ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وجهة نظر .. رسالة إلى الصديق «هيثم مناع»: وماذا بعد أن انكشف المستور؟!

أسفت كثيرا، لأني لم أتمكن من لقائك مع باقي الوفد في زيارتكم للمغرب. ولربما كان هذا اللقاء سيغنيني عن هذه الرسالة، وإن كنت أرى لها فائدة في التعبير عن الغموض، الذي يشعر به بعض المغاربة من الذين يتعاطفون معكم ويناصرون خطكم الوطني والقومي.
وأنت تعلم، أيها الصديق، أني ومع بقية رفاق الأمس، نشعر بوجه خاص، وكأننا خريجو مدرسة فكرية وسياسية واحدة، جمعتنا سويا ولو من الوجهة التاريخية على الأقل. ولهذا، لا غرابة في أن نجد أنفسنا في نفس المنظور القومي والوطني والديمقراطي والذي ما فتئتم تعبرون عنه بصلابتكم ونزاهتكم وتجردكم المعهود فيكم.
ولكي لا يأخذني حديث الماضي بعيدا، أباشر بطرح السؤال الذي شغلني كثيرا وأقلقني أكثر، بعد كل الذي شهده الصراع في سوريا، وعليها من تطورات داخلية وعربية ودولية، وفي ضوء ما أعرفه عن مواقفكم وتصوراتكم.
وبالمناسبة، فقد أتيحت لي الفرصة مؤخرا لأشارك في الندوة التي أقامها بتونس »مركز دراسات الوحدة العربية« بتعاون مع »المعهد السويدي بالأسكندرية«، وأن ألتقي مباشرة، وأستمع من جديد لتحليلاتكم من قبل المناضلين الكبيرين »ميشيل كيلو« و»حسن عبد العظيم«. وفي نفس الشأن السوري، لفت نظري أيضا المداخلة الأخرى والتي تقدم بها الأخ »محمد جمال باروث«، لدقتها في التحليل الاجتماعي والوقائعي للحراك الشعبي ولتطورات الصراع وملابساته العامة.
وما شد اهتمامي حرص المتدخل على تقديم صورة متوازنة وموضوعية لتوزيع القوى الاجتماعية والشعبية بدون نفخ رومانسي وبلا تبخيس مضلل. وكان استخلاصه من وقائع الصراع واحتمالاته، أن لا مخرج آخر لصالح التقدم والوحدة الوطنية سوى باللجوء إلى »المصالحة« أو »التوافق الوطني«.
وبين يدي الآن، وأنا أكتب هذه الرسالة، الندوة المنشورة في إصدار ل »مركز دراسات الوحدة العربية« تحت عنوان »رياح التغيير في الوطن العربي«، وهي تعطينا من جانبها صورة اضافية وتقريبية عما يجري في سوريا. والأهم في ذلك، أنها تؤكد، كما في ندوة تونس، نفس التباينات الواقعة في مواقف الصف التقدمي القومي العربي حيال القضية ومصائرها. هذا فضلا عن العشرات من المقالات والمقابلات من هنا وهناك، وهي على نفس النحو وبنفس الاختلافات...
قصدي من الاستطراد السابق، التأكيد على ما أصبح حقيقة بارزة لا يمكن نكرانها، وهي أن التقدميين العرب، بمن فيهم السوريين، إن كانوا مجمعين على نفس المواقف تقريبا إزاء الثورات الأخرى، في تونس ومصر واليمن والبحرين... وليبيا، وإن كانوا مجمعين على ضرورة التحول الديمقراطي في سوريا، فإنهم يختلفون على طرق إجراء هذا التحول الذي لا ينازعون البثة في أحقيته وحتميته.
أمالماذا هذا التباين في سوريا بالذات؟ فذاك باب آخر، كما يقولون, أجمله توا، في أن سوريا كانت ولازالت وستظل »قلب العروبة النابض« كما أطلق عليها جمال عبد الناصر تلك القولة الجميلة والرائعة والشاهدة على فرادة أدوارها التاريخية العروبية.
