يعقد صندوق النقد الدولي اجتماعاته بشارع بنسلفانيا بواشنطن الأمريكية. و من بين المواضيع التي كانت محط مداولاته حالة إسبانيا في خضم أزمة تلوح في الأفق ، وهو سؤال يفرض ذاته كما جرت العادة في كل المؤتمرات والمحاضرات والندوات والملتقيات الدولية،إلخ باعتبار إسبانيا البلد الأكثر تضررا من الأزمة المالية التي يشهدها العالم. بلدان الاتحاد الأوربي وأمريكا تتخذ من إسبانيا فأر تجارب لتطبيق كل الخطط التي يرونها مجدية للتخفيف من حدة الأزمة. وكانت أول المخططات هي سياسة التقشف . هذا البرنامج الحكومي ذو الطابع الاقتصادي والذي يهدف إلى الحد من الإسراف من زيادة الإنفاق على السلع- التي لم تزد الشارع إلا احتقانا فنتجت عنه احتجاجات واسعة شملت كل المناطق. ولقد أكد أوليفييه بلانشار، العالم الاقتصادي ورئيس صندوق النقد الدولي ، خلال مداخلته حول التوقعات الاقتصادية العالمية أن السؤال المطروح لا يكمن في ضبط أوضاع المالية العامة، لكن ينبغي التساؤل عن كيفية التسريع بهذه العملية من أجل خطة إنقاذ ناجعة. وأضاف أن على الكل أن يتساءل : هل ستكون إسبانيا البلد المقبل الذي سيطلب النقد المادي؟ والى متى ستستمر مشكلة الديون التي تثقل كاهلها؟ وهل تستطيع الحكومة الإسبانية تقديم يد المساعدة ولو بقليل ؟، إلخ. ويرى ماريو براغي ،رئيس البنك المركزي الأوربي، أن السوق الأوروبية تحاول الموازنة بين سياسة التقشف ونسبة النمو الاقتصادي، وتناقش مدى فعالية ونجاعة تعديلات كل من أوروبا والولايات المتحدةالأمريكية وسعي صندوق النقد الدولي من أجل خطة انقاذ تخرج البلد من وحل الأزمة المالية. وأضاف فيل سوتل،عالم الاقتصاد ورئيس المعهد الدولي للتمويل والذي يضم البنوك الخاصة والرائدة في العالم وتربطه علاقة مباشرة مع صندوق النقد الولي ، أن إسبانيا تحولت إلى مختبر العمليات لإيجاد حلول لما تتخبط فيه أوروبا، وهي كلها تجارب نهايتها تثير الكثير من الشكوك. ويبقى من الواضح أن إسبانيا لم تستطع التقليص من ضغوط الأسواق الخارجية على الديون الإسبانية لا عن طريق الرفع من قيمة الضرائب، ولا تعديل السوق الذي بدوره أشعل فتيل الإضرابات وكان آخرها الإضراب العام الذي قامت به كل النقابات بدون استثناء، ولا قيمة 27000 مليون دولار التي تم اقتطاعها من ميزانية الدولة، ولا عن طريق التخفيضات الأخيرة في نفقات الصحة والتعليم التي بدورها هدأت جشع المستثمرين. وقال يورغ ديكريسن، من قسم التحليلات الاقتصادية بصندوق النقد الدولي، أن الحكومة الإسبانية وضعت خططا قوية لكنها لم تنفذ، على سبيل المثال فالقطاع المالي يحتاج إلى زيادة في مستويات رأس المال والسيولة، وهناك خطط في هذا السياق لكن لم تنفذ بعد والمفتاح هو التنفيذ حسب قوله. ويرى محللون أن ارتفاع نسبة العجز إلى 8,5% في سنة 2011 من أصل % 6 كان له تأثير قوي في الخارج، لهذا يتوجب على مناطق الحكم الذاتي الإسبانية التصدي لهذا الأخير بمزيد من الشفافية في حساباتها، وعلى إسبانيا أن تتخذ إجراءات فعالة في أقرب وقت وألا تكرر ما وقعت فيه الحكومة السابقة، وأن ترسم أهدافا واقعية وأن تقوم بتدابير ملموسة كما فعلت المملكة المتحدة والتي من شأنها أن تخفف الضغط الذي تعاني منه الجزيرة الإيبيرية على غرار مثيلتها من البلدان الأوربية. ويرى خبير في القطاع المالي أن برنامج الاستقرار التي تنوي الحكومة الإسبانية أجرأته خلال الأيام المقبلة، يعد الفرصة الأخيرة وإن فشل فالنتائج ستكون وخيمة، ويضيف أن عدم وجود مخططات ملموسة في أفق 2013 ينذر بانخفاض قدره ثلاثة أعشار من نسبة العجز (أي من 6% إلى7 5 %). ويضيف أنه بدون مزادات البنك المركزي الأوروبي الخاص بتوفير السيولة وذلك خلال شهر دجنبر وفبراير، فإن الحكومة الإسبانية لن تستطيع الانتظار حتى شهر مارس لتقديم ميزانيتها. وللإشارة فإن لويس دي غيندوس، وزير الاقتصاد الإسباني، سيكون له اجتماع مع المستثمرين يوم الاثنين المقبل في نيويورك، ليدلي لهم بمخططات الحكومة الجديدة.