أستحضر هنا ماوقع بين قاض وضباط من الدرك الملكي بالأوداية بمراكش، حيث صدرت تعليمات عن المسؤول الأول عن جهاز الدرك بمراكش ونواحيها بمعاقبة أربعة دركيين، بينهم ضابط رئيس دورية و إيداعهم الحبس الإداري بالسرية، إثر خلاف وقع بينهم وبين أحد القضاة، وجوهر الخلاف الذي عوقب عليه هؤلاء كونهم أصروا على تطبيق القانون في مواجهة الشخص الماثل أمامهم كيفما كان وضعه الاعتباري. ملخص الواقعة بحسب ماصرحوا به خلال الاستماع إليهم هو أنهم أوقفوا سيارة السيد القاضي بعد مخالفته لقانون السير وطالبوه بالإدلاء بوثائق السيارة، فرفض الامتثال إليهم ، بحسب تصريحهم، وفي الأخير أقنعوه بضرورة تسليمهم الوثائق ليكتشفوا حينها أن شهادة الفحص التقني منتهية الصلاحية، كما أن السيارة في اسم شخص آخر. أخبروه بأنهم سيأمرون بقطر السيارة إلى المستودع البلدي إلى حين إحضاره شهادة الفحص التقني، إلا أنه ثار في وجههم، وأخبرهم بأنه قاض، وعندما طالبوه ببطاقته المهنية، للتأكد من هويته الحقيقية، رفض مدهم بها، واتصل، في المقابل، بأحد نواب وكيل الملك، الذي ربط الاتصال بأحد رؤساء الدركيين، فصدرت تعليمات من أجل الاعتذار إلى القاضي، وتسليمه وثائقه. بعدها توجه القاضي إلى مكتب الوكيل العام للملك واشتكى له مما اعتبره «تصرفات مهينة» تعرض لها من طرف الدركيين، فاتصل الوكيل العام للملك بالقائد الجهوي، وعبر له عن استيائه من تصرفات الدركيين، ليجد القائد الجهوي للدرك بالمنطقة نفسه مضطرا إلى اتخاذ قرار يرضي القاضي والوكيل العام للملك، بإصدار تعليمات بإيداع الدركيين الأربعة الحبس الإداري. الملف رهن التحقيق الآن لمعرفة الملابسات الحقيقية للواقعة، حيث وجه الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بمراكش الاثنين الماضي ، مراسلة إلى القائد الجهوي للدرك الملكي بالمدينة، يطالبه فيها بإيفاد تقرير حول الملابسات الحقيقية للنزاع. أعتقد أنه من الواجب إحداث تعديل وتغيير في مدونة السير بالشكل الذي تتماشى معه مع «نزوات» بعض القضاة والوكلاء وبعض المسؤولين الأمنيين ببلادنا والذين يعتبرون أنفسهم فوق القانون! أظن بأنه من الواجب على عناصر الدرك والأمن العمومي أن يتحركوا لإصدار قوانين تعفيهم من تسجيل مخالفات في السير في حق هؤلاء لكي لايعرضوا أنفسهم للتأنيب والتأديب وطلب الصفح من مسؤول قام بخرق القانون فقاموا بعملهم الذي يفرضه عليهم القانون! أستحضر هنا ملاحظة وجيهة لأحد النواب المحترمين خلال الولاية التشريعية السابقة، والتي أشار فيها إلى مفارقة عجيبة - خلال مناقشة مشكل حوادث السير ومدونة السير- وهي أن لائحة المخالفات المسجلة على الطريق في المدار الحضري أو خارجه لاتضم أسماء أناس يشتغلون في السلك القضائي بصنفيه ولا لرجال السلطة المحلية والأمن بأنواعه ولا للمسؤولين الكبار وأقاربهم وأصهارهم ..! وهو أمر يثير الكثير من التساؤل بالفعل، فإما أن كل هؤلاء من أشد الناس الملتزمين بالقانون، وهو أمر مستبعد، أو أن القوانين هنا وضعت لتطبق على المواطن المغلوب على أمره، والذي لا نفوذ له ولامظلة له تحميه..