وعلي خلفية هذا التباين داخل الصف التقدمي العربي، أطرح السؤال الذي شغلني في الماضي، واستأثربي في الحاضر: إذ ماذا سيكون عليه موقفكم، بعدما انكشف المستور، وبات حجم »المؤامرة« أكبر بكثير، وأضخم فاعلية من قوة وفاعلية الحراك الشعبي الداخلي؟
بعض الإخوة عندنا، وعندكم أيضا، لا يحبون في وصف بعض ما يجري في سوريا »بالمؤامرة«، لأن هذه المصطلح في نظرهم من رواسب العقلية المتأخرة والتي غالبا ما أعاقت وحرفت جهودنا في التصدي لعوامل التخلف الحقيقية والمتجذرة في مجتمعاتنا. والعجب في حال هؤلاء أن عقلهم الرياضي لا يستوعب إلا المعادلة ذات المجهود الواحد: »إما المؤامرة وإما الثورة«!! والمعادلة ذات المجهول الواحد، كما هو معروف في الرياضيات معادلة ابتدائية لتلاميذ الصف الأول. أما ما بعده، فهناك أنواع وأصناف من المعادلات والمجاهيل والاحتمالات. وكما أجبت أحدهم في إحدى الندوات مؤخرا، إذا لم تعجبك كلمة »المؤامرة«، فلا أقل، وأنت الثوري، أن يعجبك مصطلح »الثورة المضادة«، فغير تلك »المؤامرة« بهاته »الثورة المضادة«.. لأن لا ثورة في التاريخ، قديما وحديثا، لم تزاوج في آن واحد بين »الثورة« و»الثورة المضادة«. وهذه الأخيرة في أغلب الثورات، جمعت بين قوى خارجية وداخلية في آن معا. فلنتحدث إذن عن قوى »الثورة المضادة« في سوريا الحبيبة.
في مقالة لك عن »الثورة السورية على مفترق الطرق« تعرضت للعديد من الملابسات التي اكتنفت مسار الحراك الشعبي، و انتفاضته، ومن بينها الدور التخريبي الذي قام به الإعلام والمال السياسي في تحريف مسار الانتفاضة الشعبية. ولضيق المجال، إعذرني على هذه المقاطع المجترءة من المقال، والذي لكثافته، كان بحاجة إلى وقفة تأملية عند كل جملة فيه. وسأضع بين قوسين بعض التعليقات السريعة من عندي، ثم سأعود لجوهر الموضوع:
- وقد بدأت وسائل التواصل الحديثة في أخذ مكان متصاعد على حساب الوقائع الميدانية، حيث لم تلبث أن نجحت في استبدال الصورة الداخلية الواقعية بالصورة الفضائية الانتقائية في العالم الافتراضي (كلام جميل، لكنه في غاية التكلف اللغوي والغموض في القصد، عوض أن يكون بسيطا وواضحا: الإعلام (ووسائل التواصل الحديثة) ضخم الوقائع وشوهها بالكذب، ولعب أدورا مقيتة في توجيه الحراك الشعبي غير وجهته الصحيحة.
. وكان للتهميش (في وسائل الاتصال) المتصاعد لقيادات الداخل الميدانية والسياسية التاريخية، التي لم تنسجم مع الخطاب المطلوب بشكل واضح، أن دعم ألوانا ايديولوجية ومذهبية لم يكن لها أي دور أو أثر في انطلاقة الثورة.
.لاتزال دمشق وحلب خارج سياق الاحتجاجات [دمشق وحلب، فقط؟!]. وأعتقد أن الأمر صار معقداً اليوم، وأكثر صعوبة. فبالإضافة إلى الترتيبات والكثافة الأمنية الهائلة، تعتبر حلب والعاصمة غير مندمجة في الثورة. الأزمة الاقتصادية فيهما ضعيفة نسبة الى المناطق النائية. والتكوين السكاني متعدد الطوائف والمذاهب [ينبغي الوقوف جيداً عند هذه الخاصية في تدقيق طبيعة النظام السياسي، لكنني لا أفهم لماذا تضعها في سياق معيقات الاندماج في الثورة؟!] كما أن لسكان كلتا المدينتين مكاسب محددة، وقطاعات اجتماعية هامة منها، تخاف من غياب الاستقرار حتى ولو كان هذا الاستقرار أشبه، بمستنقع مياه راكدة.
