951 وهو لا يزال طالبا بباريس، بعد دوره ضمن جمعية الطلبة المغاربة والمغاربيين بمناسبة زيارة محمد الخامس لفرنسا سنة 1951. وكان القرار حينها بدل طرده من فرنسا، طرده من باريس وعدم السماح له بإكمال دراسته بكلياتها وانتقل، بالتالي، إلى بواتيي حيث أكمل بجامعتها دراسة الحقوق. فاستندت السلطات الفرنسية على قرار الطرد القديم ذاك وطردته إلى إسبانيا سنة 1958 بغاية قطع صلته القوية مع قادة المقاومة الجزائرية المعتقلين عندها. علما أن اللحظة تلك صادفت في باريس أزمة ماي 1958 السياسية وعودة الجنرال دوغول إلى الحكم. ولقد أكد لنا الأستاذ اليوسفي أن ما قام به فعلا بعد الإنقلاب على بنبلة من قبل بومدين، هو تخصيص عدد من مجلة «جون أفريك» لحدث الإنقلاب والمطالبة بإطلاق سراح رفيقه في المقاومة والنضال المغاربي أحمد بنبلة، ونقل ذلك العدد من المجلة، عبر آلية خاصة، بأعداد كبيرة جدا إلى داخل الجزائر، عبر وجدة. وأن نفاذ الدفعة الأولى بسرعة قد جعل الإخوة الجزائريين يطلبون دفعة جديدة حملت إليهم بذات الطريقة. أما قصة تزعمه لكوموندو لتحرير بنبلة من أسره بالجزائر، فقد ضحك الأستاذ اليوسفي قائلا: «هذه معلومة أسمعها لأول مرة»، وأنه لا أساس لها من الصحة.