"في كل الدول هناك مؤسسات مهمتها الحرص على استمرارية الدولة، لأن تغيير الحكومات لا يعني تغيير الدولة، إنها حالة الجيش التركي مثلا". هكذا دافع أول أمس السيد ادريس الضحاك عن دور الأمانة العامة للحكومة عندما كان يقدم ميزانية قطاعه أمام لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب. المعارضة الاتحادية كانت قد وقفت على أن مشروع الإصلاح العميق والجوهري للأمانة العامة لم ينطلق بعد، الإصلاح الذي يعني تجاوز الوضع السيادي والهوية البكماء لهذا القطاع الذي ظل يعتبر نفسه فوق الحكومة، خارج المسؤولية. الإصلاح الذي جعل جزءا من النقاش الدستوري لما بعد 9 مارس 2011 يتوقف عند حقيقة العطب الدستوري الذي ظلت تحمله هذه الأداة المحملة بهاجس الأمن التشريعي والسياسي عوض تبني منطق الاحتراف والمهنية في إطار تطبيع وظيفي لمؤسسة من المفترض خضوعها لمبدأ المساءلة والتراتبية الحكومية تحت سلطة رئيس الحكومة. أسئلة حارقة فضل السيد الأمين العام إعادة إنتاج خطاب الاستعلاء المؤسساتي ومنطق الإدارة الضامنة لاستمرارية الدولة. ضدا على منطوق وروح دستور 2011، أكثر من ذلك تجرأ السيد الضحاك على التساؤل ما إن كان يجب أن تعطى الأمانة العامة لشخص من حزب سياسي أم ضرورة أن تبقى محفوظة ل"شخص موضوعي محايد"، داعيا الى فتح نقاش حول هذه القضية! نعم السيد الأمين العام يدعونا الى مناقشة فضائل التقنوقراط ومزايا "وزارات السيادة"، من داخل الحكومة25 نونبر، حكومة دستور 2011 حكومة مابعد 20 فبراير و9 مارس أمور لا يبدو أنها تهم السيد الضحاك، الذي بدا مطمئنا إلى وثوقية ما قبل كل هذه التواريخ. كما أنه يبدو غير مهتم بحديث خطاب 9 مارس عن مفهوم "الحكومة المنتخبة" ولا بالتنصيص الصريح للفصل الاول من الدستور على كون مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة من مقومات النظام الدستوري للمملكة، ولا باعتبار الفصل السابع الاحزاب السياسية مكلفة بالمشاركة في ممارسة السلطة، ولا بالحديث الصريح للفصل 89 عن ممارسة الحكومة للسلطة التنفيذية، وعن عملها تحت سلطة رئيسها. ما رأي السيد عبد الإله بنكيران في هذه التصريحات التي تنسف بقوة مفهوم الحكومة السياسية ومبدأ المساءلة؟ هل سيقنعنا اليوم أنه احترم التنزيل الدستوري السليم عند تشكيل حكومته، وأنه لم يعد هناك مكان لوزارة السيادة في حكومته وأنه يمارس سلطته التراتبية كاملة على كل وزرائه؟ هل فهم السيد رئيس الحكومة، اليوم، ما أسماه قادة الاتحاد الاشتراكي إبان تشكيله لفريقه بالتنازل الكبير عن ممارسة الصلاحيات التي منحها له الدستور؟ الأمين العام للحكومة يترافع عن منطق التقنوقراط والسيادة، وقبله بيومين المندوب العام للسجون أمام نفس اللجنة وفي نفس المقعد يقول: إنه إدارة وليس حكومة!! عاش التنزيل الدستوري السليم!