. لقد نجح المال السياسي [لمن هذا المال السياسي؟! ولماذا الصمت عن أصحابه؟] والإعلام في خلق فجوة حقيقية بين مكونات المعارضة السورية (...) واليوم، ونحن أمام تحدي الوحدة البرنامجية و »المؤتمر السوري العام« لكل قوى التغيير الديمقراطي، نبصر التباين المتزايد في وجهات نظر القوى السياسية المعارضة في قضايا مركزية: كالتمثيل المجتمعي والتدخل العسكري الخارجي والعلاقة بين الوطنية والمواطنة والتحالفات الاقليمية والدولية والعلاقة باسرائيل والمقاومة. [ألا تجعلها كل هذه الخلافات في صفوف الثورة المضادة المتخفية بشعار الديمقراطية؟«
مضى على هذه المقالة قرابة ثلاثة أشهر، كانت بمثابة الذروة في الأزمة السورية، فهل مازلنا على المفترق، أم أننا توغلنا بعيداً في الطريق المسدود منه(؟) وبما يسمح لنا، بالتالي، باستخلاص نتائج واضحة غير ملتبسة ولا مترددة.
ما عدنا بحاجة الى التتبث من وجود مؤامرة أو عدم وجودها، ولا من اختلاط الأوراق في الأزمة السورية وفي داخل الحراك الشعبي أيضاً، فالحصيلة العامة التي باتت مكشوفة لدينا جميعاً، أن ما كنتم تخشونه، ونخشاه معكم، من عسكرة »الثورة« على حساب الحراك الشعبي السلمي، قد صار واقعاً درامياً دموياً ملموساً وعلانياً ومحققا؟، بل صار اتجاها عاماً لكافة القوى الخارجية العربية والدولية الراغبة في استدامة »حرب استنزاف طويلة الأمد« للدولة والكيان معاً.
وعلى أساس هذا الواقع الفاقع، أتمنى منك سعة الصدر، وتسامح الرفاق، في ما سأقوله عن بعض الأخطاء التكتيكية في ممارستكم السياسية، والتي ما عاد مآل الصراع وطبيعته يتحملان استمرارها.
أعربتم في الأشواط الأولى للحراك الشعبي عن لاءاتكم الثلاثة: لا للتدخل الخارجي، لا للتسليح والعسكرة، لا للتطييف والتمذهب. وهي مواقف مبدئية في غاية الأهمية الاستراتيجية. ولكن من أين أتى الغموض والالتباس في ممارستكم السياسية؟ أعتقد أنه جاء من تصوركم السياسي العام. ويبدو لي ذلك واضحاً في استعمالكم وتوظيفكم لثلاثة أهداف أدغمتم بعضها في بعض، مع أن كلا منها كان يستوجب تكتيكاً معيناً موصولا به.
تحدثتم عن »التغيير وإقامة النظام الديمقراطي«، وهذا الهدف يمكن أن يتحقق بالإصلاح التدريجي ومع الضغط الشعبي أو بالثورة وإسقاط النظام. وانتقلتم في لحظة ما من المطالبة بإسقاط المنظومة الأمنية الى المطالبة بإسقاط النظام برمته. والإسقاط ليس له من طريق آخر سوى بالحشد الشعبي الثوري الى النهاية. وهذا يتنافى كلية مع ما تدعون إليه من توافق تاريخي بين كافة القوى الديمقراطية الوطنية من داخل السلطة ومن خارجها. مع أن هذا الهدف بدوره يحتوي على غموض إضافي، إذ في أي موقع تضعون رأس النظام وأي دور تحسبونه له في هذا التوافق التاريخي الممكن. وقد لا أجانب الصواب أنكم أخطأتم هنا أيضاً في التقدير. ولربما كان الأرجح لديكم، أن نمو الثورة الشعبية هو وحده الكفيل بهذا الفرز من داخل النظام مستقبلا.
