قد يصعب الحديث عن الكتابة والتشكيل، نظرا لاتساع رقعة تناول هذا الموضوع، خاصة بالنسبة للباحثين والمهتمين الذين انطلقوا من تصورات ومناهج متعددة ومختلفة، فمنهم من اعتمد في تحليله على الجانب الفلسفي أو التاريخي أو الأدبي أو السيميائي أو الجمالي أو النفسي، ومنهم من جمع بين منهجين حسب ما أملته عليه طبيعة العمل، فكانت كل هذه الكتابات إيجابية نسبيا حسب مرجعية كل قارئ، بما أنها كانت تصب في عمق التجارب الموجودة في الساحة التشكيلية حسب أهميتها، محاولة تفكيك رموزها و دلالاتها، مما أعطى لهذه التجارب نفس الاستمرارية من زوايا متعددة شغلت جميع الشرائح المثقفة بكل اهتماماتها، غير أنه تبقى الصفة القريبة من تحليل العمل هي صفة الناقد المتمرس الذي يدخل في اعتبارات بحثه كل المناهج مع اختيار مركز للطريقة التي سوف يوظفها في تعامله مع طبيعة العمل وما يفرضه كمنهج ناجع قريب من تفكيكه ومناقشته موضوعيا. فندرة المراجع التشكيلية كمرجعية كتبية (Reference Livresque) حالت دون انتشار الكتابة التشكيلية، لذلك نعتبر كل كتابة سواء كانت انطباعية أو تقريرية في الموضوع، مؤسسة على مستوى التراكم الحاصل في هذا المجال، ومجهود يستحق العناية والتأمل، فالكتابة التشكيلية مرتبطة عضويا بالمرجعية البصرية والمشهدية في علاقتها بتاريخ الفن، ليس على سبيل التصنيف بل من أجل المقارنة خاصة بالنسبة للفن التشكيلي المغربي الذي أصبح (حسب رأيي الشخصي) يعكس هوية خاصة وغنية، تتعدد فيها إمكانيات لها علاقة بتنوع الأمكنة بدلالاتها و رموزها جغرافيا و ثقافيا و لغويا، والدليل على ذلك هو هذه الاستمرارية بما لها وما عليها لهذه الطاقات الشابة التي يجب تشجيعها، لإحداث تراكم كمي في انتظار إنتاج نوعي متميز و في انتظار كتابات متميزة هي الأخرى تساير أهمية العمل وترقى به لمستوى كوني. إن جل الكتابات حول التشكيل بالمغرب وبدون استثناء، كانت كتابات حوار و جوار لعبت دورا أساسيا في التعريف بإنتاج المبدعين من التشكيليين المغاربة، فمنها ما ارتبط بفترة زمنية محددة وعابرة، كان سندها هو المنبر الإعلامي من أجل الإخبار، وهي كتابات صحفية تم فيها التعريف بالفنان وإنتاجه، ثم كتابات تاريخية نادرة لباحثين كان سندها هو الكتاب (طوني ماريني، ألان فلامون، و موليم العروسي..نموذجا)، ليأتي دور الشعراء من أجل ربط جسر التواصل مع هذا الجنس الفني، وإبداع نصوص تدخل في إطار أدب التشكيل (محمد السرغيني، الطاهر بنجلون، مصطفى النيسابوري، حسن نجمي، محمد بنيس، محمد الوكيرة، ومحمد الأشعري..نموذجا)، وهي نصوص بلغة شاعرية تنهل من العمل المرئي لتؤثث فضاءا موازيا كمتسع للخيال يضيف نفسا جديدا لكلا الجنسين، ثم يأتي فيما بعد ذلك دور الأدباء، روائيين ومسرحيين أو ما أسميتهم بأصدقاء الفن والفنانين والذين أضفوا كذلك على التجارب المغربية التي تناولوها، صبغة انطباعية عاشقة أرخوا لها بشكل من الأشكال ضمن كتب أصبحت مرجعا وإضافة للمكتبة المغربية، (ادريس الخوري، حسن المنيعي و إدموند عمران المليح نموذجا). ومن أهم الكتابات التي مهدت لظهور كل الإصدارات في هذا المجال طبعا إلى جانب النقاد ك (المرابط، موليم العروسي، فريد الزاهي، عزوز تنيفس، سعيد الفقير، عبد الرحمن طنكول، سعيد عاهد، نور الدين محقق، ومحمد ربيعة ...) كانت لفنانين تشكيليين، بحكم اختصاصهم وارتباطهم بالأسئلة الحقيقية المطروحة، لإبراز نظرياتهم والتواصل مع المتلقي عبر المنابر الإعلامية، فكانت البداية التأسيسية في