وفي كافة الحالات، ربما تعمدتم أن تتركوا تلك »البياضات التكتيكية« فارغة أو معلقة لحساب الاحتمال الأكبر لديكم، أن تنمو الثورة وتنجح في إسقاط النظام برمته، ومع إمكانية استعمال أياً من الأساليب الأخرى، فقط، في حال الاضطرار إليها.
هذا التشوش في التصور العام أضر كثيراً بتموقعكم وبالمجرى الذي اتخذه الحراك الشعبي، وصب عملياً في طواحين منافسيكم في المجلس الانتقالي وغيره من القوى الخارجية. ولعله كان نابعاً بالضرورة من خلل ما في تشخيصكم لكافة القوى الداخلية والخارجية الفاعلة في الوضع السوري. وسأعطي عن ذلك بعض العناوين المختزلة:
أولا: لم تعيروا الاهتمام المستحق والواجب عليكم لموقع سوريا ودورها في الصراع العربي الاسرائيلي والاقليمي عامة، وما سيترتب عن ذلك من مضاعفات كبرى على موازين الصراع في المنطقة كلها. مع أن هذا الجانب الوطني والقومني والاقليمي كان بإمكانه أن يؤسس لأرضية مشتركة بأفق ديمقراطي، لاشك لدي في أنها ستكون أمتن وأقوى وأوضح من مواقف القوى الممثلة في معارضات المجلس الانتقالي، والتي أصبح العديد من رموزها وقاداتها يعلنون صراحة »صداقتهم« لإسرائيل وعداوتهم للقوى المقاومة لها.
وأنا أعرف جيداً، أنكم لستم من أولئك الذين يستخفون بالمقاومة اللبنانية والفلسطينية، وتدركون جيداً قيمة الدور الاقليمي المساند لها طوال ذاك الزمن العربي والدولي الرديئي، وأمام قوى معادية ومتآمرة، سخرت كل طاقاتها العسكرية والتكنولوجية والمالية والمخابراتية والديبلوماسية في حرب ضروس لم تتوقف يوماً، إما علنية (حرب 2006 و 2008) أو خفية ودائمة.
أنتم لوحدكم، في الوضع السوري الراهن والمنظور، لستم الضمانة الكافية لاستمرار هذا النهج الداعم والمقاوم. ولا أرى في »مصر« بديلا عربياً جاهزاً لتحمل هذا العبء لأسباب عديدة، ومنها السياسة العامة التي اختارتها الحركات الاسلامية في هذا الشأن لسنوات قادمة.
لقد أشرتم في إحدى الفقرات السابقة التي أوردتها من مقالتكم الى اتساع التناقضات بينكم و بين مجلس إسطمبول في قضايا »الوطنية والمواطنة، والعلاقة مع اسرائيل والتحالفات الاقليمية«، وهي قضايا استراتيجية حاسمة وكافية لوحدها، أن تضع حداً لأية إمكانية للتحالف معه. وقد بينت ذلك التجربة الملموسة بعد إفشاله لورقة التفاهم التي عقدتموها معه. لكن تلك القضايا قابلة لأن تجد حلولها الصائبة مع القوى الأخرى التي تدعونها إلى »التسوية التاريخية« الجامعة لشمل الوطن في أفق ديمقراطي.
ثانيا: ترددتم كثيراً في الانضمام الى الحوار الوطني الذي ما انفك النظام يطالب به. وبررتم هذا التردد، إن أخذناه من حيث مضامين التصور السياسي، والامتناع إن أخذناه كموقف عملي، إما بسبب انعدام الثقة في نوايا النظام، وإما لعدم استجابته لشروط الحوار، ومن أهمها، إطلاق سراح كل المعتقلين والكف عن القمع الدموي للمتظاهرين، لا أريد هنا ان ادخل في تفاصيل الحيثية الثانية بما سيخفف على الأقل من اطلاقيتها. كما لا اعتبر مسألة الثقة حجة مقنعة، لأن الثقة في تجارب الصراع السياسي ليست شرطا قبليا، بل تبنى بعديا من خلال دينامية الحوار والاصلاح معا، وليس هناك من وسيلة أخرى غيرها
لكنني أظن أن دوافع أخرى كانت وراء ترددكم في الانضمام الى دعوة الحوار الوطني، ومن بينها، من جهة، خشيتكم من ان تشوه المعارضة الاخرى، بوسائلها الاعلامية ومواردها الضخمة صورتكم لدى الحراك الشعبي الذي بات مشوشا ومقطوع الرأس كما جاء في مقالتك.
ومن جهة ثانية، لا تريدون ان تتركوا مقعد المعارضة خاليا للمجلس الوطني ليستفيد منه لوحده. غير ان للمجلس قوة خارجية كبرى تدعمه، وله استراتيجية بديلة قائمة على عسكرة الانتفاضة وجلب التدخل الخارجي، وقد نجح الى حد كبير في فرض اختياراته الاستراتيجية على الحراك الشعبي الذي اضمحل دوره وبات في حكم الموت البطئ، فماذا بقي اذن للمعارضة الوطنية لتعول عليه؟!
ومن جهة ثالثة، ربما بقي رهانكم على أن، كلما زاد الضغط الخارجي على النظام, ضعف، وبات من الممكن فرض اكبر التنازلات السياسية عليه. الخطورة في هذا الرهان المتبقي، انكم كلما اطلتم التردد، وكلما تراجع الحراك الشعبي لصالح التسلح، تزدادون انتم تعلقا وانتظارا لما ستسفر عنه الضغوطات الخارجية، مع انكم ضد التدخل الخارجي في الاصل ومن حيث المبدأ!!
بهذه الهواجس والتقديرات الخاطئة ما كان متوقعا، بالتالي، سوى رفضكم المتوالي لكل الاصلاحات التي اقدم عليها النظام وآخرها الاستفتاء على الدستور الجديد (لأنه اكثر من دستور معدل) مع انه كان بامكانكم تحسين وتسريع منتوجات تلك الاصلاحات، لو اتخذتم موقفا ايجابيا ونقديا في سيرورة الحوار كما نبه الى ذلك المناضل جميل قدري ممثل جبهة التغيير والتحرير (وهي بالمناسبة جبهة معارضة)
بكل تواضع، وبكل محبة واحترام، اقول، انكم اخطأتم الحساب في تقديراتكم لتماسك النظام ولشعبيته ولقدرته على الصمود أمام هجمة عربية ودولية لم يسبق لها مثيل. ومن بين علامات سوء التقدير هذا، ان الانتفاضة بقيت محصورة في المناطق النائية الاكثر فقرا، وانها لم تشمل معظم المدن، والادهى من ذلك، انكم بخستم دلالات جماهير الضفة الاخرى، فسكان دمشق وحلب مثلا، الذين لم يندمجوا في حراك الانتفاضة (لا تخاف، كما قلتم، من غياب الاستقرار حتى ولو كان هذا الاستقرا اشبه بمستنقع مياه راكدة)، بل هي تتظاهر في المدينتين وفي غيرهما، من اجل الاستقرار ولكن مع الاصلاح ايضا. وهي تشارك بنسبة هامة ومعقولة بالنظر للظروف الأمنية في الاستفتاء على الدستورو تصوت بأغلبية كبيرة لصالحه. هذه الوقائع في الصراع المادي لها دلالاتها وأهميتها. ولا يمكن لاي مناضل ثوري ان يتغافل عنها، ودلالتها في انها لصالح التقدم الديمقراطي وليس العكس. لم يبق امام سورية إلا أحد الاحتمالين لا غير، اما المصالحة والتسوية السياسية الديمقراطية التاريخية. واما الفوضى العارمة، اذا ما نجح مخطط الضغوط الاقتصادية والعمليات المسلحة في مداهما الاستنزافي الاقصى. وبالتالي، لا مكانة بعد للتردد، وانتظار الفواجع، والتملص من المسؤولية الاخلاقية والسياسية وتحميلها للنظام فقط.