السبعينات والثمانينات عبر (مجلة أنفاس، جريدة أنوال، جريدة الاتحاد الإشتراكي، جريدة العلم، جريدة البيان، جريدة الأنباء، جريدة الميثاق الوطني، جريدة المنعطف، جريدة الصحراء المغربية، Liberation, L›Opinion. Le Matin...) كمنابر دشنت علاقتها بهذا الجنس من الكتابة التي أصبحت ضرورية لمسايرة الإبداع التشكيلي بكل أصنافه، لتقريب القطعة الفنية من المشاهد، ولبلورة خطاب جديد يدخل سياق الاهتمامات الحداثية والمثرية في أفق توسيع رقعة الحوار الثقافي بالمغرب، مع إمكانية تفاعل هذا الجنس المشهدي مع باقي الأجناس الأدبية المتنوعة . فضرورة الكتابة حول التشكيل عند الأدباء، نتجت عن الرغبة في تغيير أنماط الكتابة الإبداعية في مجالات ثقافية أخرى، كان التشكيل محورها ومحركها، فأصبح بؤرة للإلهام قصد استنباط مشاهد مخيالية على مستوى هذا التفاعل، مما أفرز نصوصا أدبية موازية، استمدت قوتها من جمالية الصورة أو الأيقونة، بينما اختلف الأمر عند الفنانين التشكيليين الذين كانوا مطالبين في فترة معينة من تاريخ التشكيل المغربي، إعادة النظر في كيفية التواصل مع المتلقي في غياب أسس ديداكتيكية، لفهم الميكانيزمات التركيبية للقطعة الفنية، بحكم حداثة هذا المجال كجنس دخيل بالمعايير الغربية، والتي لا ننفي من خلالها ولا نغيب أجناسا تعبيرية فنية مغربية أصيلة، لها علاقة بذاكرة وموروث فني جماعي يكمن في الصناعة التقليدية بكل مشاربها، كسند سوف يصبح فيما بعد، محط بحث وأسئلة وجودية، لها مرجعية مرتبطة بالهوية وإثبات الذات على مستوى الممارسة والكتابة، من طرف الفنانين التشكيليين : (محمد شبعة، محمد القاسمي، نور الدين فاتحي، ابراهيم الحيسن، بنيونس عميروش، عبد الإلاه بوعود، عزام مدكور، محمد خصيف....نموذجا)، لذلك كانت جل كتاباتهم تحيينية قريبة من الطرح العميق للأسئلة الجوهرية في التشكيل المغربي، بحكم اقترابهم من الفضاءات الفيزيائية، وما تحمله من قوة تركيبية، واشتغالهم على المواد التي تحتويها هذه الفضاءات بكل أبعادها، سواء كانت ثنائية بطولها وعرضها، أو ثلاثية بطولها وعرضها وعمقها، أو رباعية بطولها وعرضها وعمقها و حركيتها، لذلك كانت كتابة التشكيليين في غالب الأحيان أقرب بكثير من التحفة الفنية منها لكتابة النقاد والأدباء، فنجد عددا من الإصدارات التي صاحبت العملية الإبداعية منذ جنينيتها لبناء تصور جمالي متكامل، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر : (ممارسة الفن، la Pratique de l›art)،للفنان الإسباني آنطوني طابييس و (من الثورة للنهضة، de la revolte à la renaissance )، للفنان الفرنسي جورج ماتيو و (خمسون سرا سحريا، secrets magique50 ) للفنان الإسباني سلفادور دالي، ثم إصدارات أخرى للفنان الفرنسي ( تيتوس كارميل و جون بيير راينو وغيرهم ). إذن يمكن استخلاص عدة تجارب في الكتابة حول التشكيل، غير أنها تختلف حسب نوعية العمل، وحسب السياق التاريخي الذي تدور في فلكه، لكن دون إغفال الشرط الأساسي عند كتابة كل نص يتعلق بتجربة ما، ألا وهو تاريخ التشكيل العالمي، مع التأويل والمقارنة في هذا الاتجاه، حتى لا نقوم بإسقاطات بعيدة كل البعد عن مناخ ولادة التجارب التشكيلية، وحتى لانسقط كذلك في النحل و التكرار، وبهذا يمكننا أن نؤسس لكتابة نقدية تشكيلية أصيلة محلية متميزة ومرتبطة بثقافتنا وكياننا، مع إمكانية الحوار والتفاعل بل والإضافة لكتابة وتشكيل الآخر الذي نبحث ومازلنا عن اعترافه لإبداعاتنا. المحمدية في 2012/03/25