ثالثا: لم تأخذوا المسافة والحذر الضروريين في تعويلكم على »الحل العربي«. فما من عاقل ثوري ينتظر من جامعة عربية أعطت اكثر من دليل على عجزها وفشلها وتآمرها في مرات عديدة, ان تكون عادلة وصادقة حيال الازمة السورية. ولا أظن ان من الحق، كمعارضة ثورية، الصمت، عندما تخرق الجامعة ميثاقها واعرافها، حتى ولو كان ذلك يخدم سياسيا، وبوجه ما، مصالح المعارضة.. لأن موقفا من هذا القبيل يشجعها على التمادي في التلاعب بمصالح الشعوب الحقيقية والجوهرية. من يصدق اذن هذه الحمية الثورية التي ظهرت فجأة، وفي غفلة من الزمن، على جامعتنا الموقرة، وكأننا لم نعد امام مجلس للدول والانظمة العربية، بل غدونا امام مجلس لقيادة الثورة العربية وان شئت، امام مجلس ثوري أعلى للسوفياتيات العربية المتحدة!! هكذا، بقدرة قادر، وباستعجال غير مسبوق، وحماس ثوري منقطع النظير، توالت اجراءات الجامعة، من تجميد للعضوية خرقا للميثاق, الى العقوبات الاقتصادية الجائرة، والى التدويل في مجلس الامن لمرتين والجمعية العمومية ومجلس حقوق الانسان، وصولا الى ابداع ملتقى اصدقاء سورية من اجل تسويق الشرعية لمجلس اسطنبول، ومرورا بالغاء تقرير بعثة المراقبين العرب الذي لم يجدوا فيه مصلحة تبرر مخططاتهم، ثم اخيرا، الاعلان صراحة وجهارا عن خيار دعم العصابات المسلحة بكل الوسائل والدخول في حرب استنزاف مكشوفة بعد ان كانت مستورة.
لاشك اذن في ان هذا السلوك من قبل النافذين في الجامعة العربية، الهادف الى اقتناص الفرصة قبل فوات الاوان، ينم عن صراع عربي ودولي يدور حول من سيكون له اليد الطولى في التحكم بمخاض الربيع العربي في المدى القادم، من سيستطيع تغيير موازين القوى وخرائط المنطقة لصالحه. ولا أظن، ان تنافضا بهذا الحجم المصيري، يمكن التعامل معه بعقلية عروبية ضيقة وبحسابات سياسوية اضيق.
وأريد في ختم هذه الرسالة، ان اشدد على أن الازمة في سورية ما عاد بالإمكان عزلها عن التناقضات الدولية الناشئة. ان الموقف الاستثنائي والحازم للدولتين، روسيا والصين، يشير الى بوادر تحول في موازين القوى العالمية في افق الخروج من عصر القطب الواحد نحو توازنات عالمية اخرى.
والازمة السورية اليوم هي المحك الفاصل في هذا التحول، ايجابا أو سلبا، لما سيكون لنتائجها من مضاعفات على التوازنات الاستراتيجية ليس في المجال العربي والاقليمي وحسب، بل وعلى المجال الحيوي لكل من روسيا والصين لاحقا. ولذلك، من واجبنا نحن المناضلين التقدميين العرب أن نأخذ في حساباتنا ومواقفنا هذه الابعاد الدولية الناشئة التي هي في مصلحة قضايانا العربية بالدرجة الاولى.
تلك كانت بعض قضايا الغموض والالتباس، والتي آثرت أن أبوح بها من موقع الاخوة والاحترام و التقدير الكبير لما تبذلونه من تضحيات جسيمة ولما لكم من مواقف جليلة ومبدئية، ولكم مني كل المحبة والمؤازرة الصادقة.
ملاحظة: كتبت هذه الرسالة قبل تعيين كوفي عنان وزيارته لسورية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.